عناصر الخطبة
1/ الفرح بإقبال الناس على القرآن في رمضان 2/ فضل القرآن الكريم 3/ الحث على تدبر القرآن الكريم 4/ القرآن منهج حياةاقتباس
فإن القلوب المسلمة لتفرح وتستبشر حينما تنظر إقبال جمع كثير من المسلمين على كتاب الله في هذا الشهر الكريم، ولا غرابة فنحن في الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ومع الإحساس بالسعادة لهذا الإقبال الجميل على كلام الله -سبحانه وتعالى-، ومع الأجور الكثيرة التي -بإذن الله- سيتحصل عليها أولئك التالون لكتاب الله -عز وجل-.
ثم أما بعد: فإن القلوب المسلمة لتفرح وتستبشر حينما تنظر إقبال جمع كثير من المسلمين على كتاب الله في هذا الشهر الكريم، ولا غرابة فنحن في الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ومع الإحساس بالسعادة لهذا الإقبال الجميل على كلام الله -سبحانه وتعالى-، ومع الأجور الكثيرة التي -بإذن الله- سيتحصل عليها أولئك التالون لكتاب الله -عز وجل-، فقد أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". رواه الترمذي بسند صحيح.
وروى مسلم عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصفة فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟!"، فقلنا: يا رسول الله: كلنا نحب ذلك، قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خير من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل".
أقول: ومع ذلك كله ومع انشراح الصدر لهذه المشاهد الإيمانية، إلا أن التالي لكتاب الله لا أقول: في هذا الشهر فحسب، بل في كل قراءة للقرآن الكريم، أنه ينبغي لهم أن يلتزموا بأمر هو المقصود الأسمى من نزول القرآن الكريم، وهو تدبر الآيات والوقوف عند العظات، إنها القراءة التي ننتفع بها من هذا النور العظيم، (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [البقرة:121]، إنها القراءة التي تفيد قارئها من هذا المعين المبارك، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص:29].
فالقرآن العظيم فيه خير كثير ونفع كبير، فيه سعادة الدارين لمن أرادهما، فيه الفلاح والفوز والنجاة، فيه الطريق القويم والصراط المستقيم، فإن سألت -يا أُخيّ- عن الوسائل التي تعين على تدبّر القرآن فهي بعد الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- مجموعة في جَمع العقل والفكر والقلب عند التلاوة؛ لهذا قال الله -سبحانه وتعالى-: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24].
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "تدبّر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل ورغبة في العمل والفائدة، لا تقرأه بقلب غافل، اقرأه بقلب حاضر بتفهّم وبتعقل، واسأل عما أشكل عليك، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية". اهـ.
أيها الصائمون: إنّ هذه القراءة التي يستجمع فيها المسلم حواسه تدبرًا وتفكرًا هي الحكمة من نزول هذا القرآن العظيم، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- عند قول الله تعالى: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ): "أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه وإعادة الفكر فيه مرة بعد مرة تدرك بركته وخيره". اهـ.
معاشر المسلمين: يُتدبّر القرآن حين يقف المسلم حين يتلوه وهو يستشعر تلك المعاني العظيمة التي يتضمنها القرآن، والتي أوردت شيئًا من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى -سبحانه وتعالى-، فالمسلم يستشعر هنالك عظمة الله وقوة الله وقدرة الله ورحمة الله ومغفرة الله، هو سبحانه العلي الأعلى القوي القدير اللطيف الخبير الرحمن الرحيم.
اسمع إلى ربك سبحانه وهو يصف نفسه سبحانه في مثال واحد من أمثلة كثيرة ينبغي للمسلم أن يحرص على تدبرها، قال الله -جل الله-: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج: 12-16].
ثم إنه مما يساعد على تدبر كتاب الله الكريم الوقوف عند آيات الوعد والوعيد، آيات الرحمة والعذاب، آيات الجنة والنار، يقف المسلم ليتدبر لينظر إلى أعمال هؤلاء وأولئك، لينظر إلى مصير هؤلاء وأولئك، لينظر إلى نعيم هؤلاء وبؤس أولئك، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 19-24]، وعلى النقيض من ذلك: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِؤُونَ) [الحاقة: 25-37].
ثم أيها المسلمون: إن مما أودع في القرآن الكريم نصوص الأحكام وبيان الحلال والحرام، ذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله- عن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله"، وقال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: "يتلونه: يعملون بما فيه، ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر".
عباد الله: لقد رسم القرآن الكريم للمسلم منهج حياته وتعامله مع ربه ومع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه، لقد تضمن القرآن العظيم أحكامًا كثيرة من الدين هي بحق منهج حياة، لقد صوّرت لنا الصديقة عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- وعن أبيها هذا الأمر جليًا واضحًا حين سألها سعيد بن هشام قال: أتيت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)؟!
وعند الإمام مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن؛ يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه". قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره تعليقًا على هذا الحديث: "فقالت: كان خلقه القرآن، تعني -والله تعالى أعلم- أنه -صلى الله عليه وسلم- يأتمر بأمره وينتهي بنواهيه". اهـ.
وهذا -أيها المسلمون- ينبغي بل يجب أن يكون ديدن كل مسلم ومسلمة اتباعًا لأوامر الله واجتنابًا لنواهي الله.
اللّهمّ اجعلنا من التالين لكتابك، العاملين به، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الذي لا إله غيره ولا ربّ سواه، والصلاة والسلام على نبي الله ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون: ما أعظم تدبّر كتاب الله، فبه ينشرح الصدر وتطمئنّ النفس، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وقواطيع الطريق وآفاته، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم