عناصر الخطبة
1/ المؤمنون إخوة أرباب حقوق 2/ الجرحُ النازف في ميانمار 3/ لماذا السكوت؟! 4/ وإن استنصروكم فعليكم النصراقتباس
إن ما يتعرض له إخواننا في ولاية أراكان في جمهورية الميانمار من اعتداءات وحشية، وأعمال إرهابية، يتعرضون لأشد أنواع البطش التي تخالف القوانين الدولية، وتخالف المبادئ الأخلاقية والإنسانية. وقد رأيتم الصور على الشاشات، ما لا يستطيع أن يصفه كلمي، فليس الخبر كالمعاينة، جثث متفحمة أحرقها المشركون البوذيون، دمروا أربعة آلاف وستمائة بيت، شردوا نحو ستة وعشرين ألفًا وخمسمائة شخص أغلبهم مسلمون...
الخطبة الأولى:
معشر المؤمنين: يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، ويقول -جل ذكره-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].
في الآية الأولى يبيّن الله تعالى أن المؤمنين إخوة، وأن أخوَّةَ الدين أعظمُ وأوجب وأقوى من إخوة النسب، ولهذا قال: (إِنَّمَا) للحصر، أي لا أخوة إلا بين المؤمنين، وأما بين المؤمن والكافر فلا؛ لأن الإسلام هو الجامع؛ ولهذا إذا مات المسلم وله أخٌ كافر يكون مالُه للمسلمين ولا يكون لأخيه الكافر، وأما الكافر فكذلك؛ لأن في النسب المعتبر الأب الذي هو أب شرعًا، حتى إن ولدي الزنا من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر، فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأُخوَّة، فعقد الأخوّة عقدٌ عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- آمرًا بالأخوة الإيمانية: "لَا تَحَاسَدُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَدَابَرُوا... الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ". رواه البخاري ومسلم.
ولا يخفى أن أسلافنا -معاشر المسلمين- إنما فتحوا البلاد ومصروا الأمصار بالرابطة الإسلامية، لا بروابط عصبية ولا بأواصر نسبية؛ قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...) [التوبة: 71].
أما الآية الثانية فإن الله -عزّ وجل- أمرنا فيها بالاعتصام بحبله، والمراد بحبله: القرآن والإسلام والجماعة، ونهانا عن التفرق، ثم يذكرنا ربنا -تبارك وتعالى- بنعمته علينا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103]، كنا وكان أجدادنا من الأوس والخزرج أعداءً فألّف الله بين قلوبهم، لم يؤلف بينهم مال ولا نسب، ولا وطن أو إقليم، إنما الله -جل جلاله- هو الذي ألّف بينهم بهذا الدين العظيم، وبرسوله الكريم: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].
يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: "فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عَدُّها من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامُهم وتنقطع روابطُهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه ولو أدى إلى الضرر العام".
عباد الله: ولقد شبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين بالجسد الواحد، كما شبههم بالبنيان، كل لبنة فيه تساند الأخرى وتقيم معها البناء، وأي خرابٍ أو ضعف في لبنة فإنه لا بد من تأثيره في باقي اللبنات على مدى الزمن إن لم يحصل تداركٌ وعلاج، فعن أبي مُوسَى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ". متفق عليه.
وعن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ قال: سمعت رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ في تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى له سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". متفق عليه.
أمة الإسلام: إن ما يؤرقنا ويصدِّع رؤوسنا ويجعلُ قلوبنا تذوب كمدًا، ما يحصل لعضو من أعضائنا، بل لأعضاء كثيرة في جسد هذه الأمة المثخن بالجراح.
فعم أتحدث؟! ومم أتألم؟! أنبكي إخواننا في فلسطين؟! أم نرثي لإخواننا في الشيشان وأفغانستان والعراق؟! أم الجرحُ النازف في سوريا وميانمار؟!
إن ما يتعرض له إخواننا في ولاية أراكان في جمهورية الميانمار من اعتداءات وحشية، وأعمال إرهابية، يتعرضون لأشد أنواع البطش التي تخالف القوانين الدولية، وتخالف المبادئ الأخلاقية والإنسانية.
وقد رأيتم الصور على الشاشات، ما لا يستطيع أن يصفه كلمي، فليس الخبر كالمعاينة، جثث متفحمة أحرقها المشركون البوذيون، دمروا أربعة آلاف وستمائة بيت، شردوا نحو ستة وعشرين ألفًا وخمسمائة شخص أغلبهم مسلمون، وقد اعتبرت الأمم الظالمة المتحدة مسلمي الروهينجيا -وعددهم حسب الإحصاءات ثمانمائة ألف- اعتبرتهم الأمم المتحدة من أكثر الأقليات اضطهادًا، ثم يرد البوذيون، ترد حكومة ميانمار على الأمم المتحدة: بأن ما يجري شأنٌ داخلي.
فمن ينصرهم إذًا إذا لم ننصرهم نحن؟! من يغيثهم بعد الله إن لم نغثهم نحن؟! أنريد أن نخذلهم كما خذلنا إخواننا في غزة؟!
إن خذلناهم فنحن الآثمون الخاسرون، أما هم فإن الله ناصرهم، والله -عز وجل- منجيهم، ولا نقول لهم إلا كما قال الشاعر:
لا تقولوا أغلقوا أبوابهم *** باب خلاَّق الورى لم يغلقِ
وقبل ذلك يقول ربنا -جل جلاله-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72]، والصلاة والسلام على من كتب الله له ولأتباعه الظفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينصر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الكر والفر، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر.
أما بعد:
إخوة الإسلام والإيمان: كفانا استعطافًا من مجلس الأمم الظالمة، كفانا تباكيًا على أبواب الاتحاد الأوروبي ومجلس الخوف والإرهاب، إننا لم نجرّب منهم إلا الإرهاب والقتل والمؤامرات على هذه الأمة.
لكننا لماذا نسكت؟! لماذا لا نغيث إخواننا في أراكان؟! أنسكت كما سكتت أمريكا التي تزعم أنها تحافظ على أمن واستقرار مالي ومصالحها، ولم ولن تغيث إخواننا في سوريا ولا الروهينجيا في أراكان، فتبًّا لهم، تبًّا لكل من تخلى عن إخواننا وخذلهم:
نناديكم وقد كثـر النحيب *** نناديكم ولكن مـن يجـيبُ
أراكان تقول لكـم ثيـابي *** ممـزقة وجـدراني ثقـوبُ
ولكني رفعت شعـار ديـنٍ *** يضيق بصدق مبدئه الكذوب
وأوردتـي تُقطـع لا لأنـي *** جنيـت ولا لأني لا أتـوب
ولكني رفـعت شعـار دينٍ *** يضيق بصدق مبدئه الكذوب
لكـم يا إخوتي أكل وشرب *** وأكسية لها نسـج عجـيب
لكـم دار مشيـدة وظـل *** يظللكم به غصـن رطـيب
لدى أطفالكـم لُعب وحلوى *** وعند نسائكم ذهبٌ وطيب
وما والله نحـسدكم ولكـن *** نقول أما لإخوتكم نصيب
نذير الحرب في أرضي نذيـر *** لكم فالليل منشؤه الغروب
بنات المسلمين هـنا سبـايا *** وشمس المكرمات هنا تغيب
تبيت كريمة ليلـى وتصـحو *** وقد ألغى كرامتها الغريب
تخبئ وجهها يا ليت شعـري *** بماذا ينطق الوجه الكـئيب
بني الإسلام هذي حرب كفر *** لـها في كـل ناحية لهيب
يحركها اليهود مع النصـارى *** فقولوا لي متى يصحو اللبيب
أراكم تنظرون وأي جـدوى *** لنظرتكم إذا غفت القلوب!
ستطحنكم مؤامرةُ الأعـادي *** إذا لم يفطن الرجلُ الأريب
عباد الله: إن كل مسلم في أي بلد كان من بلاد الله تعالى ينزل به بلاء، أو يضطهد من أجل دينه، أو يمنع من إقامة شعائر الله في نفسه وأهله والمؤمنين معه؛ فإن الواجب على المسلمين أن يهبوا لنصرته، ويتحركوا لإغاثته بكل ما استطاعوا؛ فإن لم يفعلوا فقد أثموا وأجرموا، وإن فعل ذلك بعضهم فقد أسقط الواجب عن الباقين.
فإن عُذِّب مسلم أو سجن أو اعتقل ظلمًا، أو صودرت أمواله، وأهينت كرامته في أي بلدٍ من البلاد المعادية أو المدعية للإسلام، وعلمنا بذلك، فإن على الذين علموا أن يقوموا بنصرة أخيهم المسلم وإنقاذه مما هو فيه من البلاء بكل ما يستطيعون، فإن لم يفعلوا أثموا وأذنبوا، يقول الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء: 75].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم