عناصر الخطبة
1/ حث الشرع الحنيف على لزوم الطهارة 2/ فضائل الوضوء وآثاره.اقتباس
ومن ثمار الوضوء وفوائده: أنه خصلة من خصال الإيمان التي من حافظ عليها فقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن"(صححه الألباني)، ومن فضائل الوضوء وثمراته أنَّه علامة هذه الأمة بين الأمم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
معاشر المؤمنين: إنَّ الله تعالى حين يشرع للمسلمين شرعاً، أو يتعبدهم بطاعة، أو يأمرهم بعبادة؛ فذلك لحكمة بالغة اقتضاها، ولمصلحة في طياتها من أجلها شرع تلك العبادة للمؤمنين، وتلك الحكمة قد تظهر لنا جلية واضحة، وقد تخفى عنا، وقد يظهر بعضها ويخفى بعضا منها؛ ومن العبادات التي أمر الله بها، وشرعها لخلقه عبادة الوضوء والطهارة، فقد أمر الله عباده المسلمين بطهارة الوضوء في أحوال عدة، وعبادات متفرقة، أعظمها الوضوء للصلاة، كما شرعه لهم للطواف، ولقراءة القرآن، ولحمل المصحف، ولمن أراد النوم، وغيرها من المواضع التي ورد فيها عن الشارع الحكيم مشروعية الوضوء.
وإنَّ لطهارة الوضوء في الشريعة الإسلامية مكانةٌ عظيمة، وفوائد كثيرة، وثمار جليلة، وفيها حكم جمة، ومنافع تعود على قلوب المسلمين وأبدانهم؛ فالأمر لا يقتصر فقط على غسل الأطراف من أجل التطهر والتنظف؛ بل هناك وراء ذلك حكمًا عظيمة، وفوائد يجنيها المسلم من وراء ذلك، وفيها مصالح قد تغيب عن بال كثير من البشر، لهذا سأذكِّر نفسي وأحبتي –ممن حضر جمعتنا-، ببعض تلك الفوائد والثمار:
أنَّ طهارة الوضوء تكفر الذنوبَ كلها: وذلك أنَّه لما كانت أطراف الإنسان وجوارحه هي أدوات العمل، وبها يكون الكسب كانت هي طريق الذنوب والمعاصي كلها؛ فمن المعاصي ما يكون بما في الوجه من الحواس كالبصر والسمع، والذوق والشم، ومنها ما يكون باليد، ومنها ما يكون بالقدم؛ لهذا شرع الله الوضوء ليطهرها مما اقترفته من معاصٍ وذنوب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني: "إذا توضَّأ العبد المؤمن خرجت خطاياه من فيهِ، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، وإذا غسل يديه خرجت الخطايا حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظافر رجليه"، وجاء عند الإمام الترمذي: "خرجت ذنوبه مع الماء أو مع آخر قطر الماء".
ومن ثمار الوضوء -أيضاً- وفوائده: أنه خصلة من خصال الإيمان التي من حافظ عليها؛ فقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن"(صححه الألباني).
ومن فضائل الوضوء وثمراته: أنَّه علامة هذه الأمة بين الأمم، وسيماهم التي تكون في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة، وليس ذلك لأحدٍ غيرهم، فعن عن أبي هريرةَ –رضي الله عنه- أنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ أمتي يأتون يوم القيامة غرلاً محجلين من أثر الوضوء" (رواه البخاري).
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أنا أولُ من يُؤذَن له بالسجودِ يومَ القيامةِ، وأنا أولُ من يرفعُ رأسَه؛ فأنظرُ بين يديَّ، فأعرف أُمَّتي من بينِ الأُممِ، ومِن خلفي مثلُ ذلك، وعن يميني مثلُ ذلك، وعن شمالي مثلُ ذلك، فقال رجلٌ: كيف تعرف أُمَّتَك يا رسولَ اللهِ من بين الأُممِ فيما بين نوحٍ إلى أُمَّتِك؟ قال: هم غُرٌّ مُحَجَّلون، من أثَرِ الوضوءِ، ليس لأحدٍ كذلك غيرِهم، وأَعرفُهم أنهم يؤتون كتبَهم بأيمانِهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريَّتُهم" (رواه أحمد).
وجاء في صحيح مسلم، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"، وفي هذا الحديث حثٌّ على الإكثار من الوضوء، وليس فيه أن يزيد المرء على أعضاء الوضوء.
أيها المسلمون: ومن ثمرات الطهارة وفوائدها أنَّ فيها بث للنشاط في الجوارح؛ كما أنَّها تُذهب الأوساخ والدرن التي تعلق على الجسد.
فيناجي المسلم خالقه ومولاه عقبها وهو في نشاط ظاهر، وطهارة نقية، وهذا ما يشعر به كل مسلم يحافظ على الوضوء؛ فالماء يبعث ويعيد للبدن حيوته وقوته ونشاطه؛ لذلك استحب الشارعُ للمسلم أنْ يتوضأ لكل صلاة حتى لو كان لم يزل على طهارته السابقة، وأرشد -عليه الصلاة والسلام- من أتى أهله ثم أراد أن يعود بالوضوء، فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "إذا أراد أحدُكم العَودَ فليتوضأْ فإنه أنشطُ له"(أخرجه البيهقي والحاكم).
ولتعلم -أخي المسلم- أن عدم الطهارة والاغتسال من أهم الأسباب المؤدية لانتشار الأوبئة والأمراض.
ومن فضائل الوضوء وثمراته العظيمة التي أكرم الله بها عباده: أنَّه إذا أسبغ العبد وضوئه وأتمَّه، ثم ردد الشهادتين عقبه؛ كان فعله ذلك موجباً لفتح أبواب الجنَّة الثمانية، واسمعوا لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ أو يسبغ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"(رواه مسلم).
عبادَ الله: ومن تلك الثمار اليانعات التي يجنيها المتطهرون: أن الله يرفع درجات صاحبها، ويمحو خطاياه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى، قال: إسباغ الوضوء على المكاره"(رواه مسلم)؛ ففي إسباغ الوضوء -أيها الكرام- وخاصة في أوقات البرد وشدة الزمهرير رفعة لدرجات أهل الطهارة، وزيادة في حسناتهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد النّبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ أهل الطهارة ممن امتدحهم ربنا -جل وعلا-، وأكرمهم بأن جعلهم ممن يحبهم، -وهنيئا لمن أحبه الله تعالى- فقال -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:22]؛ كما أثنى -سبحانه- على أهل قباء، وكان سبب الثناء أنهم يتطهرون، فقال تعالى في محكم تنزيله: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[التوبة:108].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أهميتها وجعلها نصف الإيمان فقال -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام-: "الطهور شطر الإيمان"(رواه مسلم).
ومما يجنيه العبد من ثمار الطهارة: أنه إذا نام على طهارة قيض الله ملكاً يدعو له بمغفرة الذنوب كلما استيقظ في أي ساعة من الليل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من بات طاهراً بات في شعاره ملك فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهراً"(الألباني)؛ فالحديث –أيها الكرام- يدل على أن من نام على وضوء فإنه يجني ثلاث خصال: الأول: أن ملكا من ملائكة الله يبات في شعاره- وهو ثوب الملاصق لجسمه-، ثانيها: أن هذا الملك يدعو بالمغفرة، ثالثها: أنه إذا ما مات في ليلته لك مات وهو على خير وطهارة.
ومن الفضائل العظيمة للوضوء: أن الطهارة في المنزل، ثم الخروج إلى بيت الله على تلك الطهارة سبب لأن يكرم الله ذلك المتطهر غاية الإكرام، وأن يكون من زوار الله عز وجل، ويكتب له مشيه نافلة؛ فقد روى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر لله وحقاً على المزور أن يكرم الزائر"(أخرجه الطبراني وحسنه الألباني).
وجاء في صحيح مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من توضأ هكذا، غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
إخوةَ الدين: ها هي بعض فضائل الطهارة وآثاره، والتي يقطفها أهل الوضوء المتمسكون به، أجورٌ عظيمة، وثمار ٌكثيرة، حريٌ بمن علمها، وجدير بمن استمع لها أن يحرص على الطهارة على الدوام، وأن يقوم بالوضوء كاملاً بشروطه وأركانه ومستحباته، وأن يبذل جهده في إتمام الوضوء وإسباغه، وأن يقتنص مواطن الفضائل ليفعلها؛ فلا ينام إلا على الطهارة، وأن يسبغ الوضوء من بيته ليخطى خطواته إلى المسجد وهو على طهارة ووضوء؛ ليفوز بما رتبه الله تعالى على ذلك من أجر، وأن لا يغفل عن الذكر بعد الوضوء، فكرم الله واسع -أيها الأحبة- وما علينا إلا بذل السبب، وتتبع مواطن الفضل، وأسباب الإكرام.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم