عناصر الخطبة
1/ محبة الله أصل الإيمان 2/ من لوازم الإيمان البراءة من الكافرين 3/ مراغمة أعداء الله من الجهاد في سبيله 4/ من صور المراغمة مقاطعة الكفار منهجيًا وفكريًا واقتصاديًااقتباس
جَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- هِجْرَةَ الـمُهَاجِرِ فِي سَبِيلِ اللهِ مُرَاغَمَةً لِلْعَدُوِّ أَمْرًا مَحْمُودًا وَمَرْضِيًّا عِنْدَه، فَقَالَ سُبْحَانَه: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)، سَمَّى المَكَانَ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَّفَ المُؤْمِنِينَ بِالعُبُودِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ وَالإِخْبَاتِ إِلَيْه، وَرَبَطَ قُلُوبَهُمْ بِرَابِطَةِ الوَلَايَةِ فِيه، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمُ التَّرَاحُمَ وَالتَّنَاصُرَ ابْتِغَاءَ وَجْهِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَة، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِه، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ الله-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ السُّوءَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، وَجَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا.
عِبَادَ الله: هَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ شَيْطَانِ قُرَيْش؟
إِنَّهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجُمَحِيّ، كَانَ كَافِرًا، وَقَاتَلَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْر، وَوَقَعَ ابْنُهُ أَسِيرًا، ثُمَّ اتَّفَقَ مَعَ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى المَدِينَةِ لِيَقْتُلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- غَدْرًا، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَهُ السَّيْفُ، فَزِعَ وَقَال: هَذَا عَدُوُّ اللهِ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَحَزَرَنَا لِلْقَوْم، ثُمَّ أَمَرَ الصَّحَابَةَ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ حَتَّى لَا يَغْدِرَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا دَخَلَ عُمَيْرٌ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَعْلَمَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِحَقِيقَةِ مَا جَاءَ لِأَجْلِه، وَبِاتِّفَاقِهِ مَعَ صَفْوَانَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَاهُ -صلى الله عليه وسلم-، حِينَئِذٍ أَيْقَنَ عُمَيْرٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولٌ صَادِق، يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ الله، فَآمَنَ بِاَللَّه.
فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُسْلِمًا فَرِحَ بِه، وَقَال: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبَّ إلِيَّ مِنْ عُمَيْرٍ حِينَ طَلَعَ عَلَيْنَا، وَلَهُوَ اليَوْمَ أَحَبُّ إلِيَّ مِنْ بَعْضِ وَلَدِي”(أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ).
مَا سَرُّ هَذَا التَّحَوُّلِ فِي مَوْقِفِ عُمَر، وَكَيْفَ يُصْبِحُ العَدُوُّ بِمُجَرَّدِ إِيمَانِهِ وَلِيًّا حَبِيبًا؟
لَا يَجِدُ العَبْدُ تَعْبِيرًا يَصِفُ العَلَاقَةَ بَيْنَ العَبْدِ الصَّادِقِ وَرَبّهِ سُبْحَانَه، مِنْ وَصْفِ اللهِ -تَعَالَى- لِتِلْكَ العَلَاقَةِ بِقَوْلِه: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه)، فَمَحَبَّةُ اللهِ -تَعَالَى- أَصْلُ الإِيمَانِ وَأَسَاسُه، وَالمُؤْمِنُ هُوَ مَنْ عَرَفَ اللهَ -تَعَالَى- وَعَلِمَ كَمَالَهُ وَجَمَالَهُ وَجَلَالَه، فَامْتَلَأَ قَلْبُهُ بِمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَالعُبُودِيَّةِ لَه، وَانْبَعَثَتْ جَوَارِحُهُ بِطَاعَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَالتَّسْلِيمِ لَه.
وَمَحَبّةُ اللهِ لَيْسَتْ دَعْوَى تُدَّعَى بِاللِّسَان، بَلْ هِيَ شُعُورٌ وَوِجْدَان، يَسْتَوْلِي عَلَى الجَنَان، فَيَذُوقُ مِنْهُ طَعْمَ السَّعَادَةِ بِالإِيمَان، كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَان: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْه، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ”(متَّفَقٌ عَلَيْه).
إِنَّهَا ثُلَاثِيَّةُ السَّعَادَة، حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالحُبُّ فِي الله، وَكَرَاهِيَةُ الكُفْرِ بالله، لَا يَكُونُ العَبْدُ مُحِبًّا للهِ حَقَّ المَحَبَّةِ إِلَّا بِذَلِك.
وَإِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ العَقْلِ وَالفِطْرَةِ وَالعُرْف، أَنَّ مَنْ أَحَبَّ مَحْبُوبًا أَحَبَّ أَوْلِيَاءَهُ وَنَاصَرَهُم، وَأَبْغَضَ أَعْدَاءَهُ وَنَافَرَهُم.
وَلِذَلِكَ كَانَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَامَةً عَظِيمَةً عَلَى مَحَبّةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَاصْطِفَاءً مِنْهُ يَخْتَارُ لَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِه، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم)
وَإِنَّ مِنْ شُعَبِ مُجَاهَدَةِ أَعْدَاءِ اللهِ إِسَاءَةَ وُجُوهِهِمْ وَإِغَاظَتَهُمْ وَإِرْغَامَهُمْ بِكُلِّ مَا يَكْرَهُون، وَهِيَ عِبَادَةٌ عَظِيمَة، تُسَمَّى (عُبُودِيَّةُ المُرَاغَمَة).
فَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- هِجْرَةَ الـمُهَاجِرِ فِي سَبِيلِ اللهِ مُرَاغَمَةً لِلْعَدُوِّ أَمْرًا مَحْمُودًا وَمَرْضِيًّا عِنْدَه، فَقَالَ سُبْحَانَه: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)، سَمَّى المَكَانَ الَّذِي يُهَاجِرُ العَبْدُ إِلَيْهِ لِإِقَامَةِ دِينِ اللهِ (مُرَاغَمًا)؛ لِأَنَّهُ يُرَاغِمُ بِهِ عَدُوَّ الله.
وَبَيّنَ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مُرَاغَمَةَ الشَّيْطَانِ عَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ الإِنْسَان، أَمْرٌ مَشْرُوع، فَالشَّيْطَانُ يَغْتَاظُ مِنْ سُجُودِ العَبْدِ لِرَبّه، لِأَنّ اللهَ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُد، وَلِذَلِكَ شَرَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْمُصَلِّي إِذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْن، وَقَال: “إِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ”(أَخْرَجَهُ مُسْلِم)، وَسَمَّاهُمَا “المُرْغِمَتَيْنِ”(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد).
وَمِنْ أَوْصَافِ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ -تَعَالَى- فِي الكُتُبِ السَّابِقَة، أَنَّهُمْ سَبَبٌ لِغَيْظِ الكَافِرِين، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ).
وَجَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- مُغَايَظَةَ أَعْدَائِهِ نَوْعًا مِنَ الجِهَادِ الَّذِي يَكْتُبُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَمَلًا صَالِحًا فِيهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ لَهُم، فَقَالَ جَلَّ شَأْنُه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ).
فَهَذِهِ عُبُودِيَّةٌ شَرِيفَة، تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ العَبْدِ فِي حُبِّهِ للهِ وَتَطَلُّبِهِ لِرِضَاه، يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ الله-: “عَلَى قَدْرِ مَحَبّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ وَمُوَالَاتِهِ وَمُعَادَاةِ عَدُوِّه، يَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ المُرَاغَمَة”.
عِبَادَ الله: إِنَّ مُغَايَظَةَ أَعْدَاءِ اللهِ -تَعَالَى- وَمُرَاغَمَتَهُمْ أَنْوَاعٌ وَضُرُوب، فَمِنْهَا: إِرْغَامُ أُنُوفِهِمْ بِإِظْهَارِ التَّجَلُّدِ وَالصَّبْرِ لِئَلَّا يَشْمَتُوا بِالمُؤْمِنِين، كَمَا فَعَلَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا قَدَّمَهُ المُشْرِكُونَ لِلْقَتْل، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَقَال: “لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا”(أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ).
وَمِنْ مُرَاغَمَةِ أَعْدَاءِ الله: التَّعَالِي عَلَيْهِمْ فِي مَوَاقِعِ النِّزَال، حَتَّى إِنَّ مِشْيَةَ الكِبْرِ مَعَ كَوْنِهَا مَذْمُومَةً، إِلَّا أَنَّهَا مَحْمُودَةٌ إِذَا كَانَتْ تَبَخْتُرًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي الجِهَاد، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “وَأَمَّا الخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ القِتَالِ”(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد).
وَمِنْ مُرَاغَمَةِ أَعْدَاءِ الله: نَشْرُ مَا يَكْرَهُونَهُ وَيَغِيظَهُم، مِثْلَ أَخْبَارِ هَزِيمَتِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ وَإِذْلَالِهِم، وَكُلِّ مَا يَفُتُّ فِي عَضُدِهِم، وَيُوهِنُ عَزَائِمَهُم، ويُخذِّلُهُم عن إِجرَامِهِم، وَيُؤَلِّبُ الـمُنْصِفِينَ مِنْ شُعُوبِهِم عَلَيهِم، وَيُلْقِي الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِم، وَيَكْسِرُ مِنْ كِبْرِيَائِهِمْ وَغَطْرَسَتِهِم.
وَمِنْ مُرَاغَمَةِ أَعْدَاءِ الله: إِضْعَافُ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الحَرْب، بِمُقَاطَعَةِ شَرِكَاتِهِمُ الدَّاعِمَةِ لِجُيُوشِهِم، وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنَ العَدُوِّ شَيْئًا؟ فَقَال: لَا يُبَاعُ مِمَّنْ يَتَقَوَّى عَلَى المُسْلِمِين.
وَهَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، كَانَ سَيِّدَ اليَمَامَة، ثُمّ أَسْلَمَ وَذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ يَعْتَمِر، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ قَالَ لَهُم: “وَالله، لَاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-”(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
وَلَيْسَ يَفْهَمُ مُرَاغَمَةَ أَعْدَاءِ اللهِ بِمُقَاطَعَتِهِم، مَنْ صَارَ عَبْدًا لِلشَّهَوَات، مُسْتَرَقًّا لِبَطْنِه، مُنْقَادًا لِمَا يُغْرُونَهُ بِهِ مِنْ مُنْتَجَات.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيم، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيم، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوه، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لله، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاه، وَبَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى.
إِخْوَةَ الإِسْلَام: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ وُجُوهِ مُرَاغَمَةِ أَعْدَاءِ الله: الِاسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِ الله، وَالتَّمَسُّكَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَالثَّبَاتَ عَلَى الإِسْلَام، وَإظْهَارَهُ وَنَشْرَهُ بَيْنَ النَّاس، وَالِاسْتِدْلَالَ لِصِحَّتِهِ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْه؛ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيُحَارِبُونَهُ جَهْدَهُم، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون).
وَمِنْ مُرَاغَمَةِ أَعْدَاءِ اللهِ الوَاجِبَةِ: هَجْرُ الأَفْكَارِ الغَرْبِيَّة، وَإِعْلَانُ قَطِيعَةِ مَوَادِّهِمُ الإِعْلَامِيَّة، فَإِنَّهُمْ يَبُثُّونَ إِلَيْنَا مُسَلْسَلَاتِهِمْ وَأَفْلَامَهُم، وَيُسَلِّطُونَ عَلَيْنَا قَنَوَاتِهِمْ وَإِعْلَامَهُم، لِيَصُوغُوا بِهَا عُقُولَنَا عَلَى الإِعْجَابِ بِهِم، وَالتَّبَعِيَّةِ المُطْلَقَةِ لَهُم.
وَقَدِ انْتَشَرَ تَغْرِيبٌ شَمِلَ أَكْثَرَ جَوَانِبِ الحَيَاة، أَوْقَعَ الكَثِيرِينَ فِي الِاسْتِرْقَاقِ القِيْمِيِّ وَالفِكْرِيّ، حَتَّى بَاتُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الأُمُورِ بِمِنْظَارِ الغَرْبِ وَرُؤْيَتِهِم، فَالحَقُّ مَا رَأَوْهُ هُمْ حَقًّا، وَالبَاطِلُ مَا رَأَوْهُ بَاطِلًا.
إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ صِبْغَة، لَا تَقْبَلُ التَّمَاهِيَ وَلَا التَّلَوُّنَ مَعَ أَيِّ بَاطِل، فَالمُؤْمِنُ يَسْتَقِي عَقِيدَتَهُ وَمَنْهَجَهُ وَأَفْكَارَهُ وَأَخْلَاقَهُ مِنَ الوَحْيِ المَعْصُوم، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ المُؤْمِنَ أَنْ يُعْلِنَهَا صَرِيحَة، فَقَالَ سُبْحَانَه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).
وَقَدْ ذَمَّ اللهُ -تَعَالَى- مَنْ يُصْغِي بِأُذُنِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ وَيَتَأَثَّرُ بِهِمْ وَيُطِيعُهُمْ وَيَتَّبِعُهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِم، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم).
فَيَا مَنْ آمَنْتَ بِالله! رَاغِمْ أَعْدَاءَ اللهِ مَا اسْتَطَعْت، وَدَافِعْهُمْ وَأَغِظْهُمْ بِمَا أَمْكَنَك، فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الجِهَادِ المَشْرُوع، وَالجِهَادُ كَمَا يَكُونُ بِالنَّفْس، يَكُونُ بِالمَالِ وَبِاللِّسَان، كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم- “جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُم، وَأَنْفُسِكُم، وَأَلْسِنَتِكُم”(رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِي).
اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامِ وَأَهْلَه، وَأَذِلَّ الكُفْرَ وَأَهْلَه، اللهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ وَلِإِعْلَاءِ دِينِك، اللهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّة، وَارْحَمْ ضَعْفَهُم، وَاجْبُرْ كَسْرَهُم، وَتَوَلَّهُمْ بِرَحْمَتِك، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ المُعْتَدِين، أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِقُوَّتِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيز.
اللهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
عِبَادَ الله: اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم