عناصر الخطبة
1/خطر السحر 2/أقسام السحر في الشرع 3/حكم الساحر 4/حكم السحر 5/سبل الوقاية من السحر 6/من أحكام السحراقتباس
والسحر سبيل من سبل إضلال الشيطان لطائفة من الناس أفسد به فطرهم وعبدَهم لغير الله فأهلكهم كما ذكره سبحانه في قوله:...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتعرفوا على ما يخل بعقيدتكم.. ألا وإن من أعظم ما يضر بالعقيدة ويفسدها ما تتلوه الشياطين من السحر والكهانة، فالسحر انحراف قديم عرفته الأمم عبر تاريخها، وقد وقع هذا في عهد موسى -عليه الصلاة والسلام- وقام سحرة فرعون بجمع العصي، والحبال على أعين الناس، وسحروا أعينهم؛ حتى ظن الناس أن هذه العصي، وهذه الحبال حيات و(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[طه:66] فلما ألقى موسى عصاه لقفتها وأخذتها كلها، وعرف الناس بطلان هذا السحر، وخر السحرة سجدا لله عز وجل وتابوا وأنابوا إليه..
والسحر سبيل من سبل إضلال الشيطان لطائفة من الناس أفسد به فطرهم وعبدَهم لغير الله فأهلكهم كما ذكره سبحانه في قوله: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة:102] ومعنى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. “أي: علم مُتعلِمي السحر أن من تعلمه ما له في الآخرة من نصيب” قاله ابن عباس، وكل من ليس له نصيب بالآخرة فعمله حابط باطل.. وقال قتادة: “وقد علم أهل الكتاب فيما عهد اللهُ إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة”، وقال الحسن: “ليس له دين” فدلت الآية على تحريم السحر.. وقال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: “فدلت الآية على تحريم السحر، وكذلك هو محرم في جميع أديان الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، كما قال تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)[طه:69]”.
أيها الإخوة: يظن بعض الناس أن أمر السحر انتهى وهو من الخزعبلات القديمة التي ذهبت في عصر العلم والتكنولوجيا، والحقيقة المؤسفة أن السحر لم ينته في هذا العصر، ولم يتوقف، بل لا يزال للسحر والسحرة جولتهم في حياة البشر، بل إن السحرة تطوروا وأخذوا بالوسائل الحديثة.. فلهم قنواتهم الفضائية التي لا تعد، ومواقعهم على شبكة الانترنت التي لا تحصى، وسهُل وصول من باعوا دينهم بعرض من الدنيا إليهم لأخذ شرهم بما لا يخطر على البال.! فما زالت فئام من الناس تجري وراء أوهام السحرة والعرافين والدجالين؛ فيستخدمونهم للإضرار بمن بينهم وبينه خصومة، أو غيرة من تصرفهم أو لحسدهم على خير أتاهم.. وضيعوا في جريهم وراء السحرة الدين والأوقات والأموال، فزَهَقت باتباعهم أنفس بريئة وتدمرت جراء سحرهم أسر كريمة..
أيها الإخوة: والسحر علم مكتسب يحصل بالتعلم والصناعة، وقد عرفه شيخنا محمد العثيمين رحمه الله فقال: "السحر في الشرع ينقسم إلى قسمين: الأول عقد ورقى أي قراءات وطلاسم ليتوصل بها الساحر إلى استخدام الشيطان فيما يريد به ضرر المسحور، ولكن الله تعالى قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله، فتجده ينصرف ويميل وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف.. فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء..
والصرف بالعكس من ذلك، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك.. وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ماهي عليه، وفي عقله فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله" ا.هـ.
أما حكم الساحر فخلاصة كلام شيخنا رحمه الله: أنه ينقسم إلى قسمين: الأول شرك، وهو الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبُدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور. والثاني: عدوان وهو الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها. فمن كان سحره بواسطة الشياطين فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالبا. لقول الله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)[البقرة: 102] ومن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوها فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصيا ومعتديا. أ.هـ مختصراً.
والسحر يمكن أن يحوزه الأذكياء والأغنياء، ولكن لا يمكن أن يتعاطاه الصالحون الأتقياء، والسحرة من أفسق الناس وأرذلهم..
ولا يستطيع الساحر أن يرتقي في سحره ما لم يُعبد نفسه للشيطان، وكلما ارتقى في عبوديته لشيطانه ارتقى في مراتب السحر.. ويستعين السحرة بالجن والشياطين في ذلك.. ونفس الساحر مدنسة بالخبث والفساد وتتلذذ بالشر، والإيذاء.. وسيده إبليس يلزمه بالكفر والشرك، ومحادة الله ورسوله، ويأمره بكل ما يغضب الرحمن، وأجل أسماعكم عما يطلبه منه من طلبات.. وهو بذلك يبعده عن الهداية والإيمان مادام يحقق مآربه الشيطانية.. فإذا غرغرت منه الروح وبلغت الحلقوم تخلى عنه وتركه لمصيره السيء فينزل به العذاب ويحال بينه وبين التوبة.. نعوذ بالله من حالهم ومآلهم..
أيها الإخوة: وقد دل كتاب الله على تحريم السحر، وكذلك دلت السنة، فمن ذلك قَولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ” أي المهلكات، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: “الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ..”(رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم”(رواه البزار بسند جيد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الألباني: صحيح لغيره)؛ أي ليس يفعل ذلك من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا قال شيخنا محمد العثيمين: “ومن طلب أن يفعل له ذلك؛ فهو مثلهم في العقوبة”. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ”(رواه أحمد وابن حبان أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الألباني: صحيح لغيره).
من ذلك يعلم أنه لا يجوز تعلم السحر ولا تعليمه بحال من الأحوال، ولا يجوز دخول مواقع السحرة أو متابعة وسائل التواصل الخاصة بهم، ولا فتح قنواتهم.. ولا يغرنكم ما يُضفونه على أنفسهم من ألقاب ومسميات كتسميتهم بالشيخ الروحاني الكبير أو المعالج الروحاني ونحوها من الألقاب التي لا يستحقونها قاتلهم الله أنى يؤفكون.
أيها الإخوة: أما عقوبة الساحر في الدنيا فقد قال عنها شيخنا محمد العثيمين: “أما عقوبة السحرة في الدينا فهي وجوب القتل سواء قلنا بكفرهم أو لم نقل لأنهم يُمرضون ويقتلون ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم، فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه، وينال مآربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فسادا، فكان واجباً على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه حدٌ لضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد، والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فسادا، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وأرض غيرهم” ا.هـ باختصار بسيط.
اللهم اكفنا شر السحر والسحرة...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ولقد يسر الله تعالى لعباده سبل الوقاية من هذا الداء العضال وأنزل لهذا الداء دواءاً إذا حل؛ فقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً”(رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
فمما تتقى به الشرور كلها الجسدية والروحانية، تقوية الإيمان في قلوبنا وأن نعلم أن ما اصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يَكُ ليصيبنا، وهذا له أثر في قوة القلب.. ثم الاتكال على الله بعد عمل الأسباب، ومن الأسباب الواقية من الشيطان وكيده المحافظة على الأوراد في الصباح والمساء المعروفة ومنها قراءة آية الكرسي، وخواتيم البقرة، والإخلاص، والمعوذتين.. ومما يجنبا كيد السحرة عدم الظلم، فالظلم يورث البغضاء والعداوة وربما دفع المظلوم إلى الذهاب إلى السحرة ليؤذي من ظلمه فاحذروا ظلم الزوجات والعمال والخدم وغيرهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا”(رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
ومنها: الاستقامة على دين الله تعالى وتجديد التوبة والاستغفار والاكثار من قراءة القران، والصدقة فإن الصدقة تقي مصارع السوء، والإحسان إلى الناس بشتى أنواع الاحسان القولي والعملي.. وتناول سبع تمرات في الصباح وكذلك في المساء فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ”(رواه البخاري). وفي رواية عند أحمد بسند صححه الألباني والأرنؤوط: “وَإِنْ أَكَلَهَا حِينَ يُمْسِي، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصْبِحَ”.. وذكر جمع من أهل العلم أن هذا ليس خاصاً بالعجوة، بل في كل تمر..
أما من أصيب بالسحر -عياذاً بالله-؛ فقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن علاج المسحور فقال: “بالرقية الشرعية، بأن ينفث على نفسه أو ينفث له في ماء يقرأ فيه آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، ويقرأ فيه آيات السحر المعروفة في سورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة طه، ويشرب شيئا من ذلك، ويغتسل بالباقي، فهذا من أسباب زوال السحر، ومن أسباب زوال حبس الرجل عن زوجته إذا حبس عنها، ولو جعل فيه أيضًا سبع ورق سدر؛ فهي من الدواء أيضًا، تدق، وتجعل في الماء؛ فإنها أيضًا من أسباب السلامة من شر السحر.
أما الذهاب إلى السحرة ليفكوه، فهذا لا يجوز، يقول الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ”(رواه البزار بسند جيد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الألباني: صحيح لغيره)؛ فلا يجوز الذهاب إلى السحرة، ولا يُحلُ السحرُ بسحرٍ، وهو ما يسمى بالنشرة فَقَدْ نهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّشْرَةِ لَمَا سُئِلَ عنها قَالَ: “هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ” نسأل الله السلامة.
وقال رحمه الله بعد ذكر الرقية: “وهذا من أسباب الشفاء والعافية وجُرب هذا كثيراً ونفع اللهُ به وقد فعلناه -الكلام للشيخ- مع كثير من الناس ونفعهم الله بذلك وهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين”. وذكر غير الشيخ من أهل العلم سورة الفاتحة فهي رقية وخواتيم سورة البقرة وغيرها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم