عناصر الخطبة
1/معنى الحوقلة ودلالاتها 2/ثمرات وفوائد الحوقلةاقتباس
"لا حَولَ ولا قُوةَ إلا بالله"، فهي من أعظمِ الذِّكرِ، وأَحسنِ الدعاءِ، وهي كلمةُ إسلامٍ واستسلامٍ، فلا تحوُّلَ للعبدِ من معصيةٍ إلى طاعةٍ، ولا من فقرٍ إلى غنى، ولا من مرضٍ إلى صحةٍ، ولا من وَهَنٍ إلى قوَّةٍ، ولا من نقصانٍ إلى زيادةٍ، إلا باللهِ -جلَّ وعلا-...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ فاطرِ الأكوانِ وباريْها، ومُسيِّرِ الأفلاكِ ومُجْريْها، وخالقِ الدَّوابِ ومُحصِيْها، ومُقسِّمِ الأرزاقِ ومُعْطِيْها، ومقدِّرِ الآجالِ ومُوفيهَا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ الربُّ المعبودُ بحقٍّ، المستحقُ لكلِّ ثناءِ ومجدِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، المبشِّرُ من أطاعَ اللهَ بجناتِ عدنٍ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].
أيُّها المؤمنونَ: المسلمُ في هذِه الدُّنيَا تَمُرُّ به شدائدُ وكرباتٌ ومخاوفُ ومُكدِّراتٌ؛ وهو يحتاجُ معها إلى سببٍ يُقوِّيه، ويُعينُه، ويَصرفُها عنه، ويُهوِّنها عليه، ومن أعظمِ ما يعينُه على تحمُّلِ تلك الأمورِ الحوقلةُ، وهي قولُ: "لا حَولَ ولا قُوةَ إلا بالله"، فهي من أعظمِ الذِّكرِ، وأَحسنِ الدعاءِ، وهي كلمةُ إسلامٍ واستسلامٍ، فلا تحوُّلَ للعبدِ من معصيةٍ إلى طاعةٍ، ولا من فقرٍ إلى غنى، ولا من مرضٍ إلى صحةٍ، ولا من وَهَنٍ إلى قوَّةٍ، ولا من نقصانٍ إلى زيادةٍ، إلا باللهِ -جلَّ وعلا-.
فيها من قُوةِ التَّوحيدِ واليقينِ, والإجلالِ والتوقيرِ للهِ -جلَّ في علاه- ما لا يعلمُ مداهُ إلا اللهُ، وفيها من حسنِ التَّوكلِ والاستعانةِ والتفويضِ الشيءُ العظيمُ، هي كلمةٌ مكانُها تحتَ العرشِ، وغَرْسٌ من غراسِ الجنَّةِ، وبابٌ من أبوابِها، وكنزٌ من كنوزِها، قال النووي -رحمه اللهُ-: "قالَ العلماءُ: سببُ ذلكَ أنَّها كلمةُ استسلامٍ وتفويضِ إلى اللهِ -تعالى-، واعترافٌ بالإذعانِ له، وأنَّه لا صانعَ غيرُه، ولا رادَّ لأمرِه، وأنَّ العبدَ لا يملكُ شيئاً من الأمرِ، ومعنى الكَنْزِ هنا: أنَّه ثوابٌ مدَّخرٌ في الجنَّةِ، وهو ثوابٌ نفيسٌ، كما أنَّ الكنزَ أنفسُ أموالِكم" ا.هـ (شرح مسلم).
وقال شيخُ الإسلامِ -رحمه اللهُ-: "ولْيكن هُجِّيراه ـ أي عادتُه ودأْبُه ـ: " لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ" فإنَّها بها تُحمَلُ الأثقالُ، وتُكابَد الأهوالُ، ويُنالُ رفيعُ الأحوالِ", وقال ابنُ القيِّم -رحمهُ اللهُ-: "وأمَّا تأثيرُ "لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ" في دفعِ هذا الداءِ -يعني: الكَرْبَ والهَمَّ والغَمَّ والحُزْنَ- فلِمَا فيها مِن كمالِ التفويضِ، والتبرؤِ من الحولِ والقوةِ إلاَّ به، وتسليمِ الأمرِ كلِّهِ لهُ... ولهَا تأثيرٌ عجيبٌ في طَردِ الشيطانِ، واللهُ المستعانُ" ا.هـ
عباد الله: ولهذه الكلمة ثمرات وفوائد عظيمة؛ ومن ذلك:
أنَّها أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-: قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ: سبحانَ اللهِ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌّ، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، سبحانَ اللهِ وبحمدِه"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
ومنها: أنَّها كنزٌ من كنوزِ الجنَّةِ؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم- لعبدِاللهِ بن قيسٍ: "ألا أدُلُّكَ على كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنوزِ الجنةِ؟, لا حولَ ولا قُوَّةَ إلّا باللهِ"(رواه البخاري ومسلم).
ومنها: أنَّها غِراسُ الجنَّةِ؛ فقد روى أحمدُ: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ليلةَ أُسريَ به، ... قالَ لهُ إبراهيمُ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ، قَالَ: "وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟"، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"(رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة).
ومن فوائدها: أنَّها بابٌ من أبوابِ الجنَّةِ, عن قيسِ بنِ سعدِ بن عبادةَ: "أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ له: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟", قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"(رواه الحاكم وأحمد وصححه الألباني في الصحيحة).
ومنها: أنَّ من قالَها من الَّليلِ غُفرَ له: قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحانَ اللَّهِ، ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعا؛ اسْتُجِيبَ له"(رواه البخاري).
ومنها: أنَّها من أفضلِ أذكارِ النَّومِ, قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "من قالَ: لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحَمدُ، وهوَ علَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، ولا حَوَّلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، سُبحَانَ اللهِ والحَمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ؛ غُفِرَتْ له ذنوبُه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ"(رواه ابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وصححه الألباني في الصحيحة).
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل* فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم)[آل عمران:173، 174].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ, ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ من ثمراتِ لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ أيضًا:
أنَّها من وصيةُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لمن سألَه أَنْ يُعلِّمه كلامًا يقولُه, عن مصعبِ بنِ سعدٍ عن أبيه قالَ: "جَاءَ أَعْرابِيٌّ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: عَلِّمْنِي كَلامًا أَقُولُهُ، قالَ: قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، والْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا باللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ"(رواه مسلم).
ومنها: أنَّها تقي صاحبَها من شياطينِ الجنِّ والإنسِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"، قَالَ: "يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ: شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ؟!"(رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).
ومنها: أنَّ من قالَها وهو يشكو تعبًا أو ضعفًا في بدنِه، أو إرهاقًا في عملِه، أو عانى من الأشغالِ الصَّعبةِ؛ فإنَّ لهَا تأثيرًا عجيبًا على قائِلها, بأنْ يجدَ قُوَّةً في بدنِه.
فأكثروا -باركَ اللهُ فيكم- من قولِها، ورَبُّوا أهليكُمْ وأولادِكم على الإكثارِ منهَا؛ فهي من أعظمِ أسبابِ مواجهةِ الصعابِ وتخفيفِ الآلامِ، والأحزانِ، ورفعِ الهُمومِ والغمومِ، ودفعِ الأضرارِ والحوادثِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم