عناصر الخطبة
1/خواطر حول رحيل رمضان 2/الاستمرار على الطاعة بعد شهر رمضان 3/لتستمر مظاهر التواصل في شهر رمضان 4/أحكام قضاء الصيام وصيام الست من شوال.اقتباس
ودَّعنا رمضانَ قبلَ أيامٍ، وقد فازَ فيه أقوامٌ، عمروا نهارَه بالصيامِ، وليله بالقيامِ، واجتهدوا في الأعمالِ الصالحةِ، وهم كمن يبني له بناءً، فهم في هذهِ الأيام مجتهدون لإتمامِه، وهكذا الحامدُ لربِّه الشاكرُ له، كلُّ حياتَِه عبادةٌ وطاعةٌ، يتقلَّبُ بين...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي جعلَ في تعاقبِ الليلِ والنهارِ آيةً لمن أرادَ أن يذكَّر أو أرادَ شكورًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له شَرعَ لعباده من مواسمِ الطاعاتِ ما تعظمُ به أجورُهم، وَوعَدهم بالمزيدِ في حالِ شكرهِم، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أكرمُ من شَكرَ لربهِ بلسانهِ وجوارحهِ صلى الله عليه وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد؛ فاتقوا الله أيها المؤمنون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها المؤمنون: ودَّعنا رمضانَ قبلَ أيامٍ، وقد فازَ فيه أقوامٌ، عمروا نهارَه بالصيامِ، وليله بالقيامِ، واجتهدوا في الأعمالِ الصالحةِ، وهم كمن يبني له بناءً، فهم في هذهِ الأيام مجتهدون لإتمامِه، وهكذا الحامدُ لربِّه الشاكرُ له، كلُّ حياتَِه عبادةٌ وطاعةٌ، يتقلَّبُ بين حمدٍ وذكرٍ، وصلاةٍ وصيامٍ، وقراءةٍ وصلةِ رحمٍ، ودعوةٍ وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن منكرٍ، فليس لهم وقتٌ خاصٌ للطاعةِ، وصدق اللهُ العظيمُ: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين* لاَ شَرِيكَ لَهُ)[الأنعام: 162، 163].
عبادَ الله: وبين رمضانَ ورمضانَ مفاوزُ تنقطعُ فيها أنفاسُ البشرِ، ويرحلُ عن هذه الدارِ أقوامٌ من المسلمين، استكملوا آجالَهم وأرزاقَهم، فأتاهم اليقينُ من ربِّهِم، وصدقَ رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- "أن نفسًا لن تموتَ حتى تستكملَ أجلَها وتستوعبَ رزقَها"(رواه أبو نعيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085).
ولكنَّ عبادَ اللهِ الذين ألِفُوا الطاعةَ وجاهدوا أنفسَهم عليها لديهم الهمّةُ العاليةُ بعدَ رمضان، فتراهم في شوالَ وما بعده من سائرِ شهورِ العامِ يتقلَّبون بين أنواعِ الطاعاتِ؛ لأنَّهم وَجدُوا اللَّذة والفوزَ في طاعةِ ربِّهم، فحرِصوا على إتّباع الحسنةِ بالحسنةِ، وهؤلاء أدركوا الغايةَ من خلقِهم، وقِصرَ هذهِ الحياةِ، فعمَّروها بما ينفعهُم في الدارِ الآخرةِ؛ دارِ القرارِ.
وهذه هي التقوى وآثارُها، فليستْ خاصةً في رمضانَ، بل هي في سائرِ العامِ، وهنا يدركُ الصائمونَ أثرَ التَّقوى عليهم، وهم يتلذَّذون بالطاعةِ بعدَ رمضان.
عبادَ الله: لقد رأينا ما سرَّنا وأثلجَ صدورَنا في لقاءاتٍ عائليةٍ، تحقَّقتْ فيها معاني الصلةِ بكلِّ أبعادِها، وخلتْ من المنكراتِ، وهكذا هي أيامُ العيدِ؛ أيامُ صلةٍ ومحبةٍ.
لقد تعلَّقت الرحمُ بالرحمنِ حين خَلقَ الخلقَ، وقالتْ: هذا مقامُ العائذِ بكَ من القطيعةِ، فقال الله -جل وعلا-: "ألا ترضينْ أن أَصلَ مَن وَصَلَكِ وأقطعَ مَن قَطعَكِ؟ قالتْ: بلى. قال فذاكَ لكِ"(رواه مسلم).
فالواصلُ من تمامِ أجره أن يصلَه الرحمنُ، والقاطعُ من عظيمِ عقوبتِه أن يقطعَه الرحمنُ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم)[محمد:22].
والمؤمنون المتقون يتذكَّرونَ الفرحةَ الكبرى في جوارِ الرحيمِ الرحمنِ في جنَّاتِ النعيمِ، وتلك لا مُنغِّص بعدها، وهي الفرحةُ الدائمةُ التي لا يعقبُها حزنٌ، وصدقَ اللهُ العظيمُ: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور* الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)[فاطر :35]، وهكذا كانَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- يربطُ بين الفرحتينِ؛ "للصائمِ فرحتانِ؛ فرحةٌ عند فطرهِ، وفرحةٌ عندَ لقاءِ ربَِّه"(رواه البخاري ومسلم).
بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما سمعتم فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين؛ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وآلهِ وصحبهِ أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتزودوا للدارِ الآخرةِ؛ ما دمتم في دارِ العملِ.
أيها المؤمنون: يكثُر الجدلُ حولَ تقديمِ صيامِ النَّفلِ كصيامِ ستٍّ من شوال على صيامِ القضاءِ، ولأهميةِ الأمرِ أوضِّح ما يتعلَّقُ بهذه المسألةِ وأحكامِ القضاءِ فأقول:
يجبُ على من كان عليه قضاءُ أيامٍ من رمضانَ أن يبادرَ في صيامِها؛ لأنه لا يدري ما يَعْرِضُ له.
الأولى تقديمُ القضاء على صيامِ الستِّ من شوال، ولكن لو كان القضاءُ كثيرًا – كالمرأةِ النفساءِ التي أفطرتَ رمضانَ أو أكثرَه – فلها تقديمُ صيامِ الستِّ، لما ثبتَ عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالتْ: "كان يكونُ عليَّ الصومُ من رمضانَ، فما أستطيعُ أن أقضيَه إلا في شعبانَ؛ وذلك لمكانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-"(رواه البخاري ومسلم).
يحرمُ الفطرُ في صيامِ القضاءِ من غيرِ عذرٍ إلا إن كان ثمَّةَ عذرٌ يبيحُ لهُ الفطرَ في رمضان.
لا يلزمُ التتابعُ في صيامِ القضاءِ، بل يجوزُ أن يصومَه المسلمُ متفرقًا.
لا بدَّ من تبييتِ النيةِ من الليلِ في صيامِ القضاءِ، وهكذا كلُّ صومٍ واجبٍ كالنذرِ والكفارةِ.
لا يحلُّ للمرأةِ أن تفطرَ في قضاءِ رمضانِ مهما كانتْ الأسبابُ، إلا إذا كانتْ مريضة أو مسافرة، وإن طلبها زوجُها فلا يجوزُ لها الفطرُ، ولا طاعةَ له في ذلك، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ.
لا ينبغي للمرأةِ أن تصومَ القضاءَ إذا منعها زوجُها من ذلك، ما دام الوقتُ موسَّعًا، لكن لو صامتْ فلا يجوزُ له أن يلزمهَا بالفطرِ.
يجوز إفرادُ يومِ الجمعةِ إذا كان الصيامُ قضاءً، أو كان نفلاً مقيدًا مثلَ صيامِ الستِّ من شوال.
صيامُ النفلِ لا يحتاجُ إلى نيةٍ من الليلِ، حتى ولو كان نفلاً مقيدًا؛ مثلَ صيامِ الستِّ من شوالِ.
من أفطرَ في رمضانَ لعذرٍ، واستمرَّ عذرهُ إلى أن ماتَ فلا يُصامُ عنه، ولا يطعمُ عنه؛ لأن عذرَه استمرَّ ولم يكن له فرصةٌ للقضاءِ.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال -جل من قائل عليمًا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:٥٦].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم