عناصر الخطبة
1/اعتناء الإسلام بالظاهر والباطن 2/غفلة الناس عن الباطن واهتمامهم بالظاهر 3/بعض صور اهتمام الناس بالصور والمظاهر دون الحقائق والمخابر 4/اهتمام الناس بمظهر العبادة دون روحها 5/تعليم النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه لمعيار قياس الناس والحكم عليهم بالباطن دون الظاهراقتباس
لقد اعتنينا كثيراً بالصورة، وأغفلنا الحقيقة، قال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن الله -تعالى- لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا.
أما بعد:
لقد عني الإسلام بظاهر المسلم وباطنه، وإن كانت عنايته بالباطن أكثر؛ لأن الباطن هو الأساس، وهو المقصود، فالإنسان في نظر الإسلام مظهر ومخبر، صورة وحقيقة.
وكائن ترى من صامت لك معجب *** زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
لكن مع كل أسف أصبحنا في هذا الزمان نعتني بالمظهر، وأهملنا المخبر، نهتم بالصورة وأغفلنا الحقيقة، واختلال مفهوم الظاهر والباطن يعد من جملة المفاهيم والأشياء التي اختلت في دنيا الناس.
لقد تبدلت موازين الناس، واختلفت الأفكار، لقد أقبل الناس على المسيء، وأعرضوا عن المحسن.
لقد أنكر الناس المعروف، وألفوا المنكر، لقد بالغ الناس بالزينة والمظهر والخارج في كل شيء، وأهملوا الباطن والداخل والأساس.
لقد اعتنينا كثيراً بالصورة، وأغفلنا الحقيقة، قال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن الله -تعالى- لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
نعم، إن النظر والمقياس والمحاسبة لا يكون على الصورة، وإنما لما بداخل هذه الصورة من قلب وعمل.
إننا مع الأسف -أيها الأحبة- قلبنا هذه الحقيقة الشرعية، وصرنا نزن الأشخاص والأشياء والهيئات والأمور، بل الدول والمجتمعات، أصبحنا نزنها بالصور لا بالأعمال، وصار هذا الاختلال في المقاييس من السمات البارزة، لما يسمونها بدول العالم الثالث، سمة بارزة على مستوى الأفراد والشعوب والمجتمعات.
واليكم -أيها الأحبة- بعض الأمثلة الحية والواقعية من حياتنا لتدركوا أن مقاييسنا إنما هو الصور والمظاهر، لا على الحقائق والمخابر.
فلنأخذ مثلا الأرقام هناك تقارير وإحصاءات، ونتائج رقمية، ترفع عن وضعية مؤسسة ما، أو شركة معينة، بل قل أو دولة معينة عن إيراداتها وصادراتها، وأرباحها وخسائرها، ومداخلها ومخارجها، وغالبا ما تكون هذه الأرقام الموجودة على هذه الأوراق المرفوعة، وفي هذه التقارير أرقام جميلة وبراقة.
ومع الأسف أننا نقف عند هذه الأرقام، ونقتنع بها، وربما يكون الواقع والأساس والمخبر والباطن، خلاف ما زينت به التقريرات والإحصاءات من أرقام، هذا مثال على وقوفنا عند الصورة، وعدم عنايتنا بالحقيقة.
لأضرب لك مثلا آخر من واقع كل واحد منا، لتتضح الصورة أكثر، ويعرف المراد من الكلام، شهادات الأولاد المدرسية: انتهت الاختبارات، وأغلبنا -الحمد لله- نجح أولاده، واحضروا لنا شهادات طيبة وجميلة، ونتائج وعلامات، وأرقام ممتازة.
أغلبنا إن لم يكن كلنا وقف عند هذه الشهادات فقط، عند أرقامها، وإن الولد حصل في الرياضيات على كذا، وفي التاريخ على كذا وفي العلوم على كذا، والمجموع كذا ناجح وممتاز، هذا طيب، وينبغي الاهتمام به، وحرص الآباء عليه، وفرحهم بنجاح أولادهم، كل هذا لا مطعن فيه ولا إشكال، لكن الإشكال والنقص والعيب هو أن نقف عند هذه الأرقام فقط، أو قل عند هذه الصورة الجميلة للشهادة، أو قل عند هذا الظاهر، ولا نلتفت للباطن، والباطن الذي اعنيه كم واحد منا يسأل، أو يهتم أو يحاول أن يعرف مقدار النمو العقلي لولده طوال هذا لعام الدراسي، ما مدى ارتقاء الولد أخلاقيا؟ ما مدى تقدمه في النواحي السلوكية؟ كم هو جميل أن يأخذ ولدك في الرياضيات درجة الامتياز، لكن الأجمل منه أن يتحسن أخلاقه -دينه- وأن تنمو قدراته العقلية ومواهبه؟.
فالسؤال الآن مرة أخرى: كم واحد منا يقف عند الظاهر والصورة؟ وكم واحد يتفطن أساسا للباطن والحقيقة؟ كم هو الغبن والخسارة من هذا لجهد الضخم الذي يبذله الأولاد طوال العام من الاستيقاظ من السادسة صباحا، ثم ذهاب وإياب ومراجعة ودراسة واختبارات، وجهد ومتابعة، وعناية سنة كاملة، ثم نقف بعد هذا كله عند أرقام براقة في شهادات ورقية، ولا نلتفت إلى الحقائق والبواطن والمخابر؟.
ومثال آخر من وقوف الناس واهتمامهم بالمظاهر فقط: تزور أحد أقاربك أو زملائك، فتشاهد أنه زين مجلسه بالشهادات التي حصل عليها والدورات، ووضعها في براويز جميلة، ثم تأتي لصاحب هذه الدورات والشهادات وتريد أن تستفيد منه علماً أو خلقا أو تعليما، فلا تجد شيئاً؛ لأنه مظهر لا مخبر، واكتفى من دراسته بالأوراق التي علقها وزين بها الجدران - لأن القضية ليست شهادات، كم من رجل ليس معه…، أما نحن نقيس الناس بالشهادات -.
مثال ثالث: قضية الحضور والانصراف في الدوام الرسمي: كم هو جميل أن ينضبط الموظفون في حضورهم وانصرافهم بالمواعيد الرسمية والمحددة، لكن من الظلم والغبن أن نقف عند ظاهر الحضور والانصراف فقط، ويكون تقييم الموظف في نهاية العام من خلال دفتر الحضور والانصراف؟
ولا نلتفت إلى فاعلية الموظف، ولا إلى إنتاجه وعمله، كم من الموظفين وربما تأخر بعض الوقت أحياناً، لكن إنتاجه أضعاف أضعاف من يحضر أولاً، وينصرف آخراً، ووجوده كعدمه أثناء العمل، فالعبرة بالحقيقة لا بالصورة، والعبرة بالباطن لا بالظاهر؟.
مثال رابع: حرفية النظام، الأنظمة والتعليمات لماذا توضع؟ توضع لتسهيل أمور الناس، لكن مشكلتنا نحن دول العالم الثالث أننا نقف عند حرفية النظام، وحرفية التعليمات، فنعقد أمور الناس، بمعنى أننا نأخذ الظاهر، ظاهر النظام ويغيب عنا المقصود من النظام، والهدف من إصدار التعليمات أن لا وهو تسهيل أمور الناس، وإلاّ فنظام المرور ونظام الشرطة ونظام الجمارك، ونظام الأحوال المدنية وغيرها من عشرات الأنظمة ما وضعت إلا لحل مشاكل الناس، وتسهيل أعمالهم.
ومن طريف ما قرأت وأنا أعد لهذه الخطبة كنت اقرأ في كتاب المظهرية الجوفاء وأثرها في دمار الأمة، فضرب الكاتب مثلا على حرفية النظام، والوقوف عند الظاهر، وعدم الالتفات للهدف والغاية، فيقول صاحب الكتاب: كنت مسافراً بسيارتي عبر بعض البلاد الإسلامية يقول فلما أن رجعت من السفر، ذهبت لكي أعيد دفتر السيارة والتحلل من ارتباطاته.
يقول: فذهبت إلى الجهة الرسمية عند ذلك، وقدمت لهم أوراقي وكامل المعاملة، فقالوا لي: هناك توقيع ناقص، يقول: فكملت التوقيع الناقص، فقالوا: احضر وثيقة من دائرة المرور لكي تثبت وجود السيارة، قلت: ماذا؟ قالوا: لكي تثبت وجود السيارة، فقلت لهم: السيارة هي معي الآن، وموجودة في الخارج، قالوا: وان كانت هي معك الآن، النظام إثبات وجودها عند المرور، قلت: هذا جوازي وفيه ختم دخول البلاد، وهذه أوراق دخولي بهذه السيارة للبلاد، ألا يكفي هذا لإثبات وجودها؟ قالوا: كل هذا لا يجدي، لا بد من ورقة من دائرة المرور، يقول: فذهبت للمرور بسيارتي، وقلت لهم: اعطوني ورقة لإثبات وجود سيارتي هذه التي هي معي الآن؟ قالوا: لا نعطيك الورقة إلا بعد الفحص، فقلت: أنا لا أريد الفحص فقط أريد ورقة لأثبت وجودها، قالوا: فلماذا نحن قد فتحنا قسما للفحص الفني، لا بد من الفحص أولاً ثم بعدها يكون ورقة الإثبات؟ قلت: تفضلوا وافحصوها، يقول: ففحصوها فوجدوها سليمة، لكن قالوا: هناك بعض القطع الداخلية قد زال عنها الصبغ، فلابد من صبغها، وهذا يحتاج لبعض الوقت، فقلت: أنا متأهب للسفر، وليس لدي وقت لكل هذه الإجراءات؟ قالوا: لابد أن تصلح المواطن المطلوبة لتعطى الوثيقة، قلت: سبحان الله، أنا لا أريد إلا ورقة تثبت وجود السيارة، فلماذا تجعلون من هذا قصة؟ قالوا: هذا النظام.
أيها المسلمون: لا أريد أن استرسل في ضرب الأمثلة، فنقع مما نحذر منه، فنستمتع بالأمثلة، ونقف عند ظاهرها، ونغفل عن المضمون.
خلاصة الكلام: أننا نعيش زمن الظواهر والصور، وغاب عنّا البواطن والحقائق، والأمر يعد أكثر إشكالا وأكثر حساسية إذا تعدى ذلك إلى الأشخاص والأفراد، وهذا ما سيتم التعليق عليه في الخطبة الثانية -إن شاء الله-، وأخطر منه موضوع الأشخاص، إذا وصل الأمر إلى العبادات، وقد وصل ووصل، أصبحت عباداتنا ظواهر صور أشكال، أما لب العبادة ومقصودها وحقيقتها، فهذا بعيد -والله المستعان- عن أذهان الناس، تجد الواحد منا يقبل على صلاته، ويحافظ عليها، ويهتم بحركاتها ومظهرها، وفي المسجد، وهذا محمود على كل حال، لكن الأهم منه هل يخشع في صلاته؟ هل يقبل على ربه؟ هل يبكي؟ هل تدمع عينه عند سماع الآيات؟
هذا قليل، وقل مثل ذلك في صيام الناس، في زكاتهم، في حجهم، في عمرتهم.
العمرة مثلاً اعتاد البعض أن يذهب إلى مكة في كل رمضان، وهذا طيب مع القدرة والاستطاعة، بل البعض يذهب بأولاده، لكن السؤال ما هو حالهم هناك؟
هل فعلاً تفرغ هو والأولاد للعبادة والانقطاع شهراً كاملاً بإقبال وتذلل واعتكاف، ليحصل اللب والمقصود، أم أن الواقع جلسات وسمر وأنس وحديث وزائر ومزور وسواليف وعزائم وولائم، فأصبحت أسفاراً عادية أكثر من أن تكون أسفاراً لقصد التقرب إلى الله، فسيطر الظاهر على الباطن، وظهرت الصورة، وغابت الحقيقة، وإلا كيف يعقل رجل يقضي قرابة الشهر عند الكعبة في حرم الله في صيام وصلاة وتراويح وتهجد، ثم يرجع بنفس المستوى الإيماني، يرجع كما ذهب تماما.
إنه المرض -أيها الأحبة- تعدى العامة إلى الخاصة، إلى الدعاة وطلاب العلم؛ قد يحرص البعض على جمع الكتب، وكثرة ما يقرأ، وكثرة ما يحفظ، وكثرة ما يحضر من دروس ومحاضرات، وكثرة جلوسه إلى العلماء، وما أشبه ذلك، لكن أن ينظر إلى أثر هذا في قلبه، وتأثيره في نفسه، ومدى عمله بما علم، ومدى زيادة ديانته، بكل ذلك نحرص نحن معاشر الدعاة على هداية الناس، ونفرح كثيراً، إذا انضم عنصر جديد إلينا، ونفرح أكثر إذا شاهدنا ملامح التغيير بدأت تظهر على من دعوناه من إطلاق لحيته، وتقصير ثوبه.
لكن -مع الأسف- قد نقف عند هذا، ولا نحرص على تغيير الصمام الذي بداخله، كم ممن تغير ظاهره فعلاً يكون في قلبه إشراق ونور؟ كم ممن غير ظاهره فعلاً لامست حقيقة الإيمان قلبه؟ كم ممن تغير ظاهره تغير باطنه، وخطأ وألف خطأ، إذا ظن الدعاة أن مهمتهم تنتهي إذا التزم الناس ظاهرياً؟
إن مهمة الدعاة معالجة البواطن، وتغيير الحقائق، وعدم الوقوف عند الظواهر والصور، فالذي قد نفرح به اليوم قد نحزن عليه غداً إذا ترك وانتكس، والسبب نحن الدعاة عالجنا الظواهر، وأهملنا البواطن.
فنسأل الله -عز وجل وتعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
إن الناس يقاسون ويوزنون ببواطنهم لا بمظاهرهم، بحقائقهم لا بصورهم، عن سهل الساعدي -رضي الله عنه- أنه قال: مر رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا"؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إذا خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع لقوله، قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم مر رجل، فقال له رسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيك في هذا؟" فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا".
هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا، هذا هو المقياس -أيها الأحبة- هذا الصحابي الذي سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- قاس الأمور بما نقيس نحن الناس عليه اليوم، الذي يقدم الرجل الشريف صاحب المال والجاه والمركز، هو الذي ينكح، وهو الذي يسمع له، وهو الذي يلفت الأنظار، وأما ذلك الفقير الصعلوك المعدم، لا يؤبه له، ولا ينكح، ولا يزوج، ولا يسمع له.
فأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يغير المفاهيم، وأن يصحح الأفكار، فقال: "إن هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا".
تباً لأمة لا تعرف لمن تسمع، ولا تعرف لمن تنصت، وتباً لمجتمع تسمع لمن لا يحسن القول، وتعرض عن أهله وأربابه.
إنها كلمات النبوة في حروف من نور، تحرق ظلمات، وموازين الجاهلية الفاسدة.
فليست القضية أن تجعل حولك هيلمان وصولجان وفخفخات وخدم وحشم، فربما كل هذا وما تملك وعشرات أضعافه لا يزن عند الله نفس رجل فقير تقي طائع لله.
ثم هل نعلم بأن نصر هذه الأمة مرتبط بالضعفاء وبالفقراء، وبمن لا يؤبه لهم، حسب موازين الناس الظاهرية اليوم؟.
نعم، إن نصر هذه الأمة ليس بأغنيائها ولا بأقويائها، ولا بزعمائها ولا بسلاطينها، إنما نصرها، كما أخبر الصادق المصدوق بضعيفها.
روى النسائي بسند صحيح عن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
وهل جر علينا ما نحن فيه من الهزائم والويلات والكوارث والمصائب إلا غياب تعظيم دعوة وصلاة وإخلاص الضعفاء؟
وهل جر على الأمة ما هي فيه من ذلة ومهانة إلا بعد ما انقلب في حسها موازين الظاهر والباطن، مقاييس الصورة والحقيقة، أصبحنا نقوم الرجال بغير مقاييس الشرع، ونقدم الناس بغير تقديم الشرع لهم، إذاً، فلنذق ما عملته أيدينا؟
لقد تنبه الشاعر الجاهلي لهذا قديماً أكثر مما تنبه له بنو قومي الآن، فقال عباس بن مرداس قديما:
ترى الرجل النحيف فتزدريه *** وفي أثوابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه *** فيخلف ظنك الرجل الطرير
فما عظم الرجال لهم بفخر *** ولكن فخرهم كرم وخير
بغاث الطير أكثرها فراخاً *** وأم الصقر مقلات نزور
ضعاف الطير أطولها جسوماً *** ولم تطل البزاة ولا الصقور
لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصغير بكل وجه *** ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى *** فلا غير لديه ولا نكير
فإن أك في شراركم قليلاً *** فإني في خياركم كثير
هذه هي الموازين الحقيقية، إنها ليست بشيء إلا بما في داخل قلب العبد، حتى الكثرة التي يظنها بعض الناس مقياساً في المجالات العسكرية ليس بصواب، قال الله -تعالى-: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 249].
لقد اختل هذا الميزان عند الصحابة، وقاسوا الأمور بظواهرها، وذلك في غزوة حنين: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا)[التوبة: 25].
فقالوا: "لن نغلب اليوم من قلة" فأدبهم الله -عز وجل-، وصحح هذه القضية لديهم، فهزموا في أول الأمر وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وولوا مدبرين، فثبت القلة، وصمدت أمام العدو: (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)[التوبة: 26].
هذه هي الحقائق والبواطن -أيها الأحبة- وتلكم كانت الصور والظواهر.
فنسأل الله -جل وتعالى- أن يعلمنا ما ينفعنا.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم