عناصر الخطبة
1/ أهمية الشباب للأمة 2/ نصيحة النبي –عليه السلام- لأحد الشباب 3/ الرياضة تشغل الشباب عن المعالي 4/ قصص من شباب السلف 5/ صور من شباب الصحوة اليوماقتباس
إن العناية بالنشء مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمة وتهلك في الهالكين إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا نالوا من شبابها وصغارها، وفي كتاب الله إخبار من أنبياء الله حين توجهوا إلى ربهم بصلاح ذرياتهم من قبل وجودهم ومن بعد مجيئهم، فمن دعاء زكريا -عليه السلام-: (رَبّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)...
أيها المسلمون: زينة الحياة الدنيا، وعدة الزمان بعد الله شباب الإسلام، الناشئون في طاعة ربهم، لا تكاد تعرف لهم نزوة، أو يعهد عليهم صبوة، يستبقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا، ولهم الظل الظليل يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظل المولى -عزّ وجل-.
إن العناية بالنشء مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمة وتهلك في الهالكين إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا نالوا من شبابها وصغارها، وفي كتاب الله إخبار من أنبياء الله حين توجهوا إلى ربهم بصلاح ذرياتهم من قبل وجودهم ومن بعد مجيئهم، فمن دعاء زكريا -عليه السلام-: (رَبّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) [آل عمران:38]. ولا خير في ذرية إن لم تكن طيبة، يقول إبراهيم -عليه السلام-: (وَجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ) [إبراهيم:35]، وفي دعاء آخر له: (رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصَّلوةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) [إبراهيم:40]. وكل صالح من عباد الله يبتهل إلى ربه: (رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى ولِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحاً تَرْضَـاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف: 15].
أيها الأحبة: من الشباب ينشأ العلماء العاملون، والجنود المجاهدون، وفيهم الصناع والمحترفون، إذا صلحوا سعدت بهم أمتهم، وقرت بهم أعين آبائهم وأمهاتهم، وامتد نفعهم وحسنت عاقبتهم: (جَنَّـاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ وَالمَلَـائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلَـامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 23-24].
ولقد رسم النبي -صلى الله عليهم وسلم- فيما رسم منهجًا واضحًا لشباب الأمة المحمدية، ممثلاً في ابن عمه الغلام عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- حيث قال: "يا غلام: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك...". الحديث.
إن أول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة، ورسوخ الإيمان، وصدق التعلق بالله وحده والاعتماد عليه، إن أولها حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها، والتوكل عليه واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، يأتي كل ذلك -أيها الإخوة- ليكون دافعًا للشباب، وهو في فورته وطموحه وتكامل قوته؛ ليكون قوي العزيمة، عالي الهمة.
وإن شباب الإسلام اليوم بحاجة إلى المعرفة التامة بالعزائم من الأمور، والعالي من الهمم، إن قوي العزيمة من الشباب -أيها الشباب- من تكون إرادته تحت سلطان دينه وعقله، ليس عبدًا لشهواته، فتعس عبد الدنيا والدرهم.
أيها الشباب: إن الشهوات والعواطف، وحب الراحة وإيثار اللذات هو الذي يسقط الهمم، ويفتر العزائم، فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن وذكاء العقل، وقوة البصيرة، ولكن قوي الإرادة فيهم، وعالي الهمة فيهم، ونفاذ العزيمة فيهم؛ هو الكامن المتفوق، يجد ما لا يجدون، ويبلغ من المحامد والمراتب ما لا يبلغون.
بعد ذلك أقول -يا شباب-: كم أحزنني وآلمني منظر متكرر لشباب المسلمين وهم يتجمهرون أمام الجامع بين أذان وصلاة المغرب، خارجين من ملعب الكرة، والناس يمرون عليهم خارجين من بيوتهم إلى بيوت الله، وكأن الأمر لا يعنيهم، بل تجدهم في لهو وصفير وضياع وغفلة، عندها تذكرت حال شباب الأمة الصادقين، وعلمت علم اليقين نجاح أعداء الملة في الكيد لشبابنا وإبعادهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها والله المستعان.
أمضى الجسور إلى العلا *** بزماننا كرة القـدم
تحتـل صـدر حياتنـا *** وحديثها في كل فم
وهي الطـريق لمـن يريد *** خميلة فوق القمم
أرأيت أشـهر عندنـا *** من لا عبي كرة القدم
أهمُ أشـد توهجـًَا *** أم نـار بـرق في علم
لهم الجباية والعطـاء *** بلا حـدود والكـرم
لهم المزايا والهبات *** وما تجود به الهمـم
***
النـاس تسهـر عندها *** مبهورة حتـى الصباح
وإذا دعا داعي الجهـاد *** وقال حي على الفـلاح
غط الجميـع بنومهـم *** فوزُ الفريق هو الفـلاح
فوز الفريق هو السبيل *** إلى الحضارة والصلاح
***
كرة القدم..
صـارت أجلّ أمورنا *** وحياتنـا هـذا الزمـن
ما عـاد يشغلنا سواها *** في الخفاء وفـي العلن
أكلت عقـول شبابنـا *** ويهود تجتـاح الـمدن
آهٍ ثم آه، ماذا يراد بشباب الأمة؟! يا شباب: أتدرون من أول من سلّ سيفه في سبيل الله؟! اسمع رعاك الله.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: عن عروة قال: أسلم الزبير ابن ثمان سنين، ونُفخت نفخة من الشيطان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة بيده السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما لك يا زبير، فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك، فدعا له ولسيفه".
يا شباب: على مثل سير هؤلاء فلتكن التربية، فلتكن القدوة، فلتكن الهمة، فليكن الشموخ والاستعلاء.
ذهب الذيـن نحبـهــم *** فعليـك يا دنيـا الســلام
لا تذكري العيـش عنـدي *** فـالعيش بـعدهـم حرام
إنـي رضـيع وصـالهـم *** والطفل يؤلمـه الفــطـام
يا شباب: ما كان يشغل بال ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو صبي ابن عشر سنين إلا معرفة كيفية قيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعد يومًا وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الليل فدعا له: "اللهم فقهه في الدين"، وصار بهذا الدعاء -الذي ناله وهو صبي- حبر الأمة وترجمان القرآن.
ويا شباب الإسلام: يقول سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: "لقد شهدت بدرًا وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي.
وقد كان سعد من السابقين إلى الإسلام، وقد كان قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل -لعنه الله- على يد غلامين من الأنصار.
وتذكروا -يا شباب الإسلام- ما فعله محمد بن القاسم الثقفي ابن السابعة عشرة من العمر الذي فتح بلاد الهند والسند:
ساس الجيوشَ لسبع عشرة حجة *** ولداته عن ذاك في انشـغال
فغدت بهم أهواؤهم وسـمت به *** همم الملوك وسورة الأبطال
وهذا عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، ابن الخليفة، رحم الله تلك العظام، كان نعم المعين لوالده على مرضاة الله، وعلى تحمل هموم الأمة وتبعات الخلافة؛ ذكر الآجري -رحمه الله- في كتاب فضائل عمر بن عبد العزيز أن عمر لما دفن سليمان بن عبد الملك خطب الناس ونزل ثم ذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين: من لك أن تعيش إلى الظهر؟! قال: ادن مني أي بني، فدنا منه والتزمه، وقبل بين عينيه، وقال: "الحمد الله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني". فخرج ولم يقِل.
جمع عمر بن عبد العزيز قراء أهل الشام وفيهم أبو زكريا الخزاعي فقال: "إني جمعتكم لأمر قد أهمني، هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي -يعني بذلك عطايا لأهل بيته قد أعطيت لهم من أبناء عمه من الخلفاء قبله-. يقول -رحمه الله-: قد أهمتني هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، ما ترون فيها؟! قالوا: ما نرى وزرها إلا على من غصبها، قال: فقال لعبد الملك ابنه: ما ترى أي بني؟! قال: ما أرى من قدر على أن يردها فلم يردها والذي اغتصبها إلا سواء. فقال: صدقت أي بني، ثم قال: "الحمد الله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي، عبد الملك ابني".
هذا العابد الرباني مات وعمره تسعة عشر عامًا، مات شابًا في زهرة شبابه؛ قال ابن رجب -رحمه الله-: "لقد كان -رحمه الله- مع حداثة سنه مجتهدًا في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكُّنه منها راغبًا عنها، مؤثرًا للزهادة، فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من أبناء جنسه أسوة، لعل أحدًا كريمًا من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة. أيضًا ففي ذكر مثل أخبار هذا السيد الجليل مع سنه، توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطّال، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا وهو إليها ميال".
بارك الله لي ولكم في كتابه العظيم، وجعلنا الله وإياكم من أهل القرآن العاملين، إنه جواد كريم بر رؤوف رحيم، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
يا شباب الإسلام: اعلموا أنكم في زمن فتنة وبلاء، واعلموا أن بعض الآباء قد شغلوا عنكم، بل ربما أعانوكم على الوقوع في الفتنة والحرام، ولكن اعلم -رعاك الله- أن عليك مسؤولية عظيمة، فنحن نعيش في زمن سُلبت فيه أغلى المقدسات، وتسلط فيه الأعداء، فمتى يفيق النائمون؟! وهل بقي شيء من الذل لم نتجرعه على أيدي إخوان القردة والخنازير؟! وا لهفي على الأرض المباركة وعلى الأقصى السليب في الوقت الذي تدك الدبابات أرض الإسراء والمعراج صباح مساء، ويعاني إخواننا في الدين هناك أشد ألوان الحصار والبلاء، ويتسارع الأطفال العزل من السلاح لمقارعة اليهود بكل بسالة وتضحية وفداء، أخرج من بيتي فأرى بين الأحياء فئامًا من شباب الأمة يسهرون على المنكرات والعبث واللهو، فيا لجراحات المسلمين، وعلى قدر حال شباب الأمة توزن الأحوال، والله المستعان.
يا شباب الإسلام: أدهى من ذلك وأمر ما كنا لنصدق لو لا أنها حقائق، أن من أحفاد العظماء النجباء من وقع في حبائل وشباك المخدرات، فلا تسل بعد ذلك عن ضياع الدين والعقل والمروءة والحياء.
يا شباب: مازلت متفائلاً، وسأظل متفائلاً مهما عظم كيد الأعداء، فالجبار -جل جلاله- يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِلْحَقّ عَلَى الْبَـاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء:18]، (وَمَا كَـيْدُ الْكَـافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـالٍ) [غافر:25]. نعم، من آلامنا تبزغ آمالنا، والرجال تصنعهم المحن، وابتسامة الفجر الوليد تبزغ من أشد ظلمة في الدياجي.
يا شباب: أعرف بعض إخوانكم من شباب هذا العصر ممن جرفه تيار الشهوات، لكنه استفاق سريعًا يوم أن سمع صوت النذير، ويوم أن رأى وسمع بواقع أمته الجريحة، فما أحوج الأمة اليوم إلى نهضة شبابها، ما أحوج الأمة إلى المجاهدين الصادقين والعلماء المخلصين والدعاة المتجردين.
نعم -أيها الشباب-، استيقظ هؤلاء الشباب واستيقنوا بما يكاد لهم وما يخطط لتغييبهم عن دينهم وواقع أمتهم الجريحة، انتبه أولئك الأبطال فغاروا لمحارم الله وغاروا لأعراض المسلمين، فعادوا إلى حيث الأصل، إلى الراحة والطمأنينة، إلى العزة والشموخ، وسبحان ربي، إن الإيمان يصنع الرجال ويسمو بهم صعدًا، منهم من أوقف حياته في سبيل الدعوة إلى الله يجوب الأرض شرقًا وغربًا، ومنهم من فتح الله عليه علمًا وفضلاً، فنفع الله به البلاد والعباد، ومنهم من نفر للجهاد في سبيل الله، فسطروا على أرض الشيشان وكشمير وغيرها صورًا عظيمة وجميلة للتضحية والفداء، وتلك الأشبال من أولئك الأسود، وليس ذلك بغريب على أمة الجهاد والإٍيمان.
أعرف من قتل منهم وهو يودع الدنيا بابتسامة عريضة جميلة، ظلت على محياه آية وعبرة وكرامة، وأعرف من ودّع الدنيا منهم في عز شبابه في التاسعة عشرة من عمره، والنور يشع من وجهه، وإصبع اليد المسبحة يشهد لله بالوحدانية، فيجد أخوه بجانبه ورقة من المصحف فيقرؤها فإذا فيها قوله تعالى: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90]. إي والله إنها حقائق، فسبحان من عظم كرمه وجوده أن يحيط به الخلائق، وسبحان من يُرِي عباده عجائب قدرته، وغير ذلك كثير وكثير.
إنهم فتية الإسلام:
وقفوا على هام الزمـان رجـالاً *** يتوثبـون تـطلعًا ونضالاً
وحي السماء يجيش في أعماقهـم *** ونداؤه من فوقهم يتعالـى
باعوا النفوس لربهم واستمسكـوا *** بكتابه واستقبلوا الأهـوالَ
في وقدة الصحـراء في فلواتهـا *** حملوا تكاليف الجهاد ثقالاً
تُشوى على رمضائهـا أجسامهم *** لكنهـم لا يعرفون محالاً
يا شباب: تذكروا قول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم".
وعن حفصة بنت سيرين قالت: "يا معشر الشباب: اعملوا فإني رأيت العمل في الشباب".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم