عناصر الخطبة
1/مناسبة تأسيس بيت مسلم من أسعد المناسبات 2/من أسباب حلول البركة في البيت المسلم 3/بعض مظاهر حسن العشرة 4/الأسلوب الأمثل لمعالجة المشكلات الزوجية 5/الحث على صيام يوم عاشوراءاقتباس
ممَّا يُهدِّد الحياةَ الزوجيةَ المقارَناتُ في الخِلقة والشَّكْل، والتعامل مع ما يُشاهَد عبر وسائل التواصُل الاجتماعيّ، فتُحتَقر المرأةُ في نظر زوجها، ويُقزَّم الرجلُ في قلب زوجته؛ ولذلك ينبغي تقوى الله في التعامُل مع هذه الوسائل، والترفع عن ذلاتها، وقناعة الأزواج ورضاهم بما قسم الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الرُّومِ: 21]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائل: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)[النَّجْمِ: 45]، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي خير زاد في الدنيا والآخرة.
مما يُثلِج الصدرَ، ويُبهِج النفسَ، مناسَبات الزواج التي يقترن فيها شاب بفتاة، بميثاق غليظ، ورباط شرعيّ؛ لبناء أُسرة وتأسيس لَبِنة، تشدُّ أزرَ المجتمع، وتُقوِّي أركانَ الوطن، يَحدُوهما الأملُ والتفاؤلُ والتطلعُ لحياة سعيدة، تحتضِن ذريةً طيبةً، تترعرع في ظل أجواء هادئة هانئة، تغذيها المودَّة والرحمة، وممَّا يعزز السعادة، ويعمق الاستقرار، وهو مقصد عظيم من مقاصد الزوجية، فهم الحقوق والواجبات، وحدود المسؤوليَّات بين الزوجين.
الزواج متعة وعبادة عظيمة، لمن قصد فضيلتها، ومن هذا المنطلق فإن البيت الذي يشع بالإيمان، ويظلله الدين، ويضاء بالطاعة، ويدور مع الشرع حيث دار، بيت يخرج نباتًا طيِّبًا بإذن ربه، ولو بعد حين، قال الله -تعالى-: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 34].
بيَّن الإسلام كيف تحل البركةُ بيوتَ الأزواج من الفتيان والفتيات، وإذا حلت البركة في الأسرة والحياة ترادف الخير، ونفر الشيطان، والبركة من الله، تحل على المرء والبيت بقراءة القرآن وإحياء ذكر الله والصلاة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء"(رواه مسلم)، وقال: "اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة"(رواه مسلم)، وقال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورًا"(رواه أحمد)، وقال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)[النُّورِ: 61].
رسَم القرآنُ قاعدةً قرآنيةً ترتقي بالسلوك والآداب، وتُقرِّب الأرواحَ والأزواجَ، وتُقوِّي أواصرَ المحبة، وهي المعاشَرة بالمعروف؛ لتكون أسلوبَ حياة، ومنهجَ تعامُل في الحياة الزوجية، قال الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النِّسَاءِ: 19]؛ أي: لِيُعَاشِرْ كلٌّ منكم الآخَرَ بالمعروف، وحُسْن العشرة طيب القول، حسن الفعل، التلطف في المعاملة، توسيع النفقة، دوام البشر، لين الجانب، إدخال السرور، العفو، التسامُح، ضبط النفس، التحكم في الغضب، البُعْد عن الخصومة، تقديم الصلح على الجفاء.
ومِنَ المعاشَرة بالمعروف حفظ الأسرار، وستر الخلافات التي لا تفشى ولا تستقصى، والابتعاد عن التجسس، وسد كل ما يفضي إلى ذلك، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَجَسَّسُوا)[الْحُجُرَاتِ: 12]؛ أي: لا تظهروا ما ستره الله بالبحث عن العيوب، وتتبع العورات وكشف المستور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم"(رواه البخاري ومسلم).
وسوء الظن من آفات الحياة الزوجية، الذي يُفضي إلى الاتهام بغير بَيِّنَة، وتغدو الظنونُ والأوهامُ محورَ الحُبِّ والبُغضِ.
ومن الرُّقِيّ في التعامُل تعلُّم فنّ التغافل، وعدم الإيغال في تفاصيل الأمور الصغائر، والترفع عن سفاسف الأمور وتتبُّع السقطات.
تُواجِه الحياةُ الزوجيةُ بعضَ التحدِّيات والخلافات التي تُكدِّر صفوَها، لكنَّ العقلاء من الأزواج، والفتيان والفتيات، يجلسون على مائدة الحوار، يفندون المشكلات، يغلبون مصلحة استقرار الأسرة، وبقاء العشرة، يتجردون من آفات حظوظ النفس، ولابدَّ إلى الإشارة إلى أن العناد والتحدي نزغة شيطان؛ لتدمير بُنيان الأسرة، ولا يخلو بشرٌ من عيب ونقص، وإذا تحلَّى الزوجان بالحكمة، فإنهما يُصلِحان العيوبَ، بأسلوب حسَن، وكلمة طيبة، وأدب رفيع، والتلميح لا التصريح، ولا التجريح أقرب للقَبول مع عبارات الثناء وإحياء مشاعر الود.
وممَّا يهدد الحياةَ الزوجيةَ المقارَناتُ في الخِلقة والشكل، والتعامل مع ما يُشاهَد عبر وسائل التواصُل الاجتماعيّ، فتحتقر المرأة في نظر زوجها، ويقزم الرجل في قلب زوجته؛ ولذلك ينبغي تقوى الله في التعامُل مع هذه الوسائل، والترفع عن ذلاتها، وقناعة الأزواج ورضاهم بما قسم الله، شكرًا للنعمة، وحفاظًا على كيان الأسرة، قال الله -تعالى-: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19]، ويتوجه المعنى للمرأة أيضًا.
ألَا وإن الهدية اللطيفة، والمفاجآت المبهِجة تُجدِّد دفءَ الحياة، وتُحرِّك المشاعرَ الراكدةَ، وتُحيي معانيَ الحب والوُدّ، وتُوقِظ الألفةَ من رقادها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا"(رواه البخاري في الأدب المفرد)، والابتسامة تعمل عمل الهدية في سحرها وأثرها على القلب والنفس، فلا يغفل الزوجان عنهما، فهي تفتح مغاليق القلوب، وتزيل الضغائن، إلى جانب كونها صدقة، قال صلى الله عليه وسلم: "تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلَق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه اللهُ بالنور والرحمة والهدى، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
حثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على صوم يوم عاشوراء، وهو العاشر من محرم، فقال: "وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"(رواه مسلم)، ويُستَحَبُّ صومُ يومِ التاسعِ مع العاشرِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"(رواه مسلم).
ألَا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الْهُدَى، فقد أمرَكم اللهُ بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهمَّ وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهمَّ إنَّا نسألكَ من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهمَّ إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، نسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهمَّ إنَّا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير الفلاح، وخير العمل، وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصَّر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الْهُدَى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفُجَاءةِ نقمتك، وجميع سخطك.
اللهمَّ إنه قد حل بفلسطين من البلاء والضر ما أنت عليم به وقادر على كشفه، اللهُمَّ ارفع عنهم البلاء، داو جرحاهم، واشف مرضاهم، عاف مبتلاهم، وانصرهم على من عاداهم، اللهُمَّ كن لهم مؤيدًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهُمَّ إنهم حفاة فاحملهم، وجياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، ومظلومون فانصرهم على الصهاينة المعتدين، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهمَّ وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهمَّ وفِّقْه لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاك يا ربَّ العالمينَ، ووفق ولي عهده لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم