عناصر الخطبة
1/التحذير من إهمال تربية الشباب 2/من مظاهر الانحراف عند الشاب 3/من أسباب انحراف الشباب 4/أهمية دور الأسرة في التربية 5/من أساليب التربية الناجحةاقتباس
وما يسمع عن بعض التجمعات في الاستراحات أو الشقق التي يجتمع فيها ثلة من المراهقين والشباب بدون مبرر, سوى البعد عن أعين الناس في غفلة من أهاليهم, وفي هذه العزب والشقق يأوي هؤلاء الشباب خلال أوقات الدراسة, حين يتخلفون عن مدارسهم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
عباد الله: أرأيتم لو علم أحدنا أن هناك لصوص وقطاع طرق يتربصون به وبأهل بيته الدوائر, ويتحينون عثراتهم وينشدون غفلاتهم, أيقر له قرار وهل يهنأ بغمض أو يستلذ بنوم؟ ولو غض طرفه عنهم وتركهم يعيثون فساداً فما عسى الناس قائلين في حقه؟ وهل يوافقونه على تصرفه هذا أم يعيبونه عليه؟ ثم لو كانت الخسارة متعلقة بشيئ من المال لهان الخطب وصغر الأمر, ولكن إذا تعلقت الخسارة بفلذات الأكباد ومهج النفوس, الذين امتن الله علينا بهم فهنا الخسارة, فحين يحرص الوالدان على صحة ابنهما البدنية ويهتمان بغذائه وملبسه ويغفلان عن صحته الدينية والخلقية فهنا الخسارة المركبة والخطأ الجسيم!.
عباد الله: هناك مظاهر في مجتمعاتنا تُرى من الشباب والمراهقين, ووقائع تُروى تثير العجب وتستوقف الحريص الغيور, فهناك بعض التجمعات الشبابية في الشوارع وعند بعض المدارس التي لا تخلو من العبث بالسيارات, وتعريض النفس والآخرين للخطر, وما يستغرب من التعلق الكبير بالسيارات وقائديها, ممن يعرف بالعبث بها أو تكون من السيارات الفارهة التي تخلب الألباب, وما يسمع عن بعض التجمعات في الاستراحات أو الشقق التي يجتمع فيها ثلة من المراهقين والشباب بدون مبرر, سوى البعد عن أعين الناس في غفلة من أهاليهم.
وفي هذه العزب والشقق يأوي هؤلاء الشباب خلال أوقات الدراسة, حين يتخلفون عن مدارسهم وفي أوقات متفرقة, وربما اختلط فيها الكبير بالغر الصغير الجاهل الذي لا يدرك ما حوله ولا يفهم الهدف من إحضاره, وفيها تشاهد القنوات الفضائية التي تعج بالرذيلة والفجور وتنشر الفحش عبر الأثير, وفيها يتعلم الجميع فنون تناول الدخان والشيشة وما نحا نحوها من الخبائث والنتن, وما ظنكم بثلة مراهقين يختفون عن أعين الناس وفيهم الطيب والخبيث, أتتركهم شياطين الجن والإنس دون توريطهم فيما يشين؟.
وقد علمنا -يا عباد الله- خطورة مرحلة المراهقة, وما يكتنفها من المخاطر, وما يعانيه المراهق من الدوافع التي تدعوه للوقوع فيما حرم الله -تعالى- من الأفعال القبيحة, حين تحف به الأسباب الميسرة لذلك؛ من ضعف الإيمان, والخواء الروحي, والتهاون بالواجبات الشرعية وعلى رأسها الصلاة, والفراغِ الذي يجعل الفتى ميالاً إلى ما يلهي ويضيع الوقت فيما لا يجدي, ناهيك عن صاحب السوء الذي يحسن القبيح ويدعو إلى الرذيل من الأفعال بقوله وفعله, وما يعمد إليه بعض الصغار من المبالغة في التجمل والتطيب, والتساهل ببعض الحركات المكروهة, والركوب مع من هب ودب, والانصياع لأدنى تهديد أو ترغيب.
أضف إلى ذلك كله ما تعج به وسائل الإعلام الوافدة عبر الأثير, من مشاهد فاضحة وصور فاتنة تسلب لب العاقل الكبير فضلاً عن المراهق الغرير, وكم من الضحايا الذين سقطوا على أعتاب هذه القنوات أو مواقع الانترنت الخليعة!.
كل ذلك -يا عباد الله- مما يضاعف المسؤولية نحو أبنائنا وإخواننا, ويدعو كل مسؤول إلى أن يتحمل مسؤوليته الملقاة على عاتقه ويبرئ ذمته أمام ربه, إنها مسؤولية جسيمة وواجب أكيد يحمل عبأه الآباء والأولياء والمعلمون, ومعهم الدعاة والناصحون والمسؤولون, وليست هذه المهمة بالسهلة اليسيرة, فالمراهق في أمس الحاجة إلى التربية البناءة, واليد الحانية التي ترفق به وتأخذ بيده إلى مواطن الخير, وتحذره من مواطن الشر, وتبصره بما يهمه.
فالأب مسؤول عن رعيته التي استرعاه الله إياها, ولو تفقد الأب أبناءه وراعى أحوالهم التي تتقلب من كونهم أطفالاً ثم مراهقين ثم شباباً لاستفاد الابن كثيرا, فهل يعرف الأب جلساء ابنه ومع من يغدو ويروح, وأين يسهر؟ وإلام يذهب أو يسافر؟ وهل بصّر ابنه بخطورة جلساء السوء وقوة تأثيرهم؟.
ألا وإن للبيت أثراً لا ينكر في تنشئة الأولاد, فهل يستوي البيت الذي لا تسمع فيه المنكرات ولا ترى, ولا تدخله وسائل الإفساد والتأثير السلبي مع ذلك البيت الذي يستقبل كل وافد عبر الفضاء من القنوات, أو عن طريق المجلات والصور الهابطة, ولا يسمع فيه قرآن ولا ذكر, وربما كان أهله ضعيفين في شأن الصلاة أو الستر والحجاب؟.
ومهما بذل المربون والناصحون من الجهود في استصلاح الشباب والمراهقين فإن أثرهم لا يعدل نصف الأثر الذي يتلقاه الابن والبنت من البيت والوالدين, وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى, فقد أساء غاية الإساءة, وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم, وتركهم تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضــاعوهم صغارا, فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا".
وهناك أدب قرآني أرشد القرآن الكريم إليه, ونحن في حاجة لاستحضاره وتطبيقه؛ (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)[النساء: 5], وقد علم المربون ما تجره وفرة المال بيد المراهق في ظل غفلة الرقيب, وكم يتألم العاقل حين يرى صبياً وبيده سيارة, يصول بها ويجول, فكم آذى وتعدى وأزعج الناس, وطالما كانت السيارة سببا في تغير سلوك قائدها الصغير!.
فلنكن على علم بذلك -يا عباد الله- ولنتبه إليه إن كنا حقاً ننشد صلاح أبنائنا وبناتنا, ونطمح في كونهم شباباً صالحين بارين بوالديهم نافعين لمجتمعهم, ومن الذي لا يحب أن يكون ابنه متفوقاً في دراسته حافظا لكتاب الله -تعالى-, متميزا في سلوكه وأخلاقه, درة في أسرته وبين أقاربه مسارعاً إلى المسجد حريصاً على العلم والاستفادة؟.
إن ذلك كله ليس بعزيز ولا مستحيل؛ فالهمة العالية للوالدين تصنع الرجال وتخرج أجيالاً, ومما يشار إليه في تربية الأولاد الحاجة إلى استعمال اللطف واللين, وتحسين العلاقة مع الأولاد وجعلها أقرب إلى الصداقة والمودة, فلا بد من ترك الأساليب الجافة في التربية وعلاج المشاكل لدى الأولاد, وقد قيل قديماً في تربية الابن: "لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً, وصادقه سبعاً",؛ أي: لاعبه في سنيه الأولى, فإذا تم سبعاً من السنين وبلغ سن التمييز يأتي حينذاك دور التربية والأدب, وتلقين المفاهيم والمثل الجميلة, وإذا أتم أربع عشرة سنة وناهز سن التكليف يأتي دور العلاقة الأخوية والصداقة التي تربط الوالد بولده, فيعامل الابن معاملة الرجال شيئاً فشيئاً, ولا يعني ذلك ترك الشدة في وقتها المناسب وبالأسلوب المناسب؛ فللين أوقاته وللشدة وقتها, وكل خطأ يعالج بحسبه, وقد قال الشاعر:
قَسا لِتَزدَجِروا وَمَن يَكُ حازِماً *** فَليَقسُ أَحياناً وَحيناً يَرحَمُ
ولو تأسينا بنبينا -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع صغار الصحابة لرأينا الأثر الجميل والأدب الراقي الذي يصنع الرجال, وكل ذلك قيام بالواجب الذي أمرنا به: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6], وحديث: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ, وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا".
اللهم احفظنا واحفظ أولادنا, اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا, (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا عباد الله: تلك إشارات إلى قضية مهمة لا بد من التعرض لها قياماً بالواجب وتذكيراً بالمسؤولية, وذلك شيء من دور الوالد في علاجها, وللمعلمين والمربين دور آخر في علاجها ومراعاتها, ومن ورائهم دور رجال الحسبة والأمن الذين أنيط بهم حفظ الأمن وستر عورات المسلمين, وإن الحاجة إلى طرح هذه القضية قائمة في جميع مجتمعات المسلمين في عصرنا هذا, فهي بلوى عامة, لا تعني بلداً دون آخر, وأول العلاج معرفة المرض وتلمس أسبابه وبيان المتخصص في علاجه, والله المستعان وعليه التكلان.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم