عناصر الخطبة
1/ترحيب بحجاج بيت الله الحرام 2/الحث على أن يكون الحج مبرورا 3/وجوب مراعاة حرمة الحرمين الشريفين والبقاع المقدسة 4/على الحاج أن يتفقه في المناسك والشعائر 5/الحرص على سلامة التوحيد من أي شائبة 6/جهود بلاد الحرمين الشريفين لخدمة قاصدي بيته الحرام 7/وجوب الحصول على تصريح لأداء فريضة الحجاقتباس
أيُّها الحُجَّاجُ والعُمَّارُ والزُّوَّارُ: لا تتبرَّكوا بجدارٍ أو بابٍ، ولا تتمسَّحوا بمنبر ولا محراب، ولا تَلتَمِسُوا البركةَ من مغارةٍ أو جبلٍ أو صخرةٍ أو أحجارٍ؛ فالبركةُ لا تُلتَمَس من الجمادات، ويُشرَع استلامُ الحجرِ الأسودِ وتقبيلُه، ويُشرَع استلامُ الركنِ اليمانيِّ بلا تقبيلٍ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله على نعمه التي جلَّت، والشكر له على مِنَنِهِ التي نزلت بها النفوس مواطن التشريف وحلَّت، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تقشَّعَت بها ظُلَمُ الشُّبُهاتِ وولَّتْ، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما درَّت السحبُ الهاطلةُ واستهلَّت.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ فإنَّ التقوى مِلاكُ الوصايا وخيرُ السجايا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيُّها الحُجَّاجُ والعُمَّارُ والزُّوَّارُ: قَدِمْتُم خيرَ مَقدَمٍ، وغنمتُم خيرَ مَغنَمٍ، وطاب ممشاكم، والرحمةُ تَغشاكم، وهنيئًا لكم زيارةُ البلاد الطاهرة، والبقاع الزاهرة، والأرجاء الذاكية، والمواطِن الزاكية؛ مكة المكرَّمة، والمدينة المنوَّرة، البلدتينِ المقدستينِ المعظَّمَتينِ، اللتينِ تَسعَد بزيارتها الأرواحُ، وتهنأ برؤيتها النفوسُ وترتاحُ، وتَغشَى القلوبَ بالجوار فيها سيولُ الأفراحِ، وفيوضُ الانشراحِ، وينال العبادُ -ببركتها- المغانمَ والأرباحَ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدِي هذا، والمسجدِ الأقصى"(مُتفَق عليه)، وعن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إنَّ خيرَ ما رُكِبَتْ إليه الرواحلُ مسجدِي هذا، والبيتُ العتيقُ"(أخرجه أحمد).
أيُّها الحُجَّاجُ والعُمَّارُ والزُّوَّارُ: إنكم في مَواطِن النفحاتِ، ومَساقِطِ الرحماتِ، ومتنزَّلِ البركاتِ، ومَوضِع الخيراتِ، ومَنْ أَمَّ البيتَ وأحرَم بالحج فلم يرفث، ولم يفسق، ولم يخالط شيئًا من المآثم حتى انتهى من نُسُكِهِ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنوبه وخطاياه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حجَّ فلم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ رجَع كما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(مُتفَق عليه)، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لِمَا بينَهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلا الجنة"(مُتفَق عليه).
أيُّها الحُجَّاجُ والعُمَّارُ والزُّوَّارُ: نزِّهوا الحرمينِ الشريفينِ، وعظِّموا حرمتَهما، وَراعُوا مكانتَهما، واحذروا ما يُعكِّر صفوَ الشعائر والمشاعر، وإيَّاكم والجدالَ بالباطل، وإيَّاكم والتنازعَ والتخاصمَ والتقاطعَ والتشاجرَ والشقاقَ والافتراقَ، ولا تجعلوا الحجَّ مسرحًا للخلافات والمخاصَمات، والمشاحَنات والعداوات، ولا مكانًا للمهاتَرات والمشاتَمات، والهُتافات والعصبيات والحزبيات، قال جل وعز: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ في الْحَجِّ)[الْبَقَرَةِ: 197].
أيُّها الحاجُّ السالكُ الناسكُ: تفقَّهْ في المناسِكْ، قبل أن تتلبَّس بالإحرام، وتَقصِدَ البيتَ الحرامَ، واسأل العلماءَ عمَّا أَشكَلَ عليكَ، واحذرِ استفتاءَ الجاهلينَ وسؤالَ مَنْ لا يُعرَف بالعِلْم والفتوى، وكَمْ مِنْ حاجٍّ شرَع في أداء نُسُكه، وهو لا يُدرِك أحكامَه، ولا يُحسِن إتمامَه، فترَك ركنًا أو أسقَط شرطًا، أو أهمَل فرضًا، أو ارتكَب محظورًا أو أتى محذورًا، وقد أمَر اللهُ -تعالى- الحُجَّاجَ والعُمَّارَ بإتمام النسك وإكماله، فقال جل وعز: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[الْبَقَرَةِ: 196]؛ أي: ائتوا بهما تامَّينِ كاملينِ، بمناسكهما وشرائطهما ابتغاءَ وجه الله -تعالى-، من غير توانٍ ولا نقصانٍ، فإذا شرعتُم في الحجِّ فأَتِمُّوه، وإذا بدأتُم النسكَ فأَكْمِلُوهُ، وإذا عملتُم صالحًا فأَتْقِنُوهُ.
حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ، وزُوَّارَ مسجدِ سيدِ الأنامِ -صلى الله عليه وسلم-: لقد أُسِّسَتْ هذه البقاعُ المباركةُ على توحيد الله وعبادته وحدَه لا شريكَ له، قال جل وعز: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)[الْحَجِّ: 26]؛ فالزموا السننَ المسنَداتِ النيراتِ، واحذروا البدعَ والمحدَثاتِ، ولا تَنْحَنُوا لأمواتٍ، ولا تَرْجُوا شفاءً مِنْ رُفات، ولا تتبرَّكُوا بالقبور، ولا تستشفوا بها، ولا ترموا الأطعمةَ والحبوبَ والنقودَ والسُّبَحَ والثيابَ عليها، ولا تستغيثوا بالأموات، ولا تسألوهم سدَّ الفاقات، وإغاثةَ اللهفات، وارفعوا إلى الله وحدَه الحاجاتِ والرغباتِ والدعواتِ، واحذروا التشبُّهَ بأهل الدَّجلِ والخزعبلاتِ والخرافاتِ، قال جل وعلا: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فَاطِرٍ: 13-14].
أيُّها الحُجَّاجُ والعُمَّارُ والزُّوَّارُ: لا تتبرَّكوا بجدارٍ أو بابٍ، ولا تتمسَّحوا بمنبر ولا محراب، ولا تَلتَمِسُوا البركةَ من مغارةٍ أو جبلٍ أو صخرةٍ أو أحجارٍ؛ فالبركةُ لا تُلتَمَس من الجمادات، ويُشرَع استلامُ الحجرِ الأسودِ وتقبيلُه، ويُشرَع استلامُ الركنِ اليمانيِّ بلا تقبيلٍ، وما عدا ذلك فلا يُشرَع استلامُه ولا تقبيلُه، نَستَلِمُ ما استلَمَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ونُمسِكُ عمَّا أَمسَكَ عنه، ومَنْ أحبَّ أن يأتي الملتزَمَ -وهو ما بينَ الحجرِ الأسودِ والبابِ- فيضعَ عليه صدرَه ووجهَه وذراعيه وكفَّيْه، ويدعوَ ويسألَ اللهَ -تعالى- حاجتَه، فعَل ذلك في غير مزاحَمةٍ ولا مدافَعةٍ ولا إيذاء؛ لثبوتِ ذلك عن بعضِ الصحابةِ -رضي الله عنهم-.
مَعاشِرَ الحُجَّاجِ والعُمَّارِ والزُّوَّارِ: ارحموا الضَّعَفةَ والنساءَ والشيوخَ والْهَرِمِينَ، ولا تؤذوهم، ولا تدفعوهم، ولا تضايقوهم، وافْسَحُوا لهم يَفْسَحِ اللهُ لكم، وعليكم بالرفق والتمهُّل والترسُّل، ولِينِ الجانبِ والمسامَحةِ وتركِ المزاحمةِ، وتَجَلْبَبُوا السكينةَ، واستشعِروا الخشيةَ، والزموا الوقارَ وأَرشِدُوا الضالَّ وساعِدُوا العاجزَ والمحتاجَ، وأكثِرُوا من التوبة والاستغفار، وأَظهِرُوا التذللَ والانكسارَ، والندامةَ والافتقارَ، والحاجةَ والاضطرارَ، وتذكَّروا جلالةَ المكانِ، وشرفَ الزمانِ، تلقَّى اللهُ دعاءكم بالإجابة، واستغفاركم بالرضا، وحجَّكم بالقَبول، وجعَل سعيَكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وحجكم مبرورًا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، ويا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوى مَنْ إلى لُطفه أوى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه مَنْ يَئِسَ مِنْ أسقامِه الدَّوا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتَّبَعَه كان على الْهُدَى، ومَنْ عصاه كان في الغواية والردى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة تبقى، وسلامًا يترى.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها المسلمون: لقد حَظِيَ الحرمانِ الشريفانِ -بفضلِ اللهِ -تعالى- برعاية سامية، وعناية ضافية، وخدمة وافية، مِنْ لَدُنْ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، وولي عهده، أيَّدَهما اللهُ -تعالى-، فوُجِّهت الجهودُ، وجُنِّدت الجنودُ، وحُشدت الحشودُ، لأجل أمنِ الحجيجِ وسلامتِهم وصحتِهم وراحتِهم، ونالَتْ مكةُ والمدينةُ مِنَ التعميرِ والتطويرِ ما ليس له في سابقِ الأزمانِ مثيلٌ ولا نظيرٌ، في ظلِّ حُكْمٍ رشيدٍ ظاهرٍ، وأمنٍ وافرٍ، واستقرارٍ باهرٍ، وعدلٍ سائرٍ، وخيرٍ زاخرٍ.
والنَّاسُ مِنْ بَحْرِهِ أَوْ مِنْ مَنَاهِلِهِ *** مَا بَيْنَ مُغْتَرِفٍ مِنْهُ وَمُعْتَرِفِ
وقد اقتضتِ السياسةُ الشرعيةُ، والمصلحةُ المرعيةُ تحديدَ عددِ الحُجَّاجِ كلَّ عامٍ؛ دفعًا لمفاسدِ الزحامِ، ومنعًا لحصولِ الفوضى ووقوعِ الاختلالِ والاضطرابِ في الحجِّ، فلا حجَّ إلا بتصريحٍ، ومَنْ لم يَحصُلْ على تصريحِ الحجِّ مِنَ الجهاتِ الرسميةِ فهو معذورٌ في تأخيرِ حجتِه؛ حتى ينالَ التصريحَ.
فيا مَنْ تخالفون النظام: وترتكبون الحرام، وتتجاوزون المواقيتَ بلا إحرامٍ، أيَّ حجٍ تقصدونَ، وأيَّ ثواب تريدون، وأيَّ أجر تبتغون، فانتَهُوا عن هذه الأفعال الذميمة الوخيمة، وإيَّاكم والتذرعَ بالذرائع الساقطة الواهية، وانظروا بعينِ العقلِ والتروِّي والبصيرةِ، تَعْرِفُوا حِكَمَ هذا القرارِ، وفوائدَه الجسيمةَ، وعوائدَه العظيمةَ.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيعِ الورى طُرًّا، فمَنْ صلى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبينا وسيدنا محمد، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ذوي الشرف الجَلِيّ، والقَدْرِ العَلِيّ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهَّاب.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، يا ربَّ العالمين؛ (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إِبْرَاهِيمَ: 35].
اللهمَّ احفظ جنودنا المرابطين على حدودنا وثغورنا، اللهمَّ تقبل موتاهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ، ومن على جرحاهم بالشفاء، وردهم إلى أهلهم سالمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهمَّ وَفِّقْه ووليَّ عهده وسائر ولاة المسلمين، لِمَا فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ واشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَمْ موتانا يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ تقبل من الحجاج حجهم وسعيهم، اللهمَّ تقبل طاعاتهم وزكها، وارفع درجاتهم وأعلها، وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ انصر إخواننا في فلسطين، على الطغاة المعتدين، والظلمة المحتلين، اللهُمَّ طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود الغاصبين، واحفظ أهلنا في فلسطين، واجبر كسرهم، وعجل نصرهم، وأقل عثرتهم، واكشف كربتهم، وفك أسراهم، واشف مرضاهم، وتقبل موتاهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم، يا عظيم، يا رحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم