عناصر الخطبة
1/ أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/ وجوب هذه الشعيرة على الأمة 3/ التحذير من ترك هذه الشعيرة 4/ آداب وضوابط ضرورية لممارسة هذه الشعيرة.اقتباس
إن الله -عز وجل- اختار هذه الأمة لتكون خير الأمم وأفضلها، وهذه الخيرية مرهونة بقيامها بما شرع الله لها، ومن أعظم ما شرعه لها وأُمرت به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد: أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- وراقبوه, واحمدوه أن جعلكم مسلمين من بين العالَمِين، وخصّكم بالسُنّة من بين طوائف الأمّة.
معاشر المؤمنين: إن الله -عز وجل- اختار هذه الأمة لتكون خير الأمم وأفضلها، وهذه الخيرية مرهونة بقيامها بما شرع الله لها، ومن أعظم ما شرعه لها وأُمرت به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، يا خير الأمم: وردت نصوص الكتاب والسنة دالة على أهمية هذا الركن العظيم، وكبير نفعه، إذ هو عين النصيحة، وهو خلاصة الجهاد، وهو صمام الأمان للمجتمعات بإذن الله من العقوبات العامة التي لا تبقي ولا تذر.
فمن تلك النصوص الدالة على أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبها:
أولا: الأمر بها على وجه الإلزام, كما قال -تعالى-: (وَلْتَكُـن مِّنـكُمْ أُمَّـةٌ يَدْعُـونَ إِلَى الْخَيْـرِ وَيَأْمُـرُونَ بِالْـمَعْـرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران:104], وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رأى منكم منكرًا فلْيُغيّره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان".
ثانيا: التحذير من ترك النهي عن المنكر, وبيان أن تركه سبب لحلول اللعنة والعقوبة, قال -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَـرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِـيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَـصَوا وَكَـانُوا يَعْـتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَـوْنَ عَن مُّنكَـرٍ فَعَـلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْـعَـلُونَ) [المائدة:78-79].
وروى أحمد عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه".
بل أخبر أن ترك هذه الشعيرة سبب لعدم استجابة الدعاء، والعياذ بالله! حيث قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي: "والذي نفسي بيده! لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
ثالثا: ومما يدل على أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبها أن الله -تعالى- أخبر بأنه إذا أنزل عقوبته على أمة بسبب المعاصي فإنه يُنجّي فقط أهل النصيحة والدعوة والناهين عن الفساد، حيث قال: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهِ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) [الأعراف:164-165].
رابعا: إن الله جعل نُصرتَه ونُصرة دينه لا تتحقق إلا بالقيام بهذه الشعيرة، قال -تعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:40-41].
ولأجل ذلك، وغيره من الدلائل والفضائل، أوصى الصالحون صغارهم وذرياتهم بهذه الشعيرة المنجية، قال لقمان الحكيم: (يَا بُنَيّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور) [لقمان:17].
عباد الله: ينبغي للمسلم أن يكون ذا غَيْرَة على حُرمات الله، ناهياً عمّا يُغضب الله من الشهوات والشُبهات، مُقدّماً مرضاته على هوى نفسه وراحتها، فليس له أن يترك الإنكار لصداقة أو مودة، أو حياء أو مخافة، أو طلب وجاهة أو مداهنة لحزب أو جماعة، وليس له -أيضاً- أن يترك الإنكار بدعوى أن الأمر لا يعنيه، بل هو أمر يعنيه ويعنيك كذلك، فقد كُلِّفنا به شرعاً، ونُعاقَب إن تركناه عمدا؛ روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام خطيباً، فكان فيما قال: "ألا لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا علمه" رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وجاء عن أبي عبد الرحمن العمري -رحمه الله- أنه قال: "مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين؛ نُزِعَت منه هيبة الطاعة, فلو أمرَ ولده أو بعض مواليه لاستخفَّ به".
أيها الإخوة في الله: الغضب لله محبوب محمود عند الله ومطلوب، فهذا سيدنا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يغضب لنفسه قط، فإذا انتهكت لله حرمة لا يقوم لغضبه أحد.
وهؤلاء أصحابه -رضي الله عنهم- "كانوا يتضاحكون ويتمازحون، فإذا انتهكت لله حرمة عادوا كأنهم مجانين؛ غضباً لله جل وعلا".
وبئس العبد عبد يتعبّد ويصلي ويتصدّق، ثم لا يبالي بحق الله إذا ضاع! ولا يبالي بحق الله إذا أهين أو انتهكت حرماته! لا يُنكِر ولا ينصح؛ بل يُجامل في دين الله ويداهن، ولا يغضب لغضب الله ولا يغار! بئس العبد هو! نعَم، بئس العبد عبد لم تنفعه عبادته!.
يا عباد الله: كم من حق لله مُضاع في المساجد! كم من حق لله مُضاع في المجالس! كم من حق لله مُضاع في البيوت! كم من حق لله ضيعناه! إن الله لا يغضب إلا لمن غضب له، ووالى فيه، وعادى فيه.
وجاء في بعض الآثار أن الله أوحى إلى جبريل أنْ دمّر هذه القرية، فإذا فيها رجل يصلي عابد، قال جبريل: يا ربي، فيها عبدك فلان؟ قال: به فابدأ، فإنه وجهٌ لم يتمعّر فيّ قط.
فيا عباد الله: كونوا أنصار الله، اغضبوا لله حتى يغضب لكم ويدافع عنكم، وغاروا على حرماته، وأنكروا حتى يرحمكم ويستجيب لكم.
فاللهم اجعلنا صالحين مصلحين، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، على الوجه الذي تحبه وترضاه، واجعلنا اللهم من أوليائك الغاضبين لغضبك الراضين لرضاك يا قوي يا عزيز، يا رب العالمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل في كل زمانِ فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائهٍ قد هدوه.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آداب وشروط مهمة حتى يتحقق النفع به، ومتى تخلّفت آدابه و شروطه، أو تجاوز القائم به حدّه، أدى ذلك إلى ما لا تحمد عقباه.
فمن آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: العلم, فالجاهل قد ينكر معروفاً أو يأمر بمنكر، قال الله -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108]، قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح".
ومن آدابه: الحلم والرفق، فإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف؛ وقد أمر اللهُ موسى وهارون أن يُنكرا على فرعون كفره وإلحاده بالقول الهين اللين: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) [طه:44]، وفي الحديث الصحيح: "إن الرفق ما كان في شي إلا زانه، وما نزع من شي إلا شانه".
ومن آدابه: أن لا يتجاوز القائم بالأمر والنهي حدوده وصلاحياته، فلا ينكر بيده إذا لم يكن صاحب سلطة تخول له التغيير باليد؛ لما يفضي إليه ذلك من الشرور والفتن.
ومن آدابه: أن لا يترتب على إنكار المنكر منكر هو أكبر منه وأعظم، فكم ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- من مصالح اتقاء لشرور ومفاسدَ أكبرَ من تلك المصالح، كتركه -صلى الله عليه وسلم- قتل ذي الخويصرة رأس الخوارج، وكتركه -صلى الله عليه وسلم- إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وكتركه -صلى الله عليه وسلم- الإنكار على الأعرابي البول في المسجد حتى فرغ من بوله، إلى غير ذلك من الأمثلة.
ومن الآداب: عدم الدعاء بالهلاك على أصحاب المنكر، بل المشروع الدعاء لهم بالهداية، مهما عظم منكرهم، ولما قالوا للرسول عليه السلام، الرحمة المهداة: ألا تدعو على المشركين؟ قال: "لم أبعث لعّاناً؛ وإنما بعثت رحمة".
ومن المزالق الخطيرة التي يُجَرُّ إليها بعض شبابنا أن يتم تجنيدهم وتهييجهم لينكروا بعض المنكرات بطريقة منظمة غير مشروعة عبر المسيرات أو الاعتصامات والمظاهرات المُنكرَة، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ فيحصل بسبب ذلك من المفاسد والشرور المستقبلية ما لا تُحمد عقباه، وما لا تُرجى ثماره. وهل يُجنى من خلاف الشرع إلا النكبات والويلات؟.
عليكم حال الإنكار أن تسلُكوا الطرُق الشرعية في الإنكار، وملازمة آدابه، فإن غُيّرت المنكرات فالحمد لله، وإلا فقد أبرأتم ذممكم أمام الله، والله يحكم لا مُعقّب لحكمه، ولا يهلك على الله إلا هالك.
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم أحينا على الإسلام والسُنة، وأمتنا على الإسلام والسُنة.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك، وحُماة شريعتك، ونسألك القيام بحقك، والغضب لحُرمتك، ونعوذ بك من هيبة الناس أو الفقر إليهم، يا غني يا حميد.
اللهم ونسألك قلوبا سليمة، وألسنا صادقة، وأنفساً زكية، ونسألك اللهم علما نافعا، وعملا متقبلا، وذرية طيبة، وحياة في عافية، وتوبة قبل الموت، وراحة بعد الموت، يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين.
اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، وارزقهم بطانة صالحة مصلحة، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، معظمة لشريعتك.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونساءنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، انك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم