عناصر الخطبة
1/حتمية الموت ووجوب الاستعداد له 2/مرض الشيخ ابن عثيمين وملازمته للعبادة أثناء ذلك 3/زهد الشيخ ابن عثيمين 4/علو همة الشيخ ابن عثيمين 5/مصيبة موت العالم 6/تنشئة الأجيال على احترام العلماء وخطر تهميش وسائل الإعلام لهم 7/بعض حقوق الشيخ ابن عثيمين على الأمةاقتباس
لقد كان الشيخ يعاني من المرض الخطير، مرض السرطان -عافانا الله وإياكم منه- الذي ألزمه الفراش، وبسببه رَحَل ولقي ربه، فيما نرجو أن يكون شهادة له عند الله. كان رحمه الله في أيامه الأخيرة ملازماً لذكر الله، وقراءة القرآن، حتى رحل رحمه الله، وقد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الأول الذي ليس قبله شيء، والحمد لله الآخر الذي ليس بعده شيء، والحمد لله الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والحمد لله الباطن الذي ليس دونه شيء، أحمده تعالى: (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 2].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنزل الله -تعالى- عليه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[الزمر: 30 - 31].
صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: اتقوا الله: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ)[البقرة:281].
اتقوا: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[النحل: 111].
عباد الله: إن الله جلت قدرته، وتعالت أسماؤه، أوجدنا في هذه الحياة من عدم: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)[الإنسان: 1]؟
أوجدنا في هذه الدنيا لا للدوام والبقاء، ولكن للموت وما بعد الموت: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[العنكبوت: 57].
حكم المنية في البرية ساري *** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها سائراً *** حتى يكون خبراً من الأخبارِ
قال الله -تعالى-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 26 - 27].
قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من ذكر هادم اللذات؛ الموت".
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ثلث الليل قام، فقال: "يا أيها الناس: اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه".
أيها المسلمون -عباد الله-: إن الموت مما ينبغي الاستعداد له، واستشعار قربه، فإنه أقرب غائب ينتظر، وما يدري الإنسان لعله لم يبق من عمره إلا اليسير، وهو مقبل على دنياه، ومعرض عن آخرته.
تؤمل في الدنيا طويلا ولا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من مريض عاش دهرا إلى دهر
الموت باب وكل الناس داخله *** فليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار جنة عدن إن عملت بما *** يرضي الإله وإن فرطت فالنار
هما مصيران ما للمرء غيرهما *** فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
لقد بلغ الجميع نبأ وفاة عالم الأمة، ومفتي هذا الزمان؛ سماحة الوالد الإمام العلامة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته-.
فقد انتقل الشيخ إلى جوار ربه، يوم الأربعاء الخامس عشر من شوال من عام 1421ه.
حيث دخل في غيبوبة عند الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم الأربعاء، وتوقف قلبه ونفَسَه في الساعة السادسة إلا عشر دقائق قبل المغرب.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لقد رحل عالم عنيزة عن هذه الدنيا بعدما ملأها علما.
والله لقد عظمت مصيبة الإسلام، وأهل الإسلام.
لقد عظمت مصيبة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بوفاة العلامة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله رحمة واسعة-.
لقد كان الشيخ يعاني من المرض الخطير، مرض السرطان -عافانا الله وإياكم منه- الذي ألزمه الفراش، وبسببه رَحَل ولقي ربه، فيما نرجو أن يكون شهادة له عند الله.
كان رحمه الله في أيامه الأخيرة ملازماً لذكر الله، وقراءة القرآن، حتى رحل رحمه الله، وقد ملأ الدنيا علما، فلا يكاد يوجد كتاب مهم لطلبة العلم في كل علوم الشريعة إلا وقد شرحه.
كان رحمه الله زاهداً في الدنيا، كما ظهر من حاله ولباسه، حريصا على نفع الخلق، مشتغلا بتدريسهم، حتى في فترة مرضه.
أقضَّ مضجعنا وهالنا الخبرُ *** تكاد من هوله الأكباد تنفطرُ
يكاد فرط الأسى والحزن يخنقنا *** ودمعة الحزن فوق الخد تنهمرُ
يا أمة ثُكِلت بفقد عالمها *** أما لكِ اليوم في ما فات معتبرُ
هوى من العلم صرحٌ واختفى قمرٌ *** فهل يطيب سُرىً إذْ يُفقد القمرُ
ذاك الذي عَهِدت فتواه ُأمتنا *** كأنها حين يُملِي نظمها دُررُ
محمد الصالح الفذُّ الذي رُزئت *** بفقده بلدي ومثلها أُخرُ
ابن العثيمين تاجٌ فوق هامتنا *** بالعلم والفهم والإدراك يشتهرُ
ابن العثيمين بحرٌ عزّ ساحله *** في كل ناحية من علمه أثرُ
يا شيخ صحوتنا الكبرى ومرشدها *** في زمنٍ عمَّ فيه الجهل والخورُ
بمثل منهجكم وعلمكم أبتي *** تُعطّر الكُتب والألواح والسيرُ
جاهدت في دعوةٍ للدين في كتبٍ *** وكم شريطٍ به من نهجكم فِكَرُ
عانيت من مرضٍ لعل فيه غداً *** كفارة وجميع الذنب يغتفرُ
أعمارنا كتبت من قبل مولدنا *** وهذه سُنةٌ في مثلها العِبر
في كل يوم نواري من أحبتنا *** فهل ترانا من الأحداث نعتبرُ
أيها المسلمون: يوم الثلاثاء الماضي حصل خسوف للقمر وهو بدر، ويوم الأربعاء وعند أول غروب شمسه وقع خسف ثان من نوع آخر، هو خسف في صرح العلم وبنائه، وكسف في جذره وعليائه.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، قدر الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون.
إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا ابن عثيمين لمحزونون.
وصدق الله العظيم القائل لرسوله أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)[الزمر: 30].
والله إنها لرزية، وأية رزية!.
اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيرا منها.
لقد كانت المصيبة الأولى الكبيرة في هذا الوقت -وبالذات من عمر الزمن- وفاة الشيخ الإمام/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، فتصدعت القلوب، ولكننا صبرنا؛ لأن هناك من هو في طبقته من كبار أهل العلم، وإن لم يصلوا إلى ما وصل إليه.
ثم كانت وفاة الشيخ الإمام العلامة المحدث/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، فانكسرت لذلك الأفئدة.
ولكن في الخطب على جلله يسراً، فإن المعقل الأخير في الخط الأول لصرح أهل السنة والجماعة، ومنهج السلف الصالح باق وموجود، وهو الشيخ/العثيمين، الكنز الثمين، والحارس الأمين، والآن وقد انهدّ هذا الصرح، وفي الله خَلَفٌ، وهو المستعان.
نعم، إن في البقية الموجودة من المشايخ، وأهل العلم، الخير الكثير والكبير -إن شاء الله تعالى-، لكن يجب أن نصارح أنفسنا، وأن نعلن -بكل وضوح- لغيرنا: أن هؤلاء الأئمة الثلاثة، وقد مضوا إلى الله جميعاً هم في طبقة، وكل من سواهم ممن بعدهم في طبقة أخرى.
نعم في طبقة أخرى، في جهدهم وجهادهم، في أثرهم وآثارهم، في علمهم وتعليمهم، في سنتهم وسنائهم.
فالمصيبة بفقد الشيخ/ العثيمين -تغمده الله برحمته- هي أعظم وأشد وأنكى من مصيبة فَقْدِ سَلَفَيْهِ الإمامين الجليلين؛ إذ لما مات الأول، قلنا: بقي اثنان، ولما مات الثاني قلنا: بقي ثالث، ولما مات الأخير، ها نحن نقول بحسرة تملأ القلوب، وبدمع يغمر العيون: منْ بقي؟!
والله لا نعرف ماذا نقول!.
ولكن الذي نعرفه: أن الواجب الآن صار مضاعفاً، وأن الفرض الآن صار أكبر وأعظم، محافظة منّا -معاشر طلاب العلم- على منهج هؤلاء العلماء الكبار، وصيانة لطريقتهم، وحراسة لدورهم.
فلئن سويت شخوصهم، وغابت أبدانهم، فلن تغيب علومهم، ولن تذهب معارفهم، ولن يتغير منهجهم -بمنة الله وتوفيقه-.
أحسن الله عزاء الأمة في أبي عبد الله، وألهمنا وأهله، وأبناءه، وخاصته، وطلابه، الصبر على هذه المصيبة، قائلين مرددين: "اللهم آجِرْنا في مصيبتنا، واخلفنا خيراً منها، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي الرب".
تباركت ربي حين تعطي وتمنعُ *** تباركت ربي حين تُدْني وترفعُ
أأبكيك شيخَ الزهد والعلم والتقى *** وقد حُقَّ أن أبكي فؤادا يُصدّع
أيرثيك شعري، والمصيبة هيمنت *** يحار الفتى في أمره كيف يصنع
ذهبت إلى عزٍّ و مجدٍ ورفعةٍ *** فَجُزْتَ وما زلنا نصالي ونُصْرعُ
وتُسْلمنا الدنيا لبلوى ومحنةٍ *** وللشر أنيابٌ بها السمُّ يلمعُ
لئن غبت جثمانا فوالله لم تغب *** وذكرك بين الناس أبقى وأرفعُ
تراثك موصولٌ، وعلمك خالدٌ *** وخيرك للغادي مصيفٌ ومربعُ
وما مات من زانت بساتين فكره *** وفتواه في العلياء كالشمس تسطع
وما مات من أسدى إلى الحق عمره *** وقلبك بالأخرى شغوفٌ مولّعُ
ركِبت مطايا العزم تقوىً و همّةً *** وأنت لفعل الخير أدنى و أسرع
وغيرك يستعلي عروشا كسيحةً *** وأنت على عرش القلوب تربّعُ
وقفت بشهر الصوم طوداً على الضنى *** تبشُّ فلا تشكو ولا تتوجعُ
بلاءٌ لو استعلى على رأس شاهقٍ *** لخرَّ من البلوى طريحا يُصدّعُ
بُليت وفي البلوى طهورٌ ورفعةٌ *** وفي غمرة السكرات تفتي وتنفعُ
ومن حولك الأجيال من كل بقعةٍ *** وأرواحهم تشتاقُ والدهر يسمعُ
ستُخلَد يا ذكر " العثيمين" معلما *** على هامة الأيام تاجٌ مرصّعُ
فتاواك أنوارٌ وصوتك رحمةٌ *** ونصحك مثل الغيث و"الشرحُ ممتعُ"
ونعشك أجفاني وقبرك مهجتي *** وذكرك للصحب المحبين منبعُ
لئن أودعوك اليوم في طيّب الثرى *** فقد علموا من في ثرى الطيب ودّعوا
وجاورت قبر الباز حُبّا و صحبةً *** عسى أن يكن في جنّة الخلد مجمعُ
تُخَلّدُ أعمال الدعاة و تزدهي *** وفاءً، إذا ما زال كسرى وتُبّعُ
عليك سلام الله ما هلّ هاطلٌ *** وما هبّ نسمٌ وانحنى متضرعُ
أيها المسلمون: ولد الشيخ في مدينة عنيزة في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1347ه، وتوفي رحمه الله في الخامس عشر من شهر شوال عام 1421ه، أربع وسبعون سنة كلها -باستثناء مرحلة الطفولة- في العلم والتعليم، والدعوة، ونشر السنة.
لقد كان الشيخ صاحب همَّة عالية، لم يمنعه مرضه الأخير من الإفتاء والدروس، والخطبة.
لم يبع دينه بعرض من الدنيا، أتته الدنيا وهي راغمة، فركلها برجله.
وُهبت له أبنية فجعلها وقفاً على طلبة العلم، وأُعطي الأموال الطائلة فجعلها للنفقة عليهم.
أفتى ودرَّس الطلبة والمعتمرين والحجاج، لم تأت عليه سنة إلا وفيها عدة عُمَرٍ وحجة، كان فيها العابد والمعلِّم والمربِّي والمنفق في سبيل الله.
ثم ودعنا -رحمه الله-، بل ودّع أمة الإسلام قاطبة، شيخ الإسلام في زمانه، وإمام السنة في اتباعه وسمته ووقاره، أجمعت الأمة على محبته وقبوله، تمكّن حبه في قلوب الصغار والكبار، والعامة والمتعلمين.
موته -رحمه الله- هز كيان المجتمع، وكيف لا يكون الأمر كذلك، وموت العالم موت لخير كثير، فحياة العالم غنيمة، وموته مصيبة.
إن موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، ولموت قبيلة بأسرها أيسر من موت عالم؛ لأن صلاح الوجود بعد الله -عز وجل - يكون بالعلماء، ولولاهم كان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالاً.
أخرج اللالكائي عن أيوب السختياني -رحمه الله- أنه قال: "إني أُخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي".
وأخرج عن حماد بن زيد -رحمه الله- أنه قال: "كان أيوب يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث فيُرى ذلك فيه".
فإذا كان هذا شعورهم عند موت الفتى والرجل العادي من أهل السنة، فكيف يكون حالهم عند موت أحد علماء السنة؟
فذهاب العالم خسارة كبيرة على الجميع، ونقص واضح في شأن البلد وأهله، إذ أن العالم نور يستضاء بعلمه، وقبض العلماء نذير شر، فبقبضهم يقل العلم، ويظهر الجهل، وذلك من المصاب الجلل الذي يزيد ضرره بقدر استشرائه في المجتمع.
فإذا كان الأمر كذلك، فعلى طلاب العلم: أن يستشعروا مسؤوليتهم، وان يضاعفوا جهدهم، ويستفرغوا وسعهم.
فنسأل الله -جل وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يتغمد شيخنا برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يرفع منزلته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد ...
أما بعد:
إن كل أمة لها رجالها وقادتها في الفكر والعلم والسياسة والجهاد والطب والإدارة، وغيرها من المجالات المختلفة، وإنه لمن المسلّمات عند التربويين: أن تنشئة الجيل على احترام هؤلاء الكبار وتقديرهم، أنها ضرورة تربوية لا بد منها، فبمن تقتدي الأجيال؟ وأي شخصية يمكن أن نقدمها لشباب الأمة ونربيهم على تقفي آثارهم؟
إن تجاهل أجهزة الإعلام في الأمة لعلمائها، ورجال الفكر والدعوة والجهاد أمر خطير ينبغي أن يكون منا نحن الآباء على بال، من جهة تعويض هذا النقص؛ لأن هذا الإغفال، يعني من جهة أخرى فسح المجال للثناء على رموز الحداثة، وأساطين التسول الفكري من العلمنة والعولمة، وغيرهم.
أو على أقل تقدير: إبراز رموز الرياضة والفن والرقصات الشعبية، وجعلهم هم القدوات للجيل الناشئ؛ لأن فطرة الإنسان تستوجب أن يتمثل أمام ناظريه شخصاً تعتبره هو موضع الأسوة والقدوة.
ولهذا لما أنزل الله -جل وتعالى- هذا القرآن أنزله على قلب رجل من البشر تمثل هذا القرآن ليكون قدوة للناس في تطبيق تعاليمه، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ولو كانت التوجيهات تكفي لوحدها لكفى أن ينزل القرآن لوحده ليعمل الناس به، لكن لعلم الله أن هذا يخالف فطرة الإنسان، كان لا بد أن يتمثل القرآن نبياً من عند الله -تعالى-، وهذا هو السر الذي لا يفهمه كثير من الناس، وهو لماذا بعض القرارات الإدارية والتعليمات لا تلقى قبولاً ولا تنفذ؟
السبب هو: أن مُصدر هذا القرار أو هذه التعليمات لا يطبقها هو، فكيف يريد من غيره أن يعمل بموجبها؟
أعود فأقول: بأن الجيل إذا فقد القدوات الذين يستحق أن يقتدى بهم، فإنه يلتمس القدوة في الرياضي، أو المغني الذي قد يكون منحرفاً في فكره أو خلقه أو دينه.
ولكن أجهزة الأعلام نجحت في إبرازه كرمز، والجيل المستغفل انطلت عليه اللعبة، والأب ضعيف الإدراك لم ينتبه، ومن انتبه لم يبالِ في تعويض النقص الضروري.
ما بالكم -أيها الأحبة- إذا نشأ جيل وهو يرى ويسمع ليل نهار أن الأمة تتنكر لعظمائها، ممن يستحقون أن يكونوا هم القدوات، وتتجاهل تاريخهم؟
هذا الرجل إما أن ينساق وراء هذا التصرف الخاطئ للأمة، فلا يحترم من يستحق الاحترام، أو أنه على أقل تقدير ينظر للوسط والمجتمع الذي يعيش فيه أنه مجتمع فاسد منهار.
لهذا -أيها الأحبة- فليس في مصلحة الأمة أن تهمل، أو تهمش أمثال هذه الشخصيات فيها؛ لأن ذلك يعود عليها بالضرر لا محالة.
أيها المسلمون: لقد توفي ابن باز، ومات الألباني، واليوم نفقد الشيخ العثيمين، وهذا هو مصير كل حي.
وإن لهذا الشيخ حق علينا جميعاً، وإن أقل واجب علينا تجاه هذا العلم الجبل: أن ندعو له، وأن ننشر علمه وفتاويه بين الناس؛ لأنه سيتجرأ الآن على الفتوى كل أحد، وإننا في زمن يفتي فيه الرويبضة.
واحُزْنَ قلباه ممن فقدُهُ جللُ *** ومَنْ له في فؤادي روضَةٌ نُزُلُ
ومن تعاظمني حُزني فبُحتُ به *** ففي فؤادي لظىً كالنار تشتعلُ
تفجَّر الحزنُ في قلبي أأكتمه؟ *** وهل سيستُرُني دمعي فيمتثلُ
يا أيها القلبُ صبراً لا تَمُتْ كَمَداً *** فتلك أقدارُ مَنْ بالخلقِ مكتفلُ
فالحمد لله ما يَهْمي السَّحابُ وما *** تخطَّف الحيَّ في دنيا الورى الأجلُ
موتُ "العثيمين" قد هزَّ الفؤاد وقد *** تفاقم الخطب واحمرت لنا المقلُ
يا حسرةً كلما لاح الصباحُ لنا *** بنورهِ خيَّمَتْ في كوننا الظُّلَلُ
ولو فقدنا ألوف الناس ما عدَلوا *** بموتهم مَنْ بدين الله يشتغلُ
أما علمتم بأنَّ "الأرضَ تُنقَصُ مِنْ أطرافها" *** موتُ من تسمو به المُثُلُ
في عام عشرين ودَّعنا ركائبهم *** واليوم ذا شيخنا يهفو له النُزُلُ
في جنة الخلد إن شاء الإلهُ فما *** يُخيَّبُ اللهُ مسعىً كلُّه أملُ
يا والدي ليتني أستطيعُ أفديَك من *** رقدة الموت أو روحي لكم بدلُ
لكنها سنَّةُ الرحمن جاريةٌ *** في خلقه ليس في أقداره خَلَلُ
يا والدي كنتَ في دنياي شمعتَها *** تضيءُ ليلي بعلمٍ منك يشتعلُ
قد كنت كالبدر في ليل الظلام ولم *** تزل في قلوب الناس تكتملُ
عزاؤنا ما طَوتْ أسفاركم وحَوَتْ *** غضونُها من علوم الخير تتصلُ
كم شبهةٍ قد دحرتُم فانجلتْ وخَبَتْ *** وأصبحتْ خبراً ضاقت به السبلُ
بعلمك الفذِّ يُحيي اللهُ من ضَعُفَتْ *** قلوبهم أنت تحبوها فتهتبلُ
سارت بأقوالك الركبان في جذلٍ *** فنِعْمَ ما قلتَ طاب القول والعملُ
وما علمناك إلاَّ صادعاَّ أبداً *** بقولة الحقِّ، لا زيغٌ ولا وجلُ
وما بخلت بنصحٍ منك تبذله *** وما ضَنَنَتَ به إنْ غيركم فعلوا
وما كتمتَ علوم الشرع من طمعٍ *** لنيل دنيا وما جاملتَ إذ جهلوا
وما قسوتَ على ذي إمرة شطحتْ به *** الرؤى بل تبدَّتْ منكم الجُمَلُ
في رحمةٍ تبذلُ النُّصحَ الجميل ولم تكن *** في مُحاباةٍ إذا انفعلوا
بل قد عهدناك شهماً صادقاً ورعاً *** مجانباً زهرة الدنيا ولو بذلوا
كم ذا أُعدِّدُ من أفضالكم ولكم *** يا والدي فوق قولي، الفضلُ والمُثُلُ
إنّي لأعلمُ لو كنتم بأظهُرِنا *** ما سركم مدحُنا، لم تُرضِك الجُمَلُ
لبغضك المدحَ إخلاصاً وتزكية *** للنفس حين رعاع الخلقِ ينشغلُ
يا ربنا فاجبر الكسر الأليم لنا *** إنَّا إليك إلهَ العرشِ نبتهلُ
واغفر لعالِمنا يا ربِّ مغفرةً *** تمحو بها الذنبَ يُطوى عندها الزللُ
اللهم اغفر لشيخنا محمد بن صالح العثيمين، اللهم اغفر لشيخنا محمد بن صالح العثيمين، اللهم اغفر لشيخنا محمد بن صالح العثيمين.
اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُله، ووسع مُدخلهُ، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار.
اللهم وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين.
اللهم وافسح له في قبره، ونور له فيه.
اللهم إنا نسألك بأحب أسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، التي إذا دعيت بها أجبت، وإذا سالت بها أعطيت، نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تغفر للشيخ محمد بن صالح العثيمين، وترحمه رحمة واسعة.
اللهم تجاوز عن سيئاته، اللهم وضاعف له ثواب عمله.
اللهم حرم جسده على النار، واجعل الجنة له هي دار القرار.
اللهم أفسح له في قبره، واجعله روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النار.
اللهم اجعل له بكل حرف كتبه في سبيلك حسنة، وارفعه به درجة، واجعله اللهم ممن يؤتى كِتَابَهُ: (بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ)[الحاقة: 19- 20].
اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا.
اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده.
اللهم ثبته في القول الثابت.
اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم