عناصر الخطبة
1/ معنى الثقة بالله 2/ ثقة المصطفى بربه 3/ أنواع الثقةاقتباس
الثقة بالله نجدها جليّة عندما انطلق موسى ومن معه من بني إسرائيل هارباً من كيد فرعون، وتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدوناً, فقال بني إسرائيل وهم مذعورون مستسلمون لا مهرب ولا نجاة إنا لمدركون، فرعون وجنوده من خلفنا والبحر من أمامنا ,لكن موسى الواثق بالله وبمعية الله أراد أن يُبعد الخوف والهلع ويضع مكانه السكينة والطمأنينة فأجاب بلسان الواثق بالله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ..
الحمد لله مُستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يُستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسئول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاةً تُشرق إشراق البدور.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى كما أمر ،واتركوا الفواحش ما بطن منها وما ظهر وأعلموا أن الدنيا دار ممر وأن الآخرة هي دار مقر.
(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله : سنعيش وإياكم في ظلال الثقة بأنواعها: الثقة بالله -أيها الأحباب الكرام- هي خلاصة التوكل على الله وهي قمة التفويض إلى الله.. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر:44].
الثقة -أيها المسلمون- هي الاطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك.
الثقة هي التسليم المطلق لله جل وعلا، فهو الأعلم بما يصلحنا وهو الأعلم بما ينفعنا وما يضرنا
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
الثقة بالله هي -كما قال شقيق البلخي رحمه الله تعالى- : "أن لا تسعى في طمع، ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرك من جوارحك شيئاً دون الله؛ يعني في طاعته واجتناب معصيته".
وقال بعض السلف:" صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شيء."
الثقة بالله هي التي لقَّنها الله عز وجل أم موسى بقوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7].
إذ لولا ثقتها بربها لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وينطلق به إلى ما شاء الله،لكنه أصبح في اليّم في حماية الملك جل وعلا ورعايته ,وما كان جزاء هذه الثقة العظيمة، قال تعالى: (فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:13].
الثقة بالله نجدها جليّة عندما انطلق موسى ومن معه من بني إسرائيل هارباً من كيد فرعون، وتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدوناً, فقال بني إسرائيل وهم مذعورون مستسلمون لا مهرب ولا نجاة إنا لمدركون، فرعون وجنوده من خلفنا والبحر من أمامنا ,لكن موسى الواثق بالله وبمعية الله أراد أن يُبعد الخوف والهلع ويضع مكانه السكينة والطمأنينة فأجاب بلسان الواثق بالله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62].
إن معي ربي يساعدني ويرعاني ويحفظني ولن يسلمني ,فما كان جزاء هذا الثقة العظيمة جاء الفرج من الله جل وعلا، قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء:63]
ونجَّى الله موسى وبني إسرائيل من كيد فرعون.
عباد الله: الثقة بالله تتجلي جليّة واضحة في سيرة نبينا محمد – صل الله عليه وسلم - فهو سيد الواثقين بالله فبينما هو في الغار والكفار بباب الغار قال أبو بكر خائفاً يا رسول الله والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، فقال – صل الله عليه وسلم - بلسان الواثق بالله يا أبا بكر:" ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا", وعندئذٍ تتجلى قدرة ذي العزة والجبروت فيرد قوى الشر والطغيان بأوهى الأسباب بخيوط العنكبوت ويُسجِل القرآن هذا الموقف
قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].
وفي غزوة الأحزاب نرى صورة المؤمنين الواثقين بربهم وبتأييده وعونه قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب:22].
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].
ها هو النبي – صل الله عليه وسلم - يُلقن الأُمة درساً في الثقة بالله فيقول لابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
وفي رواية غير الترمذي: "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك".
إن المسلم الواثق بالله يُوقن بأنّ الله لن ُيتركه ولن يُضيعه إذا ما تخلى عنه كل من في الأرض فثقته بما عند الله أكبر من ثقته بما عند الناس.
والإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأنه لا حول لأي قوة في العالم ولا طول لها إلا بعد أن يأذن الله، الإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأن هذا الكون وما فيه من أنواع القوى ما هي إلا مخلوقات خاضعة لله، تجري بأمر الله وتتحرك بقضائه وقدره.
الواثق بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت وزادت عليه الخطوب والمشاكل فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولسان حاله: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة:51].
عباد الله: من أنواع الثقة: الثقة بالنفس فعلى المسلمين أن يثقوا بأنفسهم ثقةً ليس فيها خور ولا ضعف.
قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]
قال الألوسي في تفسيره: "فلا تهنوا ولا تحزنوا - أيها المؤمنون - فإن الإيمان يوجب قوة القلب ومزيد الثقة بالله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه".
الثقة بالنفس فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ,لماذا الخور والضعف والهوان نحن الأعلون مبدأً والأعلون سنداً والأعلون منهجاً ربنا الرب الكريم العظيم ورسولنا النبي الرحيم وكتابنا القرآن الحكيم.
ها هو إبراهيم – عليه السلام - يضع زوجته وابنه في وادٍ غير ذي زرع في صحراء خالية لا ماء ولا طعام ولا جيران, فتقول زوجته يا إبراهيم لمن تتركنا لمن تدعنا يا إبراهيم ,فلم يجب فقالت يا إبراهيم ءآلله أمرك بهذا فأشار نعم قالت إذاً لن يُضيِّعنا، والكريم جل وعلا حقاً ما ضيّعهم.
قيل لإبراهيم بن أدهم - رحمه الله تعالى - ما سِر زُهدك في هذه الدنيا فقال أربع : "علمت أن رزقي لا يأخذه أحدٌ غيري فاطمأن قلبي..
علمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي فانشغلت به. علمت أن الموت لا شك قادم فتجهزت له, علمت أني لا محالة واقفٌ بين يدي ربي ومسئول فأعددت للسؤال جواباً".
وقال عامر بن قيس- رحمه الله تعالى -: " ثلاث آيات من كتاب الله استغنيت بهن على ما أنا فيه. قرأت قول الله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) [الأنعام:17].
فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضر لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني وإن أراد أن يعطيني شيئاً لم يقدر أحد أن يأخذه مني.
وقرأت قوله تعالى: (فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].
فاشتغلت بذكره جل وعلا عمّا سواه.
وقرأت قوله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6].
فعلمت وأيقنت وازددت ثقة بأن رزقي من الله لن يأخذه أحد غيري.
أسال جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل الإيمان والتقوى بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه جوادٌ كريم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
أيها المسلمون: من أنواع الثقةِ الثقةُ بثواب الله، فالمسلم يعتقد أن أي خطوة يخطوها في سبيل الله أي تسبيحة أو تحميدة أو صدقة أو حركة يتحركها لعز الإسلام فسيكتب الله له الأجر على ذلك قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة:120].
عباد الله: هل نحن واثقين كل الثقة فيما عند الله من جزاء وجنة ونعيم؟ إذاً لماذا لا نعمل لننال ذلك الجزاء.
قال الربيع بن خثيم - رحمه الله تعالى -: "إن الله تعالى قضى على نفسه أنَّ من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب الله:
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]. (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]. (إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَـاعِفْهُ لَكُمْ) [التغابن:17]. (وَمَن يَعْتَصِم باللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِرطٍ مّسْتَقِيمٍ) [آل عمران:101]. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186].
ومن أنواع الثقة: الثقة بنصر الله فالله وعدنا بنصره إن كنّا مؤمنين وإن نصرنا دينه ورفعنا رايته, فالمسلم يوقن بأن الله ناصره وناصر دينه مهما طال الزمن ومهما قويت شوكة الباطل قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء:105]. وقال تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:173]. وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]. (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء:51].
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله فمن صلى عليه صلاةً صلى الله عليه بها عشراً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم