عناصر الخطبة
1/ أهمية التفكر في سرعة مرور الأيام وسرعة انقضاء الأعمار 2/ الموت نهاية كل حي 3/ وجوب محاسبة النفس 4/ لزوم العمل الصالح والمسارعة إلى الخيرات طريق النجاة 5/ الحذر من توالي الفتن على المسلمين وموت علمائهم وخيارهماقتباس
تذكروا بنهاية العام نهاية الدنيا، وإذا كانت منتهية وزائلة فهي هينة وضيعة، لا ينبغي للعاقل أن يتعب نفسه خلفها، وفي البحث عن ملذاتها، فلو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء. وتذكروا ببداية العام الدار الآخرة، فهي حياة جديدة ودار الأبد ومستقر العمر والحياة التي لا نهاية لها ولا انتهاء.. فهل من عائد إلى الله؟! وهل من قاصد لثوابه وجنته؟! وهل من مستنصر به؟! فالنصر قريب..
الخطبة الأولى:
أيها الناس، اتقوا الله، وتفكروا في مرور الليالي والأيام، وأن كل ساعة تمر لا تعود إلى يوم القيامة، وإنما هي مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة، فمن عمل فيها خيرًا فليحمد الله وليزدد منه، ومن فعل غير ذلك فليراجع نفسه وليخف ذنبه، فإنكم راجعون إلى الله، وموقوفون بين يديه، وسيوضع الكتاب بين أيديكم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وستجدون أعمالكم حاضرة أمامكم، ولا يظلم ربك أحدًا، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].
عباد الله، بالأمس ابتدأ هذا العام، وكل منا ينظر إلى نهايته على أنها بعيدة، فما هو إلا أن قيل: قد انقضى العام وآذن بالزوال، وهكذا الأعمار تطوى والأيام تمضي، فماذا فعل الإنسان فيها؟ وبماذا قضاها؟ يقول أبو بكر الصديق: "إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد خفي عنكم علمه، فإن استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا".
وفي الحديث عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
فانظر - يا عبد الله - كيف جعل النبي قِصَر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا فيطمئن فيها، ولكن ينبغي له أن يكون فيها كأنه على جناح يهيئ جهازه للرحيل.
أيها المسلمون، ها أنتم في آخر جمعة من هذا العام، وستبدؤون بعد أيام قلائل عامًا جديدًا، فكم ودعتم في العام الماضي من عزيز عليكم؟ وكم ولد لكم فيه من الأولاد؟ وكم افتقر فيه من الأغنياء واغتنى فيه من الفقراء؟ وهكذا الدنيا لا تدوم على حال، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ) [النور: 44].
وإن كثيرًا من الناس ليفرح ببداية العام ويسر بها، وما درى هذا المسكين أن بداية العام محسوبة من عمره، وأن العام القادم شر من العام الماضي، كما في الحديث عن النبي : "ما من عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم"، وفي الحديث الآخر: "ما من عام إلا وينقص الخير فيه ويزيد الشر".
إن كل الناس موقنون بالموت، مسلمهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم، ما من أحد منهم يحدث نفسه بالخلود، لكن الفرق بيننا وبين الكفار أن الكفار لا يرجون جنّة ولا يخافون نارًا ولا بعثًا ولا نشورًا، ونحن مؤمنون موقنون بذلك، وأن مرجعنا إلى الله، وأن الكفار هم أصحاب النار، وموقنون أن كل صغير وكبير مستطر، وأنا مجزيون بأعمالنا؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7- 8].
فكونوا - أيها المسلمون - كما قال أمير المؤمنين عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله"، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة: 18].
تذكروا بنهاية العام نهاية الدنيا، وإذا كانت منتهية وزائلة فهي هينة وضيعة، لا ينبغي للعاقل أن يتعب نفسه خلفها، وفي البحث عن ملذاتها، فلو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء. وتذكروا ببداية العام الدار الآخرة، فهي حياة جديدة ودار الأبد ومستقر العمر والحياة التي لا نهاية لها ولا انتهاء، (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64]، فطوبى لمن شغلته أخراه عن دنياه، ويا سعادة من كان مستقبل عمره خيرًا من ماضيه، والويل والخسران لمن كان غير ذلك.
وإن في الماضين من الأمم لعبرة للمعتبرين، وفي الأموات من الآباء والأجداد لذكرى للمتذكرين، فأين المشمرون إلى الله والدار الآخرة؟! وأين الذين يبدءون بأنفسهم، فيصلحونها ويعيدونها إلى دين الله ومرضاته؟! فلو أن كل إنسان أصلح نفسه لصلح أمر الدين والدنيا.
وإن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، وليست التوبة مجرد قول اللسان دون عمل، بل الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والتوبة ندم على ما مضى من العيوب وإقلاع عن الذنوب وإنابة إلى علام الغيوب.
وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعظ رجلاً فقال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، هذه موعظة لاغتنام أوقات القوة والنشاط قبل أن ينزل على الإنسان وقت الفترة والضعف وقلة النشاط، ومن أصلح نفسه وحفظها على أمر الله سبحانه أصلح الله حاله وحفظه في دنياه وأخراه.
فاجعلوا الموت نصب أعينكم، وأكثروا من ذكره، وزوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة، فلقد كانت هذه حال السلف، فقد قال بعضهم: "ما نمت نومة فحدثت نفسي أني أستيقظ منها".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله يبدي ويعيد، ذي العرش المجيد، وهو فعال لما يريد، أمر عباده بالتوحيد، وحذرهم عقابه يوم الوعيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الرأي الرشيد والقول السديد، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المزيد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله، وأصلحوا أعمالكم، وعودوا إلى ربكم، فإن الأمة الآن في أمس الحاجة إلى مراجعة أمرها والعودة إلى كتاب ربها، فقد مرت عليها في السنين الماضية أحداث جسام هزت كيانها، وأبعدتها عن مصدر عزتها وكرامتها.
بموت علمائها نقصت في علمها ودعوتها، وكم مات في الأعوام الماضية من إمام وعالم، كانوا أركانًا للملة وأعلامًا للهدى ونجومًا يهتدى بها، وإن الله لا ينزع العلم انتزاعًا من صدور الرجال، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
تسلط الأعداء على ديار المسلمين بغزوهم في بيوتهم وأماكن نزولهم، بإرسال الفساد عليهم عبر كل وسيلة يستطيعونها، ليبعدوا الأمة عن دينها، ثم تسلطهم على الديار بالحروب في كثير من بلاد المسلمين، وهم لا يرضون منا إلا اتباع دينهم، (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [آل عمران: 120].
فهل من عائد إلى الله؟! وهل من قاصد لثوابه وجنته؟! وهل من مستنصر به؟! فالنصر قريب، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
وإن في شهر الله المحرم لذكرى لنصر الله للمؤمنين على الكافرين، فأروا الله من أنفسكم خيرًا ينجز لكم ما وعدكم.
ثم صلوا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم