عناصر الخطبة
1/ نجدة المعتصم لمسلمة في أقصى المشرق 2/ تضييع المسلمين لقضية فلسطين 3/ دور الدعاة والعلماء في المحنة 4/ دور وسائل الإعلام في شغل المسلمين بقضايا تافهة 5/ معركة عقائدية يحركها التوراة والتلمود 6/ كيف ننتصر على اليهود؟!اقتباس
إن المأساة أليمة والخطب جسيمٌ لكن ما يحدث هو مسئولية على كل من رآه أو علم به, وإننا والله مسئولون عن مناظر القتل التي يمارسها يهود على إخواننا فلسطين, وكثير منا لا يحرك ساكنًا بل لديهم الوقت لمتابعة كرة آسيوية أو حفلات غنائية, والله إننا نخشى أن يصيبنا الله بعقوبة من عنده إن لم نقم بأدنى واجبات النصرة لهم, إن أسلحة المال والدعاء لهما أعظم الأثر -بإذن الله- في دعم إخواننا المسلمين ودحر اليهودِ الغاصبين, وإنه ليس من عذر لأحدٍ منا اليوم يرى مقدساته تنتهك, ويرى أطفالاً أبرياء يقتلون في حجر آبائهم ويهود متسلطون، ثم لا يدعم إخوانه هناك ويتأثر لمصابهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله جعل قوة هذه الأمة في إيمانها, وعزها في إسلامها, والتمكين لها في صدق عبادتها, أحمدُه سبحانه وأشكره, وأتوب إليه وأستغفره, وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, دعا إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها, والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون إن كنتم مؤمنين.
طغى الجنود وقادتهم وأحرقوا البلاد ودنسوا المساجد وتجبروا في بلاد المسلمين وثغورها وهاجموا إحدى بلدان المسلمين فانتهكوا الأعراض وسبوا الديار, ودنسوا المقدسات وشردوا الأهل, لكن امرأة واحدة -نعم امرأة واحدة- رأت بارقة أمل في أحد قادة المسلمين فصرخت: وامعتصماه, فلبّى صرختها خليفة المسلمين حينذاك المعتصم لبيك أختاه, وحين حاول أصحابه المنجمون والمثقفون والسياسيون أن يثنوه عن عزمه ضرب بكلامهم عرض الحائط فذهب بنفسه إلى تلك البلاد وحرَّرها وأنقذ أهلها, ثم حارب الروم حتى وصل إلى عمورية فأحرقها ونصر المسلمين, فسطر التاريخ نُصرتَه تلك بمداد لا تنسى,وذهبت القوافي تتبارى في تذكر ذلك النصر وحاجة المسلمين إليه فكان قول أبي تمام ردًا مفحمًا للمخذلين:
السيفُ أصدقُ إنباء مـن الكتـب ***في حده الحدُّ بين الجدِّ واللـــعب
أين الرواية بـل أين النجومُ وما *** صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
وخـوَّفوا الناس من دهياء مظلمة *** إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذيــب
يقضون بالأمر عنها وهي غافـلةٌ *** ما دارَ في فلكٍ منها وفي قـــطب
فتجاوب الشعر مع ذاك الحدث حتى يومنا هذا, وتثور قرائح الشعراء بعد أن نرى خذلان أمة الإسلام عن نصرة بعضها البعض, وكثير من النساء تصرخ ولا مجيب, الأعراض انتهكت, والديار أحرقت, والمقدسات دنست.
أمتي هل لك بيـن الأمـم *** مــنبر للسيـف أو للقلـم
أتلقاك وطرفي مـطـــرقٌ *** خجلاً من أمْسك المنـــصرمِ
ويكادُ الدمعُ يهمي عــاتـبًا ***ببقايا كبريـاءِ الألـــمِ
ألإسرائيل تعلو رايــةٌ فـي حمى*** المهد وظلِّ الحــــرمِ
كيف أغضيت على الذلِّ ولـم *** تنفضي عنك غبار التــــهم
أو ما كنت إذا البغيُ اعـتدى *** موجة من لَهَبٍ أو من دميِ
اسمعي نوحَ الحزانا واطرَبي وانظريِ*** دمع اليتامى وابسـمي
رُبَّ وامعتصماه انطــلقت *** ملءَ أفواه الصبايا اليــــتم
لا مست أسماعـهم لكنــها *** لم تُلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجـدتـه *** لم يكن يحملُ طهر الصـنم
لا يلامُ الذئبُ في عـدوانـه *** إن يـكُ الـراعي عـدوَّ الغنم
أيها الأخوة المؤمنون: كثيرةٌ هي التساؤلات ونحنُ نرى النكبات التي تتقلب فيها الأمة العربية المسلمة خلال خمسين سنة سيَّما مع اليهود في فلسطين. فلسطين التي يَدْمَى جرُحهَا كلَّ يوم فماذا فعلنا لها؟ فماذا قدّمنا من تضحيات؟ وماذا فعلنا وحققنا بالتنازلات؟! هل بحثنا في أسباب هذه الهزائم والخسائر الفادحة؟ هل أذكاها عَوجٌ خلقي؟ أو خللٌ سياسي أو غش ثقافي؟ أو انحرافٌ عقدي؟ إن من المحتم على كل أصحاب الألسن وحملة الأقلام ألا يقترفوا خيانات قاتلة بتجاهل هذه القضية, هذا التجاهل الذي يُؤخُر يومَ النصر.
وإن قضية فلسطين وغيرها من قضايا المسلمين الدامية يختلطُ فيها الشجو بالرضا, والتهنئة بالتعزية, رضا وتهنئة حينما يستحضر الإنسان مرأى أولئك الأبطال الذين وقفوا في وجه الصهيونية الحاقدة, فسارعوا إلى ملاقاة ربهم, ودماؤهم على ثيابهم وأبدانهم لم تُرفع لتَبْقى وسامًا فوق صدورهم.
وشجوٌ وتعزيةٌ حينما يقعُ ما يقع على مرْأى من أهل القبلة ومسمعٍ فلا يحيرون جوابًا ولا يحركون ساكنًا إلا من رحم الله, تقع أمامهم الحوادث وتدلهم الخطوب فلا يئنون لمتألم, ولا يتوجعون لمستصرخ, ولا يحنُون لبائس.
أين أقل النصرة الواجب لإخواننا المسلمين؟ ليست فقط في فلسطين التي تشتد جراحُها هذه الأيام, بل في سائر بقاع المسلمين, الشيشان وكشمير والفلبين.
ليس من معنى لأمةٍ ترى شعوبها تُنتهكُ حرماتها وتُدنَّسُ مقدساتها وتنهبُ باسم السلام والشرعية الدولية، ثم ترى كثيرًا من أفرادِ هذه الأمة وهو عاكفٌ على اللهو والعبث, فهذه كرةٌ يتابعونها باسم كأس آسيا,وهذه حفلاتٌ غنائية يقيمونها,وسهوٌ وغفلةٌ وكأنَّ ما يحدث لا يمسُّ أرضهم ولا يقتلُ إخوانهم ولا يؤذي جيرانهم.
إلى الله المشتكى فكيف يستطيع أن يهنأ صاحبُ الترفه بطعامه وشرابهِ, بل كيف يُدلِّل صبيانه ويمازحُ أهله وهو يرى في فلسطين صبيةً مثل عيالهِ برءاءُ ما جنوا ذنبًا, أطهارٌ ما كسَبت أيديهم إثمًا, يبكون من الحيف ويتلمظون من الجوع, ويواجهون مدرعات وجنود صهيون بصدورهم وأحجارهم, يقتلون في حجر آبائهم, أفلا يكون للمسلم السهمُ الراجح في العطف عليهم كفكفة دموعهم ودمعهم بما يستطيع ليواجُهوا هؤلاء الأعداء بدلاً منه, كيف أصبح إخواننا في فلسطين تحت سيطرة يهودٍ الحاقدين وهم يلجئون إلى مكبرات أصوات المساجد يستغيثون بالمسلمين وقد سالت عليهم حِممُ القنابل وأريقت دماؤهم, وإلى المساجد وقد هُدمت, وإلى الحرمات وقد انتهكت, فماذا فعلنا للأقصى؟!
تُرى أين دورُ المثقفين والكُتاب في وصف القضية وتحليلها, والخروج بالدروس والعبر منها, والكتابة عن دور السلام المزعوم أمام قومٍ وصفهم الله بأنهم ينقضون كل عهد وميثاق, أم أنهم أكثرهم سخروا الأقلام لتقويض دعائم الحياة الفاضلة والأخلاق الفاضلة, وأورثوا فوضى فكرية لا معروف فيها ولا منكر, وإنما هي انتهازية وإقليمية وباتوا مرتزقة يستجدون الساسة والأثرياء بكتاباتهم.
أليس الدور المطلوب منهم الآن توضيح أبعاد القضية والمكر الخفي, وألاّ يكونَ كثيرٌ منهم أمعاتٍ يُردِّدون ما يُقال بلا توضيح للحقائق.
ترى هل يكون روبرت فيسك الكاتبُ البريطاني أكثرُ مصداقية من كثير من كتابنا حين يصف اليهود بالخونة وما يُسمى السلام زائفًا والاعتداء من جهة إسرائيل ؟!
أين دورُ العلماءِ والفقهاء وهم قادة الناس ومُوجهيهم, ويَنتظر منهم المسلمون النصرة لإخوانهم فإن العلماء الذين سطر التاريخُ أمجادهم كان الناسُ يلجئون إليهم بعد الله عندما تدلهم المصائب وتكثرُ الأزماتُ ليجدُوا عندهم الحلَّ والتوجيه وقيادة الركب, فلا معنى لعالمٍ أو طالب علم يكون في وادٍ أو برج عاجي وأمته وقضاياها في وادٍ آخر.
حينما دخل التتارُ إلى بغداد ودمشق وعاثوا فيهما فسادًا كان الفقهاء حينذاك كما يروي التاريخ يناقشون قضايا فقهية ليس ذاك وقتها, فهل عرفنا التاريخ بأسمائهم, لقد حفظ لنا التاريخ أسماء بارزة من أمثال ابن حنبلٍ ومالك وابن تيمية الذي جاهد التتار وتقدَّم الجيوش فأصبح رجل الناس المحبب إليهم, يصدرون عن رأيه ويرجعون إليه, ويفقدونه إذا غاب أو غُيِّب, إنه ليس من معنى أن ترى بعض المبتدعة أو الرافضة من العلماء وهم في مواقفهم أشدُ قوة وأكثرُ وضوحًا من علماء المنهج الصحيح الذين انشغلوا عن القضية بنقاشات وفلسفات بعيدة عن مُصاب الأمة.
ثم إننا نتساءل عن دور التجار وأصحاب الأموال في دعمهم لقضية فلسطين وكثيرٌ منهم قد تجمعت أموالهم وتراكمت من خلال الأسهم والبنوك, وإخوانهم في أشد حاجة إليها, فأصبح المال الإسلامي طاقة مهدرة تُحركها بنوكُ الغرب ومصارفه, وتجدُ أن أحدهم يضع العراقيل أمام تبرعه إن بذله.
العجب لحال أهل الإسلام حين يرضى بالقعود أولو الطول والمقدرة ممن يملكون وسائل الجهاد والبذل, ولا يذودون عن حرمةٍ, ولا ينتصرون لكرامةٍ, وإن من وراء حب الدعة وإيثار السلامة سقوط الهمة وذلة النفس وانحناء الهمة والتنكصُ عن المواجهة بالمال والنفس, فأين استخدام سلاح الاقتصاد والنفط في مقاطعة أعداء الإسلام وبضائعهم ومن عاونهم وترك الشراء منهم وإبرام الصفقات معهم.
ترى أن دور قنواتنا الإعلامية العربية التي ملأت فضاءنا؟ هل برامجها المعروضة تدلُّ على مصاب الأمة في أبنائها وفاجعتها في مقدساتها, وفي ذات الوقت التي تعبث فيه مروحيات اليهود وطائراتهم في سماء فلسطين وتقصف الآمنين فإن جل هذه القنوات باتت ترقص على جراحات الأمة عبر عروضها الغنائية الفاضحة, والمسابقات الفنية والكروية, ومسابقات الجمال, وترى اليهود يقصفون فلسطين ومقدساتها وتعرض هذه القنوات افتتاح دورة رياضية وغنائها
وتجد أن هذه القنوات في ذات الوقت تُلغي برامجها الترفيهية المحرمة للبكاء وقراءة القرآن أيامًا على بعض الزعماء أو لتغطية حدثٍ مهم, وكأن مقتل المسلمين في فلسطين لا يعنيهم في قليل أو كثير, على أننا نستثنى من تلك التفاهات بعضًا من القنوات التي غطت أخبار المسلمين وبينتها لهم مع ما يصاحب ذلك من ملاحظات كالموسيقى الصاخبة التي لا تناسبُ الحدث, أو إثارة للفتن بلا سبب, بل قد تعود بالضرر لا بالنفع.
أيُها المؤمنون: إن نقدنا لهذه التصرفات والأدوار الهزيلة لا يعني أن الأمة خلت, فالخير فيها ممتدٌ إلى قيام الساعة, وأكبر دليل على ذلك ما رأيناه وسمعنا عنه من تلك المظاهر الشعبية في بلدان العالم الإسلامي التي تحترف للقضية, ولمرأى شهداء الأقصى وتلك الجموع البشرية التي تريدُ صادقة التضحية بنفسها في سبيل الله، وكذلك الدعمُ المالي الذي بدأه قادة هذه البلاد وأهلها وهو ما رأيناه مما يُفرحنا ويسرنا في حملة جمع التبرعات الأيام الماضية, كيف رأينا الشعب بفئاته ومسئوليه وهم يُبادرون إلى التبرع, كلُّ بما يملك صغارًا أو كبارًا, رجالاً أو نساءً, نسأل الله أن يتقبل منهم وأن يُوصل تبرعاتهم للمستحقين من المسلمين المجاهدين الصابرين في أسرع وقت. وإن هذا الشعور لهو شعورٌ أصيل يناسب القضية.
لكننا نستغربُ -إخوتي- ونحن نرى ذلك الجبن في النفوس والقلوب في المفاوضات على الطاولات لدى المخذلين والتابعين فيما يُسمى غرف العلميات لتطويق وحصار هذه الانتفاضة المباركة, إنها انفعالية في السوء والتصرفات المصلحية الشخصية وغرامٌ بالمتع الرخيصة في أدق الساعات وأحلك الأيام, وافتتان من العامة كذلك بالملاهي والكرة والمعازف, فجمع ذلك لهم حبُ الدنيا وكراهية الموت.
فأصبحت كثير من قيادات الأمة ومناضليها المزعومين مظلمة الروح جوفاء القلب, ضعيفة اليقين, قليلة الدين, نافذة الصبر والجلد, فاقدة للخلق والإرادة, تبيع الحق والأمة بمنافع شخصية, جاه موهوم, وعزٌ مصطنع في أهواء مشتتة وأهداف متفرقة, ولئن كانوا زعزعوا في الأمة روح التدين وشريف الخلق فلقد سلكوا في قضية فلسطين وعبر السنين مسالك المنظمات والتجمعات والحزبيات والهيئات التي تتأرجح بين يمينٍ ويسار بشعارات زائفة من العلمانية والوطنية والقومية, اجتماعاتهم وتنظيماتهم وقراراتهم تعدُ ولا تنجز, وتقولُ ولا تفعل, وتشجبُ ولا تقاوم قلوبٌ شتى ووجوهٌ متباينة, فصمُوا العري بعد توثيقها, ونقضُوا الأيمان بعد توكيدها, وفرقوا الكلمة بعد توحيدها, وفي قضيتهم تركوا الدين الذي يحلها, وعلقوا آمالهم على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في المتسبب في القضية وكأنّ حل فلسطين ومقدساتها موقوف على هذه اللجنة.
وفي ذات الوقت الذي يسعى فيه الأعداء إلى هذا القتل لأهلنا في فلسطين والهدم لمقدساتنا فإن يهود جادون في بناء أنفسهم, استمدادًا من تاريخهم واعتمادًا على تراثهم, يجمعون بني قومهم من شتات الأرض شُذَّاذ الآفاق باسم الدين وإسرائيل والتوراة والتلمود.
لقد أشربهم تلمودهم أحقادًا زرقاء ينفخ فيها أحبارُ السوء بوصايا الزيف من التوراة المحرفة ليتنادوا عليها وكأنها حقائق مسلماتٌ إنها طبائع الملعونين من أسلافهم, قسوة في القلب كالحجارة أو أشد, وشرةٌ في النفوس, وأكلُ سحت, وفسادُ معتقد وبغيٌ في الأرض, وتطاول على الخلق وربِّ الخلق, هذا سبيلهم في الزعزعة والهدم, أما سبيلهم في المفاوضات والمحادثات فسبيل المخادعة والتضليل والتلاعب بالأسماء والمصطلحات والالتفات على التوصيات والقرارات وإذا تأزمت الأمور وخيف من إفلات الزمام وأسر ثلاثة من جنودهم أو قليل غيرهم بينما هم يقتلون الأبرياء الذين هم لا يحملون السلاح, إذا حصل كل ذلك كونت لجان وتراسل المندوبون بأسماء وألوان ومبادرات ومهدئات, امتصاصًا للغضب وتهدئة للأوضاع وتحقيقًا لمكاسب يهود.
أيها المسلمون: هذه هي القضية, وذلكم هو وضعها, ولا بد من ردها إلى أصلها في صراع المسلمين مع اليهود حتى تصبح قضية قوية تتأبّى على الوأد والاحتواء, لابد أن تعود القضية إلى امتدادها الإسلامي بكل آفاقه وأعماقه, فهو أمرٌ فصلٌ ليس بالهزل, فهو صراع عقائدي ومعركة مع أشدِّ الناس عداوة للذين آمنوا.
على الأمة أن تدرك أن تفوق يهود سيظل خنجرًا حادًّا في لحوم الشاردين وجنوبهم حتى يؤوبوا إلى القرآن شرعة ومنهاجًا.
إذا عاد الشاردون إلى الحق عاد اليهودُ -بإذن الله- إلى حجمهم وذلتهم المضروبة عليهم, وينقطع بهم حبلُ الناس ويبطلُ السحر والساحر, ويأتي وعدُ الحق فلا ينفعُ اليهودي شيء ولا يستره اتقاءٌ خلف حصى, ولا يقيه حجر, ولا يحميه سلاحٌ ولا شجر, عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهودَ فيقتلهم المسلمون, حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" [متفق عليه].
هذا هو النداء يا مسلمُ! يا عبد الله, ولا نداء غيره, فهو محور القضية, وليستيقن الجاهلون أنهم لن يروا نصرًا ولن يحفظوا أرضًا ماداموا مُصرين على الألقاب الضالة, ومناهج الإلحاد الصارخة وسلام الشجعان الهزيل, إن هذا الركام كلَّه نبت الشيطان وغرسُ الكفار, وهذا هو الذي يحجبُ نصرَ الله ويمدُّ في حبالِ اليهود وحمايتهم, وكأنه الغرقد شجرُ اليهود.
إننا يجب أن نفهم طبيعة اليهود وأشياعهم, فهما قرآنيًا، وأن نتعامل معهم تعاملاً ليس تقريرًا سياسيًا يتلونُ بالمنافع والمتغيرات, ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
إن الكفاح في الطريق المملوء بالعقبات الكئود لدى ذي الجدِّ والكرامة ألذُّ وأجملُ من القعود والتخلفُ من أجل راحة ذليلة لا يليقُ بهمم الرجال, وإن فرصتنا كبيرة بهذه الانتفاضة المباركة مع عظم مصابها فيمن قُتل أو جرح؛ لأن الأمة إنما تنجح بالجهاد الذي يوحد صفوفها على أعدائها وينصرها بإذن الله.
أما خيارُ السلام الهزيل والمفاوضات وطلب الهيئات واللجان الدولية الكاذبة فهو ترك للتناصر في الإسلام والأخذ بعزائم الأمور أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور.
اللهم ربنا عزَّ جارُك وتقدست أسماؤك, اللهم لا يردُّ أمرك, ولا يُهزم جندك, سبحانك وبحمدك, اللهم انصر جندك وأيدهم في فلسطين وكل مكان, اللهم آمن خوفهم, وفك أسرهم, ووحد صفوفهم, وحقق آمالنا وآمالهم وبارك في حجارتهم, واجعلها حجارة من سجيل على رؤوس اليهود الغاصبين, اللهم اجعل قتلهم لليهود إبادة, واجعل جهادهم عبادة اللهم احفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم, وانصرهم على عدوك وعدوهم, وطهر المقدسات من دنس اليهود المتآمرين والمنافقين والمتخاذلين.
اللهم فرج هَمّ المهمومين, وفُكَّ أسر المأسورين والمعتقلين, وكن لليتامى والأرامل والمساكين, واشف مرضاهم ومرضى المسلمين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, اتقوا الله تعالى عباد الله وبعد:
إن الناظر فيما أصاب المسلمين من ابتلاءٍ هذه الأيام يرى اختلافًا في مواقف الناس من صابر ثابت, وجَزعٍ خائف, ظهر في بعض مسالك أقوام تعلق بغير الله واعتمادٌ على أسباب لا تغني عنهم من الله شيئًا, ومنهم آخذ بالأسباب على وجهها, معتمدٌ على ربه فيما وراء ذلك, ومن هنا فحقيقٌ بالأمة أن تعي حالها وتنظر في واقعها لمستقبلها, لقد حقق الأعداء من جراء ذلك التخاذل كثيرًا من مراداتهم.
إن الناشئة في كثير من بلاد المسلمين يزودون عن كتاب الله ذودًا, دينهم تعكر منابعه, وتاريخهم تُشوَّه مصادره, لازال في وقت ومال وجهد كثير من شباب الأمة الفراغ لمتابعة الكرة الآسيوية أو العالمية, وإقامة حفلاتها الغنائية البائسة التي ترقص على جراح الأمة, يضحكون ولا يبكون, ينطلقون إلى المنتديات يلعبون ويتجمعون في أماكن اللهو يعبثون.
إن أولى الهزائم هزيمة الإيمان في القلوب والجدب في المُثل والأخلاق, أين هم من نموذج صاحب النجدة والقوة وباذل التضحية أنس بن النضر -رضي الله عنه- حين قال لرسول الله: "أما والله لئن التقينا بالمشركين ليرين الله ما أصنع", إنها يمين من ورائها إيمانٌ عميقٌ ليس قوله هذا مزايدة أو في مظاهرة أو خطاب سياسي, ولقد ثبت رضي الله عنه في أحد حتى قتل فما عرفه من جروحه أحدٌ إلا أخته من خلال أصبعه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن هذه الأمة أمةٌ جهادٍ ومجاهدة, والجهادُ فيها أرفعُ العبادات أجرًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي : "ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعونه, قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا وهو يقول: لا تستطيعونه: وقال في الثالثة: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفترُ من صيامٍ ولا صلاةٍ حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" (متفق عليه). وإن من الجهاد الجهادُ بالمال بدعم هؤلاء الصابرين.
إن فريضة الجهاد لا تنتظر تكافؤ العدد والعُدة الظاهرة بين المؤمنين وعددهم سيما اليهودُ الجبناء, فيكفي المؤمنين أن يُعدّوا ما استطاعوا من القوى، وأن يتقوا الله ويثقوا بنصره ويثبتوا ويصبروا وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا, وإن الانتصار على النفس وشهواتها والخذلان وآفاته انتصارٌ على الشح والغيظ والذنب, والرجوع إلى الله والالتصاق بركنه الركين فيه النصر على الهزائم والنكبات التي طالت في الأمة, وإن الأعداء ما كانوا أعداء إلا لمخالفتهم أمر الله فإذا اشترك الفريقان في المعصية والمخالفة فليس هناك مزية فالمؤمن حين يعادي ويعارُك ويجاهدُ فهو إنما يعادي لله ويعارك لله ويجاهدُ في سبيل الله.
أيها الإخوة المؤمنون: إن المأساة أليمة والخطب جسيمٌ لكن ما يحدث هو مسئولية على كل من رآه أو علم به, وإننا والله مسئولون عن مناظر القتل التي يمارسها يهود على إخواننا فلسطين, وكثير منا لا يحرك ساكنًا بل لديهم الوقت لمتابعة كرة آسيوية أو حفلات غنائية, والله إننا نخشى أن يصيبنا الله بعقوبة من عنده إن لم نقم بأدنى واجبات النصرة لهم, إن أسلحة المال والدعاء لهما أعظم الأثر -بإذن الله- في دعم إخواننا المسلمين ودحر اليهودِ الغاصبين, وإنه ليس من عذر لأحدٍ منا اليوم يرى مقدساته تنتهك, ويرى أطفالاً أبرياء يقتلون في حجر آبائهم ويهود متسلطون، ثم لا يدعم إخوانه هناك ويتأثر لمصابهم, ألم تروا كم من امرأة مسلمة عفيفة محجبة, وجنود صهيون يخلعون حجابها وعلى مرأى من العالم ومسمع, ألم تروا جنائز الشهداء؟! ألم يؤثر بكم بكاء أم طفل خرج إلى الطريق ببراءته ففقدته بجوار الأقصى.
محـمدًا أي ذنـب جئـت تحمله*** حتى قتلت على عــين الملايين
محمدًا أي جرح صُغت في كبدي ***وما الذي بعد هذا الخطب يبكيني
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء: 75].
وفي المحيا سـؤال حائـر قـلـق *** أين الفداء وأين الحب في الـديــن
أين الرجولة والأحــداث داميـة *** أين الفتـوح على أيدي المياميــن
ألا نفوس إلى العـليـاء نـافـرةٌ *** تواقــة لجنـان الحـور والعـين
يا غيْرتي أين أنت أيـن معـذرتي *** ما بال صوت المآسي ليس يشجيـني
أين اختفت عزة الإسلام مـن خلدي *** ما بالها لم تعد تغذو شرايــــيني
أيها الإخوة المؤمنون: لازلنا نستقبل تبرعاتكم لانتفاضة الأقصى المباركة عبر مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية, والتي وصلت بعض تبرعاتها بأسرع وقت ممكن.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ويجعل بذلكم وجهدكم في ميزان حسناتكم, اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم