عناصر الخطبة
1/الغيرة مكانتها وحقيقتها 2/نماذج من الغيرة.اقتباس
وَإِذَا أَظْهَرَتِ اَلْمَرْأَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ أَخْذَ كُلُّ نَاظِرٍ إِلَيْهَا إِثْمُ نَفْسِهِ، وَيُخْشَى عَلَيْهَا أَنْ تَأْخُذَ آثَامَ اَلنَّاظِرِينَ، وَمَنْ أَرْسَلَ مَقْطَعًا فَاسِدًا فَإِنَّ اَلْآثَامَ عَلَيْهِ تَتَنَاسَلُ بِعَدَدٍ مَنْ رَآهُ؛ فَلِنَبْتَعِدْ عَنْ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ، وَلْنُكْثِرْ مِنْ اَلِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، حَتَّى وَلَوْ عُدْنَا لِلذُّنُوبِ فِي اَلْيَوْمِ مِرَارًا...
الخطبة الأولى:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا خَلَقْتَنَا، وَرَزَقْتَنَا وَهَدَيْتَنَا، لَكَ اَلْحَمْدُ بِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ، وَبِالْإِيمَانِ وَالْأَمَانِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أنتَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا. أَمَّا بَعْدُ:
إِنَّهُ خُلُقٌ جَلِيلٌ يَحْمِي اَلْأَعْرَاضَ أَنْ تُنْتَهَكَ، وَبِسَبَبِهِ يَنْشَأُ اَلْحَيَاءُ وَالْعِفَّةُ وَالِاحْتِشَامُ؛ إِنَّهُ خُلُقُ اَلْغَيْرَةِ، غَيْرَةِ اَلْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُهُ. وَلَكِنْ لِيَحْذَرِ اَلْعَبْدُ أَنَّ تَحْمِلَهُ غَيْرَتُهُ عَلَى إِشَاعَةِ أَخْبَارِ اَلْفَوَاحِشِ، يَظُنُّ أَنَّهُ يُحَارِبُهَا وَهُوَ يُجَرِّئُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ عَلَيْهَا.
وَالْغَيْرَةُ لَيْسَتْ شُكُوكًا وَلَا تَشْكِيكًا، فَلَا اَلتَّوَهُّمَاتُ غَيْرَةً، وَلَا اَلِاتِّهَامَاتُ بِلَا دَلِيلِ غَيْرَةً، بَلِ اَلْأَمْرُ كَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ: فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ"([1]).
وَأَغْيَرُ اَلنَّاسُ رَسُولُنَا -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلِنَسْتَمِعْ لِشَيْءٍ مِنْ قِصَصِهِ فِي اَلْغَيْرَةِ عَلَى مَحَارِمِهِ؛ فَمِنْ أَعْجَبِهَا أَنَّهُ لِمَا كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعًا، فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ الْمَرْأَةَ، فَقَلَبَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهِ -حَتَّى لا يَرَاها- وَأَتَاهَا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهَا([2]).
ومِنْ مَوَاقِفِ الغَيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ؛ فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ موجّهًا ومحذّرًا: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. متفقٌ عليهِ([3]).
وأما غَيْرةُ زَوْجِهِ عائِشَةَ الحَصَانِ الرَزَانِ التِيْ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ؛ فغَيْرَةٌ عَظِيْمَةٌ، فإنَّها لمَّا نُسِيَتْ في سَفْرَةٍ، وبعدَهَا اتُهِمَتْ بعِرْضِها كَذِبًا وإِفْكًا، قالَتْ: وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ.. فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ([4]).
فانْظُرُوا كَيْفَ يَغَارُوْنَ وَيَحْتَشِمُونَ فِي أَسْفَارِهِمْ حِيْنَ تَضْعُفُ غَيْرَةُ كَثِيْرٍ مِنَ المُسَافِرِيْنَ والمُسَافِرَاتِ.
وَمِنْ عَجِيْبِ مَوَاقِفِ عَائِشَةَ -أَيْضًا- أَنَّها: "قَتَلَتْ ثُعْبَانًا فِي حُجْرَتِهَا، فَأُرِيَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَقِيلَ لَهَا: وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتِهِ مُسْلِمًا -يعني من الجن-؛ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِمًا مَا دَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ لَهَا: وَهَلْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْكِ إِلَّا وَعَلَيْكِ ثِيَابُكِ فَأَصْبَحَتْ وَهِيَ فَزِعَةٌ فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَجَعَلَتْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" ([5]).
وكانَتْ عَائِشَةُ تَغَارُ حَتىَّ فِي أَشْرَفِ البِقَاعِ المَسَاجِدِ، وَلمَّا قَالَتْ جَارِيَةٌ لهَا: طُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا؛ فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ وقَالَتْ لَهَا: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ! لاَ آجَرَكِ اللَّهُ! تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ؟! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ([6]).
بَلْ حَتَّى وَهُمْ يَرَوْنَ اَلْمَوْتَ يَغَارُونَ عَلَى مَحَارِمِهِمْ، وَيَعْتَبِرُونَ خُرُوجَ شَعْرِ نِسَائِهِمْ مِنْ أَعْظَمِ اَلْمَصَائِبِ؛ فَهَذَا عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لمَّا أَحَاطَ بِهِ الخَوَارِجُ لِقَتْلِهِ، جَاءَتِ امْرَأَتُهُ نَائِلَةُ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا، لِتَحْمِيَه مِنْهُم، لَعَلَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ فَقَالَ لَهَا عُثْمَانُ: خُذِي خِمَارَكِ؛ فَلَعَمْرِي لَدُخُولُهُمْ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ شَعْرِكِ([7]).
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْد لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَاةٌ وَسَلَامًا عَلَى اَلنَّبِيِّ اَلْمُقْتَفَىْ، أَمَّا بُعْدٌ: فَهُنَاكَ – بِحَمْدِ اَللَّهِ - اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلنَّمَاذِجِ اَلْغَيُورَةِ اَلَّتِي فَرَّتْ بِدِينِهَا عَنْ مُتَابَعَةِ وَسَائِلِ اَلتَّوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ اَلْمُتَهَاوِنِ بِالْعِرْضِ وَالشَّرَفِ، وَلَا زَالَ اَلسَّوَادُ اَلْأَعْظَمُ هُمُ اَلصَّالِحُونَ وَالصَّالِحَات، وَلَكِنَّ اَلْأَهَمَّ أَنْ يَكْثُرَ اَلْمُصْلِحُونَ وَالْمُصْلِحَاتُ، فَلَمُصْلِحٌ وَاحِدٌ أَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ مِنْ أَلْفِ صَالِحٍ.
أَلَّا إِنْ اَلِانْهِمَاكَ فِي مُتَابَعَةِ اَلْمَقَاطِعِ وَالْحِسَابَاتِ اَلتِّقْنِيَّةِ تُخَفِّفُ وَهَجَ اَلْغَيْرَةِ حَتَّى تُطْفِئَهَا، وَتُجَرِّئُ عَلَى مَقَاطِعِ اَلْفَوَاحِشِ، فَلِنَحْفَظْ أَعْيُنَنَا، حَتَّى لَا نُهْلِكَ تَدَيُّنُنَا؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المَعَاصِيْ حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ"(رواهُ البُخَارِيُ)([8]).
وَإِذَا أَظْهَرَتِ اَلْمَرْأَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ أَخْذَ كُلُّ نَاظِرٍ إِلَيْهَا إِثْمُ نَفْسِهِ، وَيُخْشَى عَلَيْهَا أَنْ تَأْخُذَ آثَامَ اَلنَّاظِرِينَ، وَمَنْ أَرْسَلَ مَقْطَعًا فَاسِدًا فَإِنَّ اَلْآثَامَ عَلَيْهِ تَتَنَاسَلُ بِعَدَدٍ مَنْ رَآهُ؛ فَلِنَبْتَعِدْ عَنْ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ، وَلْنُكْثِرْ مِنْ اَلِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، حَتَّى وَلَوْ عُدْنَا لِلذُّنُوبِ فِي اَلْيَوْمِ مِرَارًا.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي"([9]).
ومَنْ وَلَغَ في قَاذُورَاتِ الفَوَاحِشِ فَلْيُخَوِّفْ نَفْسَهُ بِعَذَابِ الزُّنَاةِ والزّوَانِيْ في قُبُورِهِمْ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ.. فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا: قُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ؟ [فَقِيلَ]: إِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي"(روَاهُ البُخاريُّ).
· فاللهم احفظْ نساءَنا وأعراضَنا من كلِ كيدٍاًوفتنةٍ أو اختلاطٍ.
· اللهم بَصِّرنا بمكرِ أعدائِنا، لنستبينَ سبيلَ المجرمينَ.
· اللهم اجعلْ هذه البلادَ عزيزةً بقادتِها ومكنْ لهم في الأرضِ.
· اللهم وأيدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَّ عهدِه، ووفقهما لما تحبُّ وترضَى.
· اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وِديانٍ وشِعابٍ.
· اللهم تابِعْ علينا الخيراتِ، وأحضِرْ معها البركاتْ.
· اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا صلِّ وسلِّمْ على محمدٍ أبدًا.
([1]) رواه أبو داود وأحمد (23747)وصححه ابن حجر
([2]) صحيح البخاري (3085)
([3])صحيح البخاري (5102) وصحيح مسلم (2455)
([4]) صحيح البخاري (2661) وصحيح مسلم (7196)
([5]) مسند الحارث (2 / 167)
([6]) معرفة السنن والآثار للبيهقي (2936)
([7]) تاريخ المدينة لابن شبة (4/1300)
([8])صحيح البخاري (2051)
([9])مسند أحمد ط الرسالة (11237)
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم