عناصر الخطبة
1/ فناء الزمان وظهور الفتن 2/ التحذير النبوي من الفتن 3/ واقع أمَّتِنا المرير 4/ مأساة الغارات الجوية الصليبية على البلاداقتباس
إنَّ المتأمِّلَ في حال أمتنا اليوم يجدها أمة مُغَيَّبَةً، مكسورةَ الجناح، تميل بها الرياح، وتتقاذفها الأمواج، تتخبط يمنة ويسرة، فتركن إلى الغرب تارة، وإلى الشرق تارة أخرى، قد اشتدت بها المحن، وكثرت فيها الفتن، وتكالبت عليها الأمم، قد تفرقت في دينها، واختلفت في عقيدتها، وتقسمت إلى فرق وأحزاب وطوائف، كل فِرْقَةٍ تزعم أنها على الحق، وأنَّ الحقَّ حليفها، كُلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ..
اتقوا الله في السر والعلن، وسيروا إليه على خير منهاج وسَنَن، واحذروا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، فإننا نعيش في آخر الزمن، وبداية النهاية لهذه الحياة الدنيا، وقد بُعث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهو والساعة كهاتين: وأشار بإصبعيه: السبابة والوسطى، وصدق الله -سبحانه وتعالى- إذ يقول: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج:6-7].
ويقول -سبحانه وتعالى-: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) [محمد:18]، ويقول -جل جلاله-: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) [الأحزاب:63].
عباد الله: لقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يبقَ في هذه الحياة إلا البلاء والفتن، والمصائب والمحن، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن بين يدي الساعة فِتَنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ثم يمسي كافرًا، يبيع قوم أخلاقهم بعرض من الدنيا يسير"، يقول الحسن -رحمه الله-: "والله! لقد رأيناهم صورًا ولا عقول، أجسامًا ولا أحلام، فراشَ نارٍ وذباّن طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز".
وعن سهل بن سعد -مرفوعًا- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا تدركني زمانًا ولا تدركوا زمانًا لا يُتَّبع فيه العليم، ولا يُستحَى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب".
وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تكون فتنة تعوجُّ فيها عقول الرجال حتى ما تكاد ترى فيها رجلاً عاقلاً". رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسند صحيح، وفي روايةٍ قال -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تظهر فتنة لا يخلص من شرها إلا من أخلص الدعاء كدعاء الغريق في البحر".
وفي الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا مَن يُصلح خباءه، أي: المكان الذي يختبئ فيه، ومنا من ينتضل، أي: يرمي بالنبل، ومنا مَن هو في جشره، أي: المكان الذي ترعى فيه الخيول والدواب، إذ نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الصلاة جامعة.
فاجتمعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمور تنكرونها، فتن يرقق بعضها بعضًا، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي! ثم تنكشف، وتجيء الأخرى فيقول المؤمن: هذه هذه! فمَن أحب أن يُزَحْزَحَ عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر".
وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه لن تقوم الساعة "حتى يأتي الرجل إلى قبر الرجل فيتمرغ عنده ويقول: يا ليتني مكانَ صاحب هذا القبر! وما به إلا البلاء والفتن".
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل هذه الأحاديث عبثًا، ولم يكثر من تكرار ذكر الفتن سُدَىً، وإنما قال هذه الأحاديث الغيبية لنفقهها، ونعمل بالوصايا التي تضمنتها، فهي جزء من رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلينا تُظهر لنا صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-، وتظهر محبته لأمته ورحمته بهم، وشفقته عليهم، وإرشادهم إلى طريق النجاة وسبيل الخلاص من فتن آخر الزمان.
إنَّ المتأمِّلَ في حال أمتنا اليوم يجدها أمة مُغَيَّبَةً، مكسورةَ الجناح، تميل بها الرياح، وتتقاذفها الأمواج، تتخبط يمنة ويسرة، فتركن إلى الغرب تارة، وإلى الشرق تارة أخرى، قد اشتدت بها المحن، وكثرت فيها الفتن، وتكالبت عليها الأمم، قد تفرقت في دينها، واختلفت في عقيدتها، وتقسمت إلى فرق وأحزاب وطوائف، كل فِرْقَةٍ تزعم أنها على الحق، وأنَّ الحقَّ حليفها، كُلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون:53].
إنَّ هذه الحياة -بقضها وقضيضها- مليئة بالمصاعب الجمة، والشدائد الملمة، ومَن عاش فيها فلن يخلو من مصيبة تغشاه، أو فتنة يُصاب بها، أو محنة يقع فيها، وكل الناس في ذلك يغدو، "فبائعٌ نفسَه، فموبقها أو معتقها"، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الانشقاق:6].
الخطبة الثانية:
إن من أعظم النوازل هذه الأيام وأكثرها خطورة وتهديدًا للبلد وأهله، تلك الغارات الصليبية والضربات الأمريكية والصواريخ الحارقة التي تطلقها طائرات أمريكية من دون طيار، تصبح وتمسي محلقة فوق أراضينا وديارنا بعد أن سمحت لهم الدولة، والتزم الجميع -إلا مَن رحم الله- الصمت الرهيب، والسكوت المطبق، إزاء هذه الجرائم.
وكان الناس يظنون أن الأمر سيقتصر على من يسمونهم بالإرهابيين، فإذا بالأمْر يتوسع كما هو متوقع أصلاً من أعداء الله الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمَّة، فإذا بهم يضربون بكل سهولة، ولأدنى شبهة، ودون إذن من أحد، وبلا أدلة قاطعة، وبأسلوب همجي، وبطريقة وحشية، في استباحة بينة، واحتلال واضح، وانتهاك صريح، وإراقة لماء وجه أهل اليمن، وإظهارهم في العالم كله عاجزين محتلين مفرطين في بلدهم وأرضهم.
لقد كان القصف بالأمس على السيارات، وإذا به اليوم يقع على البيوت كما وقع قبل يومين في وادي العين، وغدًا سيكون على المحافل والتجمعات والأعراس والجنائز إذا سكتنا عن هذا، وبَقِيَتْ مكوناتنا القبلية والسياسية والاجتماعية تنظر لهذه الجرائم النكراء ولا تقوم بالضغط لإيقافها.
لماذا حضرموت؟! ولماذا أصبحت معظم هذه الغارات تشن بشكل شبه يومي على حضرموت؟! وهل لا يوجد مشتبه فيهم بهذا الشكل إلا في حضرموت؟! وهل سالم بن علي جابر مطلوب أمنيًا حتى يدك بأربعة صواريخ هزت منطقته في خشامر بوادي حضرموت وأرهبت النساء والأطفال هناك واهتزت لها المنازل، وتشققت منها الجدران، وتهشمت منها نوافذ المسجد وأبوابه؟!
إن الشجب والاستنكار لا يكفي، ولابد من استعمال وسائل الضغط لإيقاف مثل هذا العبث، فلسنا أمة ضائعة، ولسنا أمة رخيصة، ولسنا أمة مجهولة لا قيمة لها ولا وزن لدماء أهلها.
في رداع -قبل أيام- ضربت طائرة أمريكية بدون طيار سيارة كانت تقل تسعة مدنيين بينهم نساء وأطفال، فثار الناس هناك، وقطعوا الطريق الذي يربط بين صنعاء والبيضاء، فشكلت لجنة للتحقيق في الحدث من قبل الرئيس، واستنكرت منظمة هود والكرامة وهيئة علماء اليمن الحادث، وحتى أحزاب اللقاء المشترك الذين كانوا بالأمس يعارضون مثل هذه الانتهاكات لسيادة البلد لزموا الصمت.
وهنا في حضرموت يجب علينا جميعًا بكل طوائفنا وفصائلنا أن نُسمع العالم كله رفضنا لمثل هذه التدخلات السافرة، والاحتلال الماكر، وإلا فإن الصليبيين سيزدادون غرورًا وعتوًا وإجرامًا واستهانة، وسينال القصف مَنْ هَبَّ ودَبَّ، ومَن كان موافقًا للقاعدة ومَن كان معارضًا لها ولأفكارها، كما حصل لسالم بن علي جابر -رحمه الله-.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم