عناصر الخطبة
1/الحكمة من خلق الله للخلق 2/التحذير من اتباع الشهوات واقتراف المنهيات 3/الحث على اغتنام الآجال قبل فوات الأواناقتباس
إنَّ مَنِ اشتغَل بنفسه تفرَّغ عمَّن سواه، ومَنْ نظَر إلى تقصيره عَمِيَ عن غيره وما كسبَتْ يداه، وقيِّدُوا -رحمكم الله- ألسنتَكم عن الوقيعة في الأعراض؛ فإنَّ الله عندَ لسان كل قائل، ومَنِ انتَهَكَ عرضَ أخيه وآذاه قولًا أو فعلًا كان خصمُه اللهَ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
أيها الناسُ: إن الله جلَّت حكمتُه خلقكم لتعبدوه، وكلَّفَكم من الأعمال ما تطيقون فاعملوا، ولم يخلقكم سُدًى وهملًا، بل خلَق الموت والحياة؛ ليبلوكم أيكم أحسن عملًا، وقد شرع لكم من الدين ما شرع، وحذركم من الضلالات والبدع، فاتقوا الله بامتثال الأوامر، واجتناب المناهي والكبائر، والاستبصار بما في القرآن العظيم من البصائر، فقد أنزله عليكم لتتبعوه؛ فإنَّه للنجاة من أعظم الذخائر؛ لِمَا فيه من فرائض وفضائل، ومواعظ وزواجر، وتحليل وتحريم، فما للنفوس لا تستجيب لأوامره ولا تنتهي بنواهيه وزواجره؟! ولا تراقب من يعلم علانية العبد وسرائره وضمائره وظواهره؟! قد ضربت عليها الغفلة برواقها، وصدفتها شهوات النفوس عن مراقبة خلافها، فاستحلت مذاق باطلها، وجهلت مرارة الجزاء في أجلها، فأصرت على معاصيها، ولم تخف يوم يؤخذ بأقدامها ونواصيها، يوم يضاعف العذاب على من ترك الصلاة وضيعها، وتهاون بأمر الزكاة ومنعها، وانتهك حرمة شهر الصيام بإفطاره وأخر فريضة الحج مع استطاعته وعدم إعذاره، يوم يسقى شارب الخمر من ردغة الخبال، ويتجرع من عصارة أهل النار ما به الويل والوبال، ويرسل شواظ النار على الزناة والفجار، ويضربون بسياطها على الفروج والأدبار، ويأكل آكل الربا من شجر من زقوم، وما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله، نعوذ بالله من سخطه وعذابه، ويظل الظالمون في سموم وحميم، وظل من يحموم.
ألَا وإنَّ مَنِ اشتغَل بنفسه تفرَّغ عمَّن سواه، ومن نظر إلى تقصيره عمي عن غيره وما كسبت يداه، وقيدوا -رحمكم الله- ألسنتكم عن الوقيعة في الأعراض؛ فإن الله عند لسان كل قائل، ومن انتهك عرض أخيه وآذاه قولًا أو فعلًا كان خصمه الله، قال -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا)[الْأَحْزَابِ: 58]، قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: "هو أن يحصل للمؤمن أذية من فعل أو قول، فالذين يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا قد تحملوا على أنفسهم البهتان، وهو الكذب والإثم المبين هو العقوبة العظيمة، نسأل الله العافية" انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
ربنا اجعل ألسنتا عفيفةً، وقلوبنا مُحِبَّةً للمؤمنينَ؛ (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10].
اللهمَّ أعذنا من الهوى، ومن النفس الأمَّارة بالسوء، ومن الشيطان الرجيم، فاتقوا الله -عباد الله- وبادِروا فسحةَ المهل ما دام مبذولًا، وواصِلوا صحةَ العمل ما دام -بإذن الله- مقبولًا، وأقلِعوا عن المخالَفات ما دام حبل الحياة موصولًا، وأقصِرْ -أيها المغرور- أَمَلَكَ؛ فالعمرُ قصيرٌ، وأخلِصْ لله عملَكَ، فالناقدُ بصيرٌ، واترك زللك، فالحساب عسير، وأصلح بالتوبة خللك، ليطيب لك المصير، أخرج الإمام أحمد -رحمه الله- والبخاري -رحمه الله- في الأدب المفرد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والبيهقي بسند جيد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمُصِرِّينَ، الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون"، وأقماع القول: الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 17-18]، بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من البيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذبن فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله حمدًا دائمًا مع خلوده، والحمد لله حمدًا دائمًا لا منتهى له دون مشيئته، والحمد لله حمدًا دائمًا لا يوالي قائلها إلا رضاه، والحمد لله حمدًا دائمًا كل طرفة عين ونفس نفس، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، ودعا بدعوته.
أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون والمسلمات- لعلكم تفلحون، وأيقِظوا نفوسَكم من غفلاتها، وخذوا بها إلى طريق نجاتها، ألَا وإنكم وقوف، والآجال بكم سائرة، وحِلالُ الأيام بكم مسافرة، ورقود المنايا في فِنائكم ساهرة؛ (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)[الْأَنْفَالِ: 67]، واشكروا نعم الله يزدكم من نعمائه، فتح لكم من الجود والمعروف أبوابًا، وأنشأ لكم بمحض الفضل والكرم سحابا ثقالا، كونه الولي الحميد، اللطيف الحكيم، وساقه بالرياح سوقًا حثيثًا، وأوقره من البركة غيثًا مغيثًا، فاشكروا نعم الله يزدكم من نعمائه، واتقوه وتوبوا إليه؛ لتفوزوا بمغفرته ورضائه.
عبادَ اللهِ: أكثِروا من الصلاة والسلام على ملاذ الورى في الموقف العظيم يوم القيامة، نبينا وشفيعنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا-، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحب أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهمَّ انفعنا بمحبتهم، واحشرنا يا الله في زمرتهم، ولا تخالف بنا عن سنتهم وطريقتهم يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ أيد الإسلام والمسلمين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهمَّ أيد بالحق والتوفيق والتسديد لما تحب وترضى إمامنا وولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، اللهمَّ وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأَعْلِ به كلمتَكَ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفق ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وإخوانه وأعوانه للحق والهدى، وكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، واجزهم خيرًا عن الحرمين الشريفين، وكل ما يقدمونه للإسلام والسلمين، اللهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم مرحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا ربَّ العالمينَ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح البلاد والعباد وصلاح أوطانهم، وأسبل اللهمَّ سترك على بلادنا، وعلى جميع بلاد المسلمين.
اللهمَّ إنَّا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، اللهمَّ لا تعاقبنا بسيئات أعمالنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واكفنا كل أمر يهمنا، وكن لنا مؤيدًا ونصيرًا، اللهمَّ إنَّا نسألك فرحة تغمر قلوبنا بتحرير القدس، من أيدي الصهاينة الغاصبين، اللهمَّ ارمهم بسهمك الصائب، وأنزل عليهم بأسك الثاقب، يا ولي المستضعَفين، يا ذا القوة المتين، يا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب، أنزل على المعتدين أشد العذاب، واجعلهم عبرة لأولي الألباب، اللهمَّ وفرحة بانتصار المسلمين على أعدائهم الظالمين.
اللهمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك؛ (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم