عناصر الخطبة
1/ من أحوال الناس الطيبة بعد رمضان 2/ دعوة لعبادة الله تعالى في كل الأحوال والأوقات 3/ أعمال يسيرة عظيمة الأجراقتباس
من تلك الأحوال ما نراه من إقبال الناس وتسارعهم إلى تطبيق سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بصيام الأيام الستة من شوال، حيث صارت هذه السنة المحمدية سمةً غالبةً في المجتمع يصومها الناس فرادى ومجتمعين، ويتواصون بها، حتى إنك لتجد كثيراً من النساء بل ومن الشابات منهن من تقضي ما عليها من الصيام ثم تصوم الست، فربما صامت من شوال نصفه أو يزيد ..
أما بعدُ: فهنيئاً لكم ما يسَّر الله من أسباب الخير والبر والكرامة، حيث أدركتم شهر رمضان، ثم أتممتم أيامه صائمين قائمين، مقبلين مؤمِّلين موعود الله.
فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، كما رزقنا الفرحة الأولى بالفطر، أن يرزقنا الفرحة الثانية، تلك التي تكون عند لقائه في جنات النعيم.
اللهم تقبل منا أعمالنا، واغفر لنا تقصيرنا وتفريطنا وتخليطنا، وثبِّتْنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يا رب العالمين.
عباد الله: ولَّى شهر الصيام والقيام، فحزنت قلوب المؤمنين كحالها في كل عام:
رَمَضَانُ وَلَّى أَظْلَمَتْ آفَاقِي *** وَتَلَفَّعَتْ بالحُزْنِ والإِطراقِ
وَشَكَوْتُ أنَّاتِ الفُؤادِ تَهُزُّني *** فأنا العَليلُ فَداوِني يا راقي
مضى رمضانُ فتفرَّق الناسُ بعده على أحوال، منها ما يُفرح النفوس، ويُبهج القلوب، وأخرى تورث الكَدَرَ والحزن والأسى.
فأما تلك الأحوال الطيبة التي خلَّفها رمضان في الناس فكثيرة ولله الحمد والمنة، وهي تزداد كل عام مع ظهور العلم، وانتشار السنة، وكثرة الدعوة، وتنوع وسائلها.
من تلك الأحوال ما نراه من إقبال الناس وتسارعهم إلى تطبيق سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بصيام الأيام الستة من شوال، حيث صارت هذه السنة المحمدية سمةً غالبةً في المجتمع يصومها الناس فرادى ومجتمعين، ويتواصون بها، حتى إنك لتجد كثيراً من النساء بل ومن الشابات منهن من تقضي ما عليها من الصيام ثم تصوم الست، فربما صامت من شوال نصفه أو يزيد.
فالحمد لله الذي هيَّأ للناس أسباب الخير فانتشر بينهم العلم والدعوة، مع ما يريده أعداء الله لهم من الغواية بعد الهداية، ومن الفساد بعد الرشاد.
ويا مَن غفل ولم يعزم على صيام هذه الأيام الستة، استدرِك ما فات، فقد بقي الكثير، ولم يذهب إلا القليل.
ومما خلَّفه رمضان في الناس من الخير تلك الوجوه النيرة، والنفوس الخيرة، التي أقبلت على الله في رمضان ثم لم تنكص بعد فراقه، بل استدامت النور والهدى وعزمت على الثبات على طاعة الله، عملاً بأمره سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
فمِن عباد الله من أقبل على المساجد في رمضان ولم يكن يعرفها من قبل إلا لماماً، فلما أقبل على الله أقبل الله عليه، ولما تقرب إلى الله علم الله منه الصدق فتقرب إليه، فكانت بدايته بداية خير، فاستقامت حاله، وطابت نفسه، وصلح قلبه، وعزم على الاستقامة، وعاهد اللهَ على الإيمان، وسأله الثبات عليه.
نعم، أقبلوا إلى المساجد، صلَّوا مع المسلمين، سمعوا الذكر، قرؤوا القرآن، فما رأوا الصلاة حملاً ثقيلاً، ولا عملاً شاقاً، وإنما وجدوا في الصلاة راحة النفس، واطمئنان القلب، وأيقنوا أن الله لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، وأنه أعلم بما يُصلِح عباده، فهُو الذي خلقهم، وهو أعلم بما يصلحهم، فما أمرهم بالصلاة والذكر والطاعة إلا وهو يعلم ما في ذلك من الخير والصلاح لهم.
نعم، جرَّبوا الإيمان وذاقوا طعمه، واستلذوا بحلاوته، فما وجدوا حلاوةً تماثله أو تدانيه، فلم يرحل رمضان إلا وقد أبقى من أولئك من يعمر المساجد بعد الهجران، ويقبل عليها بعد الأدبار.
فالحمد لله على فضله ونسأله أن يهدينا هداية تامة، وأن يثبتنا عليها حتى نلقاه، اللهم آمين. كما نسأله الله -عز وجل- أن يُصْلِحَ أحوالنا، وأن يوفقنا إلى العمل بما يرضيه، واجتناب ما يغضبه سبحانه، اللهم آمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد: ما أجمل حال الناس وهم يتقبلون في صنوف الطاعات، وأنواع القربات! ولقد كان السلف الصالح -رحمهم الله- على حال حسنة في سائر السَّنة، وإن كان إقبالهم على العبادة في رمضان أشدّ، وتفرغهم لها أكثر، يقومون الليل، ويصومون النوافل، ويقرؤون القرآن، ويذكرون الله كثيراً.
أيها المسلمون: ليس من شروط العبادة أن تتفرغ لها، فلقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحاب حرف وزرع وتجارة وصفق في الأسواق، وقبلهم كان أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- يأكلون مما يعملون، -فداود عليه الصلاة والسلام- يعمل الدروع، ويصنع الحديد، كما أخبرنا بذلك ربنا -عز وجل-، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان زكريا -عليه السلام- نجاراً"، ومع ذلك نالوا الدرجات العلى من الجنة.
وفي هذه دعوة للمسلمين أجمعين أن يعبدوا ربهم على كل أحوالهم، وفي كل أوقاتهم، فإن طلب الرزق والسعي في الأرض ليس عائقاً عن العمل الصالح المقرب إلى فضل الله ورحمته.
في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك، لـه الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت لـه عدل عشر رقاب، وكتبت لـه مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت لـه حرزاً من الشيطان يوم ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر منه".
ما أيسره من عمل، وأعظمه من أجر! ومن جرَّبه علم يُسْرَه، فاقتطِعْ من وقتك خمس دقائق، وجاهد نفسك في المداومة، تجد الثمرة يانعة.
وأيسر منه ما في الصحيحين أيضاً عنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
فالحمد لله على إحسانه وتيسيره، فلم يبق لعاقل حجة بعدما سمع وعلم، وكان الله عزيزاً حكيماً.
اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم