عناصر الخطبة
1/في وداع رمضان 2/بعض صفات الربانيين 3/بعض أحوال السلف في رمضان 4/علامات قبول صوم رمضان 5/الاجتهاد في طاعة الله والاستمرار عليها 6/اعتزاز المسلم بشريعة الإسلام وتحكيمه لها 7/وصايا مهمة لعامة الأمةاقتباس
إن العبد الرباني، هو الذي يعبد الله -تبارك وتعالى- السنة كلها، قيل لبشر الحافي: "إن قوما يجتهدون ويتعبدون لله -جل وعلا- في رمضان وحده؟" فقال: "بئس القوم قوم لا يعرفون الله حقا إلا في رمضان". إن العبد المجتهد الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها. فهكذا فكونوا -عباد الله-، رمضان فرصة أدركناها بفضل الله -تبارك وتعالى- علينا، وأنعم الله -عز وجل- علينا بإتمامها، لكن هل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -جل وعلا- من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ)[الأنعام: 134].
فيا أيها المسلمون -عباد الله-: عنوان هذه الخطبة في أيام هذا اليوم من أيام الله -جل في علاه- عنوانها: "رسالة عاجلة إلى كل مسلم ومسلمة" لكل من رضي الله ،ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، نبعث بها إلى كل من يرجو الفوز بالجنة والنجاة من النار، نبعث بها إلى كل رجل، وإلى كل امرأة، إلى كل شاب، وإلى كل شيخ، إلى كل من أنعم الله -عز وجل- عليه بإتمام نعمة رمضان، فصام رمضان حق الصيام، وقام رمضان حق القيام، وأخرج زكاة الفطر، وأكثر من طاعة الله -جل وعلا- في رمضان، وأتم الله -عز وجل- عليه النعمة ببلوغه يوم عيد الفطر.
نقول للجميع -عباد الله-: "كن عبدا ربانيا ولا تكون عبدا رمضانيا".
أيها المسلمون: طاب صيامكم، وطاب قيامكم، وهنيئا لكم بما فعلتم بأنفسكم.
انقضى رمضان، انقضت أيامه ولياليه، وانفض السوق الذي قد أقيم، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر.
سلام من الرحمن كل أوان *** على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كل أمان
لئن فنيت أيامك الغر بغته *** فما الحزن من قلبي عليك بفان
فسلام على رمضان، لكن -عباد الله-: ماذا علينا بعد رمضان؟ ماذا بعد رمضان؟
نقول -عباد الله-: بعد رمضان "كن ربانيا ولا تكن رمضانيا".
تأملوا -عباد الله-: إن العبد الرباني، هو الذي يعبد الله -تبارك وتعالى- السنة كلها، قيل لبشر الحافي: "إن قوما يجتهدون ويتعبدون لله -جل وعلا- في رمضان وحده؟" فقال: "بئس القوم قوم لا يعرفون الله حقا إلا في رمضان".
إن العبد المجتهد الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها، فهكذا فكونوا -عباد الله-، رمضان فرصة أدركناها بفضل الله -تبارك وتعالى- علينا، وأنعم الله -عز وجل- علينا بإتمامها، لكن هل يتوقف الأمر على ما فعلنا بأنفسنا في رمضان؟
نقول: لا.
نحن نحتاج -عباد الله- والله- أن نتعبد لله -تبارك وتعالى- في كل وقت وفي كل حين، نستمر على طاعة الله -جل وعلا-؛ كما كان حال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عمله ديمة صلوات الله وسلامه عليه، يتعبد لله -جل وعلا-، ويجتهد السنة كلها.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم كل ليلة من ليالي العام بإحدى عشر ركعة -عليه الصلاة والسلام-، حتى تورمت قدماه الشريفتان، وكان يقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".
لم يتوقف القيام على قيام رمضان، ولم يتوقف الصيام على صيام رمضان، ولم تتوقف تلاوة القرآن على تلاوة القرآن في رمضان، إنما العبد المجتهد، العبد الذي يعلم أن وجوده في هذه الدنيا أياما معدودات بعدها سيرحل إلى ربه -تبارك وتعالى- هذا العبد لا يضيع من عمره من وقته من حياته فرصة في غير طاعة الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
لذلك نقول -عباد الله-: إن واجب علينا بعد رمضان بعد أن أكملنا عدة صيامه، وعدة قيامه، وأخرجنا زكاة فطرنا، وعشنا أيام عيد الفطر المبارك بفضل الله -تبارك وتعالى- الواجب علينا أن نسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منا ما كان في رمضان.
هكذا -عباد الله-: كان حال السلف، انظر إلى عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه- لما خرج يوم عيد فطر يخطب بالمسلمين، فقال: "أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوم، وقمتم لله ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تسألون الله -جل وعلا- أن يتقبل منكم".
هذا الذي ينبغي أن نجتهد فيه -عباد الله-: أن نسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منا، من كان محسنا في رمضان فليزد في إحسانه، وليسأل الله -جل وعلا- أن يتم عليه النعمة، وأن يتقبل منه، ومن كان مسيئا في رمضان، من كان مقصرا في رمضان، فليرجع إلى ربه -تبارك وتعالى-، وليتب إلى الله -جل وعلا-، وليحسن فيما بقي من الليالي والأيام.
عباد الله: الحسن البصري وجه رسالة إلى كل مسلم في كل زمان وكل مكان، يقول رحمه الله -تعالى- في كلام يشبه كلام الأنبياء، يقول: "إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته".
تأمل! كان رمضان ميدانا للمنافسة؛ يتنافس فيه المتنافسون على طاعة الله -جل وعلا-: صيام، قيام، تلاوة قرآن، عطف على الفقراء والمساكين والأيتام، صدقات، عمرة، أعمال صالحات، كان يؤدها الناس في رمضان.
كان ميدانا للعمل، للتنافس في طاعة الله -جل وعلا-.
"إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته؛ فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون".
انتبهوا -عباد الله-: ولتشغلوا أنفسكم بعد رمضان بدعاء الله أن يتقبل منكم، كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعوه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
فكانت السنة كلها رمضان.
إننا نحتاج -عباد الله-: إلى كل مسلم الذي يفهم الحياة فهما حقيقا، أنت عبدا لله -جل وعلا- في كل وقت وفي كل حين تطبق منظومة العبودية لله -جل وعلا-، تطبق قول الله -جل وعلا-: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162-163].
أنت عبدٌ لله في رمضان وفي غير رمضان، أنت عبدٌ لله في الصحة وفي المرض، أنت عبدٌ لله في الكرب والبلاء، وأنت عبدٌ لله كذلك في الرخاء، أنت عبدٌ لله -جل وعلا- في الغنى، وأنت عبدٌ لله -تبارك وتعالى- في الفقر.
فكن عبدا لله -جل وعلا- في كل وقت وفي كل حين، وأتمر بأمر الله -تبارك وتعالى- الذي أمر به الرسول -صلوات الله وسلامه- على الرسول، قال تعالى آمرًا نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو أمر لنا كذلك: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
ما هو اليقين -عباد الله-؟
إنه الموت.
عمل المؤمن -عباد الله-: لا ينقطع إلا بالموت، حتى آخر لحظة من لحظات حياته.
فكن في طاعة الله -جل وعلا- ربما يغفر لك في آخر لحظة من لحظات عمرك، فكن على طاعة الله -جل وعلا-، واسأل الله دائما وأبداً التوفيق والسداد، اسأل الله -تبارك وتعالى- الثبات على الدين، لا تغتر بنفسك، لا تعجب بطاعتك، ولا عبادتك، واسمع إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يكثر من هذا الدعاء، ويقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
تأمل هذا الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يسأل الله -جل وعلا- أن يثبت قلبه على دين الله - تبارك وتعالى-، فماذا نقول نحن -عباد الله- وحياتنا تموج في الذنوب والمعاصي في الداخل والخارج، ولا حول ولا قوة إلا الله؟.
نحتاج إلى توبة جماعية، نحتاج إلى عودة لله -تبارك وتعالى-.
نحتاج -عباد الله- إلى أن نكثر من الطاعة بعد الطاعة: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[الشرح: 7-8].
إذا فرغت من طاعة فاجتهد في طاعة بعدها، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يقبل منك هذه الطاعة.
يقول عمر -رضي الله عنه-: "والله لو أعلم أن الله -جل وعلا- تقبل مني سجدة لكان فرحي بالموت أشد من فرح الأهل بقدوم الغائب".
فالواجب علينا -عباد الله-: أن ننتبه، وأن نسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل ما كان منا في رمضان من صلاة وقيام وقراء القرآن.
رسالة عاجلة كذلك يوجهها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى كل المسلمين في كل مكان: "كونوا لقبول العمل أشد منكم اهتماما بالعمل؛ لأن الله -جل وعلا- قال: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27]".
العبد الموفق -عباد الله-: هو الذي يجعل حياته كلها كأنها شهر رمضان، يجتهد في طاعة الله -تبارك وتعالى-، يكثر من طاعة الله -جل وعلا-، فإن ما حان وقت وفاته حان وقت فطره، كما قال بعضهم:
أنت في دار شتات *** فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيوم *** صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند الله *** في يوم وفاتك
أيها المسلمون: إن من الأمور التي تدل على قبول صوم رمضان -بإذن الله- أن تكثر من الصيام بعد رمضان.
ومن الأيام المباركات التي حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيامها؛ كما صح في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه وأرضاه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر".
من صام رمضان، أي صام كل رمضان، ثم أتبعه بست من شوال، أي أتبعه بصيام ست من شوال، لا يشترط أن تكون متتابعة، المهم أن تكون في شهر شوال، المهم أن تصوم هذه الستة في شهر شوال، فمن صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كمن صام السنة كلها، على لسان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وقد فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف كان صيام رمضان مع ست من شوال يساوي السنة كلها، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صيام رمضان بعشر أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة" يعني رمضان وستة أيام بعده.
كما بين الرسول -صلى الله عليه - ما فائدة الصيام -عباد الله- بعد رمضان؟
فائدة الصيام كأنك تقول: أنني ما مللت صيام رمضان، إنما أنا محب للصيام، فتداوم ،عليه فيكون هذا علامة على قبول صيام رمضان.
كذلك من علامات قبول رمضان: أن تستمر على القيام بعد رمضان، ولو حتى بركعتين في جوف الليل، تناجي بها ربك -تبارك وتعالى-: "صَلُّوا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ الْقُبُورِ ، وَصُومُوا الدُّنْيَا لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، وَتَصَدَّقُوا مَخَافَةَ يَوْمٍ عَسِيرٍ ".
عباد الله: طوبى لمن كان يرى القيامة أمامه، وأنه عما قريب سوف يرتحل عن هذه الحياة الدنيا، ليوقف بين يدي الله -جل جلاله وتقدست أسمائه-.
تأملوا -عباد الله-: هذا المشهد الذي لا ينبغي أن يغيب عن خاطرنا، لا ينبغي أن يغيب عن تفكيرنا؛ لأنه مشهد -عباد الله- يطيش القلوب والألباب.
والله إذا تأملت جيدا مشهد المرور على الصراط -عبد الله-.
تأمل! الخلائق كلهم! تأمل الصراط منصوبا على جسر جهنم، تأمل الشمس قد أدنيت من رؤوس العباد، تأمل الصراط منصوبا للمرور عليه.
ما هو الصراط يا ترى؟
الصراط طريق لكن ما هو هذا الطريق؟
إنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف؛ كما قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه وأرضاه-.
ينصب الصراط، ثم يؤمر الناس -عباد الله-: بالمرور عليه، من الذي يثبتهم على هذا الصراط؟
من يطيق -عباد الله- أن يمشي على صراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف؟ من سيثبت -عباد الله-؟ من يثبتنا -عباد الله- في ذلك اليوم؟
إنه الله -جل وعلا-: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء)[إبراهيم: 27].
من ثبت هنا -عباد الله- في الدنيا على طاعة الله -جل وعلا-، من كان من المتقين كان من الطائعين، كان من الصالحين؛ ثبت هنالك -عباد الله-: ثبت عند المرور على الصراط، لذلك: "فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرجل ويرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدميه، تخر يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، فتصيب جوانبه النار".
النار من تحت -عباد الله- لها كلاليب وخطاطيف تخطف الناس من فوق الصراط، فالذي يثبت العبد -عباد الله-: إنما هو الله -جل وعلا- بسبب هذه الطاعة التي كان العبد يقوم بها لله -جل وعلا-.
فنحن -عباد الله-: في ميدان العمل، وأنفاسنا تعد، ورحالنا تشد، والعارية ترد، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد.
وليس عقب الباقي غير اللاحق بالماضي، وعلى أثر من سلف يمشي من خلف، وما ثم إلا أمل مكذوب، وأجل مكتوب: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185].
نسأل الله -جل وعلا- أن يثبتنا وإياكم على دينه؛ إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله: فما زلنا نواصل الحديث تحت هذا العنوان: "كن ربانيا ولا تكن رمضانيا".
هذا هو الطريق -عباد الله-، هذا هو التغيير المنشود الذي يريده الناس في دنياهم، الذي يريده الناس على واقعهم، وفوق أرضهم.
إذا أراد الناس أن تتغير أحوالهم، وأن يعيشوا في رغد من العيش، ورخاء وسخاء، فلا بد من أن نسلك طريق التغيير الحقيقي -عباد الله-.
طريق التغيير الحقيقي الذي هو: الاجتهاد في طاعة الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
أن نقيم واجب العبودية لله -جل وعلا- في كل شأن من شؤون حياتنا، في اقتصادنا، في اجتماعنا، في سياستنا، في حربنا، في سلمنا، في كل شأن من شؤون حياتنا.
نزن حياتنا -عباد الله-: بميزان الشريعة، هذا هو الذي يضمن لنا -بإذن الله- أن نستنشق عبير التمكين والرخاء والسخاء، فوق أرضنا -بإذن الله-.
إن الأرض -عباد الله-: لن تتغير، ولن ينعم أهلها بالأمن والأمان، والرخاء والسخاء، إلا إذا أقامت منهج السماء، إلا إذا طبق الناس شرع الله -تبارك وتعالى- في كل شأن من شؤون حياتهم، إلا إذا عاش الناس في ظل شريعة الله -تبارك وتعالى-.
ونحن نحتاج -عباد الله-: من الجميع في هذه الأوقات التي يواجه فيها الإسلام حربا شعواء في الداخل والخارج، كل هذا من أجل ماذا؟
من أجل أن الناس قاموا وطالبوا بأنه لا يستحق أن يحكمهم إلا شرع الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
الشريعة الغراء التي سوف ينعم في ظلها، حتى الحيوانات، العجماوات -بإذن الله-.
الشريعة الغراء التي تعيد للمسلم كيانه، التي تعيد إلى المسلم قدره، الشريعة الغراء التي سوف تصلح أحوال الناس؛ اجتماعهم، واقتصادهم، حربهم وسلمهم؛ كل شأن من شؤون حياتهم، سوف يصلح -بإذن الله جل وعلا- إذا أقيمت شريعة الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
الشريعة التي هي الغذاء، وهي الشفاء، وهي الدواء -بإذن الله-.
هي النور الذي من كان يعيش تحته فهو يعيش في نور فوق نور.
أما الذي ابتعد عن شريعة الله -جل وعلا-، فهو يعيش في بحار من الظلمات -والعياذ بالله-.
لذا نقول -عباد الله-: المعركة فاصلة بين من يريد شرع الله -تبارك وتعالى- وبين من يريد أن يطبق الناس العلمانية والليبرالية، أو غيرها من هذه المناهج الغربية التي استوردها أبناء العرب؛ ليحكموا بها بلاد الإسلام.
لأن هذه المناهج العلمانية والاشتراكية والليبرالية، وغيرها، ما حصل الناس من ورائها؟!
ما ذاق الناس من وراء هذه المناهج إلا المرارة والعذاب، والظلم والاضطهاد، وأكل أموال الناس، وغيرها.
آن -عباد الله-: لنا أن نعتز بإسلامنا.
آن -عباد الله-: أن نعلن بلسان الحال والمقال أننا لا نرضى بغير شريعة الله -جل وعلا-.
شريعة الله -تبارك وتعالى- التي هي الوحي المنزل من قبل الله -جل وعلا-: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14].
الله -جل وعلا- أعلم بشؤون خلقه، ما يصلحهم، ما ينفعهم، ما يرفع شأنهم، ما يضمن لهم الكرامة والأمن والأمان، والرفعة والسيادة، والعزة والريادة، والتمكين -بإذن الله جل وعلا-.
فكونوا -عباد الله- على هذا الطريق، على طريق الله -جل وعلا-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].
عودوا إلى ربكم -تبارك وتعالى-، أصلحوا بيوتكم وأسركم، اتقوا الله -جل وعلا- في أزواجكم، في أولادكم.
اتقوا الله -جل وعلا- في أرحامكم، قوموا بواجبكم، في أعمالكم، أدوا وظائفكم وأعمالكم كما ينبغي.
احرصوا على الحلال، وابتعدوا عن الحرام.
اتق الله -جل وعلا- في تجارتك، اتق الله، واترك الغش والنصب والاحتيال.
علم أولادك القرآن وسنة نبيك -عليه الصلاة والسلام-.
أكثر من الدعاء، وارجع إلى ربك -تبارك وتعالى-.
حافظ على الصلاة في جماعة، أدرك تكبيرة الإحرام.
أحسن إل جيرانك، وصل أرحامك.
واتق الله في المسلمين، ادع حتى غير المسلمين إلى دين الله -جل جلاله-.
نريد -عباد الله-: أن نقيم شرع الله في أنفسنا، فإذا أقمناه في أنفسنا أقامه الله على أرضنا -بإذن الله-.
إذا فعلنا ذلك -عباد الله-: وعدنا إلى طريق الله -جل وعلا-؛ انتشر الدين، وعم الرخاء بلاد الإسلام في المشارق والمغارب، حتى ينتشر الدين -بإذن الله جل وعلا- ويتحقق ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر".
وهذا أمر كائن لا محالة -بإذن الله- كما أخبر الرسول -صلوات الله وسلامه على الرسول-.
نسأل -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
اللهم انصر دينك وكتابك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم