عناصر الخطبة
1/ خطورة المشاكل التي تقع بين الزوجة والأخت 2/ دور الزوج عند حدوث مشكلة بين زوجته وأخواته 3/ الخطأ القاتل الذي يقع فيه معظم الأزواج 4/ من الحلول لتقريب وجهات النظر بين الأخوات والزوجة.اقتباس
إن الواجب على الزوج عند وقوع الاختلاف وحصول المشاكل بين زوجته وأخواته أن يكون عاقلاً منصفاً واقفاً في طريق الحق والعدل، موجهاً التوجيه الصحيح المنضبط، معتدلاً في أقواله وتصرفاته، مجتنباً المجاملة لأحد الطرفين، بعيداً كل البعد عن الظلم أو الجنوح مع إحداهن ضد الأخرى، حذِراً كل الحذر من مغبة خسارة أحد الطرفين أو شعور طرف بميوله نحو الطرف الآخر. فإذا شعرت الأخت بأنه وقف مع زوجته فقدت ثقتها به وتغيّر شعورها نحوه، وأحست أنه باع نفسه لهذه المرأة الدخيلة عليهم، وإذا مال إلى زوجته ضد أخواته ضرّ زوجته وأوقد نار الفتنة بينه وبينها، وخرب بيته بيده...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
لقد سبق الحديث في خطبة سابقة عن مشاكل البيوت وبيان أضرارها وأخطارها على المجتمع، وتم الحديث في خطبة خاصة عن المشاكل التي تقع بين الأم والزوجة، وما هو موقف الزواج من المشكلات التي تقع بين أمه التي يحبها وزوجته التي يريد إرضائها وعدم إسخاطها.
واليوم نريد أن نتكلم عن المشاكل التي تقع بين الزوجة والأخت، وما موقف الزوج من هذه المشكلات التي بين أخته التي تعز عليه، والتي هي جزء لا يتجزأ منه وبين زوجته التي يحبها ويعزها.
لقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز البيوت ونعمة السكن فيها والاطمئنان إليها والشعور بالراحة والسعادة عند المجيء إليها فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) [النحل : 80]، وقال عن قوم عاد: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف : 74] وقال: (وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) [الحجر: 82].
إن ديننا الإسلامي الحنيف يريد أن تكون البيوت آمنة مطمئنة مستقرة بعيدة عن الزوابع والمشاكل، سليمة من الفتن، طاهرة من الأغلال والأحقاد والحساسيات.
ولكن الناس بعضهم لبعض فتنة ومحنة كما قال الله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) [الفرقان: 20]، فكان من المتوقع جداً أن تحدث المشاكل داخل البيت الواحد، وتثور الاختلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، وتقوم النزاعات بين الزوج وزوجته فضلاً عن المشاكل المتوقعة بين الزوجة والأخت، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النساء ناقصات عقل ودين فقال: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ".
إن الواجب على الزوج عند وقوع الاختلاف وحصول المشاكل بين زوجته وأخواته أن يكون عاقلاً منصفاً واقفاً في طريق الحق والعدل، موجهاً التوجيه الصحيح المنضبط، معتدلاً في أقواله وتصرفاته، مجتنباً المجاملة لأحد الطرفين، بعيداً كل البعد عن الظلم أو الجنوح مع إحداهن ضد الأخرى، حذِراً كل الحذر من مغبة خسارة أحد الطرفين أو شعور طرف بميوله نحو الطرف الآخر.
فإذا شعرت الأخت بأنه وقف مع زوجته فقدت ثقتها به وتغيّر شعورها نحوه، وأحست أنه باع نفسه لهذه المرأة الدخيلة عليهم، وإذا مال إلى زوجته ضد أخواته ضرّ زوجته وأوقد نار الفتنة بينه وبينها، وخرب بيته بيده، وربما أوصلت هذه المشاكل إلى أهلها..
والسبب في ذلك كله هو عدم إنصاف الزوج ومجاملته وجنوحه لطرف من طرفي النزاع دون النظر الصحيح والحكم الصائب وتقدير المشكلة تقديراً عادلاً ليُبين بعدها أخطاء هذه وصوابها وأخطاء تلك وصوابها.
فتشعر هذه أن عندها من الحق والصواب ما تفتخر به، وفي نفس الوقت ترى أن عندها بعض السلبيات والأخطاء التي ينبغي لها أن تقوم بتصحيحها وتعديلها، وتشعر الأخرى بنفس الشعور.
وهنا يستقيم الحال، وتصلح المشاكل، وتنضبط الأمور، ويحدث التوازن والاعتدال داخل البيوت بين الزوجة والأخوات.
لكن الخطأ القاتل الذي يقع فيه معظم الأزواج هو التسرع والتهور في الحكم المباشر والجنوح العاجل الذي يحدث لديه لأحد الطرفين، والذي يكون غالباً مع زوجته ضد أخواته أو في بعض الأحيان مع أخواته ضد زوجته، وفي النهاية يكون سبباً للفتنة وعاملاً من عوامل المشكلة، ويحسب على أنه جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل.
والمفروض أنه يعتدل ويتوسط ويتأنى في الحكم، ولا يتعجل وينظر في القضايا المتنازع عليها ومسائل الاختلاف، ثم يحكم فيها بعد النظر الدقيق والتأمل العميق في أسباب المشكلة وخيوطها وملابساتها حتى يكون حكمه عدلاً صواباً مرضياً لطرفي النزاع.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء : 58]، ويقول: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء : 129].
إن الزوجة قد تكذب على زوجها، وتقوم بشحنه ضد أخواته، وتحاول أن تهييج بينه وبينهن، وتشعل نيران الخلاف والتشاجر معهن، وتتعمد تويتر العلاقات بينه وبينهن فعلى الزوج أن يكون لبقاً فطناً لا يُصدّق كل ما يُقال، ولا يستسلم لكل ما يُطرح، وإنما يجب عليه قبل هذا أن يتحرى الوقائع، وينظر في الكلام، ويتلمس الحقائق بنفسه دون أن يحسس الزوجة بتكذيبه لها أو شكّه في معلوماتها أو توقع بمبالغتها.
ويحصل أيضاً من الأخت أن تكذب لأخيها على زوجته، وتبالغ في الحديث بالسوء عنها، بل ربما تصل في الجرأة والحدة عند بعضهن أن تتكلم في عرضها، والحديث عن شرفها وإيصال رسالة خفية إلى أخيها بأنها كيت وكيت؛ لتلهب مشاعره عليها وتوغر صدره ضدها ليقوم بطلاقها أو التعامل القاسي معها.
وهنا على الزوج أن يتحمل الأذى من الطرفين، ويحاول قدر الإمكان توصيل الأمور وسد الاختلاف، وتقريب وجهات النظر بناء على مبدأ: "أترضاه لأختك؟ أترضاه لزوجتك؟ أترضاه لأمك؟" حتى لا تزيد المشاكل وتتفاقم الأمور.
وليستخدم اللين والرفق في التعامل معهن ويحاول النصح والتوجيه الأمثل بينهن، ولا يجعل للشيطان عليهن سبيلاً؛ لأن الصراع بينهن في الغالب هو صراع على السلطة في البيت، فكل واحدة تريد أن تفرض سلطانها، وتريد أن تُشعر الأخرى أن البيت تحت تصرفها وأمرها؛ لذا عليه أن يتعامل معهن بحكمة ولين (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت: 34- 36].
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
من الحلول لهذه المشاكل الواقعة في البيوت اليوم، وخاصة بين الزوجة والأخت؛ أن يتم إقناع كل واحدة بمهامها، وعدم تدخلها في مهام الأخرى، فمثلاً تُقنع الأخت بعدم التدخل في شئون الأولاد؛ لأن الزوجة بالتأكيد ستضيق ذرعاً من ذلك، وتعتبر أن هذا تدخلاً في شئونها الخاصة، لذا على الأخت أن تترك موضوع الأولاد ومشاكلهم لها مع زوجها.
وإذا كان هناك شيء مخل أو أمر يحتاج إلى تنبيه بخصوص الأولاد، فعليها أن تتواصل مع أخيها – أي: مع الزوج نفسه – ولا تقوم بإملاء هذه النصائح على زوجته.
وفي المقابل لا تتدخل الزوجة في أمور هي أقرب إلى المهام الموكلة للأخت؛ كأن تقوم الزوجة مثلاً بالمبالغة في خدمة والد الزوج أو والدته، أو خدمة البيت في التنظيف والطبخ وغيرها في ظل وجود الأخوات؛ لأن هذا سيجعلهن يشعرن بنوع من التقصير لديهن في حق والديهن وبيتهن.
وبعض الزوجات ربما تتعدى فتقوم بمنع زوجها من زيارة أهله وصلة أرحامه، فتشعر الأخوات أن هذه الزوجة الدخيلة تريد أن تكون سبباً للفتنة بينهم، وتفريق صفهم وشق عصاهم.
وبعضهن لديها نوع من التربية الخاطئة التي تتلقاها من مجتمعها أو صديقاتها حيث يقمن بتعبئتها بكلمات نابية وتصرفات سيئة مثل: (لا تفسحي لهم المجال)، (لا تسكتي لها)، (لا تفعلي لهم كذا وكذا)، (كوني قوية)، (افرضي شخصيتك عليهم)، وغيرها من الكلمات المشحونة والعبارات المتفجرة التي هي في الحقيقة بمثابة ألغام تتفجر عند حدوث أبسط تماس.
ومن الحلول لتقريب وجهات النظر بين الأخوات والزوجة أن يقوم الزوج بطريقة غير مباشرة بإقناع زوجته بأن أخواته هن منه وهو منهن، عاش معهن وتربى عندهن، ولهذا فإنهن يشعرن في أنفسهن أنه أخ لهن، وفي قلوبهن غيرة عليه وحب طبيعي له، ولهذا فعلى الزوجة أن لا تغار من كل تصرف ولا تتحسس من كل حركة، وأن لا ترد الفعل على كل ردة فعل حتى لا يشعرن أنها خطفت أخيها منهن، أو حولته ضدهن خاصة إذا كان هو المصرف عليهن أو الصغير فيهن، وليعلم زوجته بطريقة خفية أن سعادتهن سعادة له ولها، ومشاكلهن ستنصب عليه وعليها.
كما أن عليه أيضاً أن يُقنع أخواته بشكل غير مباشر أيضاً أنه أصبح بعد زواجه شخصاً غير الشخص الذي قبل الزواج فخدمتهن له في أيام العزوبية جهد مشكور يشكرن عليه، ولكنه انتهى ليلة الزفاف، وسلمت هذه المهام النبيلة منهن، وأوكلت إلى الزوجة، ولهذا فلا داعي للتدخل بينه وبينها ولا حاجة لتكرار بعض العبارات منهن لها، مثل أنه لا يحب كذا، ولا يأكل هذا ولا يشرب ذاك فهي في النهاية ستعرفه ويعرفها.
من أكبر أسباب هذه المشاكل بين الزوجات والأخوات هي الغيرة الزائدة والحساسية المفرطة بين النساء، ولهذا على الزوجة أن لا تظهر محبتها لزوجها أمام أخواته؛ لأن ذلك بالطبع سيغيرهن ويجعلهن يفكرن في استعادة مكانتهن في قلبه.
ولا تحاول التزين له أمامهن خاصة إذا كنّ عوانس أو لم يتزوجن بعد؛ فإن هذا سيغيظهن خاصة إذا كانت أصغر منهن أو في سنهن ومستواهن.
وعلى الزوج أن لا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بينهن؛ فإن النساء خُلقن من ضلع أعوج؛ كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعالمهن عالم شائك، وكيدهن كيد عظيم كما قال الله: (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف: 28].
فلهذا عليه أحياناً في بعض المشاكل أن يبتعد عنهن ويتركهن لحالهن، فهن أقدر على فهم أنفسهن، ومعرفة طبائعهن وأحوالهن، فربما يختلفن ساعة من الزمن، ثم يرجعن لبعض لسبب تافهٍ كحضور حفلة أو المشاركة في مناسبة، ويجتمعن وكأن شيئاً لم يكن.
ولو أنه تدخل بينهن في كل شيء لربما صار من حيث لا يشعر سبباً في تضخيم المشاكل بينهن، خاصة إذا كان الموقف محرجًا بينهن، فهن أقدر على حله، وعليه أن لا يتدخل في الأمور العادية، وإنما يُطلب منه التدخل في الأمور التي لا ينفع السكوت عليها.
هناك بعض أخوات متزوجات وتعيش عند زوجها في حالة غير مستقرة، فلما تجد زوجات إخوانها في حالة استقرار وسعادة تحاول أن تكيد لهن بدافع الغيرة والانتقام اللاشعوري أحياناً.
وتحاول أن تَصبّ قهرها وتُسلط جامّ غضبها ومشاكلها على زوجات إخوانها، وتستخدم أهلها وسيلة وأداة لتحقيق مآربها، فعلى والد الزوج ووالدة الزوج الانتباه لذلك، والحذر منه وأن يكونوا عقلاء ومسئولين على الكل مبعدين أنفسهم وأولادهم من هذه الترهات والمشاكل؛ لأن نتائجها السلبية وخيمة وعواقبها أليمة.
وفي النهاية يتضرر الجميع ويكتوي الكل لذا يجب على الوالدين حسم الأمور وإصلاح المشاكل وتقريب وجهات النظر، ويسعوا للتوفيق والوئام وليس التفريق والإثارة وحب الانتقام؛ حتى لا تتخرب البيوت وتتشتت الأسر ويحدث الطلاق ويحصل الظلم والشر.
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات : 9]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار".
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم