عناصر الخطبة
1/مسارعة الناس إلى علاج أمراضهم الحسية وإهمالهم لأمراضهم المعنوية 2/ظاهرة إطلاق اللسان ومخاطر ذلك 3/أهمية الصمت وفضل حفظ اللسان 4/وجوب حفظ اللسان عن رديء الكلام وخطر التهاون في الكلام من غير تثبت 5/نماذج رائعة في حفظ السلف لألسنتهم 6/الإكثار من ذكر الله وضرورة الصمت في أوقات الفتناقتباس
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ: إِنَّ الكَلَامَ التَّافِهَ مَضْيَعَةٌ لِلْأَوْقَاتِ، وَهَدْرٌ لِلْأَعْمَارِ. وَنَحْنُ -وَاللهِ- إِلَى لُزُومِ الصَّمْتِ والعَمَلِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الكَلَامِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ- رضي اللّه عنه-: "واللهِ الّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا شَيءٌ أَحْوَجَ إِلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ اللِّسَانِ" ا. ه. فَكَمْ مِنْ عَيْبٍ وعَوْرَةٍ سَتَرَها الصَّمْتُ وَأَخْفَاها، وَكَمْ مِنْ سيئة وفَضِيحَةٍ جَلَبَها الكَلَامُ وَأَبْدَاهَا، وَقَدْ يُرَى الرَّجُلُ مَهِيبًا وَقُورًا إِذَا تَكَلَّمَ سَقَطَ وَقَارُهُ، أَوْ مُعَظَّمًا فِي النُّفُوسِ إِذَا نَطَقَ بَانَ جَهْلُهُ وَعُوَارُه، وَكَثُر بَعْدَ تَعْظِيمِهِ احْتِقَارُهُ. ومِنْ هُنَا كَانَ الصَّمْتُ سَجِيَّةَ الحُكَمَاءِ، وَشِيْمَةَ العُقَلَاءِ، وَكَانَتِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد:
معاشرَ المسلمين: كَثِيرةٌ هيَ الأدْوَاءُ وَالعِلَلُ المَعْنَوِيَّةُ التِي تُصِيبُنَا، فَلَا نَعْبَأُ بِهَا، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيهَا، بَلْ وَلَا نَسْعَى لِعِلَاجِهَا، وَالتَّخَلُّصِ مِنهَا، وَقَدْ تَذْهَبُ بِكَثِيرٍ مِنْ دِيْنِنَا وَأُجُورِنَا.
فِي حِينِ أَنَّنَا لَا يَقِرُّ لَنَا قَرَارٌ، وَلَا يَهْدَأُ لَنَا بَالٌ إِذَا عَرَضَتْ لَنَا بَعْضُ الأَمْرَاضِ الحِسِّيَّةِ الجَسَدِيَّةِ التِي تُضِرُّ بِدُنْيَانَا.
وَإِنَّ مِنَ الآفَاتِ الدَوَاهِي؛ آفَةً لَهِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِن أَمْرَاضِ البَدَنِ مهما عَظُمَت، وَأَعْظَمُ فَتْكًا لِدِينِ المَرْءِ، وَأَكْثَرُ فَسَادًا لِآخِرَتِهِ.
لَا تَرَى مَنْ يُحَاذِرُهَا إِلَّا قِلّةً قَلِيلَةً مِنَ العُقَلَاءِ، الذِينَ وَفَّقَهُم اللهُ وَهَدَاهُم، وَنَجَّاهُم مِن اتَّبَاعِ هَوَاهُم، تِلْكُم الآفَةُ –يا عباد الله- هي: كَثْرَةُ الكَّلَامِ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ بِلَا زِمَام.
نَعَم -يَا عِبَادَ اللهِ-: كَمْ كَانَ الكَلَامُ مَزِلَّةً لِلْأَقْدَامِ، وَمَوْرِدًا لِلْآثَامِ، وَسَبَبًا لِلْخِصَامِ، وَالقَطِيعَةِ بَينَ الأَنَامِ!.
تَجِدُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَحَدَّثُ فِيمَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَيَهْرِفُ بِمَا يَعْرِفُ وَمَا لَا يَعْرِفُ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا يَضُرُّ أَكَثَرَ مِمَا يَنْفَعُ.
لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَلَهُ فِيْهَا تَعْلِيقٌ! وَلَا مِنْ نَازِلَةٍ إِلَّا وَيُدْلِي بِجَهْلٍ عَمِيقٍ!.
يُكْثِرُ الكَلَامَ لَا يُبَالِي بِمَغَبَّتِهِ، وَيَهْذِي بِسَقَطِ القَوْلِ وَرَدِيئِهِ، وَيُضِيعُ وَقْتَ سَامِعِيهِ، يُجَادِلُ وَيَجْرَح، يَغْتَابُ وَيَفْرَحُ، يَهْزَأُ وَيَسْخَر.
وَلَرُبَّمَا يَكْذِبُ وَيَفْتَرِي، وَيَقُولُ عَلَى اللهِ مَا لَا يَعْلَمُ، يُوغِرُ القُلُوبَ، وَيَحْصِدُ الذُّنُوب، وَيُغْضِبُ عَلَّام َ الغُيُوب.
وَدَوَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ الصَّمْتُ، الصَّمْتُ -يَا عِبَادَ اللهِ-: فَهُو أَنْفَعُ الدَّوَاءِ، وَفِيهِ -بِإذْنِ اللهِ- السَّلَامَةُ وَالنَّجَاة.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ -رضي اللّه عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَمَتَ نَجَا"[رواه الترمذي والطبراني بسند جيد].
وَعَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ -رضي اللّه عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ما النَّجَاةُ؟ قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيكَ لَسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ"
[رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"].
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ، كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ".
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي اللّه عنه- أنَّهُ ارْتَقَى الصَّفَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: يَا لِسَانُ، قُلْ خَيرًا تَغْنَمْ، واسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِن قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَكْثَرُ خَطَأِ ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ"[أخرجه الطبراني بسند حسن].
يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ" ا. ه.
أَلَا إِنَّ الصَّمْتَ عَمَّا لَا يُفِيد، وَكَفَّ اللِّسَانِ عَن الكَلَامِ أَنْ يَزِيد، لَدَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الإِيْمَانِ، وَكَمَالِ الإِسْلَامِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي اللّه عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ"[متفق عليه].
وَفي الصحيح عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي اللّه عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
عبادَ الله: إِنَّهُ لَا اسْتِقَامَةَ لإِيْمَانِ العَبْدِ، وَلَا هِدَايَةَ لِقَلْبِهِ إِذَا كَانَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ، وَلَا يَصْمُتُ عَمَّا إِذَا قَالَهُ شَانَه؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه وسلم قال: "لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ"[أخرجه الإمام أحمد والبيهقي].
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ".
وفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".
إنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ وَكَفَّهُ عَنِ الشَّرِّ، لَيسَ نَافِلَةً يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ إِنْ شَاءَ وَيَدَعُهَا إِنْ شَاءَ، بَلْ هُوَ وَاجِبُ شَرْعِيٌّ يُحَاسَبُ المَرْءُ عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ.
كَيْفَ لَا، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ رَقِيبًا، وكاتبًا حفيظًا، مَلَائِكَةً كِرَامًا تُحْصِي عَلَيهِ قَولَهُ وَفِعْلَهُ، قال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].
وقال عز شأنه: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الإنفطار: 10-12].
وَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ التَّهَاوُنِ فِي الكَلَامِ مِنْ غَيرِ تَثَبُّتٍ وَلَا رَوِيَّةٍ، وَمِنْ دُونِ مُرَاعَاةٍ لِخَيرِهِ مِنْ شَرِّهِ؛ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ".
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ: إِنَّ الكَلَامَ التَّافِهَ مَضْيَعَةٌ لِلْأَوْقَاتِ، وَهَدْرٌ لِلْأَعْمَارِ.
وَنَحْنُ -وَاللهِ- إِلَى لُزُومِ الصَّمْتِ والعَمَلِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الكَلَامِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ- رضي اللّه عنه-: "واللهِ الّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا شَيءٌ أَحْوَجَ إِلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ اللِّسَانِ" ا. ه.
فَكَمْ مِنْ عَيْبٍ وعَوْرَةٍ سَتَرَها الصَّمْتُ وَأَخْفَاها، وَكَمْ مِنْ سيئة وفَضِيحَةٍ جَلَبَها الكَلَامُ وَأَبْدَاهَا، وَقَدْ يُرَى الرَّجُلُ مَهِيبًا وَقُورًا إِذَا تَكَلَّمَ سَقَطَ وَقَارُهُ، أَوْ مُعَظَّمًا فِي النُّفُوسِ إِذَا نَطَقَ بَانَ جَهْلُهُ وَعُوَارُه، وَكَثُر بَعْدَ تَعْظِيمِهِ احْتِقَارُهُ.
ومِنْ هُنَا كَانَ الصَّمْتُ سَجِيَّةَ الحُكَمَاءِ، وَشِيْمَةَ العُقَلَاءِ، وَكَانَتِ الثَّرْثَرَةُ سِمَةَ الحَمْقَى وَالجُهَلَاءِ.
إِذَا تَمَّ عَقْلُ المَرْءِ قَلَّ كَلَامُهُ *** وَأَيْقِنْ بِحُمْقٍ لِلْفَتَى المِهْذَارِ
إِنَّ المُؤْمِنَ الفَطِنَ -يَا عِبَادَ اللهِ- هُوَ الذِيْ يَتَحَرَّى فِي كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ، يَعِيشُ فِي حَذَرٍ دَائِمٍ مِنْ فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، يَجْعَلُ عَمَلَهُ كَثِيرًا، وَكَلَامَهُ قَلِيلًا، وَلِسَانُ حَاِلهِ:
سَأَرْفُضُ مَا يُخَافُ عَلَيَّ مِنْه *** وَأَتْرُكُ مَا هَوِيتُ لِمَا خَشِيتُ
لِسَانُ المَرْءِ يُنْبِي عَنْ حِجَاهُ *** وَعِيُّ المَرْءِ يَسْتُرُهُ السُّكُوتُ
وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ فِي حِفْظِ أَلْسِنَتِهِم، يَقُولُ أَحَدُهُم يعني نفسه-: "أَعْرِفُ رَجُلًا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُعْتَذَرُ مِنْهَا!".
وَقَالَ الإِمَامُ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ -رحمه الله-: "مَا تَكَلَّمْتُ كَلِمَةً، وَلَا فَعَلْتُ فِعْلاً، إِلَّا وَأَعْدَدْتُ لَهُ جوَابًا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عز وجل-".
أَيُّهَا المَرْءُ لَا تَقُولَنَّ قَولًا *** لَسْتَ تَدْرِي مَاذَا يَجِيئُكَ مِنْهُ
وَاخْزِنِ القَولَ إِنَّ فِي الصَّمْتِ حُكْمًا *** وِإذَا أَنْتَ قُلْتَ قَوْلًا فَزِنْهُ
وَإِذَا النَّاسُ أَكْثَرُوا فِي حَدِيثٍ *** لَيسَ مَمَّا يَزِينُهُم فَالْهُ عَنْهُ
أَخْرجَ ابنُ حبانَ في صحيحه من حديثِ أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: "وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ".
عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا خَزَنَ المَرْءُ لِسَانَهُ، وَحَفِظَ عَنِ اللَّغْوِ زَمَانَه، فَقَدْ مَلَكَ زِمَامَ الخَيرِ وَنَاصِيَتَهُ، وَاسْتَجْلَبَ رَاحَتَهُ وَعَافِيَتَهُ؛ أخرج الترمذي عَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونَ)[السجدة: 16].
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُم مِمَّن يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-: وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ، فَإِنَّ فِي ذِكْرِ اللهِ شُغْلًا عَنْ فُضُولِ القَولِ، وَلَغْوِ الكَلَامِ؛ كما خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَة مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذِكْرُ اللَّهِ -عز وجل-".
مَعَاشِرَ الإِخْوَة: فِي أَوْقَاتِ الفِتَنِ، وُمُرُوجِ العُهُودِ، وَاشْتِبَاهِ الأُمُورِ، وَاخْتِلَاطِ الحَقِّ بِالبَاطِلِ.
تَعْظُمُ الحَاجَةُ إِلَى الصَّمْتِ، وَتَشْتَدُّ الفَاقَةُ إِلَى زَمِّ اللِّسَانِ بِزِمَامِ التَّقْوَى؛ فَجُرحُ اللِّسَانِ فِيهَا أَشَدُّ مِنَ وقْعِ السَّنَانِ، وَلَرُبَّ قَوْلَةٍ، أَوْ تَغْرِيدَةٍ، أَوْ رِسَالَةٍ؛ أَذَاعَتْ شَرًّا، أَوْ أَشَاعَتْ خَبَرًا، تَعَاظَمَ بِسَبَبِهَا البَلَاءُ، وَتَفَاقَمَ مِنْهَا الدَّاءُ، وَلَرُبَّمَا سَفَكَتْ دَمًا أَو قَطَعَتْ رَحِمًا، وَالشَّيطَانُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ حِرْصًا عَلَى ذَلِكَ، لَا يَزَالُ بِالمُؤْمِنِ يَتَرَبَّصُ بِهِ حَتَّى يَظفَرَ مِنهُ بِكَلِمَةٍ يَنْفُخُ فِيهَا، وَيُهْلِكُهُ بِها.
فَإِنْ تَكَلَّمَ المَرْءُ فَلْيَقُلْ خَيرًا، وَلْيُعَوِّدْ لِسَانَهُ الجَمِيلَ مِنَ القَولِ، فَإِنَّ التَّعْبِيرَ الحَسَنَ عَمَّا يَجُولُ فِي النَّفْسِ أَدَبٌ عَالٍ أَدَّبَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ، قَالَ اللهُ -جل وعلا-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم