عناصر الخطبة
1/حقيقة قانون الإضافة البسيطة وثمرته 2/نماذج مشرقة لأصحاب الإضافات البسيطة.اقتباس
الإضافة البسيطة أن تأتي -مثلا- يوم الجمعة قبل أن يصعد الامام المنبر؛ فتكتب الملائكة اسمك وترفع تقريرك إلى رب العالمين؛ قد تكون دقائق بسيطة لكن نتائجها كبيرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علم العثرات فسترها على أهلها وانزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات؛ فله الحمد ملئ خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وأشهد أن لا إله إلا الله، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بمداد عزته، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قضى نحبه في الدعوة لعبادته، وأقام اعوجاج الخلق بشريعته صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين أما بعــــد:
عباد الله: في أولمبياد م1976 كان هناك 8 متسابقين لنهائي سباق ال 100 متر, صاحب الميدالية الذهبية فيهم كان أسرع فقط (بعُشر من الثانية) عن آخر المتسابقين الثمانية (فرق بسيط في السرعة لكن فروقات هائلة في النتائج).
وفي إحدى سباقات الخيل حصل الحصان الفائز بالمركز الأول على مليون دولار, بينما الحصان في المركز الثاني الذي خسر فقط (بفارق مسافة الأنف !!!) حصل على 75000 دولار فقط... (فرق بسيط في المسافة ولكنه كبير في النتائج).
وفي سباق الدرجات الهوائية حصل صاحب المركز الأول على 500000 خمسمائة ألف دولار بينما حصل صاحب المركز الثاني على 250000 مائتين وخمسون ألف دولار رغم أن الفارق بينهما 8 سنتيمتر فقط.
الفوارق بسيطة لكن النتائج مختلفة وكبيرة ومذهلة وهذا ما يسمى بقانون الإضافة البسيطة فهل سمعتم به؟
أيها المسلمون: هذا قانون اجتماعي وحياتي للناس جميعا؛ فمن خلاله تتغير الاحوال الظروف وبسببه يحقق الانسان كثير من احتياجاته وامنياته ورغباته وبهذا القانون يحدث التميز ويظهر الابداع ويستفاد من الاوقات وتستغل الفرص؛ فما هذا القانون وكيف نستفيد منه في حياتنا؟
عباد الله: هذا القانون يعني أن ترتب ظروفك وتستغل أوقاتك وتتحين الفرض وتضيف انجازات جديدة في مسيرة حياتك؛ فمثلا إذا استيقظت مبكرا ساعة واحدة فقط قبل الدوام وقرأت في مجال تخصصك ستكون حصلت على 7ساعات في الأسبوع.
بعد فترة قصيرة، سوف تقف شامخا مقارنة بزملائك في العمل ويشار إليك بالبنان لأنك الخبير بينهم؛ إضافة بسيطة ولكن فرق كبير في النتائج.
إذا ذهبت إلى المسجد قبل الأذان بقليل أو مع الأذان؛ فإنك سوف تقرأ على الاقل 10 صفحات من القرآن الكريم،
وعلى افتراض أنك تأتي مبكراً فريضتين فقط من الصلوات... سوف تقرأ 20 صفحة في اليوم الواحد.. أي جزءاً كاملاً... أي 140 في الأسبوع.. وتقريبا ختمة كاملة في الشهر... إضافة بسيطة... ولكن فروقات كبيرة في النتائج.
أحد الزملاء يقرأ مع ابنه قصة أو كتاب باللغة الانجليزية، عندما كان في المرحلة الابتدائية ١٥ دقيقة أثناء تحضير وجبة العشاء؛ يقول: إن ابنه الآن في المتوسط قادر على قراءة أي كتاب باللغة الانجليزية دون أي جهد, وآخر أضاف إلى حياته قراءة ربع ساعة من كتاب في مجال من المجالات في آخر العام كان قد قرأ عشرات الكتب, لولا هذه الإضافة ما قرأ كتاباً واحداً, وانظروا إلى أحوال كثير منا حتى من أكملوا دراستهم منذ تخرجهم من جامعاتهم, سنوات طوال لم يقرأوا في تخصصاتهم ولم يكملوا كتاباً ولم يزدادوا علماً.
عباد الله: الإضافة البسيطة أن تأتي -مثلا- يوم الجمعة قبل أن يصعد الامام المنبر؛ فتكتب الملائكة اسمك وترفع تقريرك إلى رب العالمين؛ قد تكون دقائق بسيطة لكن نتائجها كبيرة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر"(رواه البخاري).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ يعْلمُ النَّاسُ مَا في النِّداءِ والصَّفِّ الأَولِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يسْتَهِموا علَيهِ لاسْتهموا علَيْهِ، ولوْ يعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِير لاسْتبَقوا إَليْهِ، ولَوْ يعْلَمُون مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتوهمُا ولَوْ حبوًا"(متفق عليه).
يا لها من إضافة بسيطة قد تستغرق دقائق قليلة من أوقاتنا لكن النتائج عظيمة غفل ذلك الكثير.
عباد الله: الإضافة البسيطة أن تركز على الأمور العظيمة وألا تنشغل بتوافه الأمور ففي لحظة فارقة قد تتغير مجريات حياتك في الدنيا والاخرة؛ أدرك ذلك عكاشة -رضي الله عنه- عندما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "عُرضت عليَّ الأمم، فجعل يمرُّ النبيُّ ومعه الرجل، والنبيُّ ومعه الرجلان، والنبيُّ ومعه الرهط، والنبيُّ ليس معه أحد، فرأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موسى في قومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق، فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً قُدَّامهم يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم؟ قال: "اللهم اجعله منهم". ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم؟ فقال: "سبقك بها عكاشة"(رواه البخاري).
وتسابق عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه-ما إلى فعل الخيرات وسعيا إلى إحداث فارق في البذل والعمل والعطاء وقاما بإضافات في حياتهما كانت في متناول الجميع, لكنه السعي والاصرار على التميز لينالا بذلك رضا الله, عن عمر -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي.. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟) قلت: مثله.. وأتى أبو بكر بكل ما عنده.. فقال: يا أبا بكر؟ ما أبقيت لأهلك؟، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدًا"(رواه الترمذي، وأبو داود).
وفي يوم آخر، يستمع أبو بكر وعمر إلى ثناء الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قراءة ابن مسعود: "من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه من ابن أم عبد"؛ فبادر عمر ليلاً لينقل البشرى لابن مسعود، فقال ابن مسعود: "ما جاء بك هذه الساعة؟ قال عمر: جئت لأبشرك بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن مسعود: "قد سبقك أبو بكر -رضي الله عنه-"، قال عمر: "إن يفعل فإنه سباق بالخيرات، ما استبقنا خيرًا قط إلا سبقنا إليه أبو بكر".
أيها المسلمون: قانون الإضافة البسيطة هو خيار رائع ومفيد جداً لمن يجد في وقته زحاماً شديداً بسبب الوظيفة أو نحو ذلك, لمن يجد في حياته تقصير, لمن كان فارغاً أكثر يومه وليلته, لمن يريد التغيير والإنتاج, لمن يريد إحداث الفارق في حياته, لمن يريد التميز, لمن يريد ان يكون عظيماً عند الله وعند الناس, في القرن الثامن عشر وفي منطقة "فاتح" في تركيا كان هناك رجل يُدعى خير الدين أفندي، أراد أن يبني مسجداً ليقيم به أهل بلدته الصلوات ويكون ذخراً له يوم القيامة فقام بإضافة بسيطة حيث عزم على أن لا يشتري من الأطعمة إلا ما كان بحاجته وضروري لبقائه في هذه الحياة, فكان عندما يمشي في السوق ويرى طعاماً شهياً او فاكهة طيبة او حلوى لذيذة أو أي طعام تاقت إليه نفسه يردد عبارة "صانكي يدم" أي بمعنى "كأنني أكلت" بالعربية، ثم يحفظ ثمن ذلك الطعام في صندوق له ويدّخره, وظل يردد هذه العبارة "كأنني أكلت" "كأنني أكلت", وبعد مرور عدة سنوات ازدادت النقود في صندوقه شيئاً فشيئاً، حتى استطاع بهذا المبلغ والذي وفره في بناء مسجد صغير في محلته أطلق عليه اسم "جامع صانكي يدم" أي "كأني أكلت"، والذي مازال قائم إلى اليوم وأسمه "كأنني أكلت".
فانظروا -رعاكم الله -كم من نعم وأموال وأوقات ضاعت في حياتنا, سنسأل عنها يوم القيامة, وكم من فضائل زهدنا عن القيام بها, وكم من أعمال صالحة سهلة وميسرة رغبنا عنها, وكم من مواقف واحداث تعصف بأمتنا ومجتمعاتنا لم نضيف شيء من أجل المساهمة في حلها وتجنيب الأمة ويلات الحروب والقتل والصراعات, فليقم كل واحد بواجبه ودوره, ليضيف للحياة.. حياة أخرى.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
عبـــاد الله: لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الناس وفاوت بينهم من حيث القوة والقدرة والفقر والغناء والمنصب والمكانة والذكاء, وسوف يحاسب كل إنسان يوم القيامة على النعم التي أعطاه والأعمال التي بذلها والفرص التي استغلها والإضافات التي حققها في حياته وأحدث بها فارق في حياته وحياة الناس من حوله, وإن من أبسط الاضافات سلامة القلب وحفظ اللسان وكف الأذى وما أيسرها وما أعظمها, ثبت عند الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ قال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة".
وتأملوا -أيها الإخوة- في الله هذه البشارة العظيمة التي جعلت كل واحد في هذا المجلس -بل كل مَن سمع بهذا المجلس- يتمنى أن يكون ذلك الرجل الذي بشَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهل الجنة، فإذا بهم يطلع عليهم رجل من الأنصار تَنطِفُ لحيته من الوضوء لتوِّه، قد توضأ وأثَّر ماء الوضوء على وجهه، فجاء وجلس في مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتكرر هذا الأمر، ولَمَّا كان من الغد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"؛ فكان الرجل نفسه في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث، فذهب عبدالله بن عمر بن العاص إلى هذا الرجل ليرى أي عمل يقوم به حتى بشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة فاختلق عذراً وقال له: "إنه كان بيني وبين أبي ملاحاة، فآليتُ ألا أبيت في البيت ثلاثًا"، حتى يتوصل بذلك إلى أن يبيت معه؛ لينظر في عمله، وكيف يصنع، فبات عنده ثلاث ليال، فكان لا يَرى منه كثيرَ عملٍ، لم يره متهجدًا في الليل، ولا زائدًا بالعمل في النهار، ولكنه كان في ليله إذا انقلب أو استيقظ من الليل، ذكر الله -تعالى-، ولا يزال هذا دَيدنه حتى يكون الصبح، وحتى يخرج الفجر.
فلما انقضت الليالي الثلاث، قال له: يا فلان، إنا كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"؛ فكنت أنت ثلاث مرارًا الذي ينال هذه البشارة العظيمة؛ فأردت أن أنظر ما هو العمل الذي بلَّغك هذه المنزلة، فلم أر كثيرَ عملٍ، فقال له: ما هو إلا الذي رأيت؛ يعني: ليس ثمة شيء أُخفيه، وإنما هذه هي حالي في ليلي ونهاري، فلما هَمَّ عبدالله أن ينصرف، ناداه الأنصاري وقال له: ما هو إلا الذي رأيت، وإني أبيت إذ أبيت، وليس في قلبي غش لأحد من المسلمين، ولا أحسد أحدًا على نعمة آتاه الله -تعالى- إياها، قال عبدالله: هذه التي بلَّغتك", قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر:10].
وكان عُلْبة بنُ زيد الحارثيُّ -رضي الله عنه- يقوم بإضافة بسيطة فتحت لها أبواب السماء, كان من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا حضَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصَّدقة جاء كلُّ رجُل منهم بطاقتِه وما عنده، فقال عُلْبة بنُ زيد: "اللَّهمَّ إنِّي ليس عندي ما أتصدَّقُ به، اللَّهمَّ إنِّي أتصدَّقُ بعِرْضي على مَنْ نالَه مِن خلْقِك، فأمر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مناديًا فنادى: أين المتصدِّق بعِرْضه البارحةَ؟ فقام عُلْبَةُ، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "قد قُبِلت صدقتُك"، وفي روايةٍ: "أبشِرْ فوالذي نفسُ محمَّد بيدِه لقد كُتبت في الزَّكاة المتقبَّلَة"(الإصابة لابن حجر).
ولو فتشنا في كتب السير والتاريخ وحياة الأفراد والأمم لوجدنا إضافات بسيطة في جميع مجالات الحياة, أحدثت فارقاً في حياة أصحابها والمجتمعات التي ينتمون إليها والحياة التي يعيشونها؛ فاستفيدوا من هذا القانون واستغلوا أوقاتكم والنعم التي وهبكم الله لتنالوا رضاه.
اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الأتقياء ومرافقة الأنبياء.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ثم اعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قال قولًا كريمًا تنبيهًا لكم، وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم