عناصر الخطبة
1/ أتدرون ماذا قال ربكم عن الصلاة ؟ 2/ حق الصلاة على المسلمين 3/عمى البصر وعمى البصيرة 4/ الصلاة من أعظم قواعد الإسلام وأرفع الأعمال 5/ أهمية أداء الصلاة في الجماعة في المسجد 6/ سير السلف في المحافظة على صلاة الجماعة 7/ صلاة الجماعة لها حِكَم وفوائد عظيمةاقتباس
الصلاة من أعظم قواعد الإسلام، وأرفع الأعمال عند الله وأجلها، ومن أرفع أعمال الإيمان، وأقرب وسيلة إلى الرحمن، هي مفزع التائبين وملجأ الخائفين، وهي قرة أعين العابدين الراكعين الساجدين ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم وطاعته.
الحمد لله الذي جعل الصلاة من أركان دينه, والحمد لله الذي وعد قائميها بجنته ونعيمه.
الحمد لله الذي توعد تاركها بناره وجحيمه, والحمد لله الذي حكم على جاحديها كفرًا بوحيه وأمينه.
عباد الله: يقول الله عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أتدرون ما يقول ربكم عز وجل» قلنا الله ورسوله أعلم. قال: فإن ربكم عز وجل يقول: « من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافًا بحقها، فله عليّ عهد أن أدخله الجنة، ومن لم يصلها لوقتها ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافًا بحقها فلا عهد له إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له».
فمن حق الصلاة على المسلمين أن يحافظوا عليها في وقتها في بيوت الله جماعة , أما الذين لم يحافظوا عليها ولم يؤدّوها في وقتها وضيعوها فقد توعدهم الله عز وجل وحذرهم في كتابه فقال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمى فاقد البصر وليس البصيرة، وهناك عمى لا طب له ولا دواء وهو عمى القلب (فّإنَّهّا لا تّعًمّى الأّبًصّارٍ ولّكٌن تّعًمّى القٍلٍوبٍ التٌي فٌي الصَدور) رجل عميت عيناه فأبصر بقلبه.
هذا الرجل قُتل شهيدًا في سبيل الله وقد عفا الله الإنسان الأعمى من الجهاد إلا أنه أبى إلا أن يموت شهيدًا, فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا رجل أعمى وبيني وبين المسجد واد مسيل وأنا نائي الدار، وليس لي قائد يقودني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي"؟ فعندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له:" نعم" وبعدما غادر تذكر السؤال عليه السلام فقال عليّ به "ائتوني به" فقال له: «هل تسمع النداء»؟
فقال: نعم. فقال له الرسول: «فلبِّ النداء، فلا أجد لك رخصة» في ترك صلاة الجماعة ولو كنت رجلاً أعمى ولو كان بينك وبين المسجد واد مسيل, ولو لم تجد قائدًا يقودك إلى المسجد مادمت تسمع النداء, فلبِّ نداء الله أكبر.
لماذا؟ نعم لأن الصلاة هي من أعظم قواعد الإسلام وأرفع الأعمال عند الله وأجلها ومن أرفع أعمال الإيمان وأقرب وسيلة إلى الرحمن هي مفزع التائبين وملجأ الخائفين، وهي قرة أعين العابدين الراكعين الساجدين، يقول الله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون).
قال سعيد بن المسيبِ رحمه الله: "كانوا يسمعون (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون".
وقال كعب الأحبار: "والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة".
فأي وعيد أشد وأبلغ من هذا لمن ترك صلاة الجماعة مع القدرة على إتيانها.
هذه ذكرى للمتخلفين عن صلاة الجماعة الذين ألهتهم أموالهم, هذه ذكرى للمتخلفين عن صلاة الجماعة الذين ألهتهم مناصبهم, هذه ذكرى للمتخلفين عن صلاة الجماعة الذين ألهتهم اجتماعاتهم.
هذه ذكرى للمتخلفين عن صلاة الجماعة الذين ألهتهم سهراتهم.
أحدهم جار للمسجد ولا يزور بيت الله , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر», أخذ العلماء من هذه النصوص على وجوب صلاة الجماعة، وأنها لا تسقط إلا بعذر شرعي من مرض أو نحوه.
يقول ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى , وَإِنِّي لأَحْسَبُ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ بَيْتِهِ , وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ , وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ , وَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً ".
نعم يا عبد الله: إذا فاتتك الجماعة فألزم نفسك بطاعة تعملها تكفيرًا (كالتصدق مثلاً) روي أن عمر بن الخطاب فاتته صلاة العصر مع جماعة، فتصدق بأرض قيمتها مائة ألف درهم، واقرأ سير السلف في المحافظة على صلاة الجماعة، وإليك منها:
روي عن محمد بن خفيف أنه كان فيه وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
ومنها: سمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن، وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟! فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.
ومنها: حاتم الأصم وهو رجل صالح فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته - نقول هذا لكثيرٍ من المؤمنين الذين تفوتهم الصلاة بكليتها حتى يخرج وقتها- فجاءه أصحابه يعزونه على فوات صلاة الجماعة، فنظر إليهم وكانوا قلة فبكى، قالوا: ما يبكيك رحمك الله؟
قال: لو مات ابن من أبنائي لأتى أهل المدينة كلهم يعزونني، أما أن تفوتني صلاة فلا يأتيني إلا بعض أهل المدينة!! ووالله لموت أبنائي جميعًا أهون عندي من فوات صلاة الجماعة: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) ندم لأنه ترك الطاعة، وندم لأنه ارتكب المعصية.
ومنها: رجل صالح فاتته صلاة الجماعة، وما فاتته منذ أربعين سنة، فندم ندمًا عظيمًا، وتأسف أسفًا بالغًا، ثم قام يصلي وحده، فصلى سبعًا وعشرين صلاة؛ لأنه سمع حديث النبي: «صلاة الرجل في جماعة تفضل عن صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
فصلى الصلاة التي فاتته سبعًا وعشرين مرة، ثم نام، فرأى في المنام خيّالةً يركبون على خيول، عليهم ثياب بيض، ثم رأى نفسه على فرس وحده، يحاول أن يلحق بهم فلا يستطيع، فيضرب فرسه ليدركهم فلا يقدر، ثم التفتوا إليه وقالوا: لا تحاول، نحن صلينا في جماعة، وأنت صليت وحدك!!
لأن المصلي «إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رُفع له بها درجة وحُطت عنه خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة».
ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: «من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن شهد العشاء والفجر كان له قيام ليلة», كل هذه الفضائل والثواب لا يحصل عليه من صلى في بيته أو في عمله بدون ضرورة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة».
نعم عباد الله: ومن أعظم الزجر على ترك صلاة الجماعة عباد الله أن صفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في صلاة العشاء، فوجد الصفوف قليلة فقام مغضبًا وهو يقول: «لقد هممت بالصلاة فتقام ثم آمر بحطب فيحتطب ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليهم بيوتهم», فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما هم به للمانع الذي أخبر أنه منعه منه، وهو اشتمال البيوت على ما لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية، فلو أحرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب, وكما أسلفنا أخذ العلماء من هذه النصوص على وجوب صلاة الجماعة، وأنها لا تسقط إلا بعذر شرعي من مرض أو نحوه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: شرع الله سبحانه وتعالى صلاة الجماعة لحِكم وفوائد عظيمة:
منها اختبار العباد وامتحانهم؛ ليعلم الله من يمتثل أوامره ممن يعرض عنها ويتكبر والتعارف والتآلف والترابط بين المسلمين؛ ليكونوا كالجسد الواحد, وكالبنيان يشد بعضه بعضًا, والذي لا يصلي في المسجد لا يعرفه أهل الحي إلا من كان بينه وبين أحدهم مصلحة دنيوية.
ومنها تعليم الجاهل.. وتذكير الغافل، فالجاهل يرى العالم فيقتدي به، والغافل يسمع الموعظة فينتفع بها.. وما يشعر به المصلي في الجماعة من الخشوع والتدبير، والانتفاع بالصلاة، بخلاف من يصلي في بيته فإنه قد لا يشعر بشيء من ذلك، بل إن الصلاة تثقل عليه في الغالب فينقرها نقر الديك فلا ينتفع منها بشيء..
ومنها إغاظة أعداء الله وإرهابهم، وعلى رأسهم إبليس وجنوده من شياطين الإنس والجن، الذين يؤرقهم أن يعود المسلمون إلى المساجد وخاصة الشباب, وما في الخروج إلى المسجد من النشاط والحركة ورياضة البدن بكثرة المشي ذهابًا وإيابًا، لاسيما إن كان المسجد بعيدًا، بخلاف الصلاة في البيت وما يصاحبها في الغالب من الكسل والخمول.. وهذا مجرب.
هذه بعض فوائد الصلاة مع الجماعة في المساجد، ولا شك أن هناك فوائد أخرى كثيرة، دينية ودنيوية , فاحرص ـ يا أخي المسلم ـ على حضور صلاة الجماعة في المسجد حتى تكتب لك البراءة من النفاق..
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق». رواه الترمذي.
وصلى الله على نبينا محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم