عناصر الخطبة
1/عِظم شأن الصلاة 2/محافظة المؤمن على الصلاة 3/ حق الله تعالى في الصلاة 4/الفرق بين أداء الصلاة وإقامتها 5/أهم حقوق الصلاة وآدابها 6/وجوب تعلم كيفية الصلاة الصحيحة الكاملة 7/أهمية تعظيم قدر الصلاة في القلوب.اقتباس
وفرقٌ كبيرٌ بين أداءِ الصلاةِ وبين إقامتِها بحقّها!؛ فالأداءُ معناهُ مُطلَقُ الإتيانِ بها مُتقنَةً أو غير مُتقنَة، بينما إقامةُ الصلاة معناها أداؤُها في وقتها وعلى أكملِ صورةٍ وأتمّها. هذا هو جوهرُ الإقامَةِ وهذا الذي جعل الصلاةَ عمادَ الدّين!
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد للهِ العظيمِ على إحسانِه، والشكرُ له -سبحانه- على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لِشَأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنّتِهِ ورِضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ثم أما بعد: معشر المؤمنين: أعظَمُ صفاتِ المؤمنِ بعد إيمانه وتوحيده لله -تعالى-: "تعظيمُهُ لشأنِ الصلاة"، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُهُ الصلاة"(صحيح سنن الترمذي 2616).
فالمؤمنُ والمؤمنة حريصٌ على إقامَةِ عبادَةِ الصلاة، غيرُ مستَخِفٍّ بها أبدًا، يؤدّيها بحقِّهَا الذي فرضَهُ اللهُ عليه، وهو بذلكَ يرجُو أن يقبلَ اللهُ منه سائرَ عملِهِ، ويرفعَ له قدرَه، ويباركَ له في أجره ويُدخِلَهُ بذلك الجنّة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من درنه شيء؟!" قالوا: لا يبقى من درنه، قال: "فذلك مَثَل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهنّ الخطايا" (متفق عليه)، اللهُ أكبر..
فما هو حقُّ اللهِ -تعالى- في الصلاة؟ ومتَى يكونُ المؤمنُ والمؤمنةُ قائمًا بهذا الحقّ؟ ومتى يكونُ من المُستخِفّين به والعياذ بالله؟ نتحدّثُ عن هذا الأمر في هذه الجمعة؛ تعليمًا وتذكيرًا وتنبيهًا للرجال والنساء، ونسألُ اللهَ العظيم التوفيقَ إلى ما يُحبُّ ويرضَى.
معشر المؤمنين: أما اشتراطُ أداءِ الصلاة بحقّها فقد دلّت عليه كثيرٌ من النصوص منها:
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة"(صحيح سنن ابن ماجه 884). وفي روايةٍ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أداها بحقها قُبلَت منه، وقُبِل منه سائر عمله، ومن رُدّت عليه صلاته رُدّ عليه سائر عمله"(السلسلة الصحيحة 2537).
إذًا هذا هو معنى "إقامَة الصلاة"، وفرقٌ كبيرٌ بين أداءِ الصلاةِ وبين إقامتِها بحقّها!؛ فالأداءُ معناهُ مُطلَقُ الإتيانِ بها مُتقنَةً أو غير مُتقنَة، بينما إقامةُ الصلاة معناها أداؤُها في وقتها وعلى أكملِ صورةٍ وأتمّها. هذا هو جوهرُ الإقامَةِ وهذا الذي جعل الصلاةَ عمادَ الدّين!
معشر المؤمنين: من كان ينظُر إلى الصّلاةِ هذه النظرةَ وأنَّها إتمامٌ لـ"الصّلةِ بالله"؛ فسوفَ تلمسُ منهُ مظاهرَ تدلُّ حقًّا على تحقيقِ الكمالِ والتمام في صلاتِه وإقامتها بحقّها.
وأما توضيحُ هذا الحقّ؛ فقد دلّ عليه حديثُ عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أتاني جبريل من عند الله -تعالى- فقال: يا محمد، إن الله -عز وجل- قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، مَن وافاهن على وضوئهن ومواقيتهن وسجودهن؛ فإنه له عندي بهن عهد أن أُدخله بهن الجنة، ومَن لقيني قد أنقص من ذلك شيئًا فليس له عندي عهد، إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له"(السلسلة الصحيحة: 848).
أيها الإخوة في الله: إليكم إذًا تفصيلُ حقّ الصلاة:
فأوّل هذه الحقوق: إتقانُ الطهارةِ استعدادًا للِقاءِ الله: وفي هذا يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ كما أُمِرَ، وصلى كما أُمِرَ؛ غُفِرَ له ما قدَّم من عمل"(صحيح الترغيب والترهيب: 196).
فانظُر -أخي الحبيب- إلى هذا الجزاءِ ما أعظَمَهُ وما أجلّه! "غُفِرَ له ما قدَّم من عمل"!، لماذا تحصّلَ له هذا الفضل؟، بهذا الثمن: "من توضَّأَ كما أُمِرَ"؛ أي أسبغَ الوضوءَ وأتمَّهُ وأتقنَهُ.
إذًا إتقانُ الطهارةِ أوَّلُ الطريقِ في إقامةِ الصلاةِ؛ لأنَّهُ استعدادٌ واجبٌ لتحقيقِ الصّلةِ بالله لا تتمُّ تلك الصّلةُ إلاّ بذلك الإتقان؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين)[المائدة: 6].
أيها الأحبّةُ في الله: وثاني هذه الحقوق: استشعارُ الهيبةِ عند الوقوفِ بين يدي الله: وهذا الاستشعارُ يزيدُ وينقُصُ حسبَ درجةِ إيمانِ العبدِ وتقواهُ لله وتعظيمُهُ للهِ ولقدرِ الصلاة، وقد كان الأوّلون أهلاً لهذا الاستشعار لقوّة إيمانِهم وتعظيمِهم لله تعالى.
فهذا الإمام مجاهد يحكي حالَ السلفِ في قيامِهِم بين يدي الله يقول: "كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بَصَرَه إلى شيءٍ، أو يلتفت، أو يقلَّب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدّث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسيًا ما دام في صلاته"(تعظيم قدر الصلاة: 1/ 188).
وقد كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: ما لَك؟ فقال: "جاء والله وقت أمانَةٍ عرضها اللهُ على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها!"؛ فمن منَّا لله في قلبِهِ مثلُ هذه الهيبَة؟!
نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين: وثالث حقوق الصلاة: المحافظة على الوقت: إي واللهِ ينبغي أن أحاسبَ نفسي هل أنا من المحافظين على الأوقات أو ممَّن يحافظون على البيوع والصفقاتِ أكثر من الصلاة؟! هل أنا ممن يؤدي كلَّ صلاة في وقتها تحقيقًا لواجب الصّلَة بالله، أم أنَا ممن يؤدّي الصلوات جملةً بعد الانتهاء من مشاغل الحياة الدنيا وشهواتها ومشاكلها؟
أُحاسبُ نفسي وأنا أقرأُ قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "قال اللّه -تعالى-: إني فرضت على أمتك خمس صلواتٍ وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهنّ لوقتهنَّ أدخلته الجنّة، ومن لم يحافظ عليهنَّ فلا عهد له عندي".
معشر الأحباب: ورابعُ حقوق الصلاة: إتقانُها في الأداءِ قراءةً وقيامًا وركوعًا وسجودًا وخشوعًا على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهرًا وباطنًا.
وهاهنا يُحاسبُ كلُّ واحدٍ منّا نفسَهُ: ما الذي منعَهُ من تعلم كيفية الصلاة الصحيحة الكاملة وقد تعلّمَ السياقةَ والكتابةَ والحسابَ وتشغيل الهاتف المحمول؟! واللهِ يتفطّرُ القلبُ من حالِ بعض المصلّين ممّن لا يعظّمُ قدرَ الصلاةِ، ولا يجدُ من نفسِهِ همّةً لتعلُّمِ أحكامها وكيفيّتِها، وهي سهلةٌ ميسورةٌ، وللهِ الحمد.
أيها الأحباب: نعوذُ باللهِ من تركِ تعظيمِ شعائر الله؛ فإنّهُ الهلاكُ المبين، وهو سِمَةُ غير المؤمنين!، قال -سبحانه وتعالى- في وصف المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلا)[النساء: 142]، وقال -سبحانه-: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُون)[التوبة: من الآية 54]، وقال -سبحانه وتعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59]؛ نسأل اللهَ العافية.
ألاَ فعظّمُوا شأنَ الصلاةِ؛ فإنّها الصّلةُ بالله، وهي ترفعُ العبدَ عند الله -تعالى-، وتُبارِكُ أجرَهُ وتزكّيه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله"(رواه مسلم).
أيها الإخوةُ في الله: ومن تمام إقامة الصلاة المفروضة الحرص على تأديتها في جماعة في المسجد؛ فهي من علامات التوفيق، ومن سنن الهُدَى، وأعظم في الأجر والميزان والرّفعَة عند الله -جلّ وعلا-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تطهّر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة"(رواه مسلم).
إن العبدَ إذا علَّقَ قلبه بالمساجد، وعوَّدَ نفسه نقل الخطوات إلى بيوت الله -تعالى-؛ يفوز بالهداية الربّانيّة وبشهادة الله -تعالى- له بالإيمان، وكفى بشهادة الله شهادة، قال الله -سبحانه-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِين)[التوبة:18].
نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضَى.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم