عناصر الخطبة
1/ ما جاء في القرآن في شأن عيسى هو الحق 2/ حمل مريم بعيسى -عليه السلام- وولادته 3/ اختلاف أهل الكتاب في عيسى 4/ محاولة بني إسرائيل الفاشلة لقتل عيسىاقتباس
أوضح الله -عز وجل- أن عيسى ابن مريم لا كما يصفه النصارى الضالين بأنه ابن الله وأنه ثالث ثلاثة -تعالى الله عما يقولون-، ففيه تكذيب لهم فيما يزعمونه على الوجه الأبلغ والمنهاج الرباني، فعيسى عبد الله ورسوله، وغير ذلك من قول النصارى كذب باطل، ليس بولد الله -تنزه الله عن قولهم وضلالهم-، ومن هذا ..
الحمد لله رب العالمين، خلق عيسى -عليه السلام- من أم بلا أب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله، واعلموا أن ما جاء في كتابكم القرآن الكريم في شأن عيسى ابن مريم -عليه السلام- فهو الحق والصدق، وما غيره كذب وافتراء وضلال وباطل.
قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم 16 :40].
الخطاب موجّه في بداية هذه الآيات الكريمة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي اذكر في القرآن نبأ مريم إذ اعتزلت وانفردت عن أهلها واتخذت لها مكانًا شرقي بيت المقدس، أي مكانًا تعبد الله فيه لئلا يشغلها شيء عن عبادة الله، وجعلت لها مكانًا لئلا تمنعها رؤية الخلق عن أنوار الحق، فأرسل الله -عز وجل- إليها جبريل روح الله -عز وجل-، فتصور لها عندما رأته إنسانًا سويّ الخلق كامل الصورة، فلما رأته استعاذت بالله واعتصمت بالله منه، وإنما خافت منه لانفرادها في خلوتها وظنها أنه يريدها على نفسها.
وذلك لما فيها من العفاف والورع ما لا غاية وراءه، فاستعاذت بالله منه إن كان يتقي الله تعالى ويخافه، فخوفته بالله -عز وجل-، فردّ عليها جبريل -عليه السلام- أن لا تخافي ولا تتوقعي ما توهمت، فإني رسول ربك الذي استعذتِ به مني، أرسلني إليك لأكون سببًا في أن يهبك الله غلامًا زكيًا، أي طاهرًا من الذنوب، فتعجبت من قوله هذا، فكيف يكون لها غلام، على أي صفة يوجد مني ولست بذات زوج؟! ولا يتصور مني الفجور والبغي -وهو الزنا والعياذ بالله- الذي طهرها وحماها منه؟! فرد عليها أن ذلك الأمر سهل وبسيط على الله -عز وجل-، ولنجعله برهانًا للناس يستدلون به على كمال قدرة الله بارئهم وخالقهم الذي نوع خلقهم، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى -من تراب ثم قال له: كن فيكون-، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى -من ضلع آدم-، وخلق بقية ذرية بني آدم من ذكر وأنثى، إلا عيسى -عليه السلام-؛ فإن الله -عز وجل- خلقه من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرة الله وعظيم سلطانه، وأنه رحمة من الله منّ عليك بهذه الكرامة وعلى قومك بالهداية والدعاء إلى عبادة الله وتوحيده، فيهتدون بهديه، ويسترشدون بإرشاده، ثم أخبرها جبريل -عليه السلام- أن هذا أمر قضاه الله وقدره، وأنه في علمه سبحانه قدرته ومشيئته، فلما حملت مريم بعيسى -عليه السلام- اعتزلت بسببه مكانًا بعيدًا من قومها فرارًا من القالة، وقد روي عن السلف أن جبريل لما قال لها عن الله تعالى ما قال مما تقدم استسلمت لقضاء الله تعالى، فاطمأنت إلى قوله، فدنا منها فنفخ في جيب درعها، فسرت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بإذن الله تعالى.
فلما حملت به الوقت الذي قدّر الله أن يكون لحملها، ألجأها ألم الولادة إلى الاستناد إلى جذع النخلة لتعتمد عليه وتستند به، ثم نتيجة لهذا الحمل وآلامه وآلام الولادة تمنت على الله أن تكون قد ماتت قبل ذلك، وأنها كانت شيئًا تافهًا شأنه أن يُنسى ولا يعتد به، منسيًا لا يخطر على بال أحد، كما أنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يعلم الناس أمرها منه على السداد بجهلهم بالحقيقة.
ثم ناداها جبريل من مكان أسفل منها تحت أكمة، وقيل: إن عيسى هو الذي كلمها فقال لها: ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سيدًا نبيلاً رقيقًا، أي عيسى، وقيل: نهرًا يسري، ثم أمرها أن تهزّ بجذع النخل يساقط عليها رطبًا حضر أوانه، وأن تأكل وتشرب وأن تقر عينها بهذا المولود المبارك بقدرة الله وعنايته.
وحثّها على سلوة الصدر، وأن تطيب وأن لا تهتم ولا تغتم ولا تحزن، فإذا رأيت أحدًا من الناس الذين لا يعرفون الحقيقة أو لا يصدقون بحالك لوقوعهم على العادة واحتجابهم عن نور الحق، فقولي لهم: إنها نذرت وآلت على نفسها أن لا تكلمهم في أمر الطفل شيئًا، ولا تماريهم فيما لا يمكن قبوله، وإنما أمرت بذلك لكراهة مجادلة السفهاء والاكتفاء بكلام عيسى -عليه السلام-، فإن كلامه نص قاطع في براءتها، فقوله: (صومًا) أي صمتًا.
فلما أتت به قومها دهشوا واستغربوا وقالوا لها: يا مريم: لقد جئت شيئًا منكرًا عظيمًا، وزيادة في الإنكار عليها وتأكيدًا لتوبيخها قالوا لها: يا أخت هارون النبي الشهير -صلوات الله وسلامه عليه-، يعنون أنها مثله في الصلاح؛ لأن الأخ والأخت يستعمل بمعنى المشابه كثيرًا، فما كان أبوها امرأ سوء ولا أنها زانية، ولتبرئ نفسها أشارات إلى الطفل عيسى -عليه السلام- أن كلِّموه هو ولا تكلموني، فأنكروا جوابها، كيف نكلم طفلاً صغيرًا في المهد ولا يعقل تكليم عاقل لصبي في المهد؟! فأنطق الله سبحانه عيسى، وذلك إظهارًا للحق في شأنه، وتنزيهًا لله تعالى عن الولد، وردًا على من يزعم ربوبيته وإثباتًا لنبوته، فقال: إني عبد الله آتاني الإنجيل وجعلني نبيًا مرسلاً، وجعلني مباركًا، أي كثير الخير حيثما وجدت، أبلغ وحي ربي لتقويم الناس وكبح الشهوات والأخذ بما هو مناط السعادات، وأوصاني بالصلاة والزكاة: أي أمرني بالعبادة وإنفاق المال مدة حياتي، كما أمرني الله بالبر بوالدتي، فأنا ليس لي أب، وأن لا أكون متكبرًا عن طاعة الله، شقيًا بمعصيته، والسلام الدائم عليَّ مِنْ كل سوء يوم ولدتني أمي ويوم أموت وإذا بعثني الله حيًّا بعد الموت.
بعد ذلك أوضح الله -عز وجل- أن عيسى ابن مريم لا كما يصفه النصارى الضالين بأنه ابن الله وأنه ثالث ثلاثة -تعالى الله عما يقولون-، ففيه تكذيب لهم فيما يزعمونه على الوجه الأبلغ والمنهاج الرباني، فعيسى عبد الله ورسوله، وغير ذلك من قول النصارى كذب باطل، ليس بولد الله -تنزه الله عن قولهم وضلالهم-، ومن هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟! وهذا كقول الله تعالى الذي يعزز قول عيسى هذا: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) [آل عمران59 :63].
ثم أشار الله تعالى إلى تتمة كلام عيسى في سورة مريم من الأمر بعبادة الله وحده لا شريك بقوله: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [مريم:36]أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى.
ثم ذكر الله -عزّ وجل- اختلاف أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فأصرّت اليهود على بهت أمه ورميه بالسحر، وانقسمت النصارى في شأن عيسى انقسامًا يفوت الحصر، وكله ضلال وشرك وكفر، وهدى الله -عز وجل- الذين آمنوا بالله تعالى وبصدق آياته لما اختلفوا فيه من الحق، فويل للمختلفين من الكفار من مشهد يوم عظيم: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5] .
ونكمل في الخطبة الثانية -إن شاء الله-.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة خاتم المرسلين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله أوضح الحق المبين في شأن عبده ورسوله عيسى ابن مريم -عليه السلام-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
عباد الله: وإكمالاً لما جاء في الخطبة الأولى، فقد بشرت الملائكة مريم بنت عمران بعيسى -عليه السلام-، وأنه يحصل بكلمة من الله بلا أب، وأن اسمه الذي يميزه لقبًا هو المسيح معرب يسوع، وهي كلمة يونانية معناها "مخلص"، ويرادفها "يشوع" بالمعجمة، إلا أنها كلمة عبرانية كما في تأويل أسماء التوراة والإنجيل، وفيها أن المسيح بمعنى الممسوح أو المدهون، وأنه سيد ومعظم في الدنيا والآخرة ومن المقربين من الله -عز وجل-، وأنه يكلم الناس في المهد وهو صغير وكهل، وأنه من الصالحين أي من أهل الصلاح في الدين والفضل، فتعجبت أن يكون لها ولد من غير زوج، فقال الله -عز وجل-: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:47].
وأن الله يعلّمه الكتاب، أي الكتابة، والحكمة، وهي تهذيب الأخلاق، (والتوراة والإنجيل)، وأنه رسول إلى جميع بني إسرائيل، (إني رسول الله إليكم)، وأنه جاءهم بعلامات من ربه: (أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) [آل عمران:49] الذي ولد أعمى، (وَالْأَبْرَصَ) المبتلى بالبرص وهو بياض يظهر في البشرة لفساد مزاج، (وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:49] أي مصدقين بآيات الله وهذه المعجزات، (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [آل عمران50 :51].
ولكنهم كفروا، قال الله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:52]، الحواريون: طائفة من بني إسرائيل آمنت بالمسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، ونصروه وآزروه، وهم اثنا عشر، ثم قال الحواريون: (رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران:53]، ولكن بني إسرائيل مكروا بعيسى -عليه السلام- ليقتلوه، حيث وشوا به إلى ملكهم، قال تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران:54] .
فأرادوا أن يقتلوه، ولكن الله -عز وجل- رفعه إليه وشبه ذلك عليهم حتى ظنوا أنهم صلبوه، وإنما صلبوا أحدهم، ويقال: إنه الذي دلهم عليه، وأما عيسى -عليه السلام- فقد صانه الله عنده ورفعه إلى محل أوليائه ومواطن قدسه لينزله في آخر الزمان لاستئصالهم بقدرة الله تعالى، قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران:55]، ثم قال الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) [آل عمران56 :58].
أي نتلوه عليكم يا محمد -رسولنا صلى الله عليه وسلم- من شأن عيسى من الآيات المشتملة على الحكم في القرآن الكريم.
وصلوا -عباد الله- وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي أنزل الله عليه القول الحق الفصل في شأن عيسى ابن مريم -عليه السلام-، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم