عناصر الخطبة
1/ نعمة إدراك رمضان 2/ كيفية استقبال المؤمن لرمضان 3/ فضل رمضان 4/ من أعمال البر في رمضان 5/ من حِكم الصوم 6/ رسائل رمضانيةاقتباس
شهر رمضان؛ شهرٌ تفتح فيه أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُصفد فيه الشياطين؛ شهرٌ اختاره الله ليكون موسماً من مواسم الإيمان، فأنزل فيه آيات القران؛ شهرٌ فيه الصيام والقيام، فيه الخشوع والخضوع، فيه يتسارع الناس لأبواب الإحسان.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي اختار لنا مواسم الخيرات لنتزود فيها من الصالحات، الحمد لله الذي جعل شهر رمضان شهر البركات والخيرات والقرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185].
والصلاة والسلام على سيد الصائمين والقائمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد: شهر رمضان؛ شهرٌ تفتح فيه أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُصفد فيه الشياطين؛ شهرٌ اختاره الله ليكون موسماً من مواسم الإيمان، فأنزل فيه آيات القران؛ شهرٌ فيه الصيام والقيام، فيه الخشوع والخضوع، فيه يتسارع الناس لأبواب الإحسان.
شهر رمضان بوابةٌ لدخولِ الجنان، شهر العتق من النيران، كما في الحديث: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة" صحيح الجامع.
يا عبد الله: احمد الله أن بلغك رمضان ليكون زادك إلى رضا الرحمن، وكم من شخص اشتاقت نفسه لرمضان، ولكن حال الموت بينه وبينه فكان القبر منزله.
إن إدراكَ رمضان من النعم الجليلة، وتأمل هذا الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رجلان أسلما مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد! فتعجبت لذلك! فأصبحت، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أليس قد صام بعده رمضان؟! وصلى ستة آلاف ركعة؟! وكذا وكذا ركعة، صلاة سنة؟!" رواه أحمد. صحيح الجامع.
إن معنى هذا الحديث -يا كرام- أن زيادة عمرك في الحياة يرفعك درجات عند الله إن كانت حياتك مع الصالحات، فيا عبدَ اللهِ افْرَحْ برمضان، وكن متميزاً فيه بالإقبال على الطاعات والإحسان وقراءة القرآن.
في رمضان جدد توبتك وعلاقتك بالرحمن، واترك العصيان، واحذر من نزغات الشيطان؛ في رمضان اقطع علاقتك بقنوات الفسق والفجور والعصيان، واترك مشاهدتها بكل عزم وجد.
في رمضان كن صاحب القلب الكبير الذي لا يحمل الغل ولا الحسد، في رمضان قل:
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً *** للتوب قلب تائب ناجاكا
أذنبت يا رب وآذتني ذنو *** بٌ مالها من غافر إلاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً *** فوجدتُ هذا السر في تقواكا
يا عبد الله: ابدأ من الآن وتعلم أحكام الصيامِ والقيام، والحمد لله أنّ وسائل تحصيل العلومِ أصبحت سهلة، عبر جوالك، عبر القنوات الإسلامية، عبر مواقع الإنترنت الموثوقة، ومن خلال حضور المحاضرات، وعبر اللقاء بأهل العلم، ومن خلال القراءة في الرسائل والكتب المتاحة. إن من العجب أن تجدَ من يجهل أبسط مسائل الصيام مع قدرته على التعلم والتفقه في الدين!.
معاشر الفضلاء: إن الصيام من أحب الأعمال إلى الله، فهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وقد أوجبه الله علينا وعلى الأمم السابقة، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة:183].
ولقد تواترت النصوص ببيان فضله ومكانته: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه؛ والمقصود بالمغفرة هنا لصغائر الذنوب.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَح مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلّ لَيْلَةٍ" صحيح الترغيب.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً" صحيح ابن ماجة، وعنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ. قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ" صحيح النسائي.
وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله قال عن الصيام: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به" رواه البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" صحيح الجامع الصغير.
واعلموا -رحمكم الله- أن فريضة الصيام كانت في السنة الثانية، ولقد صام الرسول -صلى الله عليه وسلم- تسعة رمضانات.
والصوم واجب على كل مسلمٍ بالغ عاقل قادر، ويستحب تعويد الصغار عليه. والمريض الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويقضي، وأما من كان مرضهُ شديداً ولا يستطيعُ القضاء فيفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً.
أيها الكرام: في شهر رمضان مواسم كثيرة لزيادة الإيمان، فحري بنا أن نتسابق إليها، فهذه صلاة التراويح، بابٌ عظيمٌ للقرب من الرحمن، وفي الحديث: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه. فاحرص -يا عبد الله- على أن تصلي تلك الليالي وتتمتع بكلام الرحمن، واحذر الكسل والتسويف عن تلك الصلاة، وجاهد نفسك على المداومةِ عليها، واعلم أنها ليالٍ وتذهب كما ذهبت سنوات من عمرك.
واعلموا -رحمكم الله- أنه يجوز للمرأة أن تصلي مع الناس في قيام رمضان، ولكن باللباس الشرعي، ولتحذر تلك الأخت الكريمة من العباءات ذات الزينة، وكل مظاهر التبرج والسفور.
ومن مزايا شهر رمضان أنه شهر القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، القرآنُ هو الهدايةُ والنور، وهو الشفاءُ لما في الصدور. فما أجمل أن تعتكف على كتابِ الله تتلوه، وتتدبر معانيه، وتعيش بين ظلاله، وتتجول في بساتينه! (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) [ص:29].
ومن أعمالِ البر في رمضان الصدقةُ والإحسان، ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ فاجتهد في باب الصدقة، وساهم بما تستطيع في إطعام أسرة، ورعاية فقير، وكسوة محتاج، وما يدريك؟ لعل الله أن ينظر إليك في هذا الشهر برحمته ويوجب لك جنته، و"الراحمون يرحمهم الرحمن".
ومن أعمال الخير في رمضان: أداء العمرة، وفي الحديث: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" رواه البخاري. فلا تفوت الفرصة عليك، ورتب وقتك لأداء العمرة، وتعلم صفة العمرة على المنهج الصحيح، واحذر من البدع والمخالفات التي يقع فيها بعض المعتمرين.
معاشر الكرام: اعلموا أن الصوم مدرسة وتربية، فهو يربي النفس على التقوى، وهذه أكبر غاية من الصيام، كما قال -تعالى-: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21]، ولذا تجد الصائم الصادق يحافظ على صلاته، ويراقب سلوكه، ويحذر من أي معصيةٍ يقع فيها.
والصيام يذكر الغني بالفقير، فهو حينما يجوع لساعات يتذكر ذلك المسكين الذي لا يجد الطعام لسنوات، ومن ثَمَّ يبادر ذلك الصائم للرحمة بالفقير وإطعامه.
والصيام له فائدة صحية، من حيث التقليل من الطعام، وإراحة الجهاز الهضمي، وتنقية الجسم.
عباد الله: اعلموا أن شهر رمضان هو شهر المواسم العظيمة، ففيه أنزل القرآن، وفيه كانت غزوة بدر الكبرى، وفيه كان فتح مكة؛ فكيف نرى الكسل في حياة بعض الصائمين، وحجتهم أنهم صائمون؟ أين الجد والعمل والتنافس في استثمار كل دقيقة من هذا الشهر الكريم؟.
معاشر المسلمين: إن هناك حسرات في رمضان، كم تتألم النفوس المؤمنة، وتتقطع حسرة على ما تراه من بعض الشباب الذين اجتمعوا على اللهو، وقتل الأوقات في ليالي رمضان الفاضلة!.
كم من المحرمات تنتهك، ومعاصٍ يُجاهَر بها في ليالي رمضان المباركة، فيا خسارة المفرطين! ويا ندامتهم يوم وقوفهم بين يدي رب العالمين!.
فاجتهدوا -يا شباب الإسلام- في اغتنام أيام العمر ولياليه، ويا حسرتاه على من ينام عن الصلوات في رمضان بحجة السهر في لياليه! كيف يقبل الله صيامك وأنت لم تؤد الصلاة في الوقت، وفي المسجد؟.
يا حسرتاه على تلك المرأة التي جعلت من رمضان موسماً للتبرج والسفور والنزول للأسواق بلباس لا يرضي الرحمن! أما آن لتلك المرأة أن تتوب من تلك العباءات الفاتنة والألبسة المحرمة؟ متى تلبسين الحياء؟ متى تتجملين بالتقوى؟.
يا حسرتاه على من يجعل نهاره مع القرآن وليله مع القنوات المحرمة! هل استفاد هذا من مدرسة الصيام؟ إن الصيام بوابة للتقوى، (لعلكم تتقون)، وليس المراد من الصيام هو ترك الطعام والشهوات فقط، إنما هو تربية للنفس على تقوى الرحمن، والبعد عن خطوات الشيطان.
ألا تتعجبون من صائمٍ يحذر من نزول قطرة إلى فمه في نهار رمضان، ولكنه لا يخشى من إثم النظرات التي يطلقها في صور النساء في القنوات؟.
الخطبة الثانية:
الحمد لله.
معاشر المسلمين، إليكم هذه الرسائل المتنوعة المتعلقة برمضان.
أيها الأب، اجعل رمضان موسماً للتغيير نحو الأفضل في علاقتك بأسرتك، فكن قدوةً في أخلاقك ودينك واستقامتك، امنح أسرتك محبتك وحنانك ورحمتك.
أيها الزوج، ليكن رمضان شهر التغيير لك مع زوجتك، جدد حبك لها، امسح خطايا الماضي، تعاون معها في ترتيب وجبات الإفطار، خذها معك لصلاة التراويح، تشاركا في كفالة أسرة، اذهبا لبيوت الفقراء وأعطوهم بعض الهدايا والأطعمة.
يا إمام المسجد، ابذل همتك في العناية بالمسجد، وترتيب البرامج الدعوية والعلمية، رتب مع الدعاة لزيارة مسجدك لإلقاء الكلمات، اعتن برائحة المسجد ونظافته، تعاون مع جماعة مسجدك ليكون مسجدكم هو أجمل مسجد، إنه بيت الله.
يا إمام المسجد، احرص على الحضور في وقت الإقامة ولا تتأخر، واعلم أنه يصلي وراءك الكبير والمريض وذو الحاجة، فارفق بهم.
أيها التاجر، ما أجمل أن تخرج بعض مالك في هذا الشهر في تفطير صائم، في شراء الماء للمساجد، أو في صيانة بعض المساجد، وخاصةً من ناحية التكييف، في سداد دينٍ لمن وراء القضبان لعله يفطر مع أهله، ليكن مالك طريقك للجنان، لعل الرحمن أن يدخلك في واسع رحمته، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة:110].
اللهم اجعلنا من الصائمين المقبولين، اللهم اشرح صدورنا للعمل بالقرآن، يا رب توبةً من عندك تمحو بها الخطايا والعصيان، اللهم ارزقنا حلاوة الصيام والقيام والقرآن، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النيران.
يا رب، رحماك بإخواننا المحتاجين في بلاد العالم كله، ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وفرج همهم، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من عادى عبادك المؤمنين، اللهم نصرك لإخواننا في سوريا يا رب العالمين، اللهم ردهم إلى بلادهم سالمين منتصرين أعزاء.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم