عناصر الخطبة
1/قيام الدول على العلم والقوة 2/قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على التوحيد ونبذ الشرك 3/قصة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب من بلدِته إلى الدِّرعية ولقائه التاريخي بالإمام محمد بن سعود 4/اللقاء التاريخي لتأسيس الدولة السعودية وقيامها على التوحيداقتباس
تحقَّقَ بهذا اللِّقاءِ التّاَريخيِّ قيامُ الدَّولةِ السُّعوديةِ تحتَ شِعارِ: "لا إلهَ إلا اللهُ، مُحمدٌ رَسولُ اللهِ" تُطبِّقُ شَرعَ اللهِ، وتَقتفي سُنَّةَ رسولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وتَأمرُ بالمَعروفِ وتنهى عن المُنكرِ، وتَنشرُ العقيدةَ الصَّحيحةَ، وتُحاربُ البِدعَ المُحدَثةَ. ولقد شَرُفَتْ هذهِ الدَّولةُ بِخدمةِ الحرمينِ الشريفينِ، ولقد أَخَذَتْ على عاتِقِها الاهتمامَ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أمَّا بَعدُ: جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ -تعالى- التي لا تَجدُ لها تبديلاً، ولا تَجدُ لها تَحويلاً أن لا تَقومَ الدُّولُ الإسلاميَّةُ إلا عندما يَجتمعُ العلمُ والقوَّةُ، ولذلكَ عِندَما لمْ يجدْ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِن قَومِه النُّصرةَ لتبليغِ دينِ اللهِ، كانَ يسيرُ في المواسمِ وبينَ القبائلِ، فَيقولُ: "من يؤويني؟ من يَنصرُني؟ حتى أُبلِّغَ رسالةَ ربي، وله الجنَّةُ" حتى التقى بالأنصارِ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ عَلامَ نبايعُكَ؟ قالَ: "تُبايعوني على السَّمعِ والطَّاعةِ في النَشاطِ والكَسلِ، والنَّفقةِ في العُسرِ واليُسرِ، وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ، وأن تقولوا في اللهِ لا تخافوا في اللهِ لومةَ لائمٍ، وعلى أن تَنصروني فتمنعوني إذا قَدمتُ عليكم مما تَمنعونَ منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجَنَّةُ" فقامَتْ بذلكَ دَولةُ الإسلامِ في المدينةِ، ونَالَ الأنصارُ شَرفَ الدُّنيا والآخرةِ.
وإذا نَظرنا إلى دَعوةِ الشَّيخِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الوَهابِ -رَحمَه اللهُ- نرى أنَّه بدأَ بالدَّعوةِ إلى توحيدِ اللهِ -تعالى-، وأنكرَ على النَّاسِ التعلَّقَ بالقُبورِ والأمواتِ والأصنامِ، وتصديقَ الكُهَّانِ والمنجِّمينَ، وعبادةَ الأشجارِ والأحجارِ، وأَعلنَ التَّمسكَ بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأَمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكرِ، وقَطعَ الأشجارَ المُعظَّمةَ في العُيينةِ، وهَدمَ قُبَّةَ زَيدِ بنِ الخَطابِ بمساعدةِ أميرِ البَلدِ عُثمانَ بنِ مُعمَّرٍ.
وحِينَها أرسلَ حاكمُ الأحساءِ إلى عُثمانَ بنِ مُعمَّرٍ كتاباً جاءَ فيه: "إنَّ المُطَوَّعَ الذي عندكَ، قد فَعلَ ما فَعلَ، وقالَ ما قالَ، فإذا وصلَك كتابي فاقتلْه، فإن لم تَقتلْه، قَطعنا خَراجَك الذي عِندَنا في الأحساءِ".
فَضَعُفَ الأميرُ عثمانُ وأمرَ بإخراجِ الشَّيخِ من بلدِه، فخرجَ الشَّيخُ رحمَه اللهُ يمشي على رجليه في أَشدِّ حرِّ الصَّيفِ، وكانَ في مَشيه لا يَفترُ عن ذِكرِ اللهِ، ويَردِّدُ قولَه تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 2-3]، حتى وصلَ للدِّرعيَّةِ، وما أشبَه اليومَ بالبارحةِ، حينَ ذهبتْ خديجةُ -رَضيَ اللهُ عَنهَا- بسيِّدِه وإمامِه وقُدوتِه إلى ورقةَ بنِ نوفلٍ فقالَ: "لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَو مُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ".
فَلمَّا وصلَ الشَّيخُ مَدينةَ الدِّرعيةِ دخلَها وقتَ العصرِ، فنزلَ بيتَ تلميذِه أحمدَ بنِ سُويلمٍ، فَعَلِمَ به خواصُّ أهلِ الدِّرعيةِ، فزاروه خُفيَّةً، ورأوه لا يزالُ على سبيلِ الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- ثابتاً، يدعو إلى اللهِ على بصيرةٍ، ويُقرِّرُ لهم التَّوحيدَ الذي هو أساسُ الدِّينِ، ويبحثُ عمَّن ينصرُه ليُبَلَّغَ دينَ اللهِ -تعالى-، فهابوا أميرَ الدِّرعيَّةِ محمدَ بنَ سعودٍ أن يُكلموه، فأخبروا زوجتَه مُوضي -رحمَها اللهُ-، فأخبرتْ زوجَها بمكانِ الشَّيخِ، وقالتْ له: إن هذا الرَّجلَ سَاقَه اللهُ إليك، وهو غَنيمةٌ؛ فاغتنمْ ما خصَّكَ اللهُ به، فقَبِلَ قولَها.
فقامَ محمدٌ بنُ سعودٍ من فورِه فدخلَ عليه في بيتِ أحمدَ بنِ سُويلمٍ، فسلَّم عليه، ورَحَّبَ به، وأبدى غايةَ الإكرامِ والتَّبجيلِ، وأخبرَه أنه يمنعُه بما يمنعُ به نساءَه وأولادَه، وقالَ للشَّيخِ: أبشرْ ببلادٍ خيرٌ من بلادِك، وأبشرْ بالعِزِّ والمَنَعةِ، فقالَ الشَّيخُ: وأنا أبشُّرُك بالعزِّ والتَّمكينِ؛ وهذه كلمةُ "لا إلهَ إلا اللهُ" من تمسَّكَ بها وعَملَ بها ونصرَها مَلَكَ بها البِلادَ والعِبادَ، وهي كلمةُ التَّوحيدِ، وأولُ ما دعتْ إليه الرُّسلُ من أولِهم إلى آخرِهم، وأنتَ ترى نجداً وأقطارَها أطبقتْ على الشِّركِ والجَهلِ والفُرقةِ وقِتالِ بعضِهم لبعضٍ؛ فأرجو أن تكونَ إماماً يَجتمعُ عليه المسلمونَ وذريَّتَك من بَعدِك.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمُسلمينَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فاستغفروهُ إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي له مَا في السَّمواتِ والأرضِ، (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 26]، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العزيزُ الوَّهابُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه أفضلَ من تَابَ إلى اللهِ وأنابَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ المآبِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بَعدُ: وتحقَّقَ بهذا اللِّقاءِ التّاَريخيِّ قيامُ الدَّولةِ السُّعوديةِ تحتَ شِعارِ: "لا إلهَ إلا اللهُ، مُحمدٌ رَسولُ اللهِ" تُطبِّقُ شَرعَ اللهِ، وتَقتفي سُنَّةَ رسولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وتَأمرُ بالمَعروفِ وتنهى عن المُنكرِ، وتَنشرُ العقيدةَ الصَّحيحةَ، وتُحاربُ البِدعَ المُحدَثةَ، فتحقَّقَ وعدُ اللهِ: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحـج: 40-41].
ولقد شَرُفَتْ هذهِ الدَّولةُ بِخدمةِ الحرمينِ الشريفينِ، ولقد أَخَذَتْ على عاتِقِها الاهتمامَ بقضايا المُسلمينَ، فباركَ اللهُ لها في الأرزاقِ، وتَاقتْ إليها القلوبُ والأشواقُ، وفَرحَ كلُّ مُسلمٍ بِمنارِ التَّوحيدِ الخفَّاقِ.
وليسَ نَذكرُ هذا للتَّباهي والتَّفاخرِ، وإنما للتَّذكيرِ بنِعمةِ الوليِّ القاهرِ، وأنَّ هذا المَقامَ هو مَقامُ تَكليفٍ لا تَشريفٍ، وأنَّ الحِفاظَ على هذا المِيراثِ ليسَ بالأمرِ الخَفيفِ، فهذهِ البلادُ هي قِبلةُ المُسلمينَ، وقد أعزَّنا اللهُ بنُصرةِ الدِّينِ، وإذا ابتغينا العِزةَ في غَيرِه سَقَطنا مع السَّاقطينَ، فَحافظوا على مِيثاقِ تَأسيسِ الإمامينِ.
اللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَينَا الإيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهِ إلَينَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
اللهمَّ اجعل هذا البلدَ آمناً مطمئناً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، وأصلحْ اللهمَّ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتَّبعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفقْ وليَ أمرِنا لهُداكَ، واجعلْ عملَه في رِضاكَ، وارزقْه بطانةً صالحةً تدلُّه على الخيرِ وتحثُه عليه يا سميعَ الدُّعاءِ، اللهمَّ احفظْ بلادَ الحرمينِ من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، واحفظْ اللهمَّ لها أمنَها وإيمانَها، وسِلمَها وإسلامَها، ورغدَ عيشِها وسِعةَ رزقِها وسائرَ بلادِ المُسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ انصر عبادَك وجندَك في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمينَ، ثبتْ اللهمَّ خُطوتَهم، ووحدّْ كلمتَهم، وسددْ رميتَهم، وقوِّ شوكتَهم، وأعلِ رايتَهم، وانصرْهم على عدوِّكَ وعدوِهم يا ربَّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم