أربعة أمثال قرآنية.

عاصم بن محمد الغامدي
1444/04/16 - 2022/11/10 17:17PM

الحمد لله خلقنا فسوّانا، وأنعم علينا وهدانا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى الله وسلم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتَّابعين، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فتقوى الله عليها المُعوَّل، وعليكم بما كان عليه السلفُ الصالحُ والصدرُ الأول، سارِعوا إلى مغفرة ربِّكم ومرضاته، وأجيبُوا داعِي ربِّكم إلى دار كرامتِه وجنَّاته.

عباد الله:

هل رأيتم بيت العنكبوت؟

بيتٌ ضعيفٌ لا يقيها بردًا ولا مطرًا، ولا يحميها من عدوٍ، ولا يصرف عنها أذىً، ولذلك ضرب الله سبحانه هذا البيتَ مثلاً لمن يُدعى من دونِه، فهم لا يحمون داعيَهم، ولا يُغنونَ عنه شيئًا، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ‌كَمَثَلِ ‌الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

وفي القرآنِ أكثرُ من أربعينَ مثلاً مباشِرًا، ضَربها اللهُ لعباده؛ ليدركوا بها ما غابَ عنهمْ منَ العلمِ، فهي تقرِّب الفهْمَ، وتوضحُ المعانِي، ومن عَقَلَ هذهِ الأمثالَ فهو من العالِمين، ولذلك كان بعضُ السلفِ يبكي إذا تعذَّر عليه فهمُ مثَلٍ من أمثالِ القرآنِ؛ لقولِه تعالَى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ‌وَمَا ‌يَعْقِلُهَا ‌إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾.

أيها المسلمونَ:

ظنَّ كفارُ قريشٍ أنَّ مكانَهم في مكةَ، وقدرَهُم بين قبائلِ العربِ، وحظوتَهم لا سيَّما في موسِمِ الحجِّ، واختصاصَهم بالسقايةِوالرِّفادةِ يغْنيهم عندَ ربهم شيئًا، وهكذا يظنُّ الكافرونَ في كلِّ زمانٍ أنَّ لهمْ صلةً بأمرٍ، من قرابةٍ أو صحبةٍ أو موقعٍ، ينفعُهم يومَ القيامةِ، أو يجيرُهم من عذابِ الله، أو يشفعُ لهم عندَ ربِّهم، فضرب اللهُ لعبادِهمثلاً، ينبههم فيه على أن صلةَ الكافرِ بالمؤمن لا تنفعُه عند ربِّه، ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ‌كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾، وما كانت خيانة هاتين المرأتين إلا في الدين، فكانت امرأة نوح تطلع على سرّ نوح، فإذا آمن معه أحدٌ أخبرتِالجبابرةَ من قومه به، وأما امرأةُ لوطٍ فكانتْ إذا استضاف أحدًاخبَّرَتْ به أهل المدينة ممن يعمل السوء، فلو كان صارفٌ يصرفُ عنالنارِ والعذابِ، لكانَ أولى الأشياء بذلكَ مكانةُ هاتين المرأتينِ من زوجيهما رسولي رب العالمين، فقطعت الآية طمعَ من ركبَ معصية الله، وخالف أمره، ورجا أن ينفعه صلاحُ غيره من قريبٍ أو أجنبي، ولو كان بينهما في الدنيا أشدَّ الاتصال، فلا اتصالَ فوق اتصال البنوةِ والأبوةِوالزوجية، ولم يغنِ نوحٌ عن ابِنه، ولا إبراهيمُ عن أبيه، ولا نوحٌ ولا لوطٌعن امرأتيهما من الله شيئًا، قال جلَّ جلاله: ﴿‌لَنْ ‌تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا ‌أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا ‌أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا ‌أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا ‌أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، ‌يَا ‌فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا ‌أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا».

عباد الله:

من اللفتات في هذا المثل العظيمِ، أنَّ اللهَ سبحانَه خصَّ نوحًا ولوطًا بوصفِ "عبدين صالحين"، مع أن وصف النبوة أخصُّ من وصفِالصلاحِ، وفي ذلك تعظيمٌ لوصفِ الصلاح، وتفخيمٌ لشأنِ الصالحينَ، وبيان عنايةِ اللهِ سبحانَهُ بهم، وتخويف من أذيتهم.

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين.

الحمدلله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:

فكما أنَّ صلةَ الكافرِ بالمؤمنِ لا تنفعُه في الآخرةِ، فكذلك صلةُ المؤمنِ بالكافرِ لا تضرُّه إذا فارقَهُ في كفرِهِ وعَمَلِهِ، فالمعصيةُ لا تعودُ في الآخرةِ على المؤمنِ المطيعِ، وإنْ وقعَ بسببها ضررٌ عامٌ في الدنيا، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ ‌فِرْعَوْنَ ‌إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، فكان إيمانُها مثلاً لمتانةِ إيمانِ المؤمنينَ، عندما اختارتْ رحِمها اللهُالجارَ قبلَ الدارِ، وقالتْ: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا﴾، وتبرَّأتْ من زوجِها الكافرِ، فلم يضرَّها بعدَ ذلكَ اتصالُها به، وضرَبَ اللهُ مثلاً آخرَ للمؤمنين، نوَّه فيه بقدر التقوى وأهلها ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾، أي: المكثرينَ منَ العبادةِ، ومن تكريمِ اللهِ لهَا أنَّه لم يَذكرِ امرأةً في القرآنِ باسمها سواها.

عباد الله:

هذه أربعة أمثالٍ، مثلان للكافرين، ومثلان للمؤمنين، وقد تكررَ ذكرُمريمَ وامرأتِ لوطٍ في القرآنِ، ولم تُذكَرِ امرأةُ فرعونَ وامرأةُ نوحٍ في غيرِ هذا الموضعِ، كما استوعبت هذه الأمثالُ أصنافَ النساءِ، فذكرتِ المرأةَ الكافرةَ التي لها وُصلةٌ بالرجلِ الصالحِ، والمرأةَ الصالحةَ التي لها وُصْلةٌ بالرجلِ الكافرِ، والمرأةَ العَزَبْ التي ليسَ لها زوجٌ لا مؤمنٌ ولا كافرٌ، فلم تنفعِ الأولى صلتُها، ولم تضرَّ الثانيةَ علاقتُها، ولم يضرَّ عدمُ الوصلةِ الثالثةَ شيئًا، وفي هذا إشارةٌ لكلِّ شخصٍ أن يزكِّي نفسَه، ويزيدَ إيمانه، ويحذرَ من الفسادِ، ويتقِّيَ العذابَ ولوْ بالفعلِ اليسيرِ،قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاح، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلَاثًا، حَتَّى ظَنَّ الصحابةُ رضي الله عنهم أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ ‌وَلَوْ ‌بِشِقِّ ‌تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

ألا فاتَّقُوا اللهَ يا عبادَ اللهِ وكونوا منَ الذينَ يستمعونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسنَه، وقوا أنفسَكُمْ وأهليكُمْ نارًا وقودُها الناسُ والحجارةُ؛ فإنَّ الشقيَّ من حُرِمَ رَحْمَةَ الله -عياذًا بالله-، ثمَّ صلُّوا وسلِّموا على خيرِ البرَايَا، فقدْ أمرَكُمُ اللهُ تعالى بذلكَ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

المرفقات

1668089837_أربعةُ أمثالٍ.docx

1668089837_أربعةُ أمثالٍ للجوال.pdf

1668089837_أربعةُ أمثالٍ.pdf

المشاهدات 923 | التعليقات 0