قضايا الشباب (3) الشباب والشبهات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-03-29 - 1443/08/26 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/نصب الأعداء شرك الشبهات للشباب2/خطورة الشبهات على الشباب وآثارها 3/شبهات تعرض للشباب والجواب عليها4/سبل تحصين الشباب من الشبهات.

اقتباس

أَلَا فَاحْمُوا شَبَابَنَا مِمَّا يُرَادُ بِهِمْ، وَخُذُوا بِأَيْدِي مَنْ سَقَطَ فِي بَحْرِ الشُّبُهَاتِ إِلَى شَاطِئِ الطُّمَأْنِينَةِ بِالْإِيمَانِ، وَازْرَعُوا فِيهِمْ صَخْرَةَ الْيَقِينِ الَّتِي تَتَحَطَّمُ عَلَيْهَا سَفِينَةُ الشُّبُهَاتِ، وَلَا تُسَلِّمُوهُمْ لِعَدُوِّهِمْ بِتَقْصِيرِكُمْ فِي نُصْحِهِمْ وَتَحْصِينِهِمْ فَتَذْهَبَ رِيحُهُمْ وَرِيحُكُمْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ كَأَمْوَاجِ الْبِحَارِ، فِتَنٌ تُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ كَعَرْضِ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا؛ فَسَيْلٌ مِنْ فِتَنِ الشَّهَوَاتِ، وَبَرَاكِينُ مِنْ نِيرَانِ الشُّبُهَاتِ لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ثَبَاتِ خُطَاهُ؛ أَلَا وَإِنَّ مِنَ الْفِتَنِ الَّتِي يُشِيعُهَا أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ فِي أَوْسَاطِ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا، وَفِي أَوْسَاطِ الشَّبَابِ خُصُوصًا؛ فِتَنُ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَتَخَطَّفُ شَبَابَ الْأُمَّةِ مِنَ الْيَقِينِ إِلَى الْحَيْرَةِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ الرَّاسِخِ إِلَى الشُّكُوكِ وَالظُّنُونِ؛ وَكَمْ أَزَاغَتْ تِلْكَ الشُّبَهُ الدَّاحِضَةُ قُلُوبَ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ وَغَزَتْ عُقُولَهُمْ حَتَّى غَرِقُوا فِي جَحِيمِهَا؛ إِنَّهَا شُبُهَاتٌ تَطْعَنُ فِي ثَوَابِتِ الدِّينِ، وَتُشَكِّكُ فِي أُصُولِهِ، وَتُشَوِّهُ رُمُوزَهُ، وَتَضْرِبُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 7].

 

وَمَا يَكِيدُونَ كَيْدَهُمُ الْخَبِيثَ هَذَا إِلَّا لِيُزَلْزِلُوا ثِقَةَ الشَّبَابِ فِي كُلِّ ثَوَابِتِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ؛ أَمَلًا أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْهُ، أَوْ يُصْبِحُوا فَرِيسَةً سَهْلَةً لِكُلِّ تَيَّارٍ مُنْحَرِفٍ، يَقُولُ -عَزَّ وَجَلَّ -: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النِّسَاءِ: 89].

 

وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِغَرِيبٍ؛ فَإِنَّهُمْ دَائِمًا وَأَبَدًا يَكْرَهُونَ لَنَا الْخَيْرَ وَيَبْتَغُونَ لَنَا الْعَنَتَ: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 105]؛ فَهِيَ مُؤَامَرَةٌ يَحِيكُهَا الْأَعْدَاءُ تَسْتَهْدِفُ شَبَابَ أُمَّتِنَا، أَوَّلُ أَهْدَافِهَا: تَجْهِيلُ الشَّبَابِ بِدِينِهِمْ، وَقَطْعُ الصِّلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَالِقِهِمْ، وَزَعْزَعَةُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَهُمْ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ يَعْمَلُونَ فِي خُبْثٍ عَلَى إِلْبَاسِ الشُّبُهَاتِ ثَوْبَ الْحَقَائِقِ، وَتَقَمُّصِ دَوْرِ الْمُصْلِحِينَ دُعَاةِ التَّنْوِيرِ! وَمَا هُمْ إِلَّا كَارِهُونَ حَاسِدُونَ؛ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)[الْبَقَرَةِ: 109].

 

وَهُمْ يَسْتَخْدِمُونَ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْغَايَةِ كُلَّ وَسِيلَةٍ مَاكِرَةٍ خَبِيثَةٍ؛ فَيُلْهُونَ الشَّبَابَ بِالشَّهَوَاتِ، وَيُغْرِقُونَهُمْ فِي اللَّذَائِذِ وَالْمَوْضَاتِ وَالتَّفَاهَاتِ حَتَّى يَصِيرُوا فِي غَفْلَةٍ وَسَكْرَةٍ فَلَا يَكْتَرِثُونَ بِأَمْرِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَعِنْدَهَا فَقَطْ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِمُ الشُّبُهَاتِ، وَصَدَقَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِذْ يَقُولُ: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إِبْرَاهِيمَ: 46].

مُؤَامَرَةٌ تَدُورُ عَلَى الشَّبَابِ *** لِيُعْرِضَ عَنْ مُعَانَقَةِ الْحِرَابِ

مُؤَامَرَةٌ تَقُولُ لَهُمْ: تَعَالَوْا *** إِلَى الشَّهَوَاتِ فِي ظِلِّ الشَّرَابِ

مُؤَامَرَةٌ مَرَامِيهَا عِظَامٌ *** تُدَبِّرُهَا شَيَاطِينُ الْخَرَابِ

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الشُّبْهَةَ إِذَا طُرِحَتْ عَلَى عُقُولِ الشَّبَابِ فِي وَقْتٍ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْعُقُولُ خَاوِيَةً مِنْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ يَصُونُهَا وَيَحْمِيهَا، كَانَتْ كَالْمَيِكْرُوبِ إِذَا هَاجَمَ جِسْمَ إِنْسَانٍ قَدْ فَقَدَ جِهَازَ مَنَاعَتِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْذِيهِ وَيُرْدِيهِ وَيُدَمِّرُهُ تَدْمِيرًا، وَمِنْ هُنَا نَفْهَمُ خُطُورَةَ الشُّبُهَاتِ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى عَقْلٍ فَارِغٍ إِلَّا مِنَ التَّفَاهَاتِ.

 

بَلْ لَقَدْ خَشِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَلْبِ الْفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، مَعَ أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ وَافَقَ آرَاءَهُ مِرَارًا، وَمَعَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْهُ؛ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ تُصِيبَهُ فِتْنَةُ الشُّبُهَاتِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَضِبَ وَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ؛ (أَيْ: أَمُتَحَيِّرُونَ وَمُتَشَكِّكُونَ) فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، فَمَا بَالُكَ بِعَقْلِ شَابٍّ غِرٍّ نَاشِئٍ؟!

 

وَإِنَّكَ لَتَرَى الشَّابَّ الَّذِي أَصَابَتْهُ شَظَايَا تِلْكَ الشُّبُهَاتِ مُتَذَبْذِبًا مُضْطَرِبًا حَائِرًا تَائِهًا، يَمِيلُ إِلَى الْإِلْحَادِ تَارَةً، وَإِلَى الْعَلْمَانِيَّةِ أُخْرَى، وَيَقَعُ فِي بَحْرِ التَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ، حِينًا فَيَتَسَاءَلُ مِنْ دَاخِلِهِ: أَلَيْسَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَكُونَ النَّصْرَانِيَّةُ أَوِ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ غَيْرُهُمَا هِيَ الْحَقَّ؟! وَأَحْسَنُ هَؤُلَاءِ حَالًا مَنْ يُؤْمِنُ إِيمَانَ الْوَجِلِ الْمُسْتَحْيِي مِنْ إِيمَانِهِ؛ يَظُنُّ وَاهِمًا أَنَّ فِي الدِّينِ خَلَلًا يَجِبُ أَنْ يُسْتَرَ، أَوْ عَوْرَاتٍ يَجِبُ أَنْ تُخَبَّأَ!

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ آلَافَ الشُّبُهَاتِ تُطْرَحُ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ يَوْمِيًّا، وَيُقْصَدُ بِهَا فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ: الشَّبَابُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا بِجَدِيدٍ، بَلْ هِيَ تَكْرَارٌ وَإِعَادَةٌ لِشُبُهَاتِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمِنْ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ:

شُبْهَةُ: أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ بِدِينِهِ مُلْتَزِمٌ بِهِ سَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كُنْهِ هَذَا الدِّينِ؛ إِذْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَدْيَانِ تَدْعُو إِلَى الْقِيَمِ وَالْفَضَائِلِ! وَكَفَى فِي الْإِجَابَةِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85]، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَوْلُهُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دَفَعَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْهَا شُبْهَةُ: كُلُّ مَوْجُودٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ؛ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ! وَلَوْ حُصِّنَ هَذَا الشَّابُّ بِالْعِلْمِ مَا سَأَلَ هَذَا السُّؤَالَ، وَلَأَدْرَكَ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ"، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هَلَكَ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ).

 

وَمِنْهَا شُبْهَةُ: كَيْفَ نَتَأَكَّدُ أَنَّ دِينًا عُمْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا قَدْ وَصَلَ إِلَيْنَا بِلَا تَحْرِيفٍ وَلَا تَبْدِيلٍ عَبْرَ كُلِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ! وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْجَوَابِ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَهِيَ: "أَنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ"؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ بَعْدَهُ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9]، وَمِنْ تَمَامِ حِفْظِ الْقُرْآنِ حِفْظُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْحُهُ وَتَطْبِيقُهُ وَتَكْمِلَتُهُ.. وَإِذَا ثَبَتَ حِفْظُهُمَا ثَبَتَ حِفْظُ الدِّينِ كُلِّهِ.

 

وَيُجَابُ -أَيْضًا-: أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ أَحْدَثُ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا زَمَانًا، فَشُبْهَتُكُمْ وَارِدَةٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَاللَّتَانِ قَدْ حُرِّفَتَا بِيَقِينٍ.

 

وَلَا تَزَالُ الشُّبُهَاتُ تَتَهَافَتُ وَتَتَسَاقَطُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ، وَهَذَا دَأْبُ الْبَاطِلِ دَائِمًا؛ (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 81].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْأَخْذَ بِأَسْبَابِ التَّحْصِينِ وَالْوِقَايَةِ خَيْرٌ مِنْ مُعَانَاةِ الْإِصْلَاحِ وَالْعِلَاجِ، وَمِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ:

تَعْلِيمُهُمُ التَّسْلِيمَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: فَمَا دَامَ الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ قَدْ صَدَرَ لَمْ يَبْقَ لَنَا إِلَّا التَّسْلِيمُ وَالطَّاعَةُ سَوَاءٌ وَعَتْ عُقُولُنَا الْحِكْمَةَ مِنْهُ أَمْ لَا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الْأَحْزَابِ: 36]، وَيَقُولُ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النُّورِ: 51]، وَيَقُولُ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النِّسَاءِ: 65].

 

وَمِنْهَا: تَحْصِينُهُمْ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ؛ فَمَا يُصِيبُ الشَّبَابَ مِنْ فِتَنٍ لَا يُصِيبُهُمْ إِلَّا لِقِلَّةِ عِلْمِهِمُ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، كَذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نُحَصِّنَ عُقُولَهُمْ بِتَحْذِيرِهِمْ مِنْ مُخَطَّطَاتِ أَعْدَائِهِمْ، وَأَنْ نَدْحَضَ كُلَّ شُبْهَةٍ بِالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ وَالْعِلْمِ الْمُؤَصَّلِ.

 

وَمِنْهَا: الْيَقِينُ بِكَمَالِ الدِّينِ وَرَبَّانِيَّتِهِ: يَقُولُ -تَعَالَى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، وَإِنَّ الشَّابَّ إِذَا أَيْقَنَ بِذَلِكَ تَهَافَتَتْ أَمَامَهُ الشُّبُهَاتُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهَا جَوَابًا؛ لِيَقِينِهِ أَنَّهُ لَوْ بَحَثَ لَوَجَدَ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فُصِّلَتْ: 41-42].

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونُ: فَهِيَ صَيْحَةُ نَذِيرٍ، وَصَرْخَةُ تَحْذِيرٍ؛ أَلَا فَاحْمُوا شَبَابَنَا مِمَّا يُرَادُ بِهِمْ، وَخُذُوا بِأَيْدِي مَنْ سَقَطَ فِي بَحْرِ الشُّبُهَاتِ إِلَى شَاطِئِ الطُّمَأْنِينَةِ بِالْإِيمَانِ، وَازْرَعُوا فِيهِمْ صَخْرَةَ الْيَقِينِ الَّتِي تَتَحَطَّمُ عَلَيْهَا سَفِينَةُ الشُّبُهَاتِ، وَلَا تُسَلِّمُوهُمْ لِعَدُوِّهِمْ بِتَقْصِيرِكُمْ فِي نُصْحِهِمْ وَتَحْصِينِهِمْ فَتَذْهَبَ رِيحُهُمْ وَرِيحُكُمْ.

 

فَاللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَنَا مِمَّا يُلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ شُبُهَاتٍ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

قضايا الشباب (3) الشباب والشبهات.pdf

قضايا الشباب (3) الشباب والشبهات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات