ألم يعلم بأن الله يرى - احترازات كورونا
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى تَضْبِطُ النَّوَازِعَ، وَتُقَوِّي الْوَازِعَ، وَتَكْبَحُ الْجِمَاحَ، وَتَدْعُو إِلَى إِحْسَانِ الْعَمَلِ، وَكَمَالِ الْمُرَاقَبَةِ؛ وَهِيَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾ [العلق: 13]، وَهِيَ بَعْدَ آيَاتٍ فِي سُورَةِ الْعَلَقِ الْمَكِّيَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق:9-13] وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي -زَعَمَ- لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَعِنْدَمَا نَتَدَبَّرُ هَذِهِ الآيَةَ الْعَظِيمَةَ نَجِدُ فِيهَا مِنَ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ وَالْفَوَائِدِ وَالْفَرَائِدِ الْكَثِيرَةِ، وَالَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا:
اسْتِشْعَارُ عَظَمَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ الْمُطَّلِعِ عَلَى خَلْقِهِ، الَّذِي يَرَى جَمِيعَ الْمُبْصَرَاتِ، وَيُبْصِرُ كُلَّ شَيْءٍ وَإِنْ دَقَّ وَصَغُرَ فِي مُلْكِهِ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، فَأَيُّ هَمْسَةٍ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ، وَأَيُّ حَرَكَةٍ فِي عَنَانِ السَّمَاءِ لاَ تَقَعُ وَلاَ تَحْدُثُ إِلاَّ تَحْتَ سَمْعِ وَبَصَرِ الْخَالِقِ جَلَّ شَأْنُهُ؛ يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَيَرَى مَجَارِيَ الْقُوتِ فِي أَعْضَائِهَا، وَجَرَيَانَ الدَّمِ فِي عُرُوقِهَا، وَيُبْصِرُ مَا تَحْتَ الأَرَضِينَ السَّبْعِ كَمَا يُبْصِرُ مَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَيَرَى تَقَلُّبَ الأَجْفَانِ، وَخِيَانَاتِ الأَعْيُنِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: 38]
وَمِنَ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ: إِحْسَانُ الْعَمَلِ للهِ تَعَالَى؛ لِلْفَوْزِ بِأَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَتَحْقِيِقِ أَعْظَمِ الْمَكَاسِبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]، وَإِحْسَانُ الْعَمَلِ يَشْمَلُ الإِخْلاَصَ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ وَلَمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» [رواه مسلم].
فَدَرَجَةُ الإِحْسَانِ هِيَ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ، وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، لاَ يَصِلُهَا إِلاَّ الْخُلَّصُ مِنْ عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 22]،
وَمِنَ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ: إِثْبَاتَ صِفَةِ الرُّؤْيَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
وَأَنَّهُ يُرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 22، 23]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:]، وَعَنْ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾» [رواه مسلم].
وَعَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» [متفق عليه].
يَا مَنْ يَرَى صَفَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهُ *** فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الأَلْيَلِ
وَيَرَى مَنَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا *** وَالْمُخَّ مِنْ تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَّلِ
امْنُنْ عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا *** مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي ظِلِّ هَذَا الْوَبَاءِ الْمُنْتَشِرِ كُورُونَا وَزِيَادَةِ حَالَاتِ الْإِصَابَةِ بِهِ هَذِهِ الْأَيَّامِ ، تَبْرُزُ مُسَلَّمَاتٌ مَتِينَةٌ، وَأُصُولٌ عَظِيمَةٌ فِي دِيِنِ الْمُسْلِمِ أَلاَ وَهِيَ : الْأَخْذُ بِأَسْبَابِ السَّلَامَةِ وَالْوِقَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَةِ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ ؛ وَاَلَّتِي مَنْ أَهَمِّهَا : الِالْتِزَامُ بِالْإِجْرَاءَاتِ الَّتِي تَتَّخِذُهَا الدَّوْلَةُ – حَفِظَهَا اللهُ تَعَالَى - لِمُكافَحَةِ هَذَا الْوَبَاءِ ، وَتَقْلِيصِ أَضْرَارِهِ لِمَا فِي الْتِزَامِهِم بِهَا مِنْ الْآثَارِ الْحَمِيدَةِ وَالنَّتَائِجِ الْـمَرْجُوَّةِ لِمَصْلَحَةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ ؛ لِأَنَّنَا نَلْحَظُ تَهَاوُنًا وَتَقْصِيرًا مِنْ الْبَعْضِ فِي تَطْبِيقِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَهَدْماً لِكُلِّ الْمُكْتَسَبَاتِ الَّتِي تَحَقَّقَتْ فِي التَّصَدِّي لِـجَائِحَةِ كُورُونَا فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ ؛ فَيَنْبَغِي التَّأَكُّدُ وَالتَّأكِيِدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّبَاعُدِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّاتِ، كَمَا هُوَ حَادِثٌ فِي الْمَسَاجِدِ الْآنَ؛ فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اجْتِنَابُ الاجْتِمَاعَاتِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، وَعَدَمُ حُضُورِ غَيْرَ الْضَّرُورِيِّ مِنْهَا، مَعْ مُرَاعَاةِ التَّوْجِيهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ حَولَهَا، وَاسْتِخْدَامِ الْكَمَّامَاتِ ، وَالْقَفَازَاتِ وَالْـمُعَقِّمَاتِ ، وَاصْطِحَابِ السَّجَادَاتِ لِلْمَسَاجِدِ .
فَاتَّقُوُا اللهَ - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم
المرفقات
1612324442_ألم يعلم بأن الله يرى.doc
المشاهدات 1965 | التعليقات 2
وأنت كذلك حبيبنا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق