عناصر الخطبة
1/ أهمية نقاء القلب 2/ بعض علامات القلوب النقية 3/ بعض فضائل وثمرات نقاء القلب 4/ بعض علامات القلوب النقية تجاه المسلميناقتباس
نقاء القلب وصفاؤه خصلة من خصال أهل الفضل والكمال، وسجية من سجايا أهل العاقبة والمآل. أصحاب القلوب النقية هم أصحاب النفوس الزكية التقية. أصحاب القلوب النقية الذين يَأْلفُون ويُؤْلفون. أصحاب القلوب النقيّة هم الذين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله علام الغيوب، لا تخفى عليه خافية، السر عنده علانية، خلق الإنسان وركّبه، وأتقنه، وصوّره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ نبيّنا محمّداً عبده ورسوله، اختاره ربه واصطفاه، وقرّبه واجتباه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله -عز وجل- فهي الزاد ليوم المعاد.
أيّها المؤمنون: لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ثم سوّاه في أجمل وأكمل وأتقن هيئة؛ كما قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار: 6 - 7].
واختار منه مضغة فتجلت في خلقها قدرته، وظهرت في دقتها عظمته، واتضحتْ في أسرارها حكمته. مضْغة عجيبة في حجم الكفّ سبحان من خلقها، مضْغة في حجم الكفّ سبحان من صوّرها وأتقنها وأحْكمها، مضْغة جعل الله العليم الخبير صلاح الجسد في صلاحها وفساده في فسادها.
القلب المضْغة العجيبة حياة الإنسان بحياته وموته بموته، وسعادةُ العبد بسلامةِ قلبِه، وصحّته وطمأنينته، وشقاء العبد بسقم قلبه ومرضه وقذارته.
فيه وقر التوحيد ويزداد وينقص إيمان المؤمن بالقيام بالوعد والوعيد.
إنها القلوب القاسية التي توعد الله أصحابها، فقال عز وجل: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22]، أو القلوب السليمة المطمئنة التي وعد الله أصحابها بحسن العاقبة والمآل، فقال الله الكبير المتعال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [الرعد: 28 - 29].
أيها المؤمنون: إن الله -عز وجل- إذا أحب العبد منحه قلباً رقيقاً رحيماً.
نقاء القلب وصفاؤه خصلة من خصال أهل الفضل والكمال، وسجية من سجايا أهل العاقبة والمآل.
أصحاب القلوب النقية -جعلنا الله وإياكم منهم- هم أصحاب النفوس الزكية التقية.
أصحاب القلوب النقية الذين يَأْلفُون ويُؤْلفون.
أصحاب القلوب النقيّة هم الذين يعذرون ولا يسيئون.
أصحاب القلوب النقية هم الذين يتثبتون ولا يستعجلون.
أصحاب القلوب النقية أتقياء أوفياء مصلحون صلحاء.
أصحاب القلوب النقية على خوف ووجل من الله -جل وعلا-.
أصحاب القلوب النقية علموا بأن الدنيا زائلة راحلة فانية وأيقنوا بأنهم بين يدي الله واقفون ومحاسبون، وعلى كل زلّة ومعصية وتقصير نادمون، وعلموا أنّهم لا ينفعهم مالٌ ولا بنون إلا من أتى ربه بقلب سليم.
أيّها المؤمن: -رعاك ربي وحفظك اسأل الله ربّك وسيّدك ومولاك أن يرزقك قلباً نقياً رحيماً رقيقاً تقياً يحب لإخوانه ما يحبه لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه-: ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" [المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم: 1 / 133] وهذه خصلة الأوفياء، والعباد الأتقياء.
فنقاء القلب مرتبة عظيمة، ودرجة عالية رفيعة لا يصل إليها إلا أصحاب الفضل والكمالات، فهو ليس عبارات تدعى، ولا أماني تشتهي، ولكنه الصدق والإخلاص لله -جل وعلا-.
من علامة نقاء القلب وصفاء السريرة: أن تجد المسلم وقافاً على قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 12].
ومتذكراً قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، فلا يظن بإخوانه إلا خيراً، ويحملهم على المحمل الحسن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ومن علامات نقاء القلب وصفاء السريرة: أن تجد المسلم مستشعراً قول الله -عز وجل-: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 12].
فلا يستعجلن في حق إخوانه في الدين، فهم وإياه منزلة الجسد الواحد فما ظنك بجسد أنت عضو من أعضائه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [رواه مسلم: 2568].
ومن علامات نقاء القلب وصفائه: كف الأذى عن المسلمين، فلا يحسدهم، ولا يبغضهم، ولا يؤذيهم بلسانه ولا بيده متمسكاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" [رواه البخاري: 10، ومسلم: 41].
فذلكم هو المسلم المؤمن فنقاء قلبه كان سبباً في كف جوارحه عن أذية إخوانه.
أيها المؤمنون: إن القلوب إذا كانت نقيه عفت، إذا كانت نقية صفحت، وإذا كانت نقية عذرت، إذا كانت نقية طابت وزكت في الدنيا والآخرة، فكان جزاؤها عند ربها أن يتجاوز عنها وعن أصحابها، ويدخلهم جنته؛ لطيبة قلوبهم ونقائها، في مسلم من حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال الله -عز وجل-: "نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه" [رواه مسلم: 1561].
فلما طاب قلبه على إخوانه فعذرهم لفقرهم كان ذلك سبباً في تجاوز الله عنه، عن عكرمة -رضي الله عنه- قال: قال الله -تعالى- ليوسف: "يا يوسف بعفوك عن إخوتك رفعت ذكرك في الذاكرين" [انظر: المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها: 1/30، ومكارم الأخلاق للخرائطي: 1 / 368، رقم: 347].
منحنا الله وإياكم قلوباً نقية، اللهم آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمته والشكر له على فضله ومنته، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، حشرنا الله في زمرته.
أمّا بعد:
فإن من علامة نقاء القلب: الدعاء لجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، صالحهم وفاجرهم بالرحمة والمغفرة، قال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]، أي لا تجعل في قلوبنا بغضاً ولا حسداً.
أيّها المؤمنون: ينبغي للمسلم أن يحمل إخوانه المسلمين على المحمل الحسن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنه قد يظن بأخيه بعض الظن، ولعلّه أن يكون مخطئاً في ظنّه، ومما يُذكر هنا أنّ رجلاً مرض وتغيّب عن عمله فترة من الزمن فلمّا شفي من مرضه وعاد إلى عمله يقول من الأدب أن أسلم على رئيسي المباشر، قال: فلمّا دخلت عليه وجدت عنده رجالاً وهو يتحدث بالهاتف قال: فمددت إليه يدي وكنت أتوقع أن يقوم ويصافحني ويحمد الله على سلامتي، وإذا به يصافحني ببرود ولم يتكلم معي، قال: فجلست قليلاً ثم ذهبت وقد وجدت في نفسي شيئاً إلا أني دفعته بالتماس بعض الأعذار، وذهبت في عملي وانهمكت في العمل وبعد أربع ساعات وإذا به يأتي ويسأل عني فلما رآني التزمني وعانقني، وقال: الحمد لله على سلامتك لم أرك اليوم، وسألت عنك، قال: فقلت: لقد جئتك وسلمت عليك، قال: أبداً لم يحدث هذا.
فعندها تبين لي معنى حسن الظن بالمسلمين حيث إنه كان شارد الفكر عندما كان يتحدث بالهاتف.
قلت: ما أحوجنا -أيها المؤمنون- أن نسأل ربنا -عز وجل- أن يمنحنا قلوباً نقية تحسن الظن بإخوانها.
أيها المسلم -رعاك ربي-: إن أولى الناس أن نحسن الظن به هم أهلك من الوالدين والأبناء والزوجة والجيران والأصدقاء والزملاء، ولابد أن تعلم -يا رعاك الله- أن من نقاء القلب حسن الظنّ بولاة الأمر من العلماء والحكام، وأن نحملهم على المحمل الحسن ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم