فلسفة النكاح في الإسلام

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2020-11-16 - 1442/04/01 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الحكمة من خلق الشهوة في الإنسان. 2/ الطريق المشروع لإشباع الشهوة. 3/النكاح إكرام للرجل والمرأة. 4/ الزواج سبيل إقامة الأسرة الصالحة. 5/ رعاية الأولاد وصيانة المجتمع.

اقتباس

إِنَّ مِنْ حِكَمِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ وَفَلْسَفَتِهِ فِي الإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ سَبِيلًا مُلَائِمًا لِتَعَاوُنِ زَوْجَيْنِ عَلَى إِقَامَةِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ، وَتَكُونَ هَذِهِ الْأُسْرَةُ لَبِنَةً صَالِحَةً فِي بُنْيَانِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ دِينُ الْإِسْلَامِ مُتَوَازِنًا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الشَّهَوَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الْإِنْسَانِ؛ وَالَّتِي لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ؛ فَلَمْ يَكْبِتْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِالْإِنْسَانِ وَبِالْمُجْتَمَعِ، وَلَمْ يُطْلِقْهَا شَبِقَةً مَسْعُورَةً تُفْسِدُ مَسِيرَةَ الْبَشَرِيَّةِ، وَتَحِيدُ بِهَا عَنْ مَسَارِهَا الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا ضَبَطَهَا بِضَوَابِطِ الشَّرْعِ وَالدِّينِ وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ السَّامِيَةِ، الَّتِي تُرَوِّضُ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ فَتَسْتَخْرِجُ مِنْهَا النَّفْعَ وَالْفَائِدَةَ وَتَقُودُهَا إِلَى بَرِّ الْأَمَانِ.

 

وَإِنَّ مِنْ أَخْطَرِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي الْإِنْسَانِ: شَهْوَةَ الْفَرْجِ، الَّتِي خُلِقَتْ لِتَكُونَ سَبَبًا فِي بَقَاءِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ وَاسْتِمْرَارِهِ، فَلَمْ يُلْغِهَا الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يُنْكِرْهَا، وَلَمْ يَحْتَقِرْهَا، كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَرَهْبِنُونَ، بَلْ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالِاخْتِصَاءِ وَالْعُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ وَعَدَّهَا خَارِجَةً عَنِ الْمَنْهَجِ الصَّحِيحِ لِلْإِسْلَامِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَشَرَعَ الْإِسْلَامُ جَامِعَةً مَشْرُوعَةً تَجْمَعُ الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى وَسَمَّاهَا "عَقْدَ النِّكَاحِ"، وَعَدَّهَا مِيثَاقًا غَلِيظًا، فَقَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النِّسَاءِ: 21]، تِلْكَ الْمَنْظُومَةُ السَّامِيَةُ النَّقِيَّةُ الطَّاهِرَةُ، الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- سَبَبًا لِطَهَارَةِ الْمُجْتَمَعِ وَبَرَاءَتِهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَعَافِيَةً لَهُ مِنَ الْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْبَلَاءَاتِ الَّتِي تُصِيبُ الْمُجْتَمَعَاتِ جَرَّاءَ انْتِشَارِ الزِّنَا وَالْفُجُورِ، حَيْثُ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ..."(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَمِنْ يَوْمِهَا وَصَارَتْ رَابِطَةُ الزَّوَاجِ خَيْرَ مِحْضَنٍ لِلْأَطْفَالِ؛ تُرَبِّيهِمْ وَتُعَلِّمُهُمْ حَتَّى يَشِبُّوا أَفْرَادًا صَالِحِينَ أَسْوِيَاءَ يُصْلِحُونَ وَلَا يُفْسِدُونَ... أَمَّا الْمُجْتَمَعَاتُ الَّتِي انْتَفَتْ فِيهَا تِلْكَ الرَّابِطَةُ وَالْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ فَإِنَّكَ تَجِدُ انْتِشَارَ الْمُشَرَّدِينَ وَأَطْفَالِ الشَّوَارِعِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ عَائِلًا وَلَا مَأْوَى وَلَا مُعَلِّمًا وَلَا مُوَجِّهًا، بَعْدَ أَنِ انْتَشَرَ فِيهِمُ الْخَنَا وَالْفُجُورُ وَالدَّعَارَةُ...

 

وَفِي مَنْظُومَةِ الزَّوَاجِ إِكْرَامٌ لِلْمَرْأَةِ وَلِلرَّجُلِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُضْطَرُّ إِلَى أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَهَا وَتُعَرِّيَ جَسَدَهَا وَتَبْتَذِلَ كَرَامَتَهَا لِلْبَحْثِ عَنْ زَوْجٍ كَمَا تَصْنَعُ النِّسَاءُ فِي الْغَرْبِ، بَلْ تُخْطَبُ الْمَرْأَةُ مِنْ وَلِيِّهَا، وَتَمْلِكُ هِيَ وَوَلِيُّهَا حَقَّ الْقَبُولِ أَوِ الرَّفْضِ، فَإِنْ قَبِلَتْ فَلَهَا الْحَقُّ فِي الْمَهْرِ وَعَلَى الْخَاطِبِ تَجْهِيزُ بَيْتِهِ دُونَ تَحْمِيلِ الْفَتَاةِ وَأَهْلِهَا أَيَّ نَفَقَاتٍ... وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا طَاعَةَ زَوْجِهَا وَتَرْبِيَةَ أَوْلَادِهَا وَصِيَانَةَ عِرْضِهَا، فَفِي الْحَدِيثِ: "وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَأَمَّا الرَّجُلُ فَيُعَلِّمُهُ الْإِسْلَامُ أَنَّ الْبُطُولَةَ لَيْسَتْ فِي اصْطِيَادِ الْفَتَيَاتِ مِنَ الطُّرُقَاتِ، وَالْعَبَثِ بِالْأَعْرَاضِ وَانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ، وَإِنَّمَا فِي قِوَامَتِهِ وَمَسْؤُولِيَّتِهِ تُجَاهَ أُسْرَتِهِ وَرِعَايَتِهَا، قَائِلًا لَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

ثُمَّ رَتَّبَ الْإِسْلَامُ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ عَلَى النِّكَاحِ؛ تَشْجِيعًا لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الْحَلَالِ فِي إِشْبَاعِ شَهَوَاتِهِمْ، قَائِلًا عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُشِيرًا إِلَى ذَلِكَ حِينَ قَالَ: "النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: رَكَّبَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي الْإِنْسَانِ شَهْوَةً وَمَيْلًا جَسَدِيًّا فِطْرِيًّا إِلَى الْجِنْسِ الْآخَرِ قَالَ -تَعَالَى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 14]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

وَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ طَرِيقًا وَاحِدًا مَشْرُوعًا لِإِشْبَاعِ تِلْكَ الشَّهْوَةِ الْجِنْسِيَّةِ هُوَ الزَّوَاجُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 5-7]، وَهُوَ نَفْسُ مَا نَصَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ الشَّبَابَ حِينَ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْ سُمُوِّ شَرِيعَةِ الزَّوَاجِ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُشْبِعُ شَهْوَتَهُ مِنْ خِلَالِهِ، وَيُكْتَبُ لَهُ الْأَجْرُ مِنَ اللَّهِ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَحَرَّمَ الْإِسْلَامُ عَلَى أَتْبَاعِهِ أَنْ يَهْجُرُوا الدُّنْيَا وَيَعْتَزِلُوا النِّسَاءَ وَيُفَارِقُوا الْأَحْيَاءَ، وَلَقَدْ هَمَّ عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بِالِاخْتِصَاءِ وَالتَّبَتُّلِ؛ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ؛ لِيَتَفَرَّغُوا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَيَتْرُكُوا التَّشَاغُلَ بِالزَّوْجِ وَالْأَوْلَادِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: "رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَقَدْ أَرَادَ سَعْدٌ مَا هَمَّ بِهِ عُثْمَانُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ حِكَمِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ وَفَلْسَفَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ سَبِيلًا مُلَائِمًا لِتَعَاوُنِ زَوْجَيْنِ عَلَى إِقَامَةِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ، وَتَكُونَ هَذِهِ الْأُسْرَةُ لَبِنَةً صَالِحَةً فِي بُنْيَانِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ النَّقِيِّ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الرُّومِ: 21]، وَبَعْدَ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ يَكُونُ الْحَمْلُ وَالْوَلَدُ، قَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا)[الْأَعْرَافِ: 159].

 

وَمَهْمَا اجْتَمَعَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ غَيْرِ زَوَاجٍ شَرْعِيٍّ فَلَنْ تَقُومَ بِهِمَا أُسْرَةٌ صَالِحَةٌ أَبَدًا حَتَّى لَوْ نَتَجَ عَنْ سِفَاحِهِمَا أَوْلَادٌ مِنَ الْحَرَامِ؛ بَلْ سَيَكُونُونَ مِعْوَلَ هَدْمٍ لِلْمُجْتَمَعِ وَبُؤْرَةَ خَرَابٍ فِيهِ... فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي الْحَرَامِ إِنَّمَا هُوَ لِقَضَاءِ نَزْوَةٍ وَشَهْوَةٍ، وَلَيْسَ أَبَدًا لِبِنَاءِ أُسْرَةٍ صَالِحَةٍ... فَلَا تَقُومُ الْأُسْرَةُ الَّتِي يُرِيدُهَا الْإِسْلَامُ إِلَّا فِي رِيَاضِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ النِّكَاحِ وَفَلْسَفَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ نَاجِحَةٌ لِلْقِيَامِ بِحَقِّ الْأَوْلَادِ، فَقَدْ أَطْلَقَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدَةً  عَامَّةً ثَابِتَةً تَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمِنْ خِلَالِ الْأُسْرَةِ؛ ذَلِكَ الْمِحْضَنِ التَّرْبَوِيِّ الْأَمِينِ، يَقُومُ كِلَا الزَّوْجَيْنِ بِحُقُوقِ أَوْلَادِهِمَا كَامِلَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ؛ فَأَمَّا الْأَبُ فَيَقُومُ بِإِعَالَةِ الْأَوْلَادِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ، قَائِلًا -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[الْبَقَرَةِ:233]، وَقَدْ تَوَعَّدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ قَصَّرَ فِي نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ فَقَالَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى)، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ".

 

ثُمَّ يَتَعَاوَنُ الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمَا تَرْبِيَةً صَالِحَةً كَمَا يُحِبُّهَا اللَّهُ -تَعَالَى- وَيَرْضَاهَا، فَيُعَلِّمَانِهِمُ الْقُرْآنَ، وَيُلَقِّنَانِهِمُ الْإِيمَانَ، وَيُدَرِّسَانِهِمُ السُّلُوكَ وَالْأَخْلَاقَ وَكُلَّ مَا يُقَرِّبُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُهُمْ عَنِ النَّارِ، تَلْبِيَةً لِأَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حِينَ قَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6].

 

وَإِذَا وَجَدَ الْأَوْلَادُ، فِي حِضْنِ الْأُسْرَةِ، مَنْ يَعُولُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ فَنَشَئُوا أَسْوِيَاءَ صَالِحِينَ كَانَ فِي ذَلِكَ حِفْظٌ لِلْمُجْتَمَعِ مِنَ انْتِشَارِ الْمُشَرَّدِينَ وَالْمُخَرِّبِينَ كَمَا يَحْدُثُ عِنْدَ إِنْجَابِ الْأَوْلَادِ مِنَ السِّفَاحِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-، فَتِلْكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى سَامِيَةٌ مِنْ حِكَمِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ.

 

فَاللَّهُمَّ يَسِّرِ الزَّوَاجَ لِأَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، وَهَبْنَا حُسْنَ النِّيَّاتِ فِي زِيجَاتِنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ...

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

المرفقات

فلسفة النكاح في الإسلام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات