عناصر الخطبة
1/ مصدر عزة الأمة وقوتها 2/ أهمية الالتزام بآداب الإسلام وأخلاقه 3/ وجوب التخلي عن الحياة الزائفة والمظاهر والشكليات البائسة 4/ خيرية أمة الإسلام وفضائلها على البشريةاقتباس
إن المسلم المؤمن الحق هو الذي ينظر إلى الآخرة ومصيرها، ويوقن أن المسلم في هذه الحياة يتشرف بعبوديته لله، فيلتزم بهذا الدين ليكون له شرف الدنيا والآخرة، وحتى ينال عز الدنيا وكرامة الآخرة، فلا يعتز إلا بالإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.. ولا يتشرف إلا بالاهتداء بالقرآن والسنة، ويرى أن طريق الإسلام هو خير الطرق وأفضلها وأسعدها وأقربها وهو الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة ..
الحمد لله معز من أطاعه مذل من عصاه، الحمد لله ولي الصالحين المؤمنين، ولي المؤمنين المجاهدين الصابرين، الحمد لله الذي جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين والحمد الله الذي رفع أوليائه بهذا الدين وأعزهم بهذا الإسلام العظيم فسبحان الله العظيم.. اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين خير الناس أجمعين من بلغ الدين صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: لا عز لنا إلا بهذا الدين، ولا نصر ولا رفعة ولا كرامة ولا مجد لنا إلا بهذا الدين
مسلمون مسلمون مسلمون *** حيث كان الحق والعدل نكون
نرتضي الموت ونأبى أن نهون *** في سبيل الله ما أحلى المنون!
نحن بالإسلام كنا خير معشر *** وحكمنا باسمه كسرى وقيصر
وزرعنا العدل في الدنيا فأثمر *** ونشرنا في الورى "الله أكبر"
نحن بالإيمان أحيينا القلوب *** نحن بالإسلام حررنا الشعوب
نحن بالقرآن قوّمنا العيوب *** وانطلقنا في الشمال والجنوب
ننشر النور ونمحو كل هون *** نحن بالأخلاق نوّرنا الحياة
نحن بالتوحيد أعلينا الجباه *** نحن بالبتار أدَّبنا الطغاة
نحن للحق دعاة ورعاة *** سئل التاريخ عنا ما وعى
من حمى حق فقير ضيع *** من بنى للعلم صرح أرفع
من أقام الدين والدنيا معًا *** مسلمون مسلمون مسلمون
أيها المسلمون: عن طارق بن شهاب قال: "لما قدم عمر الشام عرضت له مخالصة فنزل عن بعيره ونزع موقيه فأمسكها بيده وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنيعًا عظيمًا عند أهل الأرض صنعت كذا وكذا، قال: فصك صدره وقال: أوه لو غيرك يقولها أبو عبيدة!! إنكم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله. وفي رواية نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من غيره أذلنا الله ".
انتماؤنا لهذا الدين العظيم هو مصدر عزنا وقوتنا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 2]، بالإيمان والإسلام والتوحيد والقرآن والسنة نعتز ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، عزنا بتوحيده وحده لا شريك له (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36].
أيها الموحدون يا حراس العقيدة ويا حماة الدين: لقد أعزنا الله بإتباع شرعه وشريعته (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، عزنا وشرفنا ومجدنا وكرمتنا ورفعتنا في طاعة الله وعبودية العبودية الخالصة له وحده دون سواه..
أيها المسلمون: لقد أعزكم الله من الجاهلية وشعاراتها وأحكامها وأرجاسها فنبذوها (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]، فلا تطلب القوانين الوضعية والأحكام الدستورية الجائرة، اطلبوا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد أعزنا الله بالتحاكم إلى الشرع والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلماذا نلتفت إلى غيرها، ولماذا نبحث عن المفاهيم الجديدة وعن القوانين الكافرة ومعنا "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي".
أيها المسلمون: إن العز كل العز في الالتزام بآداب هذا الدين وأخلاقه التي ما عرف التاريخ لها مثيل (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ..) [الفتح: 29].
أعزنا الله بحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي خاتم النبيين وإمام المرسلين وقدوة الناس أجمعين الرحيم الرءوف بأمته، ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه ولا شرًّا إلا حذرنا منه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
لقد أعزنا الله -يا أولياء الله- فحفظ نساءنا وأكرم المرأة فكانت صنو الرجل أخته، وإن فضل الرجل عليها إلا أن جعل لها حقوقًا وكرامة وصان شرفها، كانت مهانة فأحياها بعد ما كانت موءودة وأعزها بالقرار في بيتها والحجاب والعفة والبعد عن التبرج والسفور (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى َقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب: 33].
يا أمة الإسلام.. يا حماة الدين ويا حراس العقيدة: لقد بلغت الأمة ذرى المجد وقمم العلياء والعز والشرف بهذا الدين العظيم حتى سادت مشارق الأرض ومغاربها..
لقد أعزها الله بالتمسك بهذا الدين العظيم والمنهج السليم القويم فلا تبحثوا عن منهج سواه ولا عن طريق غير طريقه، واليوم يا أولياء الله لما ابتغينا العزة من غير هذا الدين أزلنا الله..
لقد ابتغت القوة أمتنا من غير الإيمان والإسلام والتوحيد والإخلاص الجهاد في سبيل الله والإعداد فنظروا إلى القوة المادية وحدها فاعتبروها كل شيء فخسروا كل شيء.
أمة الإسلام والتوحيد والجهاد: لقد نظرنا إلى الحياة الزائفة والمظاهر والشكليات، ورأينا التقدم بالتفسخ والعري واقتراف المحرمات والحرية المزعومة بنزع الأخلاق والآداب، والتحرر من تعاليم الإسلام..
لقد رأينا أن العلم والثقافة هو ما عند الكفار من ظواهر الحياة الدنيا، فغفلنا عن علم الآخرة، لقد رأينا أن تقدمنا وازدهار حياتنا مربوط بقطع صلتنا بديننا وكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم..
زهدنا في الميراث الحق من هدي القرآن الكريم ونوره والاستضاءة بهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وبحثنا عن زبالات الأفكار وصديد الأقوال وغثائها، لم نرفع رأسًا لهدى الله الذي أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضينا أن نرتضع من قيء الجاهلية وصديدها وفسادها، وتنسينا رابطة الدين والأخوة الإيمانية وبحثنا عن روابط الجنس والوثنية أو الوطنية والعرقية المهينة والتراث والطين.. فيا حسرتا على المسلمين..
لم نرفع بالإسلام رأسًا، وإنما أردنا أن نعتز بعروبتنا وثقافة العرب ومجد العرب، وهل للعرب مجد غير عز الإسلام وهذا الدين العظيم الذي جعل لهم في العالمين ذكرى وخبرًا وشأنًا.. لا عز لنا إلا بهذا الدين.
أردنا أن تكون نساؤنا كنساء الغرب والشرق كاسيات عاريات مائلات مميلات تبرجًا وسفورًا واختلاطًا ونزعًا للحجاب وخضوعًا بالقول وإظهارًا للمفاتن، كل ذلك عنوانًا للتطور والحضارة والتقدم والازدهار..
لم نرضَ بألبسة الإسلام حتى رأينا يا عباد الله أن عنوان كرمتنا أن نأخذ ما يلبسه عدونا من لباس وشعار، وانظروا وتأملوا إلى الشباب والشابات والنساء والرجال لتعرفوا أننا أمة رضيت بالشهوات واللذائذ، ورضيت أن تكون في مؤخرة الركب والأكل من فتات الموائد وتوغلت الانهزامية في قلوبنا، وتعمقت في نفوسنا حتى رأينا أن لا قوة ولا نصر إلا مع الكفار فتعلقت نفوسنا بهم.
رأينا أن نمو الثروات وارتفاع الاقتصاد هو بالربا والغش في المعاملات وأكل أموال الناس بالباطل..
رأينا أن المادة هي كل شيء في حياتنا وهي الرابطة التي تربط بين المجتمع وعلى قدرها تكون قيمة صاحبها ومكانته عند الناس.. فما هي النتيجة يا أيها المسلمون؟ يا عباد الله أزلنا الله؛ لأنا فعلنا هذا كله !!
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 139].
فِداً لِحِمانا كُلَّ مَن يَمنَعُ الحِمى *** وَمَن لَيسَ يَرضى خَوضَهُ مُتَهَدِّما
فَما العَيشُ إِلّا أَن نَموتَ أَعِزَّةً *** وَما المَوتُ إِلّا أَن نَعيشَ وَنَسلَما
أيها الموحدون: إن المسلم المؤمن الحق هو الذي ينظر إلى الآخرة ومصيرها، ويوقن أن المسلم في هذه الحياة يتشرف بعبوديته لله، فيلتزم بهذا الدين ليكون له شرف الدنيا والآخرة، وحتى ينال عز الدنيا وكرامة الآخرة.. فلا يعتز إلا بالإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.. ولا يتشرف إلا بالاهتداء بالقرآن والسنة، ويرى أن طريق الإسلام هو خير الطرق وأفضلها وأسعدها وأقربها وهو الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة..
أمة الإسلام والتوحيد والإيمان والجهاد: إن أبواق الكفر والضلال والعلمنة والنفاق التي تدعونا إلى التخلي عن ديننا وعقيدتنا، وأن نتنازل عن تعاليم الإسلام إنما هي سبل الشيطان (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
وفي الآخرة -يا أولياء الله- يقول الله تعالى: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) [الزمر: 20]، (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 25].
أمة التوحيد والجهاد: شمروا عن ساعد الجد واسعوا إلى الله (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) [آل عمران: 196- 198].
نسأل الله الشهادة في سبيله (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد: 12].
يا أمتي صبراً فليلُكِ كادَ يُسفِرُ *** عن صَباح الليل إن تشتَدَّ ظُلمَتُه
نقولُ الفجرُ لاحْ والفجرُ إن يبزُغَ *** فلا نومٌ وحيّ على الفلاح
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: سلوا عنا ديار الشام ورياضها، والعراق وسوادها، والأندلس وأرباضها، سلوا مصر وواديها، سلوا الجزيرة وفيافيها، سلوا الدنيا ومن فيها..
سلوا بطاح إفريقيا، وربوع العجم، وسفوح القفقاس، سلوا حفافي الكنج، وضفاف اللوار، ووادي الدانوب، سلوا عنا كل أرض في الأرض، وكل حيِّ تحت السماء.. إن عندهم جميعا خبراً من بطولاتنا وتضحياتنا ومآثرنا ومفاخرنا وعلومنا وفنوننا.. نحن المسلمين!!
هل روى رياض المجد إلا دماؤنا؟ هل زانت جنّات البطولة إلا أجساد شهدائنا؟ هل عرفت الدنيا أنبل منا أو أكرم، أو أرأف أو أرحم، أو أجلَّ أو أعظم، أو أرقى أو أعلم؟
نحن حملنا المنار الهادي والأرض تتيه في ليل الجهل، وقلنا لأهلها: هذا الطريق!
نحن نصبنا موازين العدل، يوم رفعت كل أمة عصا الطغيان والظلم.
نحن بنينا للعلم داراً يأوي إليها، حين شرده الناس وشرد عن داره من شرد.
نحن أعلنَّا المساواة، يوم كان البشر يعبدون ملوكهم، ويؤلِّهون ساداتهم.
نحن أحيينا القلوب بالإيمان، والعقول بالعلم، والناس كلَّهم بالحضارة والحرية.
نحن المسلمين!
نحن بنينا الكوفة، والبصرة، والقاهرة، وبغداد.
نحن أنشأنا حضارة الشام، والعراق، ومصر، والأندلس.
نحن شِدنا بيت الحكمة، والمدرسة النظامية، وجامعة قرطبة، والجامع الأزهر.
نحن عمرنا الأموي وقبة الصخرة، وسُرَّ من رأى، والزهراء، والحمراء، ومسجد السلطان أحمد، وتاج محل.
نحن علَّمنا أهل الأرض وكنا الأساتذة وكانوا التلاميذ.
نحن المسلمين!
منَّا أبو بكر، وعمر رضي الله عنهم وأرضاهم ونور الدين، وصلاح الدين، وأورنك زيب. منَّا خالد، وطارق، وقتيبة، وابن القاسم، والملك الظاهر.
منَّا البخاري ومسلم، والطبري، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حزم، وابن خلدون.
منا عظماء التاريخ الذي تحدثوا عنه، منا الأطباء والحكماء وأصحاب العلم والمعرفة في الدنيا والآخرة.
منا كل خليفة كان الصورة الحيَّة للمثُل البشرية العليا.
وكل قائد كان سيفاً من سيوف الله مسلولاً.. وكل عالم كان من البشر كالعقل من الجسد.
منَّا مائة ألف وألف ألف عظيم وعظيم.
نحن المسلمين!
قوتنا بإيماننا، وعزنا بديننا، وثقتنا بربنا..
قانوننا قرآننا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإمامنا نبينا، وأميرنا خادمنا.. وضعيفنا المحقُّ قويٌّ فينا، وقويُّنا عون لضعيفنا، وكلنا إخوان في الله، سواءٌ أمام الدين.
نحن المسلمين!
مَلَكنا فعدلنا، وبنينا فأعلينا، وفتحنا فأوغلنا، وكنا الأقوياء المنصفين، سننَّا في الحرب شرائع الرأفة، وشرعنا في السلم سنن العدل، فكنا خير الحاكمين، وسادة الفاتحين..
سل أرض مصر وشامها عن عزنا وسل بعكا من بنا مبناها..
أقمنا حضارة كانت خيراً كلها وبركات، حضارة روح وجسد، وفضيلة وسعادة، فعمَّ نفعها الناس، وتفيأ ظلالها أهل الأرض جميعًا، وسقيناها نحن من دمائنا، وشدناها على جماجم شهدائنا!
وهل خلت الأرض من شهيد لنا قضى في سبيل الإسلام والسلام، والإيمان والأمان؟
نحن المسلمين!
هل تحققت المثُل البشرية العليا إلا فينا؟
هل عرف الكون مجمعاً بشريًّا إلا مجمعنا، قام على الأخلاق والصدق والإيثار؟
هل اتفق واقع الحياة، وأحلام الفلاسفة، وآمال المصلحين، إلا في صدر الإسلام؟
يوم كان الجريح المسلم يجود بروحه في المعركة، يشتهي شربةً من ماء، فإذا أخذ الكأس رأى جريحا آخر فآثره على نفسه، ومات عطشان.
يوم كانت المرأة المسلمة يموت زوجها وأخوها وأبوها، فإذا أُخبِرت بهم سألت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه سلم؟ فإذا قيل لها: هو حيٌّ، قالت: كل مصيبةٍ بعده هيِّنة.
يوم كانت العجوز ترد على عمر، وهو على المنبر في الموقف الرسمي، وعمر يحكم إحدى عشرة حكومة من حكومات اليوم.
يوم كان الواحد منّا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويؤثره عليها ولو كان به خصاصة.
وكنَّا أطهاراً في أجسادنا وأرواحنا ومادتنا والمعنى.
وكنَّا لا نأتي أمراً ولا ندعه، ولا نقوم ولا نقعد، ولا نذهب ولا نجيء إلا لله.
قد أَمَتْنَا الشهوات من نفوسنا، فكان هوانا تبعاً لما جاء به القرآن.
لقد كنَّا خلاصة البشرية، وصفوة الإنسانية.
وجعلنا حقًّا واقعاً ما كان يراه الفلاسفة والمصلحون أملاً بعيداً.
نحن المسلمين!
تُنظم في مفاخرنا مائة إلياذة وألف شاهنامة.
ثم لا تنقضي أمجادنا ولا تفنى، لأنها لا تُعدُّ ولا تُحصى.
من يعدُّ معاركنا المظفرة التي خضناها؟... من يحصي مآثرنا في العلم والفن؟
من يستقري نابغينا وأبطالنا؟.. إلا الذي يعدُّ نجوم السماء، ويحصي حصى البطحاء!!
اكتبوا (على هامش السيرة) ألف كتاب.. و (على هامش التاريخ) مثلها.
وأنشئوا مائة في سيرة كل عظيم، ثم تبقى السيرة ويبقى التاريخ كالأرض العذراء، والمنجم البكر.
نحن المسلمين!
لسنا أمة كالأمم تربط بينها اللغة، ففي كل أمة خيِّر وشر.
ولسنا شعباً كالشعوب، يؤلف بينهم الدم، ففي كل شعب صالح وطالح، ولكننا جمعية خيرية كبرى، أعضاؤها كل فاضل من كل أمة، تقي نقي ورع..
تجمع بيننا التقوى إن مصل الدم، وتوحّد بيننا العقيدة، إن اختلفت اللغات، وتُدنينا الكعبة إن تناءت بنا الديار..
أليس في توجُّهِنا كل يومٍ خمس مرات إلى هذه الكعبة، واجتماعنا كل عام مرة في عرفات، رمزاً إلى أن الإسلام قومية جامعة، مركزها الحجاز العربية، وإمامها النبي المسلم، وكتابها القرآن العربي؟
نحن المسلمين!
ديننا الفضيلة الظاهرة، والحق الأبلج.. لا حُجُب ولا أستار، ولا خفايا ولا أسرار.
هو واضح وضوح المئذنة، أفليس فيها ذلك المعنى؟ هل في الدنيا جماعة أو نِحلة تكرر مبادئها وتُذاع عشر مرات كل يوم، كما تُذاع مبادئ ديننا- نحن المسلمين- على ألسنة المؤذنين: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
نحن المسلمين!
لا نهن ولا نحزن ومعنا الله.. ونحن نسمع كل يوم ثلاثين مرة هذا النداء العلوي المقدس، هذا النشيد القوي: الله أكبر..
البطولة سجية فينا، وحب التضحية يجري في عروقنا.. لا تنال من ذلك صروف الدهر، ولا تمحوه من نفوسنا أحداث الزمان..
لنا الجزيرة التي يشوى على رمالها كل طاغٍ يطأ ثراها، ويعيش أهلها من جحيمها في جنات.
لنا الشام وغوطتها التي سُقيت بالدم، لنا فيها الجبل الأشم.. لنا العراق لنا (الرميثة) وسهول الفرات.. لنا فلسطين التي فيها جبل النار.
لنا مصر دار العلم والفن ومثابة الإسلام..
لنا المغرب كله، لنا ( الريف) دار البطولات والتضحيات.
لنا القسطنطينية ذات المآذن والقباب، لنا فارس والأفغان والهند وجاوة.
لنا كل أرض يُتلى فيها القرآن، وتصدح مناراتها بالأذان.
لنا المستقبل.. المستقبل لنا إن عُدنا إلى ديننا. نحن المسلمين!
أمة الإسلام والتوحيد والجهاد ليسنا نلوك الأمجاد ونذكرها لنفاخر بها فحسب إنما نذكرها لنكون على سير أولئك الذين سبقونا فسنوا سنن المجد والعز والرخاء وارتفعوا بلا إله إلا الله..
أين نحن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ؟ أين نحن من أولياء الله المجاهدين الذين يحلمون أرواحهم على كفوفهم ؟
لقد ذهبوا إلى الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].
فئة باقية ترفع ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين.. نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يرزقنا الشهادة في سبيله..
إن أمتكم الإسلامية تقول:
بنيت في الجيل عزي وكم رثى من مثال *** القدس في الهم تبكي فمن لها بالظلال
يهود تعبث فيها فأين أين الرجال *** المسلمون استكانوا رؤوسهم في الرمال
أحلامنا في المعالي سارت كنسج الخيال *** إلى متى نتباهى بعيشة للزوال
تمضي الحياة ونمضي إلى عظيم الجلال*** أواااه كم قد بنينا مجدًا يفوق الخيال
يا رب إنا لجأنا إليك في كل حال *** فانصر عبادك إنا ما عاد فينا مقال
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم