فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين

مراد كرامة سعيد باخريصة

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضائل الخوف من الله تعالى 2/ عبادة الخوف لها ضوابطها الشرعية 3/ الخوف المحمود والخوف المذموم 4/ من صور الخوف من غير الله 5/ مفاسد تعليق القلوب بالمخلوقين والرهبة منهم.

اقتباس

ومن صور الخوف من غير الله الخوف المبالغ فيه من المخلوقين والذي ربما يؤدي ببعضنا إلى ارتكاب محرم أو السكوت عن الحق الواضح البين بلا مسوغ ولا إكراه، أو المداهنة في دين الله وموالاة أعداء الله بسبب الخوف.. لقد عظّم البعض منا أمريكا أو روسيا أو غيرها من الدول، وصار ينظر إليهم بمنظار من عنده القوة المطلقة والقدرة الكاملة، وكأنهم على كل شيء قدير، ويشعر في داخله أنهم بكل شيء عليم، وأن عندهم من الاستخبارات والمعلومات ما يعلمون به عن كل شيء ولا يفوتهم شيء ويصّورون ويراقبون كل شيء ويحيطون علماً بكل الأمور.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

عباد الله: نريد اليوم أن نتكلم عن عبادة عظيمة من أجلّ العبادات وأعظم الطاعات أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بها وطالبنا بتحقيقها، وكلفنا بالقيام بها إنها عبادة الخوف منه -جل وعلا-.

 

إن الخوف عبادة من أهم العبادات القلبية الباطنية التي لا يجوز أن تُصرف إلا لله فلا يُخشى إلا الله ولا يخاف المؤمن خوف العبادة إلا من الله، ولا يمتلئ قلبه رهبةً ووجلاً إلا من رب العباد -جل جلاله سبحانه وتعالى-.

 

يقول الله -جل في علاه-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : 175] ويقول سبحانه: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل 49: 50].

 

إن العبد المؤمن الموحد يعلم حق العلم أنه مطالَب بالخوف من الله وحده، فلا يجوز له أبداً أن يخاف خوف عبادة من غير الله، فكما أنه لا يجوز له أن يدعو غير الله ولا يجوز له أن يذبح إلا باسم الله، ولا أن يسجد إلا لله فكذلك لا يجوز له أن يخاف إلا من الله.

 

 

لأن الخوف عبادة أمرنا الله بتحقيقها له وحده لا شريك له؛ فمن خاف من غيره خوف عبادة فقد أشرك.

 

فتعالوا بنا نتحسس في أنفسنا ونفتش في قلوبنا وندور في واقعنا وحياتنا؛ لنرى هل خوفنا لله أم خوفنا من غير الله؟ وهل نخشى الله وحده أم نخشى سواه ومن هو دونه؟!

 

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر : 36].

لنسأل أنفسنا سؤالاً هل فعلاً نخاف من الله ونخشاه ولا نخشى أحداً سواه؟! أم تضطرب قلوبنا وتتحرك خوفاً من غير الله أن يصيبها بمكروه لا يقدر عليه إلا الله؟؟

 

أما الخوف من المكروه الذي يقدر عليه المخلوق ويستطيعه فهذا خوف جبلي طبيعي لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ كالخوف من الضرب والعقاب، أو الخوف من السباع والحيوانات المفترسة، أو الخوف من شر الأشرار وكيد اللصوص والفجار.

 

كم من المسلمين اليوم من تجده يخاف ممن يسمونهم بالأولياء والمقبورين، ويعظِّمهم كتعظيم الله أو أشد وتراه يخاف منهم ويوجل

 

وعنده إحساس وشعور بأن لديهم القدرة على النفع والضر، وأنهم يستطيعون أن يمسوه بسوء أو يأتون له في الليل إذا هو قصَّر في حقهم أو غاب عن زيارتهم أو خالف أمرهم.

 

ولذلك يتزلف لهم رغبة ورهبة ويخشاهم أشد الخشية، ويؤمن أن لديهم قوة وقدرة وربما اعتقد أنهم يتصرفون في هذا الكون كما يشاءون، وعندهم من الخوارق والقدرات ما يستطيعون بها عمل ما يريدون.

 

فأين هؤلاء المعتقدون من قول الله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام : 17]، وقوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس : 107].

 

كم من المسلمين اليوم من تجده يخاف من السحرة والمنجمين والكهنة والعرافين، وترتعد فرائصه منهم، ويخاف من جنهم وشياطينهم ويخشى توقعاتهم وتكهناتهم، وينسى أنهم لن يضروه بشيء إلا بإذن الله ولن يمسوه بسوء إلا بأمر الله وأنه لا يعلم الغيب إلا الله ولا يملك النفع والضر إلا هو وحده -سبحانه وتعالى- يقول الله: ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة : 102]، ويقول: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن : 6]، ويقول: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) [الجن : 21].

 

كم من المسلمين اليوم من يخاف من الشرق والغرب والدول والملوك والنظام العالمي والمجتمع الدولي أكثر من خوفه وخشيته من الله!!

 

ويحسب لهم كل الحسابات وتسمعه يذكرهم أكثر من ذكره لله، ويعلق الأمور بهم ويقيس الأشياء، ويحكم عليها بناء على رضاهم وغضبهم حتى لو أسخط الله وأغضبه فلا يهمه ذلك، وإنما المهم عنده والمقلق له هو الخوف من غضب المجتمع الدولي عليه، ولابد عنده من رضاهم عنا.

 

فلا يذكر الله إلا قليلاً، ولا يخاف من الله إلا نادراً، وأكثر ذكره وخوفه وكلامه حولهم ويخاف كل الخوف من بطشهم وقوتهم وجبروتهم، ولو على حساب دينه وعقيدته مع أن الله قد أخبرنا فقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 120]، وقال: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة : 13]، وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء: 77]، وقال: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران : 173].

 

يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ الله عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عليه الناس".

 

لقد عظّم البعض منا أمريكا أو روسيا أو غيرها من الدول، وصار ينظر إليهم بمنظار من عنده القوة المطلقة والقدرة الكاملة، وكأنهم على كل شيء قدير، ويشعر في داخله أنهم بكل شيء عليم، وأن عندهم من الاستخبارات والمعلومات ما يعلمون به عن كل شيء ولا يفوتهم شيء ويصّورون ويراقبون كل شيء ويحيطون علماً بكل الأمور.

 

فجعلهم – والعياذ بالله – كالرب جل جلاله الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وما هذا إلا بسبب تعظيمه لهم وخوفه منهم وقلة خوفه من الله.

 

ونسوا قول الله (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [النور: 57]، وغفلوا عن قول الله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، وقوله: (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 95]، ويقول سبحانه: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء: 84].

 

ومن صور الخوف من غير الله الخوف المبالغ فيه من المخلوقين والذي ربما يؤدي ببعضنا إلى ارتكاب محرم أو السكوت عن الحق الواضح البين بلا مسوغ ولا إكراه، أو المداهنة في دين الله وموالاة أعداء الله بسبب الخوف.

 

وهذا ما نهى الله عنه وحذر منه فقال -سبحانه وتعالى-: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، وقال: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، وقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54]

 

نرى في زماننا هذا من يخاف من أعداء الله خوفاً رهيباً ربما يحمله هذا الخوف على ترك شيء من دين الله، أو تضييع فرائض الله، أو إلغاء بعض أحكام الله، أو التنصل من تحكيم شريعة الله، بل وصل الخوف لدى البعض أن يخاف كل الخوف من الشهادة في سبيل الله ويكره لقاء الله وكأنه مخلَّد في هذه الحياة (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).

 

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 52]، (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

ومن صور الخوف والقلق المذموم الخوف على المستقبل؛ فبعض الناس لديه هوس زائد بأمر المستقبل، وتجده مهتماً دائماً بالتفكير في المستقبل، وكيف سيكون رزقه في المستقبل؟ وكيف سيكون وضعه غداً إذا صار كذا أو حصل كذا؟

 

ويملأ قلبه بأسئلة مستقبلية واستفسارات ظنية وهمية تدل على ضعف توكله بربه وقله يقينه به، وشدة خوفه من غيره.

 

ولو أنه توكل على الله حق التوكل لكفاه الله ولو خاف فقط من الله، وفوض الأمور كلها إليه لوفقه الله وسدَّد خطاه، ولكنه الخوف والقلق الذي أوصل بعض الناس إلى الاكتئاب والأمراض النفسية والإصابة بالنوبات والأزمات القلبية والعقلية بسبب شتات قلبه وخوفه على نفسه ومستقبله وتعلقه بغير ربه: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].

 

قال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]

 

وقال سبحانه: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57].

 

يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي).

 

ويقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" .

 

إن الواجب علينا أن نعلق قلوبنا بالله، ونستمد قوتنا من الله ولا نخاف إلا من الله؛ فإن من خاف الله اتقاه، ومن اتقى الله أكرمه الله ورفع قدره وأعلى مكانته ومنزلته، يقول الله (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46]، ويقول: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).

 

ولنحذر -يا عباد الله- من تعليق القلوب بالمخلوقين والرهبة منهم أو خشيتهم كخشية الله أو أشد فإن هذا هو الضلال المبين والشرك الصريح (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175].

 

(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].

 

يقول الإمام ابن رجب الحنبلي- رحمه الله-: "إن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال" …

 

فلنملأ قلوبنا خوفاً من الله وحده،ولنتقرب إليه رغبة ورهبة حتى نكون من الموحدين لله المتقين له الوجلين منه المعلقين قلوبهم به الذين وصفهم الله بقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].

 

يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ».

 

صلوا وسلموا ..

 

 

المرفقات

تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات