أَذَى الآَبَارِ المَكْشُوْفَةِ (مختصرة مشكولة)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/07/16 - 2022/02/17 09:04AM

الحَمْدُ للهِ الذِيْ جَعَلَ لَنَا دِيْنًا هُوَ خَيْرُ الأَدْيَانِ، وَأَنْزَلَ لَنَا كِتَابًا هُوَ خَيْرُ الكُتُبِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُوْلاً هُوَ خَيْرُ الرُّسُلِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ دِيْنَنَا عَظِيْمٌ مُتَكَامِلٌ، حَفِظَ لِلْإِنْسَانِ ضَرُوْرَاتِهِ الخَمْسَ، أَلَا وَهِيَ: دِيْنُهُ، وَعَقْلُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ، وَنَفْسُهُ. فَأمَّا حِفْظُ النَّفْسِ فَهُوَ العَجَبُ العُجَابُ، سَوَاءٌ حِفْظُ نَفْسِكَ، أَوْ حِفْظُ نُفُوْسِ الآخَرِيْنَ. وَخُذْ عَجَائِبَ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ:

قَالَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ»([1]). صَحَّحَهُ الأَلْبَانِي. ومَعْنَاهُ مَنْ نَامَ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ عَلَى حَوَافِّهِ جِدَارٌ، فَقَدْ تَصَدَّى لِلْهَلَاكِ، وَصَارَ كَالَّذِي لَا ذِمَّةَ لَهُ. حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ! وَهُوَ تَهْدِيْدٌ شَدِيْدٌ، فِيْ مَنْعِ اضْطِجَاعِ الرَّجُلِ فِي مَوْضِعٍ مَخُوْفٍ، وَهَذَا مِنْ شَفَقَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمَّتِهِ؛ لِكَوْنِهِ كَالْأَبِ، بَلْ أَرْحَمُ([2]).

وَمِنْ عَجَائِبِ المَسَائِلِ التِيْ طَرَحَهَا الفُقَهَاءُ لِحِفْظِ النَّفْسِ أَنَّهُمْ قَالُوْا: لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا عَلَى الْأَرْضِ بِقُرْبِ بِئْرٍ، فَعَثَرَ فِيهِ إنْسَانٌ وَوَقَعَ فَمَاتَ، فَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ([3]).

أيُّهَا المُؤْمِنُونَ: ومِنْ مَحَاسِنِ شَرْعِنَا القَوِيْمِ أَنَّهُ جَعَلَ للْعَمَلِ الذِيْ يَحْفَظُ النَّفْسَ أُجُوْرًا، وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ العَجِيْبَةِ أَنْ جَعَلَ أُجُوْرًا عَدِيْدَةً لِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، مَعَ أَنَّهَا أَدْنَى شُعَبِ الْإِيمَانِ. والمَقْصُوْدُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى: أيْ إِزَالَةُ الْمُؤْذِي عَنِ الْمَارَّةِ، مِنْ شَوْكٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَذَرٍ، أَوْ إِطَارٍ مُنْسَلِخٍ، أوْ حُفْرَةٍ، أَوْ حَيَوانٍ بِطَرِيْقِ السَّيَّارَاتِ.

فَإِلَيْكَ ثَمَانَ فَضَائِلَ لِعَمَلٍ وَاحِدٍ، أَلَا وَهُوَ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ:

·      فَهَلْ تُرِيْدُ أّنْ يَغْفِرَ اللهُ ذُنُوبَكَ؟!

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»([4]). وَهَذا عَجِيْبٌ فِي أَنَّ قَلِيلَ الْخَيْرِ يَحْصُلُ بِهِ كَثِيرُ الْأَجْرِ. وَالأَعْجَبُ أَنَّهُ أَخَّرَ الغُصْنَ فَقَطْ فَأُجِرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَطَعَهُ! وقَوْلُهُ: "فَشَكَرَ اللهُ لَهُ" يقْتضِيْ أَمْرَ الْمُؤمنِينَ بِشُكْرِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِجَمِيْلِ فِعْلِهِ([5]).

·      هَلْ تُرِيْدُ أّنْ تَدْخُلَ الجّنَّةَ بِعَمَلٍ يّسِيْرٍ؟!

قَالَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ (أَيْ يَتَنَعَّمُ بِمَلَاذِهَا) فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ" ([6]).

·      هَلْ تُحِبُّ أنْ تُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ؟!

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ عَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ([7]) أَيْ: أَبْعَدَهَا.

·      أَتُرِيْدُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، دُوْنَ أَنْ تَدْفَعَ رِيَالاً؟!

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِمَاطَتُكَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ([8]). أَيِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ بِسَلَامَةِ مَنْ يَتَأَذَّى، فَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ([9]).

·      هَلْ تَتَمَنَّى أَنْ يَدْفَعَ اللهُ عَنْكَ مَا يَضُرُّكَ وَيَشُقُّ عَلَيْكَ؟!

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ ضارَّ ضَارَّ اللهُ بِهِ. وَمَنْ شاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ"([10]).

قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ سِعْدِي: مَفْهُوْمَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَزَالَ الضَّرَرَ وَالمَشَقَّةَ عَنِ المُسْلِمِ فَإِنَّ اللهَ يَجْلِبُ لَهُ الخَيْرَ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ وَالمَشَاقَّ، جَزَاءً وِفَاقَاً([11]).

·      هَلْ تُرِيْدُ أنْ تَتَعَلَّمَ شَيْئًا تَنْتَفِعُ بِهِ؟!

قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: «اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ»([12])

·      هَلْ تَرَى أْنَّه لَيْسَ لَكَ أَعْمَالٌ تَطَوُّعيةٌ؟!

إِذًا خُذْ هَذَا العَمَلَ التَّطَوُعِيَّ الجَلِيْلَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ] فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا غُصْنُ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ كَانَ يُؤْذِي النَّاسَ فَعَزَلَهُ فَغُفِرَ له". صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَجَوَّدَهُ ابْنُ المُلَقِّنِ([13]).

·      وَالذِيْنَ يُمِيْطُوْنَ الأَذَى عَنْ طَرِيْقِ الْمُسْلِمِينَ هُمْ قُدُوَاتٌ حَسَنَةٌ، تَجْرِيْ لَهُمْ حَسَنَاتُهُمْ.

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، فَمَرَرْنَا بِأَذًى فَنَحَّاهُ عَنِ الطَّرِيقِ، فَرَأَيْتُ مِثْلَهُ فَأَخَذْتُهُ فَنَحَّيْتُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: يَا عَمِّ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئًا فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ أَمَاطَ أَذًى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ تُقُبِّلَتْ مِنْهُ حَسَنَةٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الهَيْثَمِيُّ وَالسُّيُوْطِيُّ وَالأَلْبَانِيُّ([14]).
الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَصَلاةً وَسَلامًا عَلَى النَّبِيِ المُصْطَفَى، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأُجُوْرَ الْكَثِيْرَةَ لِمَنْ أَمَاطَ أَذًى يَسِيْرًا عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فإنَّ أَعْظَمُ مِنْهُ أَجْرًا مَنْ يُبَلِّغ عَنْ حُفْرَةٍ خَطِرَةٍ، أَوْ بِئْرٍ مَهْجُورَةٍ أَوْ مَكْشُوفَةٍ لَيْسَ عَلَيْهَا حَاجِزٌ. وَذَلِكَ عَنْ طَرِيْقِ تَطْبِيْقِ وَزَارَةِ البِيْئَةِ وَالمِيَاهِ وَالزِّرَاعَةِ أَوْ مَوْقِعِهَا الْالِكْتُرُوْنِيِّ، أَوْ بِالِاتِّصَالِ عَلَى 939

مَعَاشِرَ المُسْلِمِيْنَ: أَلَا تَعْجَبُونَ؟! كَيْفَ أَنَّ اللهَ –بِحِكْمَتِهِ- جَعَلَ العَالَمَ بِأَسْرِهِ يَتَعَاطَفُ لِأجْلِ طِفْلٍ اسْمُهُ رَيَّانُ –جَعَلَهُ اللهُ شَفِيْعًا لِوَالِدَيْهِ-، وَنبَّهَنا رَبُّنَا بِلُطْفِهِ لِنَحْذَرَ، وَصَارَ مِنْ آَثَارِ رَيَّانَ خُطْبَةُ اليَوْمِ:

وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيِّ ... يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمٍ ذَكِيِّ

·         فاللهمَ الْطُفْ بِنَا في تَيْسِيْرِ كُلِ عَسِيْرٍ، وَاجْعَلْنَا مِنَ المُعْتَبِرِيْنَ.

·         اللهم احفظْ علينا دينَنا وأنفسَنا وأعراضَنا، وارزقْ نساءَنا مزيدَ التبصرِ بكيدِ متبعي الشهواتِ، الذين يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا.

·         اللهم حسّنْ أخلاقَنا، وباركْ أرزاقَنا واقضِ ديونَنا. واجمعْ شؤونَنا، وأرخِصْ أسعارَنا، وأغزِرْ أمطارَنا، وآمِنْ أوطانَنا. وصُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.

·         اللهم احفظْ ولاةَ أمرِنا وسددهُم، وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطينا، واحفظهم من كلِّ الجهات.

·         اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.



([1])سنن أبي داود (5041)
([2])عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 262) ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2981) والمفاتيح في شرح المصابيح (5/ 145)
([3])البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (8/ 397)
([4])صحيح مسلم (1914)
([5])الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 414) وفتح الباري لابن حجر (5/ 118) وتنوير الحوالك شرح موطأ مالك (1/ 116)
([6])صحيح مسلم (1914)
([7])صحيح مسلم (1007)
([8])سنن أبي داود (5243) ومسند أحمد ط الرسالة (21548) قال الأرناؤوط: حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.
([9])فتح الباري لابن حجر (5/ 114)
([10])سنن الترمذي (1940).
([11])بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط. الرشد (ص: 46)
([12])صحيح مسلم (2618)
([13])صحيح ابن حبان (538) وما بين المعقوفتين لفظ سنن أبي داود (5245). انظر التوضيح لشرح الجامع الصحيح (16/ 13)
([14])المعجم الكبير للطبراني (502) وانظر: مجمع الزوائد (3/ 136) وفيض القدير (6/ 87) وصحيح الجامع (6098)

المرفقات

1645088634_أَذَى الآَبَارِ المَكْشُوْفَةِ.docx

1645088642_أَذَى الآَبَارِ المَكْشُوْفَةِ.pdf

1645088657_للجوال - أَذَى الآَبَارِ المَكْشُوْفَةِ.pdf

المشاهدات 3862 | التعليقات 1

تكتب بماء الذهب