عناصر الخطبة
1/ المؤامرة على المرأة المسلمة ودوافعها 2/ انعكاس المفهوم الحضاري وانقلاب الموازين 3/ آليات المنافقين والتغريبيين في تنفيذ المؤامرة 4/ وجوب الأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء 5/ احترام الإسلام للمرأة وعدم مسؤوليته عن مخالفات منتسبيه 6/ المتاجرة بالمرأة واستغلالها في المجتمعات التي انحلتاقتباس
والنساء شقائق الرجال بالحدود والضوابط الشرعية، وبهذه المهام التي شرَّفها بها الإسلام؛ هل يكون نصف المجتمع معطلاً؟ وهل يكون دورها مُهمشاً كما يقول الناعقون؟ وهل يتصور دعاة التغريب المنادون بالسفور والفجور أن المرأة في المجتمع الإسلامي معدودة من ..
الحمد لله الحليم واسع الألطاف، خلق الخلق فجعلهم على طبقات وأصناف، وفرق بينهم في الطبائع والأحوال والأوصاف، خلقهم -سبحانه- من ذكر وأنثى، وجعل لكل منهما وظيفةٌ يقوم بها من دون تعَدٍّ ولا انحراف، أحمده - سبحانه - على ما شرعه وقدره وأولاه من النعم والألطاف، وأشكره على ما منَّ به علينا من النعم على مختلف الأصناف.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى من دون تحريف ولا تأويل ولا اختلاف، وأشهد أن محمداً عيده ورسوله، أفضل من تعبد لله وصلى وزكَّى وطاف، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين المبرئين من الدنس والأرجاف، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان على نهج الأسلاف، وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه أنفسكم، وما استرعاه الله عليكم من الأهل والأولاد.
عباد الله: إنكم في وسط عالم متلاطم، يموج في فتن كأمواج البحر، ويتولى كبره أئمة الكفر، وأساطين الباطل، يعملون جاهدين بمكر دقيق، وخبث ظاهر لتوجيه الأنظار إليهم، ولحمل الناس على اتباع باطلهم، ولصرفهم عن كل فضيلة وخير، وإيقاعهم فيما وقعوا فيه من الضلال والكفر، وهذا دأبهم في كل زمان ومكان، فقد أخبر الله عنهم؛ فقال: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...) [النساء:89].
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا غرو أن يقوم هؤلاء بإيقاد الفتن، وبث الفرقة والخلاف بين الجماعات والدول، وأن يكون لهم نصيب الأسد في استغلال الثروات والخيرات، ثم رد تلك الأمم والشعوب عن مبادئها وقيمها، وبث الشبهات، وتلفيق الافتراءات؛ لزعزعة الناس، وتشكيكهم في عقائدهم ومبادئهم السليمة، وذلك من عدة اتجاهات وقنوات.
وإذا كانت القضايا التي يثيرها أعداءُ الإسلام تجاه المجتمعات الإسلامية تشكل خطراً على مدنِيَّتهم، وتعكس مفهوماً خاطئاً في منظور حياتهم، فإن هؤلاء لا يحملون أي دليل أو برهان على نظريتهم تلك؛ بل إننا نعلم يقيناً أن الحامل لهم الحقد والكيد للإسلام؛ يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [التوبة:128].
ولئن كانت القضايا التي يثيرها أعداء الإسلام حول دين الإسلام وقيمه كُثُراً فإن قضية واحدة في مفهومها، ومدلولها، ودلالة العقل السليم، وطرحها على أرضية الواقع في مناسبتها، وتلاؤمها مع الواقع الحياتي، والمجتمع البشري تُبين سذاجة تلك الأفكار، وسفاهة تلك العقول التي تزعم مناقضتها للواقع الحياتي، وتدعوا إلى ردها، وتثير الشبهات حولها.
عباد الله: إن قضية المرأة؛ وأعني بها جرّ المرأة المسلمة عن مبادئها وقيمها إلى زيف الحضارة الماجنة، وانطلاقها إلى مهاوي السفل والرذيلة، وجعلها ألعوبة تتجاذبها الأهواء، وَيَنْهشها الأوباش والغوغاء، إن قضية المرأة علامة كبرى فارقة بين الإسلام والانحراف الحضاري.
لقد انعكس المفهوم الحضاري، وانقلبت موازينه بالنسبة للمرأة المسلمة، فقلبت الحقائق، وسطرت الأكاذيب، وظهرت الأقاويل والافتراءات على أن المرأة في المجتمع الإسلامي مهضومة الحق، مقيدة مكبَّلة، أصابها الظلم والتعسف، وغمط الحقوق، وهدر الكرامة.
تلك ما تفوهت به الأعداء، وسعت به سماسرتهم من إطلاق تلك المقولات، ونادت بتخليص المرأة من تلك النكود، ثم إن ألسنة من بني جلدتنا نطقت، وأقلاماً كتبت، وشوشرات زعمت، ومؤتمرات عقدت، ومقالات نشرت تدعو وتنادي بما نادى به أولئك الأنذال، وتصدق ما زعمه الأوباش، وتراهن على المبادئ والقيم؛ كأن الأمر أُوْكِل إليها!.
عباد الله: لقد ظهر في الآونة الأخيرة على ساحة المجتمع الإسلامي المناداة بكل ذلك، المناداة بتحرير المرأة، المناداة بمساواة المرأة بالرجل، المناداة بالسفور والاختلاط، كل ذلك حدث من دعاة التغريب، وسماسرة الأعداء؛ (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5]
نعم عباد الله، إن يقولون إلا كذباً، فهم سماسرةُ أعداءِ الإسلام؛ الذين يروجون لأفكارهم، ويخدمونهم في أوزارهم.
نعم عباد الله، إن يقولون إلا كذبا، فالإسلام براءٌ مما يقوله التقولون، وينعق به الناعقون، ويلفقه الملفقون من المنافقين والعلمانيين، والمرأة المسلمة في دين الإسلام معززة مكرمة، ولقد حظيت في ظل الإسلام بكل مقومات حياتها، وأعطيت كامل حقوقها، بحدود طبيعتها وتكوينها الذي جبلها الله عليها، لقد جعلها أماً وأساساً للمجتمع، يتخرج على يديها الأبطال، والقادة، والعلماء، والمهندسون.
لقد تشرفت المرأة المسلمة بأن تكون راعية لبيتها، تتحمل مسؤولية الرعاية والتدبير، لها الرأي والمشاركة فيما يختص بشؤون أسرتها تحت قوامة رجل جعل الله المهمة له في الإشراف والقوامة.
لقد جعل الله بحكمته دور المرأة في الإسلام دوراً رئيسياً، دوراً خاصاً مستقلاً، لا يشاركها فيه الرجل، وجعلها تؤدي عملاً لا يؤديه غيرها، فلها خصائص وطبائع لا تصلح إلا لها، كما للرجل خصائص وطبائع لا تصلح إلا له، فالمرأة بحكم ما خلقها الله عليه لها تكوين وطبائع خاص بها، لا يناسب غيرها.
إن الله -سبحانه- بحكمته أكرم المرأة أعظم الإكرام، فصان شرفها وكرامتها من الامتهان، وأوجب عليها لبقاء ذلك الإكرام: الاحتشام، والعفاف، والطهارة، والنزاهة؛ ثم إن الإسلام لم يحرمها من العمل الذي يتمشى مع تكوينها وطبيعتها، فهي نصف المجتمع، والنساء شقائق الرجال بالحدود والضوابط الشرعية، وبهذه المهام التي شرَّفها بها الإسلام؛ هل يكون نصف المجتمع معطلاً؟ وهل يكون دورها مُهمشاً كما يقول الناعقون؟ وهل يتصور دعاة التغريب المنادون بالسفور والفجور أن المرأة في المجتمع الإسلامي معدودة من سقط المتاع؟.
إنه وإن كان من بعض النزعات تسلُّط على المرأة، وتعسف، وظلم لها في نزعات خارجة عن قيم الإسلام ومبادئه، وقد يكون مؤدَّاها الجهل، والغرور، والتعنت، فلا تحسب مثل ذلك على مبادئ اٍلإسلام وقيمه؛ بل لا يقر الإسلام شيئاً منها.
هل يريد أولئك أنْ تجاوز المرأة تكوينها وطبيعتها، لقد تعالت الأصوات، وزمجرت الأبواق، يطلقها أقوام من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ينادون بتسوية المرأة بالرجل، وخروجها إلى ميادين العمل إلى جانب الرجل، في المكتب، والمتجر، والمعمل، وتشارك الرجال في كل المجالات.
إن هؤلاء يريدون أن تكون نساء المسلمات مثل نساء الكفار؛ تخرج إلى العمل مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب، حاسرة الرأس والوجه، قد كشفت عن ساقيها، وذراعيها، وربما فخذيها وعضديها، تُنازل الرجال في الشوارع، وتعاملهم في الأسواق، وتشاركهم في المصانع، وتخدمهم في الفنادق والطائرات.
تريد تلك النداءات أن تكون المرأة ألعوبة يتجاذبها شياطين الإنس، ولقمة سائغة يفترسها ذئاب البشر، تريد تلك النداءات الموتورة أن تكون المرأة صورة في كل دعاية، مهانة في كل مكان، منبوذة في أماكن البغاء والعهر، يُفعل بها، ويُدنس طهرها، وتستغل في الثروة والمتاجرة، هكذا يريد هؤلاء.
لقد انخلعت المرأة في بعض المجتمعات من معاني الشرف والكرامة إلى التفسخ والتحلل والعهارة، إن هذه الطغمة التي تدعوا إلى هذه الضلالات يجب الأخذ على يديها، وإسكات أصواتها، وتحطيم أقلامها، وإننا نحمد الله على أن جعل لنا بصيرة من أمرنا، وثقة بديننا، لا تستخفنا دعوات المضللين، وأهواء المغرضين.
فاتقوا الله: عباد الله، واتقوا الفتن، واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير، وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم