عناصر الخطبة
1/ نعت المولى تبارك وتعالى بصفات الجلال والكمال والقداسة 2/ وجوب التجاء صاحب كل حاجة إليه سبحانهاقتباس
يا من مددت يدك إلى الصغير والكبير، وسألت الأمير والخفير، أمدد يدك واسأل الغني الكبير، واهتف: يا الله! وادع بدعاء رسول الله: "اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغنني من الفقر"..
الحمد لله رب العالمين، يا رب! عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت؛ في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لا إله إلا أنت؛ وأشهد ألا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
أيها الموحدون: السماء بغير عَمَدٍ ترونها، مَن رفعها؟ الجبال مَن نصبها؟ الأرض مَن سطَحَها؟ الطبيب من أرداهُ وهو يعالج مرضاه؟ المريض قد يُئس منه من عافاه؟ الصحيحُ مَن بالمنايا دهاه؟ والبصير في الحفرة من أهواه؟ والأعمى في الزحام من يقود خُطاه؟ الجنينُ في ظلمات ثلاث من يرعاه؟ الوليد من أبكاه؟ الثعبان من أحياه والسُم يملأ فاه؟.
الشهد من حلَّاه؟ اللبن مَن بين فرْث ودمٍ من صفَّاه؟ الهواءُ تحسه الأيدي ولا تراه، من أخفاه؟ النَّبْتُ في الصحراء من أرباه؟ والبدرُ من أتمه وأسراه؟ النخلُ من شَق نواه؟ الجبل من أرساه؟ الصخرُ من فَجَّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ البحر من أطغاه؟ الليل من حاكَ دُجاه؟ النهار من جلاه؟.
والصبح من أسفره وصاغ ضُحاه؟ النوم من جعلهُ وفاةً واليقظة منه بعثًا وحياة؟ العقلُ من منحه وأعطاه؟ النحل من هداه؟ الطير في جو السماء من أمسكه ورعاه؟ وفى أوكاره من غَذَّاهُ ونمَّاه؟ الظالمُ من يُمْهِلُهُ؟ والمظلوم من ينصره؟ والجبارُ من يقصمه؟ والمضطرُّ من يُجيبهُ؟ والملهوف من يُغيثه؟ والضالُّ من يَهْدِيه؟ والمسافرُ من يَصحبُهُ؟ والحيران من يُرْشِدُهُ؟ والعاري من يكسوه؟ والفقير من يُغنيه؟ والغَنيّ من يُفْقِرُه؟.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقدوتنا محمداً رسول الله، قال وهو يوصي عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف".
صلوات ربي وتسليماته وبركاته عليك يا رسول الله، وعلى آلك الطيبين، وأصحابك الغر الميامين، وأزواجك أمهات المؤمنين، وعلى الشهداء والمجاهدين.
أما بعد: فيا إخوة الإسلام وأشقاء العقيدة، حديثي معكم اليوم عن الله، الجليلِ العظيم، الملكِ العزيز الحكيم، (وَهُوَ الَّذِى في السَّماء إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف:84]، (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:70]، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية:37].
الله! الله! الله! ما أعذب الكلمة! و ما أحسن الاسم! و ما أجلّ المسمى! الله! الله! الله! كلمة حلوة في النطق، عذبة في السمع، حبيبة إلى القلب، قريبة من النفس، ساكنة في الوجدان ، منقوشة في الفؤاد، محفورة في الضمير، ممتزجة بالدماء.
إلهُ العالمينَ وكُلِّ أرضٍ *** وربُّ الراسياتِ مِن الجبالِ
بَنَاها وابتنى سَبعاً شِداداً *** بِلا عَمَدٍ يُرَيْنَ ولا رجالِ
وسَوَّاها وزينها بِنورٍ *** مِن الشمسِ المضيئةِ والهلالِ
ومن شُهُبٍ تلألأُ في دُجاها *** مَراميها أشَدُّ من النِّصالِ
وشَقَّ الأرضَ فانبجستْ عيُوناً *** وأنهاراً من العَذْبِ الزلالِ
وبَاركَ في نواحيها وزَكّى *** بها مَا كَان من حَرْثٍ ومالِ
(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]. إذا اضطرب البحر وهاج الموج وهبت الرياح العاصف، نادى أصحاب السفينة: يا الله! يا الله! يا الله! إذا ضل الحادي في الصحراء، ومال الركب عن الطريق، وحارت القافلة في السير، نادوا: يا الله! يا الله! يا الله! إذا وقعت المصائب، وحلت النكبات، وجثمت الكوارث، نادى المصاب المنكوب: يا الله! يا الله! يا الله! إذا أوصدت الأبواب أمام الطالبين، وأسدلت الستور في وجوه السائلين، صاحوا: يا الله! يا الله! يا الله! إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادوا: يا يا الله! يا الله! يا الله! إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت، فاهتف وقل: يا الله! يا الله! يا الله!.
وَلَقَدْ ذكرتُكَ والخطوبُ كَوَالِحٌ *** سُودٌ ووجْهُ الدَّهْرِ أَغْبَرُ قَاتِمُ
فَهَتَفْتُ في الأَسْحَارِ باسْمِكَ صَارِخَاً *** فِإِذا مُحَيَّا كُلِّ فَجْرٍ بَاسِمُ
إليه يصعد الكلم الطيب، والدعاء الخالص، والهتاف الصادق، والدمع البريء، والتفجُّع الواله؛
إليه تُمد الأكف في الأسحار، والأيادي في الحاجات، والأعين في الملمات، والأسئلة في الحوادث.
باسمه تشدو وتستغيث وتلهج وتنادي الألسن، وبذكره تطمئن القلوب، وتسكن الأرواح، وتهدأ المشاعر، وتبرد الأعصاب، ويثوب الرشد، ويستقر اليقين، (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) [الشورى:19].
الله: أحسنُ الأسماء، وأجمل الحروف، وأصدق العبارات، وأثمن الكلمات، (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيَّا) [مريم:65].
الله: له الغِنى والبقاء، والقوة والنصرة، والعز والقدرة والحكمة، (لِمَن الملْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16].
الله: صاحب اللطف والعناية، والغوث والمدد، والود والإحسان، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل:53].
الله: ذو الجلال والعظمة، والهيبة والجبروت،
مَهْمَا رَسَمْنَا فِي جَلَالِكَ أَحْرُفَاً *** قُدْسِيَّةً تَشْدُو بِهَا الأَرْوَاحُ
فَلَأَنْتَ أَعْظَمُ، وَالمَعَاني كُلُّها *** يَا ربّ عِندَ جَلالِكُمْ تَنْدَاحُ
يا الله! ما عرفناك حق معرفتك، وما عبدناك حق عبادتك، وما قدرناك حق قدرك، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]، (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)!.
جاء حبر من أحبار يهود إلى الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله -عز وجل- يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثَّرَى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك.
فضحك الحبيب -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه؛ تصديقاً لقول هذا الحبر، ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَلاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].
روى أبو داود أنّ الله يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ أنا الملك، أنا الملك، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين السبع، ثم يأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ أنا الملك، أنا الملك، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ فسبحانك يا ربنا ما أعظمك! وما أحلمك على من عصاك! سبحانك! ما عظّمناك حق عظمتك، وما عرفناك حق معرفتك.
لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبُوا غيره، ولو عرِف الفقراء غنى الربِ -سبحانه- ما رجوا سواه، فسبحانه جلّ في علاه، هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين.
أمامَ بابِكَ كُلُّ الخَلْقِ قَدْ وَقَفُوا *** وَهُمْ يُنادونَ: يا فتَّاحُ يا صَمَدُ
فأنتَ وحدَك تُعطي السائلينَ وَلَا *** تردُّ عنْ بابِكَ المقصودِ مَن قَصَدُوا
والخيرُ عندَكَ مَبْذُولٌ لِطَالِبِهِ *** حتَّى لِمَنْ كَفَرُوا، حتَّى لِمَنْ جَحَدُوا
إنْ أنتَ يا ربّ لم ترحمْ ضراعتَهُمْ *** فليسَ يرحمُهُمْ مِن بينِهِم أَحَدُ
من علّق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزُب عن نظره عازب، (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس:61].
إِليكَ وَإِلَّا لا تُشَدُّ الرَّكَائِبُ *** وَمِنكَ وَإِلَّا فَالمؤمِّلُ خَائِبُ
وَفِيكَ وَإِلَّا فَالغَرَامُ مُضَيَّعٌ *** وَعَنْكَ وَإِلَّا فالْمُحَدِّثُ كَاذِبُ
سبحانه كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع قوماً، يحيِ ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي مريضاً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه كل يوم هو في شأن.
سمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هادياً مهدياً، أزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، وشق القمر لمحمد، ونجى هوداً وأهلك قومه، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
إنه الله ذو العظمة والكبرياء، (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا *وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَلأُنثَى *مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى *وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى *وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى *وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى *وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى *وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى *وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى *وَلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى *فَغَشَّهَا مَا غَشَّى *فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبّكَ تَتَمَارَى) [النجم:43-55].
إنه الله الرحيم الودود، من تقرب منه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب من باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فبابه مفتوح ولكن من الذي يدخل؟!.
من أقبل عليه تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق المزيد،
أهل ذكره هم أهل مجالسته، وأهل شكره هم أهل زيادته، وأهل طاعته هم أهل كرامته، وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته، إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو رحيم بهم، يبتليهم بالمصائب ليرجعوا إليه، الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم عليها واستغفر غفَرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل: (قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، ففروا إلى الله، وكونوا مع الله، واهتفوا: يا الله!.
مَعَ اللهِ في القلبِ لمّا انكسَرْ *** معَ اللهِ في الدَّمعِ لما انهمَرْ
مع اللهِ في التَّوبِ رغمَ الهوَى *** مع اللهِ في الذَّنْبِ لما استَتَرْ
مع اللهِ في الرُّوحِ فوقَ السَّما *** مع اللهِ في الجسمِ لما عثَرْ
يُنادي يناجي: أيا خالقي *** عثرتُ، زللتُ، فأين المفرّْ؟!
مع اللهِ في نسماتِ الصباحِ *** وعندَ المسا في ظلالِ القمرْ
مع اللهِ في يقْظةٍ في البكورِ *** مع اللهِ في النَّوْمِ بعدَ السهَرْ
مع اللهِ فَجْرَاً، مع الله ظُهْرَاً *** مع الله عَصْرَاً، وعند السَّحَرْ
مع اللهِ سِرَّاً، مع اللهِ جهْرَاً *** وحين نَجِدُّ، وحين السَّمَرْ
مع اللهِ عند رجوع الغريبِ *** ولُقيا الأحبَّةِ بعد السَّفَرْ
مع اللهِ في عَبْرةِ النادمين *** مع الله في العَبَرات الأُخَرْ
تبوح وتُخبر عن سرِّها *** وفي طُهرها يَستحمُّ القمرْ
مع اللهِ في جارياتِ الرياحِ *** تثيرُ السَّحابَ فيَهمِي المطرْ
فتصحو الحياةُ، ويربُو النباتُ *** وتزْهُو الزهورُ، ويحلو الثمرْ
مع اللهِ في الجُرحِ لما انْمَحَى *** معَ اللهِ في العَظْمِ لما انجَبَرْ
مع اللهِ في الكربِ لما انْجَلَى *** معَ اللهِ في الهمِّ لَمَّا انْدَثَرْ
مع اللهِ في سَكَناتِ الفؤا *** دِ وتسليمهِ بالقضا والقدَرْ
مع الله في عَزَماتِ الجِها *** دِ تقودُ الأسودَ إلى مَن كَفَرْ
مع اللهِ عند الْتحامِ الصُّفُو *** فِ وعند الثباتِ، وبعد الظَفَرْ
مع اللهِ حينَ يثورُ الضمي *** رُ وتصحو البصيرةُ، يصحو البصرْ
وعند الركوعِ، وعند الخشو *** عِ وعند الصَّفا حين تُتلى السُّوَرْ
مع اللهِ قبلَ انبثاقِ الحيا *** ةِ وبعدَ المماتِ، وتحتَ الحُفَرْ
مع اللهِ حينَ نجوزُ الصرا *** طَ نلوذُ، نعوذ به من سَقَرْ
مع اللهِ في سِدْرَةِ المنْتَهَى *** مع اللهِ حين يَطيبُ النظرْ
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسول صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله: أيها الإخوة المؤمنون: إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحِيَل نادى المنادي: يا الله! لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. فيفرج الهم، وينفس الكرب، ويزيل الصعب، (فَسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]، (وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [النحل:53].
أيها المريض: إذا اشتد بك المرض، وضعف جسمك، وشحب لونك، وقلّت حيلتك، وضعفت وسيلتك، وعجز طبيبك، وحار مداويك، وجزعت نفسك، ورجفت يدك، ووجف قلبك، فاطَّرِح أيها المريض، واتجه أيها العليل، إلى العلي الجليل، واهتف: يا الله! يا الله! يا الله! فإذا علم الله صدق هتافك، سمع دعاءك، وأزال داءك، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَبِدِينَ) [الأنبياء:83-84].
أيها الشاب العاجز عن الزواج: يا من شكوت عجزك على العدو والصديق، والقريب والبعيد، اُشْكُ عجزك إلى الحميد المجيد، واهتف: يا الله!.
أيها الباحث عن وظيفة: يا من طرقت كل باب، ولجأت إلى الأصحاب، ولهثت وراء السراب، عد إلى رب الأرباب، واهتف: يا الله!.
أيها المسكين الفقير: يا من مددت يدك إلى الصغير والكبير، وسألت الأمير والخفير، أمدد يدك واسأل الغني الكبير، واهتف: يا الله! وادع بدعاء رسول الله: "اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغنني من الفقر".
أيها المحروم من الذرية: يا من لجأت إلى كل حكيم، الجأ إلى الحكيم العليم، كما فعل زكريا، عندما حرم من الذرية فهتف: يا الله! قال بعض السلف: قام زكريا من الليل، فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضرًا عنده، فخافته، فقال: يا رب! يا رب! يا رب! فقال الله: لبيك، لبيك، لبيك.
(كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً * يازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) [مريم:1-7].
أيها المظلوم: يا من نهب ماله، واغتصبت أرضه، وهُتك عرضه، يا مَن سجن ظلماً، وضرب جوراً، وحرم حقاً؛ يا من انقطعت به السبل، وقلت عنده الحيل، وضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ ارفع يديك واهتف: يا الله! يا الله! (قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَتِ الْبَرّ وَلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام:63-64].
أيها المجاهدون: في فلسطين، وفي العراق، وفي الشيشان، وفي كشمير، وفي الفلبين، وفي كل مكان، يا من قل ناصركم، وخذلكم إخوانكم، وفرط فيكم زعماؤكم، ليس لكم ناصر إلا الله، فاهتفوا: يا الله! يا الله! يا الله!.
أما طاف الأحزاب بالمدينة، وهم عشرة آلاف، والمسلمون ثلاثة آلاف؟ أما بلغت حين ذلك القلوب الحناجر، وظن المنافقون بالله الظنونا؟ فنادى الحبيب محمد وصحبه وهتفوا: يا الله! فأرسل الله الريح فاقتلعت الخيام، وكفأت القدور، وإذا بالجيش يرتحل من غير نزال ولا قتال!.
أمَا نزل التتار حول دمشق، فطوقوها كما يطوق اللجام رأس الفرس، فما خرج إليهم جيش، ولا احتشدت أمامهم حشود الجنود، ولكن هتف أهل دمشق: يا الله! يا الله! يا الله! فأنزل الله الجليد، وكثر عليهم الثلج، وكأنما يقول لهم: لا مقام لكم فارجعوا!.
أيها الأسرى والمعتقلون: يا من سجنتم ظلماً وعدواناً في جوانتنامو، وفي العراق، وفي سجون اليهود،
يا من تبرأ منكم القريب والصديق، وما نقموا منكم إلا أنكم آمنتم بالله العزيز الحميد، اهتفوا بالقريب المجيب، ونادوا: يا الله! يا الله! يا الله! وادعوا: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم". وكأني بهم يردون عليَّ قائلين:
أَخي إِنَّنا ما أسأنا الظُّنُونْ *** بِوعدِ الإلهِ القويِّ المتينْ
وَمَا زادَنا القيدُ إلا ثَباتاً *** وما زادَنا السجْنُ إلَّا يقينْ
وَمَا زاد تعذيبُ إخوانِنا *** وقتلُ الدعاةِ ولو بالمئين
سِوى رفعِ رايةِ إيمانِنا *** وإظهارِ توحيدِ حَقٍّ ودِينْ
سَنَسْقِي غراسَكَ توحيدَنَا *** بِبَذْلِ الدماءِ وقطعِ الوَتينْ
ونُعلي لواءَكَ إسلامَنَا *** بِهامِ الرِّجَالِ وصَبْرٍ متينْ
لِتظهرَ رغمَ أنوفِ الطُّغا *** ةِ وَتَعْلُو وتُنشرُ في العالَمِينْ
وَلَنْ ننثني عَن جِهادِ الطُّغَا *** ةِ ولنْ نَنْحَرِفْ عنْ سبيلِ الأمينْ
فما دامَ نورُ الإلهِ المبينْ *** يَشِعُّ بِأفئدةِ المؤْمِنِينْ
فلنْ نخذُلَ الحقَّ مهْما لَقِي *** نا ولَنْ نَضْعفَنَّ ولنْ نَسْتَكِينْ
ولن ننحرفْ عنْ طريقِ الكفاحْ *** ولَنْ نَتَضَرَّرَ بالمرجِفِينْ
سنمضِي على الدربِ رغْمَ الجِرا *** حِ ورغمَ الدماءِ ورغمَ الأنينْ
لنا أسوةٌ في رجالٍ مضَوا *** على الدربِ كانوا به شامخينْ
فريقٌ قضَى وفريقٌ مقي *** مٌ وما بدّلوا بل بقُوا ثابتينْ
ونحنُ على إثْرِهم سَائرو *** نَ بِعون الإلهِ لنصْرةِ دِينْ
فهذي الطريقُ طريقُ الأُبا *** ةِ وهذي معالمُ دِينٍ مَتين
وَمَنْ رامَ حقَّاً دُخُولَ الجِنَا *** نِ وَشَاءَ العِناقَ لحُورٍ وعِينْ
فلا بُدَّ مِن تبِعَاتِ الطَّري *** قِ ولا بُدَّ مِن بَذْلِ مَهْرٍ ثَمِينْ
أيها المؤمنون الأعزاء: ارفعوا أكف الضراعة، والجئوا إلى الله، ونادوا: يا الله! يا الله! يا الله! يا سابغ النعم، ويا دافع النقم، ويا فارج الهم، ويا كاشف الغم، ويا أعدل مَن حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم.
يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور؛ يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار.
كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا؛ فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا؛ اقذف في قلوبنا رجاءك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك، حتى لا نرجو أحدا غيرك.
اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا، حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا؛ اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا، اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا، احرسنا بعينك التي لا تنام، وبركنك الذي لا يرام، يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا.
يا رب البيت العتيق، اكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق، وما لا نطيق؛ اللهم فرِّج عنا وعن المسلمين كلَّ همٍّ وغمٍّ، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب.
يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوة المضطر، يا سامعا لكل نجوى، احفظ إيمان وأمن بلادنا.
اللهم يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية؛ يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين، ندعوك دعاء من اشدت فاقته، وضعفت قوته، وقلت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت.
يا أرحم الراحمين! اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان، يا سامعا لكل شكوى! أعن المساكين والمستضعفين، وارحم النساء الثكالى، والأطفال اليتامى، وذي الشيبة الكبير، إنك على كل شيء قدير.
يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم