عناصر الخطبة
1/الدرس المستفاد من قصة الرماة يوم أحد 2/حال الأمة الإسلامية اليوم 3/معاول الهدم في المجتمعات الإسلامية 4/إحصائيات مذهلة حول الغزو الفكري 5/وجوب التصدي للفساد والمفسدين 6/رسالة إلى المفسدين في الأرضاقتباس
إن الأمة اليوم لم تصب بمصائب من داخلها أو خارجها إلا بسبب من أنفسها وتفريط وغفلة عن حماية الذمار، ورعاية الدار: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]. إن نظرة ناقدة إلى مجتمعنا اليوم توجب الحذر من عذاب قد انعقد غمامه، وادلهم ظلامه. إننا وإن كنا نرى نوع توجه في المجتمعات إلا أننا نعايش فيها انحدارًا رهيبًا يؤذن بخطر، فها...
الخطبة الأولى:
في أحد تعبّأ النبي -صلى الله عليه وسلم- للقتال، وحدّد مواقع جيشه، وكان من حنكته العسكرية أن اختار من جيشه خمسين رجلاً يجيدون الرمي بالنبل، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، وأصدر أوامره المشدّدة الصريحة للرماة، فقال: "انضحوا الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعيوننا، لا تبرحوا وإن تخطّفنا الطير".
وأكد على ابن جبير، فقال: "إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتينَّ من قِبَلك".
ويلتقي الجيشان، وتدور رحى الحرب، ويضرب السيف القنا، فيتنزل مدد الله وينصر جنده، ويجيد الرماة دورهم في حماية الظهر وردّ خيل المشركين، وألقي الرعب في المشركين، فهربوا فزعين في مشهد يصوّره لك البراء بن عازب حيث قال: "فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتدِدن في الجبل، رفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن، فلما رأى الرماة المشهد أخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، ونزلوا عن مواقعهم، فصاح بهم عبد الله بن جبير: مكانكم، عهد رسول -صلى الله عليه وسلم- أن لا تبرحوا، فأبوا إلا النزول.
نزلوا وهم يظنون إلا أن الحرب قد وضعت أوزارها، ناسين بذلك الأوامر المشدّدة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزوم المواقع وعدم البراح عنها.
لقد عصوا بذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتركوا حماية الظهر، فوقعت السنة الإلهية عليهم، السنة لا تحابي أحدًا ولا تداريه، فدارت الدائرة عليهم، وانقلبت رحى المنون إلى دارهم، فكانت نتيجة هذه المعصية أن قتل من الصحابة سبعون، وكان يوم بلاء وتمحيص خلص فيه المشركون إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، فرجم بالحجارة حتى وقع لشقه، وأصيبت رباعيته، وشج وجهه، وكلمت شفته، فدخل في وجنته حلقتان من حلَق المِغْفَر.
فتساءل القوم: أنى هذا؟! كيف أصابنا الضر ونحن جند محمد؟!
فأنزل الله قوله الفصل وحكمه العدل: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].
قل: هو من عند أنفسكم.
إنه درس للأمة عظيم، فإذا كان الجيل المبارك جيل الرسالة قد أصيب بما أصيب به بسبب معصية الرماة، وتخليهم عن مواقع الحماية، فإن غيرهم من باب أولى وأحرى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].
إن الأمة اليوم لم تصب بمصائب من داخلها أو خارجها إلا بسبب من أنفسها وتفريط وغفلة عن حماية الذمار، ورعاية الدار: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41].
إن نظرة ناقدة إلى مجتمعنا اليوم توجب الحذر من عذاب قد انعقد غمامه، وادلهم ظلامه.
إننا وإن كنا نرى نوع توجه في المجتمعات إلا أننا نعايش فيها انحدارًا رهيبًا يؤذن بخطر، فها هي سوق الفساد قد راجت، ومعاول الهدم قد كثرت، والناس في غفلة عما يراد بهم.
إن جهودًا فردية ضعيفة تقف أمام هذا الطوفان الجارف قد لا تغني شيئًا؛ إذ إنه لا بد من استنفار عامّ لحماية العقائد والأخلاق يشارك فيه المجتمع بأكمله، كل بما يستطيع، فكل على ثغر.
ولا بد لنا من حماية الظهر، نريد من يحمي ظهورنا من الإعلام الفاجر، الإعلام الذي غيّر الفطر وزعزع العقائد وأفسد الأخلاق، وأضعف في المجتمعات المناعة الفكرية؛ مجلة خليعة، وصحيفة هابطة، ومسرحية ماجنة، جاؤوا بعدها بما هو أسرع تأثيرًا وتغييرًا، فأمطرتنا القنوات الفضائية بما تعرض من الفجور ليل نهار، جهود ضخمة وسعار مستمرّ حتى كان آخر الإحصائيات أن 500 قناة فضائية ما بين عربية وأوربية وأمريكية، وآسيوية تنشر انحرافاتها العقدية والأخلاقية والاجتماعية، وتبثّ سمومها في مجتمعنا، يقول مدير أحد القنوات الفضائية العربية، وهو ماروني نصراني متعصب: "نعم، استخدمنا الجنس وهدفنا الخليج".
فبعد هذا الغزو المحموم أي حال ستكون عليه مجتمعاتنا؟! هل ستثبت الثوابت فيها أم ستتزعزع وتنهار؟!
لقد كان من النتائج الأولية لهذا الغزو ما طاشت له الأرقام، وحارت معه الأفهام، ففي استبانة وضعت لطلاب بعض المدارس في هذه البلاد، وكان عددهم 507 طلاب أن كان من نتائجها:
أن 35 في المائة يرون أن للقنوات أثرًا عقديًا عليهم.
60 في المائة يرون أن للقنوات أثرًا أخلاقيًا عليهم.
44 في المائة يرون أن القنوات سببًا للتهاون في الصلاة.
40 في المائة يرون أن للقنوات تأثيرًا على الدراسة.
76 في المائة يرون أن القنوات تساعد على الجريمة.
14 في المائة فكّروا بارتكاب الجريمة بعد رؤية مشهد أو برنامج معين.
وفي دراسة أخرى أثبتت أن 46 في المائة من طلاب الابتدائي شاهدوا لقطات جنسية حيّة من بعض الفضائيات.
إن خطر هذه القنوات وخطر شبكات الإنترنت واضح، تراه بأم عينك، تراه وأنت تسير في بلادك، لا تحتاج معه إلى شاهد أو دليل.
إنك لترى أن المجتمع الذي كان مجتمعًا مسلمًا محافظًا صاحب عادات حسنة، وتقاليد مرضية، قد بدأ يتغيّر في شخصيته، بتلك القبعة العجيبة، والقَصَّة الغريبة، واللباس الضيق المقزّز، ذي الألوان المختلفة التي عجز النساء عن تنسيقها واختيارها، وترى تغيّرًا في الأخلاق والعادات، وبذاءة في اللسان، وعدم احترام للكبير، وقلة في الحياء، وسوء أدب، وانحرافًا نحو الجريمة والعنف.
جاء في تقرير صدر عن اليونسكو: أن إدخال وسائل أعلام جديدة، وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين.
هذا في التلفزيون فماذا فعلت القنوات؟! وماذا ستفعل؟! وماذا ستفعل شبكات الإنترنت؟! وأي جيل ستخرج لنا؟!
وعش رجبًا ترَ عجبًا.
لقد صعق من هذا الغزو عقلاء الكفار، فتنادوا لحفظ بلادهم ومجتمعاتهم من ثقافات وافدة.
فالصين واليابان وكندا وبريطانيا وفرنسا وغيرها أصبحت تخاف على ثقافتها ومواطنيها من أثر الانفتاح الإعلامي.
فهذا وزير الثقافة البريطاني "كريس سيمث" قام بفرض الحظر على بعض القنوات التي تعرض الجنس حماية لمجتمعه.
وصرح وزير الثقافة الفرنسي أنه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية للاستعمار الثقافي الأمريكي!.
فإذا كانت هذه غيرة الكفار على عوائدهم وأخلاقهم، فأين غيرة المسلمين على دينهم وثقافتهم؟!
لقد دخل الاستعمار اليوم مواقع لم يكن يحلم بدخولها، دخل الأفنية والغرف والاستراحات.
لقد غزاها بالفكر والثقافة والعادات فأين حماة الظهر ورعاة الدار؟! أين دور الآباء تجاه أبنائهم؟! أليس الذين ضاعت أخلاقهم واختلفت عاداتهم هم أبناؤنا؟! لماذا يغفل عن الولد فتًى كان أو فتاة يخلو لوحده مع الإنترنت يقلب صفحاته دون حسيب أو رقيب؟!
لقد بلغني أن بعض طلاب المتوسّطات يتبادلون أسماء بعض المواقع فضلاً عن غيرهم، وما الذي يمنعهم من ذلك حين يضعف الخوف من الله وتسهل الوسيلة؟! لماذا الغفلة عن أبنائنا لا ندري أين يبيتون، ولا مع من يسهرون وإلى أين يذهبون؟!
في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"[رواه البخاري].
ومن السهام التي صوّبت إلى مجتمعاتنا من أجل إفساد شبابها، وتدمير قوتها: سموم المخدرات التي كثر الحديث عنها وكثر، وتستَحِقّ من الحديث أكثر.
فسدت بها عقول الشباب، وأضاعوا بسببها الدين والدنيا.
وكنت يومًا مع أحد المسؤولين في جهاز مكافحة المخدرات، فكان يقول: إن نسبة انتشار المخدرات بين الطلاب عمومًا تزداد عامًا بعد عام، فمن الذي ينشرها؟! ومن الذي يروّج لها في سكون الليل؟!
إنها الغفلة عن المراقبة والمتابعة، وعن حماية الظهر، وسد الثغر.
ومن السموم التي تسري في المجتمعات: انتشار المعاكسات عن طريق المكالمات الهاتفية، أو رسائل الجوال، أو صوره، أو البلوتوث، أو التردّد المربك للأسواق، دون حسيب، والذي ينشأ عنه علاقات محرّمة، ثم فضيحة تهدم البيت من أساسه، يودّ معها أن لو كان نسيًا منسيًا.
إن ضريبة الغفلة والانشغال بالدنيا على حساب ترك الأولاد دون رعاية، أو توجيه، ستكون ضريبة صعبة، وسيكون الثمن باهظا يدفعه كل مفرط جهول: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].
إنه من أجل الحفاظ على أمن المجتمع واستقراره، وعلى معتقداته وأخلاقه، وعاداته، يجب أن يكون هناك شيء من الحزم والجد في المواجهة.
لا بد أن نضع أيدي بعضنا مع بعض، وأن نقوم لله قيامًا نحمي به ظهورنا، ونحفظ به ديارنا، لا نخاف مع ذلك لومة لائم.
وجاء التغليظ على المتشبّه بالنساء وإخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت".
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم".
قال: فأخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فلانا، وأخرج عمر فلانة.
إنه نوع من الحزم الذي نرحَم به العاصي فنأطره به على الحق أطرا، ونجرّه فيه إلى الجنة بالسلاسل.
فقسا ليزدجروا ومن يـك حازمًا *** فليقس أحيانًا على من يرحم
لا بد أن يقف المجتمع وقفته الحازمة أمام كل مشيع للفاحشة، حتى نجفف بذلك منابع الجريمة والفساد.
لا بد أن يُبلّغ عن كل مروّج للمخدرات حتى يقطع دابره، ويزال شره.
لا بد من مدافعة كلّ من ينشر الرذيلة بأي وسيلة، بشريط ماجن، أو بيع لأجهزة الاستقبال، أو الكروت المشفّرة من أجل دراهم معدودة -لا بارك الله لهم فيها-.
ولا بد أيضًا من التعاون مع الجهات المسؤولة في القضاء على هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر؛ كالتفحيط، أو العبث بالسيارة في الرمال التي يقصد منها مآرب أخرى، وأذية الناس، وإفساد الممتلكات، وسرقة الأموال والسيارات.
إنه لا يصح للمجتمع أن يكون حاميًا لمفسِد بسكوته، أو مدافعًا عنه بشفاعة سيئة، تجعل المفسد يعيد الكرة وبقوّة، ويستهوي غيره ليسلك طريقه: (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا)[النساء: 85].
وفي الحديث: "لعن الله من آوى محدثًا".
إن أحد أبنائنا حين يقصّر فيجد المجتمع بأجمعه قد وقف ضدّه فإنه سيحس بقوّة الصدمة وبشاعة الجرم؛ الشيء الذي يجعله لا يعاود ذلك مرة أخرى.
إن الواجب أن يكون كلّ أبٍ منا مخولاً لرعاية أبناء غيره، وأمرهم ونهيهم وتأديبهم إن احتاج الأمر إلى ذلك.
إن الأمر عظيم والخطب جلل والسفينة تكاد تغرق إن لم نحمها من عبث العابثين، وكيد المعتدين.
ثم في ختام الكلام: أوجه رسالة إلى كل من لبس ثوب الإفساد، وإشاعة الفاحشة: أن يتقوا الله، ويخشوا عقابه، وأن يعلونها توبة تجبّ ما قبلها.
وأن يعلموا: أنهم في استمرارهم على ذلك يجمعون إلى سيئاتهم سيئات غيرهم: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النحل: 25].
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ثم عليهم أن يعلموا: أن ما يفعلونه من إفساد للغير ما هو إلا قرض سيرَدّ إليهم: "دقّة بدقة ولو زدت لزاد السقا".
عُفّـوا تعفّ نسـاؤكم فِي المَحرم *** وتَجنبـوا ما لا يليـق بمسلـم
إن الزنـا ديـن فـإن أقرضتـه *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
مـن يزني في قـوم بألفـي درهم *** فِي بيتـه يزنى بربـع الدرهـم
يـا هاتكًـا حرم الرجال وتـابعًا *** طُرق الفساد تعيش غيـر مكرم
لو كنـت حرًا من سلالة مـاجدٍ *** ما كنت هتاكًا لحرمـة مسلـم
ثم ليعلموا أن لهم في نشر الفساد عذابا أليما في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].
الخطبة الثانية:
لم ترد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم