عناصر الخطبة
1/عظمة الله تعالى وأهميتها في عبادته وخوفه 2/من مشاهد عظمته في خلقه وأفعاله 3/معرفة الله سبب لكل طاعة والجهل به سبب لكل معصيةاقتباس
بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن كُلّ سَمَاءٍ مسيرة خَمْسمِائَةِ عَامٍ"، وَفِي رِوَايَة "وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام، وَالْعَرْش فَوْق..."
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ العلي الأعلى، الذي خَلَقَ فسوى، والذي قدَّرَ فهدى، والَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى، أَحْمَدُهُ سبحانَهُ تَفَرَّدَ بالكبرياءِ والعظمةِ والجلالِ، يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيُّهَا المؤمنونَ: لا تَتِمُّ عبادةُ المؤمنِ لخالقِهِ -سبحانَهُ- إلا بتمامِ معرفةِ اللهِ -عزّ وجلَّ- بأسمائِهِ وصِفَاتِهِ؛ فمعرفةُ اللهِ وإجلالُه ومحبَّتُه، هي روحُ العبادَةِ وجوهرُ التوحيدِ والمتأمِّلُ في آياتِ القرآنِ الكريمِ لا يكادُ يَجِدُ آيةً إلا وقد تَضَمَّنَتْ صِفَةً من صِفَاتِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، أو اسمًا من أسمائِهِ -سبحانَهُ-، قالَ تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 74].
عِبَادَ اللهِ: جاءَ في الصّحيحينِ وغيرِهما من حديثِ عبدِاللهِ بن مسعودٍ -رضي اللهُ عنهُ- أنَّهُ قالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ؛ فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ؛ فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(أخرجه البخاري (٧٤١٥)، ومسلم(٢٧٨٦).
أيُّهَا المؤمنونَ: لقدْ ذَمّ اللهُ -عزَّ وجلَّ- من عبادِهِ الجاهلينَ بهِ -سبحانَهُ-، وبقدرِهِ وسلطانِهِ وعظمتِهِ، وما يجبُ له من الكمالِ؛ فقالَ سُبْحَانَهُ: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)نوح: [13-14]، وعابَ عليهِم قِلَّةَ علمِهِمْ بربِّهِمْ -عزّ وجلَّ-، وقدْ مَنَّ عليهِم بالجوارِحِ التي يَتَعَرَّفُونَ بِهَا على خالِقِهِم -سبحانَهُ-، لكنَّهُمْ أَهْمَلُوهَا؛ قَال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا)الأعراف: [179].
أيُّهَا المؤمنونَ: وقدْ أَبَانَ اللهُ -عزَّ وجلّ- لعبادِهِ بَعْضًا من مظاهِرِ قُدْرِتِه سُبْحَانَهُ؛ قالَ تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67]، وفي حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: إنَّ رسولَ اللهِ لمَّا قَرَأَ هذه الآيةَ بَسَطَ يديهِ ثم قال: "يقولُ اللهُ -تَبارَكَ وتعالى-: أناْ الجَبَّارُ أناْ المَلِكُ أيْنَ الجبارونَ أيْنَ المُتكبرونَ أناْ كذا أناْ كذا"، يقول ابنُ عمرَ: فرَجَفَ المِنبَرُ برسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-حتى قُلْنا لَيَخِرَّنَّ به"(قال الألباني في تخريج كتاب السنة (٥٤٦): إسناده صحيح على شرط مسلم).
عبادَ اللهِ: والكرسِيُّ أحد المخلوقات التي تدُلُّ على عَظَمَةِ الخالِقِ -سبحانَهُ-؛ قالَ تعالَى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[البقرة: 255]؛ فإذا كان الكرسيُّ يَسَعُ السموات والأرض على عظمتِهِمَا وعظمةِ من فيهِمَا من المخلوقاتِ؛ فإنّ العَرْشَ أعظم من الكرسيِّ، قالَ -صلى اله عليه وسلم-: "ما السَّماواتُ السَّبعُ معَ الكُرسيِّ إلا كَحلقَةٍ مُلقاةٍ بأرضِ فلاةٍ، وفَضلُ العَرشِ على الكُرسيِّ كفَضلِ الفَلاةِ على الحَلقَةِ"(أخرجه الطبري (٩/١٢٠)وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (109).
وإذا كان العرشُ بهذه الكيفيةِ؛ فما بالُ حملة العرش!؛ قالَ تعالى: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)[الحاقة: 71]، يقولُ النبيُّ -صلى اله عليه وسلم-: "أُذِنَ لي أنْ أُحدِّثَ عن ملَكٍ من حملةِ العرشِ، رِجْلَاهُ في الأرضِ السُّفْلى، وعَلَى قَرْنِهِ العرشُ، وبَيْنَ شحمةِ أُذُنَيْهِ وعَاتِقِه خَفَقَانُ الطَّيْرِ سَبْعَمائةِ عامٍ"(أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع).
قالَ ابنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-: "بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن كُلّ سَمَاءٍ مسيرة خَمْسمِائَةِ عَامٍ"، وَفِي رِوَايَة "وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام، وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام، وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ"(أخرجه الهيثمي (1/91) وابن خزيمة(105) وصححه الذهبي في العلو (64) وابن باز في شرح كتاب التوحيد (389).
وإذا كان مجرد التفكير في عظمة هذه المخلوقات، يُحَيِّرُ الأفكارَ، ويُزِيغُ الأبْصَارَ ويَذْهَبُ بلُبَابِ العقولِ، فكيفَ يَضِلُّ قومٌ في الإقرارِ بوحدانيةِ وعظمةِ خالِقِهَا ومُبْدِعِهَا سبحانه وتعالى؟!
أعوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[فاطر: 41].
أقولُ قولِي هذا، وأستغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي ولَكُمْ ولِسَائِرِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، وتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ له على فضلهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، تعظيمًا لشأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بــــــعــــــــــدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- واعلمُوا أنّ تعظيمَ اللهِ -تعالى-، أجلُّ العباداتِ القلبيةِ؛ فعلى قَدْرِ تعظيمِ اللهِ في قلبِ العبدِ، يكونُ امتثَالُهُ للأوَامِرِ، واجتنابُهُ للنواهِي؛ قالَ تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[مريم: 90]؛ قال المفسرون: يتفطرن منه؛ أي: يتشققن من عظمة الله -عزَّ وجلَّ-.
وعلى الضِّدّ؛ فإنَّ الجهلَ باللهِ -عزّ وجلّ- رأسُ كلّ الفواحِشِ والمنكراتِ؛ فمَا أَقْدَمَ عبدٌ على معصيةٍ إلا لِجَهْلِهِ بربِّه سبحانَه، ولا أعرضَ عبدٌ عن ذنبٍ إلا لمعرفتِهِ بربِّه -سبحانَهُ-، فالجهلُ باللهِ قرينُ المعصيةِ، وقد سَمِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- رَجُلا يقرأُ: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)؛ فقال عمرُ: الجهلُ. أي: غرَّهُ جهلُهُ بالله، وستورُه المرخاة، ورحمتُه المسداةُ.
أسألُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا خَشْيَتَهُ فِي الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ المسلمينَ عامة لِلْحُكْمِ بكتابِكَ، والعملِ بسنَّةِ نبيِّكَ، اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وسموَّ وليِّ عهدِهِ لما فيه خيرُ البلادِ والعِبَادِ، ولما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، واحْفَظْهُمْ مِن كلِّ سُوءٍ ومكروهٍ، وَأَعِنْهُمْ عَلى أُمُورِ دِينِهِم وَدُنْيَاهُم، واجْزِهِمْ عمَّا يُقَدِّمُونَ للإسلامِ والمسلمينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، والمرَابِطِينَ عَلَى الْحُدُودِ، الّذِينَ يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ، اللهُمَّ احفظهمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمِ ومِنْ خَلْفِهِمِ وعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هَذَا الجمع مِن المؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُمْ، وَنَفِّس كَرْبَهُمْ، وَاقْضِ دِيُونَهُم وَاشْفِ مَرْضَاهُم، وَارْحَمْ مَوْتَاهُمْ، واغْفِرْ لَهُم ولآبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وَإِيَّاهُمْ وَوَالِدِينَا وَأَزْوَاجنا وذُرِّيَّاتِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنَا مُحَمُّد، وَعَلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم