عناصر الخطبة
1/ وجوب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/ المقصود بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/ نماذج رائعة في محبة النبي –صلى الله عليه وسلم- 4/ بواعث محبة النبي –صلى الله عليه وسلم- 5/ الاعتذار عن تقصير المسلمين في محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-اقتباس
المقصود بحبه -صلى الله عليه وسلم- ليس فقط العاطفة المجردة، وإنما موافقة أفعالنا لما يحبه -صلى الله عليه وسلم-، وكُره ما يكرهه، وعمل ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة، ثم التحرق شوقاً للقياه، بمعنى أن يكون صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا، ففي...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعِينه ونستَغفِره ونتوب إليه، ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفسِنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلاَ مضِلَّ له، ومَن يضلِل فلاَ هادِيَ له، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لاَ شريكَ لَه، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 -0 71].
حديثنا اليوم -معاشر الأحباب- عن الرحمة المهداة، عن من قال عنه رب العزة –سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، عن محمد -صلوات ربي وسلامه عليه- الذي تحن إليه القلوب، وتنشرح لذكر اسمه الصدور، فهو أعظم الخلق أمانة، وأصدقهم حديثاً وأجودهم يداً، وأسخاهم نفساً، وأشدهم صبراً، وأعظمهم عفواً ومغفرة.
مكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- دليل على علو شأنه ومكانته وقدره، وشمائلُه تدفعنا لزيادة تعظيمه وتوقيره، وأوصافه تلزمنا محبته.
إذ أن محبتَه -صلى الله عليه وسلم- من أعظم واجبات الدين، وهي من صميم الإيمان، بل محبته تابعةٌ لمحبة الله -تعالى-، قال ربنا -سبحانه-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31]. يقول الحسن البصري وغيره من السلف: "زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية"، ولهذا قال أهل العلم عن هذه الآية: إنها آية المحنة.
بمعنى أن من ادعى محبة الله العلي القدير ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فليُعرض نفسه على ضوء هذه الآية، فإن كان من أتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- حقا وصدقا، بمعنى من سلك مسلكا صحيحا ولم يسلك مسالك منحرفة في التعبير عن محبة هذا النبي، فتلك هي العلامة البارزة والأمارة الواضحة لصدق المحبة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
فالمقصود بحبه -صلى الله عليه وسلم- ليس فقط العاطفة المجردة، وإنما موافقة أفعالنا لما يحبه -صلى الله عليه وسلم-، وكُره ما يكرهه، وعمل ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة، ثم التحرق شوقاً للقياه، بمعنى أن يكون صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا، ففي الحديث الصحيح قَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
وإذا أردنا -معشر الصالحين والصالحات- أن نقفَ على حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم في أبهى صورها، وأجملِ هيئاتها وحُللِها، فلننظر إلى تاريخ الصحابة المجيد، وسيرتهم الفذة، فقد حققوا أروع الصور، وضربوا أحسن الأمثال في تحقيق هذه المحبة وتكميلها، فهذا عمر بن الخطاب وهو يسير مرة والرسول -صلى الله عليه وسلم- آخذ بيده، فقال عمر -رضي الله عنه-: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحب إليه من نفسه"، فقال عمر: فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر" [والحديث رواه البخاري].
نموذج آخر ففي السلسلة الصحيحة عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك. فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل جبريلُ -عليه السلامُ- بهذه الآيةِ: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69] فهذا سر حال المحبين الذين كانوا لا يطيقون أن يغيب نظرهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
انظروا كيف يفكرون؟! ليس همهم أن يدخلوا الجنة فقط، بل همهم الأكبر أنهم في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة أن يكونوا رفقاء للحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن جاءت البشارة من الله العلي القدير، أنزل الله -تعالى- وعده وحيا يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ) [النساء: 69].
فيا أمة الحبيب النبي: ألا تتمنوا لقاء النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ألا تتمنوا الجلوس بقربه؟ من منا لا يتمنى معانقته ومصافحته؟ من منا لا يتمنى أن يجلس فيستمعَ إليه ويستمتعَ بمجالسته؟!
الشرط، هو: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) هو الإخلاص لله، وإتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
واسمعوا ما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
وربنا يشترط: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) [النساء: 69]، وجواب الشرط: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
فيالها من بشرى ينشرح لها القلب فرحاً، وتنتعش لها الأرواح سعادة، إنها -والله- للمسة تستجيش مشاعر كل قلب فيه ذرةٌ من خير، وفيه بَذرةٌ من صلاح، وفيه أثارة من التطلع إلى مقام كريم، في صحبة كريمة، في جوار كريم، مع الذين أنعم الله عليهم.
فانظروا -يرحمكم الله- ماذا يفعل الله -جل جلاله- من أجل عباده الذين يحبون النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، انظروا ماذا يفعل ربنا -سبحانه- من أجل عباده الذين يريدون أن يتمتعوا ويمتعوا أعينهم بوجه الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ليس في هذه الحياة وإنما يوم القيامة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون جزءًا من انتمائنا لهذا الدين الذي نفخر ونعتز به، يجب أن يكون جزءًا من كياننا، ففضله صلى الله عليه وسلم علينا عظيم، آثرنا بدعوته المستجابة حرصا منه علينا ومحبة لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".
بل كان يبكي لأجل أمته ويخاف عليها ويتفطر كبده من أجلها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [إبراهيم: 36].
وقال عيسى -عليه السلام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] ثم رفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله -عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".
وتأملوا موقفه صلى الله عليه وسلم في يوم يشيب فيه الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق، وأهل العزم من الرسل يقول كل واحد منهم في ذلك اليوم: نفسي نفسي، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: أمتي أمتي.
فعذراً يا سيدي يا رسول الله ندعي حبك ونشتاق لرؤيتك وقد قصرنا في حقك وأصبحنا لا نتذكرك إلا حين تحل بنا ذكرى مولدك المزعومة التي أحدثها وابتدعها من بعدك قوم يزعمون أنهم يحبونك!
عذراً يا سيدي يا رسول الله ندعي حبك وأننا نشتاق لرؤيتك وقد أضعنا عهدك وطريقك، وهجرنا سنتك، وابتعدنا عن نهجك القويم، ولم نقرأ سيرتك الشريفة، ولم نعلّمها أولادنا، ولم نحثّ الناس على دراستها والتأسي بها!
عذراً يا سيدي يا رسول الله لقد كنت حريصا كلَ الحرص على هداية الناسِ، وتحبيب الإِيمان إلى قلوبهم، ولكن نحن اليوم إلا من رحم الله –تعالى- حريصون كلَ الحرص على تنفير الناس من دينهم بسلوكِنا وأفعالِنا، بل أذهبنا أنفسنا حسرات على المال والجاه والسيادة والمصالح!
فعذراً يا سيدي يا رسول الله، وجزاك ربي -عز وجل- عنا خير الجزاء.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم