اقتباس
والشيطان بعيد عن الجماعة، قريب من المتفرقين: فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة...
في كل مناسبة سانحة يذكرهم ربهم -عز وجل- بتلك النعمة والمنة من الله -تعالى- عليهم؛ إذ كانوا متفرقين متشرذمين متحاربين متباغضين فجمع كلمتهم ووحد قلوبهم ولملم شملهم، فأصبحت لهم هيبة وكرامة ووزن ومكانة بين الأمم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103]، وامتن -تعالى- بهذه النعمة مرة أخرى حين قال: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال: 63]، وأخبرنا -تعالى- أن أمة الإسلام يجب أن تكون أمة واحدة فقط وليس اثنتين: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الأنبياء: 92].
وما قاله القرآن الكريم هو نفس ما قرره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(رواه مسلم).
وكما أمرنا الله -تعالى- بوحدة الكلمة واجتماع الصف، فقد حذرنا كذلك من التفرق والتشرذم قائلًا -عز من قائل-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].
كاد الأعادي لنا يوم اللقاء ولو *** أنا وقفنا لهم صفًا لما كادوا
إني أكاد أن أعتد وحدتنا دينًا *** وأن افتراق الــشمل إلحاد
***
فإن أطعنا الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتوحدنا تنزلت علينا بركات الاجتماع والوحدة، فالخير كله في الاجتماع والشر كله في الخلاف والتفرق، هذا إجمالًا، ودعونا الآن نفصِّل بعض ذلك:
فمضاعفة الأجر في الجماعة: وهذا مثال قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"(متفق عليه)، فلو صليت صلاة وحدك فلك بها أجر واحد، أما لو صليت نفس الصلاة بنفس الكيفية وبنفس الخشوع والحركات والسكنات لكن في جماعة فلك بها سبعة وعشرين أجرًا.
وبركة الله -تعالى- تتنزل على الجماعة: فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يد الله مع الجماعة"(رواه الترمذي).
والشبع في الجماعة، والجوع في الفرقة: فعن وحشي أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع! قال: "فلعلكم تفترقون؟" قالوا: نعم، قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه"(رواه أبو داود).
والشيطان بعيد عن الجماعة، قريب من المتفرقين: فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة"(رواه الترمذي).
والجماعة رحمة، والفرقة عذاب: وهذا نص كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن النعمان بن بشير قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر: "..التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب"(رواه أحمد).
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتركون بعض ما يرونه الأفضل والأَولى ويفعلون غيره؛ لئلا يخالفوا الجماعة، فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله بن : "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق"، قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة أن عبد الله صلاها بعدها أربعًا، فقيل له: عبت على عثمان وتصلي أربعًا؟ فقال: "الخلاف شر"(رواه أبو داود، والبيهقي في معرفة السنن).
***
وحان الآن أن نسأل: على أي شيء تكون الوحدة ويكون الاتحاد؟ وللإجابة على هذا السؤال المحوري لابد أن نعود إلى الآية الأولى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا)[آل عمران: 103]، فنبحث: ما هو "حبل الله" الذي أمرنا أن نعتصم به ونتوحد عليه؟ وبسؤال المفسرين من الصحابة والتابعين، وبالتجوال في كتب من بعدهم أفادونا بأن حبل الله -تعالى- هو: دين الإسلام، أو هو الإيمان بالله، أو هو القرآن الكريم... وليس بين تلك الأقوال كلها ثمة اختلاف بل كلها شيء واحد.
فقال ابن عباس: "معناه: تمسكوا بدين الله لأنه سبب يوصل إليه".
وقيل: "حبل الله هو القرآن؛ لأنه أيضًا سبب يوصل إليه"، ويؤيده حديث زيد بن أرقم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله -عز وجل- هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة"(رواه مسلم).
وأفادنا ابن مسعود -رضي الله عنه- أن حبل الله هو جماعة المسلمين، فقال: "عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانا
وقيل: "بحبل الله" يعني: بأمر الله وطاعته(ينظر: تفسيري الخازن والقرطبي)، وكما قررنا فإن هذا الأقوال جميعًا متقاربة متداخلة.
فكل اتحاد وكل اجتماع وكل تآلف وكل تآخي على غير دين الله -تعالى- وطاعته وكتابه فلا خير فيه، بل هو مذموم مخذول مرذول، ففي القرآن الكريم: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67].
***
وبقي أن نعرف: ما هي أسباب الوحدة والاتحاد لنأخذ بها، وما هي مسببات التفرق والتشرذم لنتلافاها، وغير ذلك كثير سوف نتعلمه من خلال هذه الخطب المباركات التي جمعناها ها هنا، فنفعكم الله بها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم