عناصر الخطبة
1/التفكر في قصص القرآن 2/قصة مؤمن آل ياسين مع قومه 3/الدعوة إلى الله وظيفة الرسل وأتباعهماقتباس
أيها الناس: الدعوة إلى الله وظيفة الرسل، وهي أشرف وظيفة، وبها قوام الحياة، ولهذا تتابعت الرسل على الناس لهدايتهم، ولتستقيم حياتهم، وجعل الله في هذه الأمة دعاة إلى الله على منهج النبوة، وهم أشرف الخلق بعد...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس: يقول سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ)[يوسف: 3].
وكلما تفكر العبد فيما أورد الله من القصص في القرآن كلما استفاد واستنار وانقاد لله، ومن تلك القصص: قصة مؤمن آل ياسين التي حكاها الله لنا في سورة يس، قال سبحانه: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)[يس: 13-14].
ولقد تكلم المفسرون والمؤرخون حول هذه القرية وسردوا فيها الأقاويل والإسرائيليات، وما حكاه الله كاف في أخذ العبرة والفائدة، ومالم يذكر الله فلا فائدة في إيراده، غير أننا في هذه الخطبة سنذكر ما يبين معنى الآيات، ويجعل السامع يعيش مع الآيات، متجنبين ما ينكر من القول، أو يخالف الصحيح من المنقول، قال ابن إسحاق -فيما بلغه عن ابن عباس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه-: إن القرية المذكورة هي مدينة أنطاكية، وكان بها ملك يقال له: "أنطيخس"، وكان يعبد الأصنام، فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل.
وزعم قتادة بن دعامة: أنهم كانوا رسل المسيح -عليه السلام- إلى أهل أنطاكية، فرد عليهم قومهم: (قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا) أي: فكيف أوحيَ إليكم وأنتم بشر ونحن بشر، فلم لم يوحيَ إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة.
وهذه شبه كثير من الأمم المكذبة؛ كما أخبر الله -تعالى- عنهم في قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا)[التغابن: 6]، ولهذا قال هؤلاء: (مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أي: أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين: الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كَذَبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار: (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)[يس: 17] يقولون: إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، فإذا أطعتم كانت لكم السعادة في الدنيا والآخرة، وإن لم تجيبوا فستعلمون غِبَّ ذلك. فما كان من قومهم إلا أن ردوا عليهم بقولهم: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ)[يس: 18] أي: لم نرَ على وجوهكم خيرًا في عيشنا.
وقال قتادة: "يقولون إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم".
ولهذا هددوهم بالرجم فقالوا: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) قال قتادة: "بالحجارة"، وقال مجاهد: "بالشتم"، قال ابن إسحاق: إن أهل القرية هَمّوا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى، أي: لينصرهم من قومه -قالوا: وهو حبيب، وكان يعمل الجرير -وهو الحبال-وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان كثير الصدقة، يتصدق بنصف كسبه، مستقيم النظرة، فقال لقومه ناصحا لهم: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم، (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا) أي: على إبلاغ الرسالة: (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فيما يدعونكم إليه، من عبادة الله وحده لا شريك له.
وبهذا يتبين أن من لا يأخذ أجرا على أمور الدعوة فهو أحرى بالقبول.
قال ابن إسحاق: "فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه".
وقال قتادة: "جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: "اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون". فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقولك ذلك، فقتلوه -رحمه الله-".
قال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن ابن مسعود: "إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبُه من دبره، وقال الله له: (ادْخُلِ الْجَنَّةَ) فدخلها فهو يرزق منها، قد أذهب الله عنه سُقْم الدنيا وحزنها ونَصَبها".
وقال ابن عباس: "نصح قومه في حياته بقوله: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)[يس: 20]، وبعد مماته في قوله: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[يــس:26-27](رواه ابن أبي حاتم).
ومقصوده: أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: الدعوة إلى الله وظيفة الرسل، وهي أشرف وظيفة، وبها قوام الحياة، ولهذا تتابعت الرسل على الناس لهدايتهم، ولتستقيم حياتهم، وجعل الله في هذه الأمة دعاة إلى الله على منهج النبوة، وهم أشرف الخلق بعد نبيهم -صلوات الله وسلامه عليهم-.
روى ابن أبي حاتم بسند مرسل حسن، قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ابعثني إلى قومي أدعوهم إلى الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أخاف أن يقتلوك" فقال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انطلق" فانطلق فمر على اللات والعزى، فقال: لأصبحَنَّك غدًا بمايسوءك، فغضبت ثقيف، فقال: يا معشر ثقيف إن اللات لا لات، وإن العُزى لا عُزى، أسلموا تسلموا. يا معشر الأحلاف إن العزى لا عزى، وإن اللات لا لات، أسلموا تسلموا، قال ذلك ثلاث مرات، فرماه رجل فأصاب أكْحَله فقتله، فبلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "هذا مثله كمثل صاحب يس، (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[يس: 26-27].
عباد الله: ماذا قدمنا للدين؟ أين نحن عن هذه القصص؟
البعض يعيش لنفسه، ولا يهتم بالآخرين، ولا يتحرك قلبه عندما يرى ضالا، ولا يقشعر جلده عندما يرى منكرا، فأي إيمان عند هذا؟
لنحرص أن يكون لنا أثر بعد مماتنا، يذكر بنا، ويدعو لنا الناس، وحالنا أن نحمد الله على الهداية، ونقول: اللهم اغفر لقومنا فإنهم لا يعلمون.
اللهم وفقنا لهداك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم