قبول الأعمال والإخلاص في شهر الرحمات

عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان

2022-04-29 - 1443/09/28 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/وجوب أخذ العبرة من انقضاء الأيام والآجال 2/العناية بخواتيم الأعمال 3/على المسلم أن يحسن الظن بربه تعالى 4/الثبات والاستقامة دليل الإخلاص والقبول 5/بعض آثار العبادة المقبولة في القلب والجوارح

اقتباس

للعبادة المقبولة أثر في الإيمان، فأثرها في القلب والجنان إصلاح النيَّة وتزكية النفوس والتقوى، والإخلاص والخشوع لله الأعلى، وأثرها في الجوارح والأركان الكف عن المعاصي والمحرمات، والمثابَرة على فعل الخير والطاعات، فراقِبوا اللهَ في أعمالكم...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي يقبَل التوبةَ عن عباده ويعفو عن السيئات، ويتجاوز عن المسيء ويغفر الزلات، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، رب الأرض والسموات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أفضل مَنْ سارَع إلى الخيرات، اللهم صل وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

عبادَ اللهِ: اتقوا الله فيما أمَر، وكُفُّوا عمَّا نهى عنه وزجَر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

مَعاشِرَ المسلمينَ: ما أسرع الزمان، وما أعظم النسيان، ما أسرع أيام الشهر، وما أقل أيام العمر، ألَا وإن في انصرام الأزمان أعظم معتَبَر، وفي تقلب الأيام أكبر مزدجر؛ (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 6].

 

عبادَ اللهِ: شهر كريم، وموسم عظيم، ينفح بالبركات والعطاء، ويعم بالخير والسخاء، يتنافس الناسُ فيه في الخير، ويتسابقون إلى الطاعة، أبواب الرحمة فيه مفتوحة، والأجر فيه مضاعَف، أكرمَكَ اللهُ بصيام نهاره، وقيام ما تيسَّر من ليله، ووفقكم فيه للكثير من أنواع الطاعات والعبادات، والأذكار والدعوات والصدقات، فلله الحمد والمنة، وله الشكر على هذه النعمة، ونسأله الثبات والقَبول.

 

ألَا وإن الأعمال -عباد الله- بالخواتيم، فاجتهِدوا، فما هي إلا أيام معدودة، وساعات محدودة، ويذهب التعب والنَّصَب، ويبقى الأجر إن شاء الله، فيا ليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المردود فنعزيه.

 

مَعاشِرَ المسلمينَ: أحسِنوا الظنَّ بالله وأبشِروا؛ فإن الله -تعالى- كريم منَّان، واسع الفضل والإحسان، ذو الجود والفضل والامتنان، أحسِنوا الظنَّ بالله وأبشِروا، فإن الله -تعالى- سميع قريب، بصير مجيب، غفور شكور، عفوّ حليم، رؤوف رحيم، أحسِنوا الظنَّ بالله وأبشِروا، فإن الله -تعالى- بَرٌّ توَّابٌ، عظيم وهَّاب، مَلِك قُدُّوس، لطيف خبير، عظيم غفور، علي كبير، ودود مجيد، كريم جواد، لا يُضِيع أجرَ مَنْ أحسَن عملًا، ولا يَخيِب مَنْ رجاه ومَنْ سأله، (يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)[الْمَائِدَةِ: 64]، لا ينفد ما عنده ولا يفنى، يغفر لمن يشاء، ويرحم من يشاء، ويتوب على من أساء، ويفرح بتوبة عبده ويقبل عليه، فإذا تقرب منه العبد شبرًا تقرب إليه ذراعًا؛ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)[الشُّورَى: 25-26].

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله -عز وجل-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً"(مُتَّفَق عليه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ بشيء مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكره مساءته"(رواه البخاري).

 

أيها المسلمون: إن الصبر على المداومة والاستقامة والثبات من أعظم القربات، فالثبات والاستمرار دليل على الإخلاص والقَبول، وأحب الأعمال إلى الله أدومها، وكان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ديمةً، فالثباتَ الثباتَ على الطاعة، والاستقامةَ الاستقامةَ على البر، والمداومة المداومة على العمل.

 

ألَا وإن طُرُقَ الخير كثيرة، فأين السالكون؟ وإن أبوابها لمفتوحة، فأين الداخلون؟ وإن الحق لَواضِحٌ لا يزيغ عنه إلَّا الهالكون، فخذوا عباد الله من كل طاعة بنصيب؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْحَجِّ: 77].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي خلَق الإنسانَ لطاعته الموجبة لمرضاته، ونهاه عن معصيته الموجبة لسخطه؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8].

 

عبادَ اللهِ: طاعة الله خير مغنَم ومكسَب، ورضاه خير رِبح ومطلَب، والجنة حُفَّت بالمكاره، وحُفَّت النارُ بالشهوات، (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185]، فتداركوا عباد الله ما بقي من شهركم؛ فإن الأعمال بالخواتيم، وباردوا بالتوبة، وسارعوا إلى الطاعة.

 

أيها الناسُ: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين"، فلما نزَل سئل عن ذلك فقال: "أتاني جبريل فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرَك رمضانَ فلم يُغفَر له، فدخل النار فأبعَدَه اللهُ. قل: آمين. فقلتُ: آمين. ورَغِمَ أنفُ رجلٍ أدرَك والديه أو أحدهما فلم يبَرَّهما فمات فدخل النار فأبعَدَه اللهُ. قل: آمين. فقلتُ: آمين. ورغم أنف مَنْ ذُكِرتَ عندَه فلم يُصلِّ عليكَ، فأبعَدَه الله. قل: آمين. فقلتُ: آمين".

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

عبادَ اللهِ: سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا به من تقلب القلوب، ومن الحور بعد الكور، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناسَ بخُلُق حسن"(رواه أحمد).

 

أيها الناسُ: للعبادة المقبولة أثر في الإيمان، فأثرها في القلب والجنان إصلاح النيَّة وتزكية النفوس والتقوى، والإخلاص والخشوع لله الأعلى، وأثرها في الجوارح والأركان الكف عن المعاصي والمحرمات، والمثابرة على فعل الخير والطاعات، فراقِبوا الله في أعمالكم؛ فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش والنَّصَب، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب.

 

وبعدُ عبادَ اللهِ: فالشهور كلها مواسم عبادة، وإن تفاوتت واختلفت في الفضل والوظائف، والعمر كله فرصة عمل وطاعة، وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وكل ميسر لما خلق له.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وبادِرُوا أعمارَكم بأعمالكم، وحققوا أقوالكم بأفعالكم، فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله،  والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

 

اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

 

اللهم تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتَنا، وأجِبْ دعوتَنا، وثبِّت حُجَّتَنا، واهدِ قلوبَنا، وسدِّدْ ألسنتَنا، واسلل سخيمةَ قلوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ، اللهم اجعله خالصًا لوجهك الكريم، موجبًا للفوز لَدَيْكَ في جنات النعيم، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية، وأمن وإيمان برحمتك يا رحمن.

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وَقِنَا عذابَ النار، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم احفظ حدودَنا، وانصر جنودَنا المرابطينَ، يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها. عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

قبول الأعمال والإخلاص في شهر الرحمات.pdf

قبول الأعمال والإخلاص في شهر الرحمات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات