عناصر الخطبة
1/ أهمية الاستقرار الأسري 2/ توصية النبي بالنساء وحرص الإسلام على الأسرة 3/ اتصاف الفضلاء الكرماء بإحسان معاملة زوجاتهم 4/ بعض مظاهر ظلم الزوجات 5/ التحذير من أمور تعصف بالحياة الزوجية 6/ بعض حقوق الزوجاتاقتباس
يشتكي كثير من الزوجات، سوء العشرة من الأزواج، وصعوبة الحياة، ومرارة العيش، فهذه تترجم ذلك بالخصام، وهذه تدعو على زوجها بالموت والهلاك، وأخرى صابرة حسيرة تندب حالها، وتلك تنتظر الفرج من الله لعلّ الله يعيد لها زوجها ويصلح حالها، فظلم النساء عظيم، والمرأة إذا ظُلمت، ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فلا مفر لها إلا إلى الله، فشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله ولياً! وكفى بالله نصيراً! وويل للظلَمة من الأزواج! ويل لمن كان الله خصمه يوم القيامة!.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين...
الزوجة سكن للزوج، وشريكة حياته، ورفيقة عمره، تسكن إليها نفسه، وتهنأ بها روحه، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
وما زال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي الرجال بالنساء، حتى آخر أنفاسه -صلى الله عليه وسلم-، عن أنس -رضي الله عنه- قال: كانت عامة وصية رسول الله حين حضره الموت: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ! وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ!"، وفي رواية: "حتى جعل رسول الله يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه".
وحسن العشرة من علامات كمال الإيمان، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله" رواه الترمذي، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي".
إخوة الإيمان: يشتكي كثير من الزوجات، سوء العشرة من الأزواج، وصعوبة الحياة، ومرارة العيش، فهذه تترجم ذلك بالخصام، وهذه تدعو على زوجها بالموت والهلاك، وأخرى صابرة حسيرة تندب حالها، وتلك تنتظر الفرج من الله لعلّ الله يعيد لها زوجها ويصلح حالها، فظلم النساء عظيم، والمرأة إذا ظُلمت، ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فلا مفر لها إلا إلى الله، فشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله ولياً! وكفى بالله نصيراً! وويل للظلَمة من الأزواج! ويل لمن كان الله خصمه يوم القيامة!.
أنزل الله -تعالى- في كتابه آية المجادِلة، وأخبر أنه سمع شكوى امرأة تشتكي ظلم زوجها من فوق سبع سماوات، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إني لمن وراء الستر يخفى علي بعض كلامها، وهي تقول: إلى الله أشكو ثعلبة! إلى الله أشكو ثعلبة! قالت: فسمعها الله من فوق سبع سماوات، فسبحان من وسع سمعه الأصوات!"، وسبحان من يغيث اللهفات! وقد قال -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم:42-43].
فيا أيها الأزواج: لتعلموا أن حق الزوجة على الزوج أكبر من حقه عليها، قال-تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، وقولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن لكم مِن نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا" رواه الترمذي.
ولا يحفظ حق زوجته إلا كريم، ولا يضيع حقها إلا لئيمٌ، ما قام رجل بحق زوجته في حسن أخلاقه وكريم خصاله إلا كان يوم القيامة في أقرب المنازل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث: "هل أدلكم على أقربكم مني منزلا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يَألفون ويُؤلفون"، فأفضل من يوهب هذه الأخلاق الكريمة، رفيقة العمر، وشريكة الحياة.
أيها الرجال: الزوجة الكاملة المكمّلة، ليست موجودة إلا في الجنة، والمرأة خلقت من ضلع أعوج، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "المرأة خلقت من ضلع، ولن تستقيم لك على طريق، فإن استمتعت استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها" رواه مسلم.
قال الذهبي -رحمه الله-: وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها واللطف بها، والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره، وإيصالها حقها من النفقة والكسوة والعشرة الجميلة، لقول الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ). انتهى كلامه.
المطالبة بزوجة لا رأي لها -صورة من زوجها- إهمالٌ لحقّها، وهضمٌ لعقلها؛ وقوامة الرجل لا تعني سلب زوجته فكرها وإغفال رأيها، فهنّ شقائق الرجال، وكم من خير ناله الأزواج من رأيهن، حتى اشْتُهِر: خلف كل رجل عظيم امرأة.
وقد كان نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن، وكم استفاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مشورته لزوجاته، فيا أيها الزوج الكريم الفاضل، لم لا تُراجَع، وتستمع كالعظماء إلى نقد زوجتك؟ فلعل الخير والرأي معها.
وما دمّر البيوتَ وسلب السعادةَ شيءٌ، ما سلبه الاستبدادُ والعنادُ، فيَجْني الجاهل على نفسه وأهله، ويدمّر حياته بطوعه واختياره، حين يستبدل المحبة والمودة والرحمة والعشرة الحسنة مع رفيقة عمره وشريكة حياته بالعناد والتحدي والاستبداد.
والعنف نذيرُ شؤم، وخطرٌ عظيم، فالخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو باللين والصبر صغيرة، وما رُزق أهلُ بيت رزقاً ما رزقوا اللين والرفق، ومفهومُه: ما رُزق أهلُ بيتٍ شراً من الشدّة والغلظة.
كم سمعنا من تنوع الظلم والعدوان ممن يطرد زوجته خارج المنزل بثياب نومها وهي بكامل زينتها في منتصف الليالي بعد ضربها وتعذيبها، وهي تصرخ وتستنجد! وما ذاك إلا لضعفها وقلّة حيلتها، ومن يتطاول بالضرب والتجريح ظلما وعدوانا، أولئك كثير، فمهما يكن من أخطاء فلن يكون الطرد من البيت أو التعذيب بالضرب الذي قد يصل إلى حد القتل هو طريق التأديب.
ويحرم الضرب أصلاً لغير النشوز قبل الوعظ والهجر، ويحرم أمام الأبناء أو الناس أو عند الغضب لتجاوز الحد، ويحرم الضرب لأمور تافهة يمكن مداراتها والصبر عليها، غير الفراش، ويرى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن الزوجة إذا أطاعت زوجها في المضجع، فليس له ضربها، وروى ابن جريج عن عطاء قال: "الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه"، وقال الحافظ ابن حجر: "إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير"، متجنباً الوجه والأماكن الحساسة في الجسد.
وليس من الرجولة الجفاء والغلظة، والزوج الضرّاب أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأولياء بعدم تزويجه، "أما أبو جهم فلا يدع عصاته من ظهره"، ولما نزلت آية الضرب قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَضرب خياركم"، وفي رواية: "لا يُضرب خياركم".
وما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً من زوجاته قط، وما غرس أب العقوق والكره بقلب أبنائه ما غرسه بضرب أمهم أمام أعينهم، طفل في السادسة تعاقبه أمه فيقول لها: والله إن لم تسكتي لأضربك مثل ضرب أبي لك! انظروا ماذا زرع الأب بابنه؟.
زوجتك شريكة حياتك، ربة بيتك، مستودع أسرارك، منجبة أولادك، راعية أموالك، أقرب إنسان إليك، هن لباس لكم وأنتم لباس لهنّ، اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس، وتمحو ضغائن الصدور، وبالثناء تجذب القلوب.
وقد أباح الإسلام الكذب بين الزوجين لنشر المودة والمحبة في البيت، الهدية مفتاح للقلوب، دليل المحبة والسرور، أحق من تتبسط معها وتنبذ الغموض والكبرياء لها الزوجة ولك ذلك، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي -أي في الأنس والسهولة- فإن كان في القوم كان رجلاً".
كن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، والنظر إلى الحرام يذهب الجمال بين الزوجين، ولا أسلم من هجر المنكرات.
وكن لزوجتك كما تحب أن تكون لك، فإنها تحب منك كما تحب منها، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني أحب أن أتزين لأهلي كما أحب أن تتزين لي".
الخطبة الثانية:
من حقوق الزوجة على زوجها، أن يعينها على صلة رحمها، وزيارة والديها وأقاربها، فالمعروف لا ينسى.
الشحُّ خُلقٌ ذميم، من نجا منه نجا من بلاءٍ عظيم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إيّاكم والشحّ! فإنّه أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالقطيعةِ فقطعوا، وأمرَهم بالظُّلمِ فظَلَموا، وأمَرَهم بالفُجور ففجَروا".
خير مالك ما تنفقه على أهل بيتك، مال الزوجة ملك لها، لا يحل للزوج شيء منه إلا برضا نفس منها من غير غصب وإرغام.
وتذكر أن زوجتك تود الحديث معك؛ فأنت أنيسها وموْدع سرها، فارعِ لها سمعك، لا تعُد إلى دارك كالح الوجه، عابس المحيّا، لا تؤثر أصحابك بنفسك، فأهْلُك أحق بك، ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، فأنت لست مبرأ من الأخطاء، وخير الخطائين التوابون.
الغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى من أن تدنسه لحظه غضب عارمة، وآثر السكوت أو الخروج على سخط المقال والعمل، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تجرع عبد جرعة أفضل من جرعة غيظ كظمها ابتغاء مرضاة الله عز وجل"، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت".
وليحذر الأزواج مردَة الفساد الأشرار الفُجَّار، ولو كانوا أقرب قريب من الأهل أو الصديق، وأقول: عذرا! حتى ولو كانوا في بعض الأحيان الوالدين أو الإخوان، وهذا مشاهد وموجود، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أُخبِرُكم بشِرارِكم؟"، قالوا: بلى. قال: "فشِرارُكم المُفسِدون بين الأحِبَّة، المشَّاءون بالنميمة، الباغُون للبُرَآء العَنَت- العيب-" أخرجه أحمد وصححه الألباني. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله من خبب امرأة على زوجها، لعن الله من خبب زوجاً على زوجته"، أي: لعنة الله على من أفسد زوجاً على زوجته أو زوجة على زوجها.
يا أهل الزوج! يأهل الزوجة! يا مصلحين! كونوا محضر خير، لا تكونوا معاول شر لتعينوا الشيطان وتفرحوه، ألم الطلاق صعيب، وعاقبته وخيمة، تداركوا الأمور، أعينوا الأزواج على الوفاق، أعيدوا ألأمور إلى نصابها، حاربوا الشر والخطأ الطلاق والشقاق، وفقوا ولا تفرقوا جمعوا ولا تشتتوا، وبقليل من الصفح والتنازل تصلح الأمور بتوفيق الله.
فاتقوا الله في النساء، واحذروا غضب الله وعقابه، وخذوا وقاية من ناره وعذابه.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلّث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه، فقال -جل وعلا-، في قرآن يقرأ ويتلى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعلنا مجتمعين على الحق غير متفرقين فيه، اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.
اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم