عناصر الخطبة
1/الفرح أمر فطري جبلي 2/أسباب التوفيق والبركة في مناسبات الأفراح 3/مخالفات شرعية تقع في مناسبات الأفراح 4/صور المبالغة المذمومة في مناسبات الأفراحاقتباس
يبالغ بعض الناس في أفراحهم بصور شتى، ومن ذلك: المبالغَة في ألوان الطعامِ والشرابِ، وينتهي به الأمر إلى ما لا يليق بنعمةٍ يجِب إكرامُها والعنايةُ بها؛ لا سيَّما وأنَّ هناك من يطمَح إليها أو إلى بعضٍ منها ممّن مسَّتهم البأساء والضرّاء، وكان من الأجدى به أن لا يبالغ. فإن فاض عن حاجته...
الحمد لله، له الحمد كله، وله الشكر كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فنشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن نبينا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم عليه وعلى صحبه الأخيار وآله الأطهار ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: فالتقوى أربح المكاسب، وأجزل المواهب، بها تستنير البصائر والقلوب، وبها تُحط الخطايا والذنوب.
ثم -أيها الكرام-: تعلمون أنه في هذه الأيام يكثر عند الناس أفراحها، سواء بأيام الزواج، أو حفلات النجاح ونحو ذلك، ولا غضاضة في ذلك، إذ أن الفرح يعد أمرا فطريا ينسجم مع طبيعة النفس البشرية، وإذا ارتقت هذه النفس، وعُمرت بالإيمان، والتزمت بما في السنة والقرآن، قرنت هذا الفرح بشيء آخر عظيم وهو الشعور بالنعمة، وعظيم فضل المُنعم والموفق لهذا الفرح، مما يستوجب شكر المتفضل سبحانه، وإدراك أن الفضل بيده -عز وجل-، فهو من كان السبب والمعين، يقول الله -تعالى-: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)[النحل: 53].
ويقول الشاعر:
إذا لم يكون عون من الله للفتى *** فأكثر من يجني عليه اجتهاده
ونحن نقول ذلك، لنؤكد أننا لا ندعو لعدم الفرح بالنجاح ونحوه، وإنما لنكشف عن الوجه الآخر الذي تحولت له كثير من مظاهر الفرح في مجتمعنا، وننبه إلى ما انفرط فيها من معاصي، التي قد تقلب الأفراح إلى أتراح، ونريد أن نتذاكر وإياكم أسباب التوفيق والبركة في مثل هذه الأفراح:
فمن الأسباب المهمة: الاقتصاد في الإنفاق: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67].
فما أجمل أن يعرف من ينشد التوفيق والبركة أن الاقتصاد أساس في ذلك، وبالأخص في النكاح لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ النكاح أيسرُه" [رواه ابن حبّان بإسناد صحيح].
وقال عليه الصلاة والسلام: "أعظم النساء بركة أيسرهن مَؤُونَة" [رواه الامام أحمد].
فالمسلم الموفق هو الذي ييسر في المهور ويقتصد في النفقات والأجور.
وإنك لتحزن –والله- عندما تشاهد مظاهر البذخ والإنفاق في الأفراح سواء من القادر أو غير القادر.
ألا فليعلموا أنهم ما أجادوا ولا أصابوا، بل ربما تسبب بذخهم هذا إلى عدم توفيق، لأنهم خالفوا سبباً رئيساً للتوفيق والبركة.
ومن أسباب التوفيق والبركة في الأفراح: أن لا يكون بمعصية الله -جل في علاه-، أيّا كانت هذه المعصية.
ومما يكثر من المعاصي: الصدح بالأغاني، فبعض الناس أولى مهمات إعداد الفرح عنده، أن يحجز موعداً مع من يحيي تلك الليلة بمكبرات أصوات، صوتها يخرق الجدران، ويدوّي في الآذان، بكلمات الهوى والشيطان، ولربما دفع الكثير في سبيل ذلك، وما علم أنه يدفع ليأثم، بل ويشرك معه آثام ممن حضر واستمع لذلك ليخرج محملاً بذنوب تثقل ظهره، والعجب أنه ينشد التوفيق والبركة.
ومن المعلوم شرعًا أن الأغاني حرام ولا يجوز سماعها، قال الله في كتابه حكاية عن الشيطان: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)[الإسراء: 64]. قال مجاهد: باللهو والغناء.. أي استخفهم بذلك.
والنبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة"[رواه البزار وحسنه الألباني].
ومن مخالفات الأفراح: التهاون في اللباس بالنسبة للنساء، فهذه ثياب رقيقة، وأخرى عارية، وأخرى مخرمة، وتلك قصيرة ومفتوحة من الجوانب، وأخرى ضيقة تصف حجم الأعضاء، وحدث ولا حرج عن البناطيل والصدور، والحجة: يوم فرح، ومع الموضة.
فيا أيها الأولياء: أترضى أن تكون زوجتك وبناتك من الذين لا يدخلن الجنة، اسمع ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما قط"، وذكر منهما: "نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
وفي جواب اللجنة الدائمة للإفتاء عن لباس المرأة أمام النساء، قالت اللجنة: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين.
وأما التوسع في الكشف فعلاوة على أنه لم يدل دليل على جوازه، فهو طريق لفتنة المرأة، وتشبهه بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"[انتهت فتوى اللجنة الدائمة].
ولا يخفى على العقلاء، أن جمال المرأة في سترِها، وبهاؤها في حيائها، ورونقها في عفافِها.
ومن المبالغات في الأفراح: المبالغَةِ في ملابِسِ النساء والفتيات، بتعمد اختيار الأغلَى ثمنًا والأرفعِ سِعرًا والأحدَثِ عَرضًا في الأسواق، بل تجاوَز ذلك إلى الوَلَع بالأكثر عُريًا، وإلى التنافُس في هذا، والتسابُقِ إلى بلوغِ أقصى الغاياتِ في ذلك؛ أملاً في الحَظوة بالتفوّق والتمتُّع بشعورِ التفرُّد والتميُّز.
ومن المخالفات التي تقع في الأفراح سواء في حفلات النجاح أو في حفلات الزواج: ما يقع من تصوير النساء، وكم جرّت هذه الصور والأفلام من مصائب، وكم أفسدت من أسر وبيوت، وكم تسببت في شقاق وفراق، وكم هُتك بسببها من ستر وعفاف وفضيلة!.
فهل يرضى غَيور أن تكون صورة ابنته أو أخته أو زوجته بأيدي الناس؟!
وهل يرضى العاقل أن تلتقَط الصورُ لمحارمه ونسائه فضلاً عن ذي الإيمان والمروءة؟!
إن هذا –والله- مما تنكره الفطر السليمة، وتَمُجُّه النفوس السوية، وتأباه العقول الناضجة.
وبعضهم يتعذر إذا فعل ذلك بأعذار واهية مثل أن يقول: إن المصورين ثقات، فنقول: ولكنهم غير معصومين عن الخطأ والنسيان والسرقة.
وبعضهم يتعذر: بأنها كاميرات شخصية، فنقول: إن المشكلة الأكبر هي كسر جانب الحياء عند المرأة الذي هو لبها وأساسها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يبالغ بعض الناس في أفراحهم بصور شتى، ومن ذلك: المبالغَة في ألوان الطعامِ والشرابِ، وينتهي به الأمر إلى ما لا يليق بنعمةٍ يجِب إكرامُها والعنايةُ بها؛ لا سيَّما وأنَّ هناك من يطمَح إليها أو إلى بعضٍ منها ممّن مسَّتهم البأساء والضرّاء، وكان من الأجدى به أن لا يبالغ.
فإن فاض عن حاجته اتصل بجمعية البر الخيرية ونحوها التي تأتي وتأخذ ما تبقى من طعام لتوصله لمن يحتاجه، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كلوا واشرَبوا والبَسوا وتصدَّقوا في غير مخيلةٍ ولا سَرَف".
ومن مخالفات الأفراح: ما تفعله بعض الفتيات أو بعض الجهات من إقامة حفلات النجاح وتكليف الأهالي بمتطلبات بما لا طائل له.
ومما يندى له الجبين ويفرح الشيطان الرجيم في حفلات النجاح ونحوها، مظاهر الجرأة والعري واللباس الفاضح في كثير من هذه حفلات النجاح.
وقد يتساهل الآباء والأمهات في ذلك بحجة عدم التضييق عليهن أو دعوى أخذ راحتهن، وهذا مما سينعكس سلباً -ولا شك- على سلوك الفتاة.
وأيضاً مما يُنقل في كثير من هذه حفلات النجاح: ما يقع بدعوى الفراق من مظاهر الضم الطويل تحت وقع كلمات الأغاني الحزينة، مما يوقع في العُجب والمحظور.
أيضا مما ينقل في نحو هذه الحفلات: ما يحدث من تصوير للفتاة تحت دعوى الذكريات، وهو ما يجلب المصائب والويلات.
أيها الأخوة: إن المقام هنا مقام تذكير وليس مقامَ حصر وتفصيل، وإلا فكم من المنكرات والمبالغات في الأفراح يجب النهي عنها والتحذير منها؛ كلجوء كثير من النساء عند الأفراح وغيرها إلى الزينة المحرمة الممنوعة شرعًا، كالنمص والوشم ولبس الباروكة، والتشبه بالكافرات في اللباس وقص الشعر، وكمثل دخول العريس أمام النساء، أو رقص الرجال أمام النساء، وغير ذلك من المنهيات التي يحسن بالمسلم وقت الفرح أن لا يشينه بمعصيه الله ورسوله.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم