عناصر الخطبة
1/ تربية الأبناء أمانة في عنق الوالدين 2/ كثرة النصوص الحاثة على إحسان تربية الأبناء 3/ مظاهر التقصير في تربية الأبناء ووجوب تلافيهااقتباس
الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فاضح، وخيانة للأمانة، ونقص في الديانة، وشرخ يحدث في بناء الأمة؛ فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والبيت هو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع. وفي الأسرة الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله وحفظ شريعته ينشأ رجال الأمة ونساؤها...
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقواه، وراقبوه ولا تعصوه، واعملوا صالحًا تفوزوا برضاه.
أيها المسلمون: الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فاضح، وخيانة للأمانة، ونقص في الديانة، وشرخ يحدث في بناء الأمة؛ فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والبيت هو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع.
وفي الأسرة الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله وحفظ شريعته ينشأ رجال الأمة ونساؤها، والولد قبل أن تربيه المدرسة والمجتمع يربيه البيت والأسرة، هو مدين لأبيه في سلوكه الاجتماعي، كما أن والديه مسؤولان عن انحرافه الخلقي إلى حد كبير.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء".
أيها المسلمون: كما أن للوالدين حقًّا على الأولاد، فكذلك للأولاد حق على الوالدين، وكما أن الله أمرنا ببر الوالدين ونهانا عن عقوقهما، فكذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد؛ فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم أداء للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقهم غش وخيانة.
وقد تظاهرت النصوص من الكتاب والسنة بالأمر بالإحسان إلى الأبناء؛ قال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
وقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة".
أيها المسلمون: على الرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرًا من الناس قد فرط بها واستهان بأمرها ولم يرعها حق رعايتها، فأضاعوا أولادهم وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم ولا يوجهونهم، وإذا رأوا منهم تمردًا أو انحرافًا بدؤوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف كما قيل:
ألقاه في اليمّ مكتوفًا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورًا شتى ومظاهر عديدة، نذكر بعضًا منها، علَّنا نحذرها ونعمل على تلافيها، والعمل بما فيه الخير لنا ولأبنائنا، فمن هذه المظاهر:
تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع، فما يلاحظ على أسلوبنا في التربية تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا، نخوفهم بالشياطين والحرامي ونحوها.
وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل أن نجزع إذا وقع على الأرض وسال منه الدم؛ ما يؤدي إلى زيادة بكاء الطفل، ويتعود على الخوف من رؤية الدم والشعور بالألم.
ومن المظاهر أيضًا: تربيتهم على الميوعة والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم، فينشأ الولد مترفًا منعمًا، همه خاصة نفسه فحسب، لا يهتم بالآخرين ولا يسأل عن إخوانه الآخرين.
ومن ذلك أيضًا: بسط اليد للأولاد وإعطاؤهم ما يريدون؛ فبعض الأولياء يعطي أولاده كل ما سألوه، ولا يمنعهم شيئًا إذا أرادوه، وهم يعبثون بالأموال؛ ما يجعلهم لا يأبهون بنعمة المال ولا يحسنون تصريفه.
ومن ذلك أيضًا: شراء السيارات لهم وهم صغار، فبعض الوالدين يشتري لأولاده السيارة وهم صغار، فإذا تمكن الولد من السيارة فإنه في الغالب يبدأ في سلوك طريق الانحراف، فتراه يسهر بالليل، وتراه يكثر الخروج من المنزل، وتراه يرتبط بصحبة سيئة، وربما آذى عباد الله بالتفحيط، وربما بدأ في الغياب عن المدرسة. وهكذا يتمرد على والديه فيصعب قياده ويعز إرشاده.
ومن مظاهر التقصير في التربية أيضًا: الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم؛ إما بضربهم ضربًا مبرحًا إذا أخطأ ولو للمرة الأولى، أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم على كل صغيرة وكبيرة، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة.
وبعض الآباء يقتِّر على أولاده أكثر من اللازم؛ ما يجعلهم يشعرون بالنقص ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى، إما بالسرقة أو بسؤال الناس أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل الإجرام.
ومن مظاهر التقصير في التربية المبالغة في إحسان الظن بالأولاد أو إساءة الظن بهم، فبعض الآباء لا يسأل عن أبنائه ولا يتفقد أحوالهم ولا يعرف شيئًا عن أصحابهم؛ وذلك لفرط ثقته بهم، فإذا وقع أحدهم في خطأ أو انحرف عن الجادة السوية ثم نبه الأب، بدأ يدافع عنهم ويتهم من نصحه ونبهه بالتهويل والتدخل فيما لا يعنيه، وكذلك من الأولياء من هو العكس من ذلك تمامًا؛ فتجده يتهم بناته وأولاده، يشعرهم أنه خلفهم في كل صغيرة وكبيرة، فذاك تفريط وهذا إفراط.
ومن مظاهر التقصير في التربية أيضًا التفريق بين الأبناء وعدم العدل بينهم بالسوية، فهناك من يفرق بين أولاده بالعطايا والهبات، وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح وغير ذلك؛ ما يوغر صدور بعضهم على بعض، ويتسبب في شيوع البغضاء بينهم.
ومنهم من يفرق بين أبنائه؛ فتجده يعطي الأبناء ويحرم البنات، فالذي يليق بالوالد إذا أعطى أحد أولاده أن يعطي الآخرين مثله أو أن يدخره لهم.
ومن مظاهر التقصير في التربية ما يفعله بعض الأولياء من تأخير تزويج البنات والمتاجرة بهن، فبعض الآباء يحرم ابنته من الزواج إذا كانت موظفة بهدف استغلال راتبها، وفي هذا ظلم لها، وبعضهم يتاجر بابنته فينظر من يدفع له مهرًا أكثر.
ومن ذلك أيضًا تزويج البنات بغير الأكفاء، فتجده يحرص على تزويج ابنته ذا مال ومنصب دون النظر إلى خلقه ودينه، ولا شك أن هذا خطأ وتفريط وإضاعة للأمانة، فاتقوا الله -أيها المسلمون- وقوموا بواجب التربية لتؤدوا الأمانة التي أمرتم بأدائها، وليكون أبناؤكم قرة أعين لكم في الدنيا، واستمرارًا لأعمالكم بعد موتكم.
اللهم وفقنا للقيام بحقوقهم، وجنبنا التقصير في تربيتهم وعقوقهم.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه ولا تعصوه.
أيها المسلمون: ومن صور التقصير في تربية الأولاد المكث طويلاً خارج المنزل، فبعض الآباء يهمل منزله ويمكث طويلاً خارجه؛ ما يعرض الأولاد للفتن والضياع والانحراف، فكم في هذا الصنيع من إهمال للأولاد!! وكم فيه من تعريض لهم للفتنة وحرمانهم من الشفقة!!
ومن مظاهر التقصير في التربية الدعاء على الأولاد؛ فكم من الأمهات من تدعو على أولادها؛ فتجد الأم -ولأدنى سبب- تدعو على ولدها بالمرض وسائر المصائب بمجرد أن ترى منه عقوقًا أو تمردًا، ربما كانت هي السبب فيه، وما علم الوالدان أن هذا الدعاء قد يوافق ساعة إجابة فتقع الدعوة موقعها فيندمان حين لا ينفع الندم. وقد قيل: إن الدعوات كالحجارة التي يرمى بها، فمنها ما يصيب ومنها ما يخطئ.
ومن صور التقصير في التربية: تربيتهم على سفاسف الأمور، كتشجيع الأندية وتقليد الكفار، وتعويد البنات على لبس القصير من الثياب، وإطلاق العبارات النابية والكلمات المقززة من خلال كثرة ترديد الوالدين لتلك العبارات.
ومن صور التقصير أيضًا: فعل المنكرات أمام الأولاد، كشرب الدخان وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام.
ومن أعظم صور التقصير أيضًا: جلب المنكرات إلى البيوت، سواء أكانت من المجلات الخليعة أم أجهزة الفساد المدمرة كالدش وغيره، فهذه وسائل تخريب ومعاول هدم وأدوات فساد وانحلال، ومدارس لهدم العقيدة وتمييع الأخلاق، فهذه الوسائل لها قدرة كبيرة على الإقناع، ولها دور كبير في تهميش دور الأسرة وتنحيته جانبًا.
ومظاهر التقصير كثيرة كثيرة، لا نستطيع حصرها في خطبة واحدة.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وجنبوا أبناءكم كل الوسائل التي تؤدي إلى إفساد أخلاقهم، وعودوهم على فضائل الأخلاق.
ألا وصلوا -عباد الله- على خير خلق الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم