نحن في فصل الصيف

الشيخ خالد الكناني

2024-06-28 - 1445/12/22 2024-07-04 - 1445/12/28
عناصر الخطبة
1/تقلب الفصول وتغير الأجواء من آيات الله الكونية 2/بعض الدروس والعبر المستفادة من حر الدنيا 3/أسباب الوقاية من حر جهنم.

اقتباس

إن علينا أن نأخذ بالأسباب لنحمي أنفسنا من حر الشمس ولا نتعرض لحرارتها مستخدمين كل وسائل التبريد والتكييف التي أنعم الله -تعالى- بها علينا، وفي المقابل أن نسعى ونعمل على حماية ووقاية أنفسنا...

الخطبة الأولى:

 

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أما بعدُ:

 

أيها المسلمون: نحن في فصل الصيف ونعيش حرًا شديدًا، ونطرح اليوم أسئلة، من الذي قدر وأوجد هذا الحر الشديد في هذه الأوقات والمواسم؟ فستقولون إنه الله -تبارك وتعالى- مالك الملك يقلب الليل والنهار كيف يشاء؛ قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران: 190].

 

فكل ما يحدث في الكون من تغيرات من شدة الحر وشدة البرد، أو النهار أو الليل أو الصيف أو الشتاء، كل ذلك آيات من آيات الله الدالة على وحدانيته -سبحانه وتعالى-، وفيها من العظة والعبر لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد؛ قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44].

 

والسؤال الآخر: ماهي العبر والعظات والفوائد والمقارنات التي ينبغي على المسلم أن يستفيد منها وهو يعيش هذه الأجواء الحارة؟

أيها المسلمون: إن على المسلم أن يأخذ من هذا، العظة والعبرة، ولا تأخذه الغفلة والنسيان، ومن هذه العبر والعظات في الحر وشدة والصيف وحرارته، أن نتذكر ونتأمل النعم التي أنعم الله -تعالى- بها علينا ويسر لنا من الوسائل التي تحمينا وتقينا هذه الحرارة؛ فالبيوت والمساجد والسيارات ومواقع العمل بها من وسائل التكييف ما سهل لنا ولطف لنا هذه الاجواء الحارة، والثلاجات والمبردات المتوفرة في بيوتنا وفي مساجدنا وفي كل مكان ويسر الله -تعالى- لنا من الملابس ما يقينا شدة الحرارة في الصيف والبرودة في الشتاء؛ قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)[النحل: 81].

 

ومن العظات والعبر المهمة عند المسلم أن يتذكر الموقف يوم القيامة وشدة حر جهنم؛ قال تعالى: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى).

 

أيها المسلمون: إن شدة الحر التي نجدها في الصيف ولا نستطيع أن نقف لحظات في حر الشمس والتي تبعد عنا أميالًا كثيرة جدا تحسب بالملايين كما ذكر ذلك علما الفلك؛ فتأمل أنها تدنو يوم القيامة من الخلق قدر ميل وتقترب منهم كل بحسب ما قدم فيبلغ منهم الهم والغم والكرب ما لا يطيقون ولا يقدرون عليه؛ ففي صحيح مسلم عَنِ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ؛ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» -قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ- قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ».

 

 ومقدار ذلك اليوم طويل جدا؛ كما قال تعالى: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[المعارج: 4].

 

فلنحاسب أنفسنا ماذا أعددنا لهذا اليوم العظيم يوم نقف بين يدي الله -تعالى-، ولنتعظ ونعتبر بما نشاهد من آيات الله الكونية، ولا نتفف ولا نتضجر ولا نسب الدهر بل نتعظ ونعتبر؛ قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ).

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا، أما بعد: عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى؛ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

أيها المسلمون: اعلموا أن شدة الحر التي نجدها في الصيف هي من فيح جهنم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".

 

أيها المسلمون: إن علينا أن نأخذ بالأسباب لنحمي أنفسنا من حر الشمس ولا نتعرض لحرارتها مستخدمين كل وسائل التبريد والتكييف التي أنعم الله -تعالى- بها علينا، وفي المقابل أن نسعى ونعمل على حماية ووقاية أنفسنا وأهلينا من نار جهنم؛ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].

 

ويكون ذلك بتحقيق التوحيد الخالص لله -تعالى-، والحرص والقيام بما فرض الله -تعالى- علينا، ومن ذلك المحافظة على الصلوات الخمس، وغيرها مما فرض وأوجب علينا -سبحانه وتعالى-، والتمسك بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباع ما جاء به؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»؛ قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»، وعليكم بالصدقة ولو كانت قليلة فإنها من أسباب النجاة من النار وحرها؛ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

 

فلنحرص -عباد الله- على الأعمال الصالحة لعلنا أن نكون يوم القيامة في ظل عرش الرحمن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

 

هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

المرفقات

نحن في فصل الصيف.doc

نحن في فصل الصيف.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
05-07-2024

لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم اللهم نستودعك من اشتد عليهم الحر فازداد عليهم البلاء والموت يحيط بهم من كل جانب، اللهم ارزقهم السكينة والطمأنينة، اللهم أمن روعاتهم واشدد سواعدهم بيد اخوانهم المسلمين وألف قلوبهم وانزل الرحمة على قلوبهم.